منتديات الكعبة الإسلامية

منتديات الكعبة الإسلامية (http://forum.alkabbah.com/index.php)
-   منتدى العقيدة الإسلامية (http://forum.alkabbah.com/forumdisplay.php?f=23)
-   -   دروس في العقيدة الإسلامية 8 (http://forum.alkabbah.com/showthread.php?t=14906)

عمر محمد 09-08-2012 08:46 PM

دروس في العقيدة الإسلامية 8
 
المحاضرة الثامنة
أنواع الدلالات وتعلقها الأسماء والصفات
الدلالة المقصودة في البحث هي الدلالة اللفظية الوضعية، وهي فهم المعنى عند إطلاق اللفظ ([1]).
أو هي العلم بالمعنى المقصود، أو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام عند صدوره من المتكلم .
وتنقسم هذه الدلالة عند العلماء إلى ثلاثة أقسام:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الماهية التي يعنيها المتكلم بلفظه، دلالة لفظه عليها دلالة مطابقة ودلالته على ما دخل فيها دلالة تضمن، ودلالته على ما يلزمها وهو خارج عنها دلالة الالتزام) ([2]).
وبيان تلك الدلالات مفصلة على النحو التالي:
1- دلالة المطابقة: وهي دلالة اللفظ على ما عناه المتكلم ووضعه له، أو هي دلالة اللفظ على الحقيقة والمعنى المقصود، مثل دلالة لفظ البيت على مجموع الجدران والسقف والأبواب والنوافذ ([3]).
فمن المعلوم أن الألفاظ أو الأسماء تطلق على الأشياء لتتميز بها عن غيرها، وكل اسم أو لفظ في أي لغة وعلى أي لسان ينطبق في دلالته بين العقلاء على شيء متعارف عليه، سواء بالوضع اللغوي أو لغة التخاطب التي فُطرت عليها الإنسانية، أو الوضع الشرعي المرتبط بالشرائع الدينية كلفظ الصلاة والزكاة والصيام والركوع والسجود في الإسلام، أو الوضع العرفي الذي يصطلح عليه أهل بلد ما أو قرية أو قبيلة، أو الوضع الاصطلاحي الذي يتعارف عليه أهل علم من العلوم؛ فالألفاظ المنطوقة أو المكتوبة لها مدلولات معينة يعيها القلب ويدرك معناها ولها في الواقع مدلولات من قبل المتكلم.
قال ابن تيمية: (والمعنى المدلول عليه باللفظ لا بد أن يكون مطابقا للفظ؛ فتكون دلالة اللفظ عليه بالمطابقة .. وليست دلالة المطابقة دلالة اللفظ على ما وضع له كما يظنه بعض الناس .. بل يجب الفرق بين ما وضع له اللفظ وبين ما عناه المتكلم باللفظ وبين ما يحمل المستمع عليه اللفظ، فالمتكلم إذا استعمل اللفظ في معنى فذلك المعنى هو الذي عناه باللفظ، وسمي معنى لأنه عني به أي قصد وأريد بذلك فهو مراد المتكلم ومقصوده بلفظه .. وكل لفظ استعمل في معنى فدلالته عليه مطابقة لأن اللفظ طابق المعنى بأي لغة كان، سواء سمي ذلك حقيقة أو مجازا) ([4]) .
ومن أمثلة دلالة المطابقة دلالة لفظ المسجد على مسماه في أي وضع شرعي أو عرفي أو اصطلاحي، إذ يدل في الوضع الشرعي على شيء معين جعل للصلاة والجماعة والجمع، فلو قال أحدهم لأخيه انتظرني في المسجد فإنه لا ينتظره في السوق؛ لعلمه أن المسجد لفظ يدل على مكان معلوم جعل للصلاة والعبادة، وأن لفظ السوق يدل على مكان آخر وضع للبيع والشراء .
وأيضا لو قال المشتري للبائع: أعطني تفاحا، فإن البائع يعطيه شيئا معينا أو فاكهة معلومة يطلق عليها هذا اللفظ، وليس إذا قال له أعطني تفاحا أعطاه عنبا أو برتقالا أو جزرا أو خيارا؛ لأن الله U فطر العقلاء على أن يتعلموا الأسماء وما تنطبق عليه من مدلولات في واقعهم، فالمشتري والبائع يعلمان أن لفظ التفاح يدل على شيء معين غير الذي يدل عليه لفظ البرتقال، لكن لو قلت للبائع: أعطني خيارا فأعطاك برتقالا فذلك إما لأنه لم يسمع فيعاد اللفظ؛ أو لأنه لم يعقل ومثل هذا لا يعد من العقلاء ولا يصلح للبيع والشراء .
وإذا قيل محمد رسول الله e فإن المسلم يعلم أن ذلك ينطبق على خاتم الأنبياء ولا ينصرف ذهنه إلى عيسى u أو موسى u أو غيرهما من الأنبياء، لأن كل لفظ أو اسم ينطبق على شيء معين دون غيره، وإذا قيل الخالق هو الله U، فإن الذهن يفهم من دلالة الاسم أنه ينطبق على ذات الله تعالى المتصفة بصفة الخلق، ولا ينصرف إلى ذات أخرى إلا عند من فسدت فطرتهم ونسبوا الخالقية لغيره، كما أن الذهن لا ينصرف أيضا عند النطق بلفظ الخالق إلى صفة أخرى غير صفة الخلق، لأن اسم الله الخالق يدل بالمطابقة على ذات الله وصفة الخلق معا، فلا ينصرف إلى صفة الرزق أو القوة أو العزة أو الحكمة أو غير ذلك من الصفات، لأن صفة الخلق تدل على شيء غير الذي تدل عليه صفة الرزق، وصفة القوة يفهم منها شيء غير الذي يفهم من صفة العزة أو الحكمة إلا عند من فسد إدراكهم في فهم دلالة اللفظ على معناه وقالوا بأن أسماء الله الحسنى التي تعرف الله بها إلى عباده في الكتاب والسنة لا تدل بالمطابقة إلا على ذات الله فقط ولا تدل على شيء من الصفات البتة، فعندهم اسم الله السميع يدل على ذات الله فقط، ولا معنى لاسمه السميع، بل معنى السميع عندهم هو معنى الملك الخلاق القدير الرزاق إلى غير ذلك من أسماء الله الحسنى التي أمر عباده بأن يدعوه بها وقد تحدثنا عن ذلك في بيان أن أسماء الله أعلام وأوصاف .
والله U لما علم آدم الأسماء فقال: } وَعَلمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلهَا { (البقرة:32)، علمه الأسماء كألفاظ تدل بالمطابقة على تمييز الأشياء والعلم بخصائصها والتعرف على حقائقها ذاتا وصفة مطابقة وتضمنا والتزاما، وليس الذي تعلمه آدم u كما يفهم البعض هو مجرد ألفاظ أو كلمات يستعملها هو وأبناؤه.
بل إنه تعلم الشيء واسمه وخاصيته وأنواع دلالته مطابقة وتضمنا والتزاما، فالذي عرضه الله سبحانه على الملائكة أعيان الأشياء بذواتها وصفاتها وليست معاني أو كلمات لا مدلول لها ولا حقيقة، وإنما علم الله آدم الشيء المادي المحسوس الذي يمكن أن يحمل الاسم المعين، وكذلك تأثير كل شيء في غيره وما ينشأ عن ذلك من المعاني والعلوم، وهذا واضح بين بدليل أن الله جل شأنه قال بعد ذلك: } ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ { (البقرة:32) .
قال ابن القيم: (فكانت حكمة ذلك التعليم تعريف مراد المتكلم، فلو لم يحصل له المعرفة كان في ذلك إبطال لحكمة الله وإفساد لمصالح بني آدم وسلب الإنسان خاصيته التي ميزه بها على سائر الحيوان) ([5]) .
ودلالة المطابقة هي الدلالة الأصلية في الألفاظ التي وضعت لمعانيها، وهي تكشف عن نية القائل بمجرد صدور اللفظ؛ فلا يستفصل فيها عن مراده، وسميت بالمطابقة لمطابقة المعنى للفظ وموافقته، كقولهم طابق النعل النعل إذا توافقا، والمراد من تطابق اللفظ والمعنى هو عدم زيادة اللفظ على المعنى أو قصوره عنه ([6]) .
2- دلالة التضمن: وهي دلالة اللفظ على بعض المعنى المقصود من قبل المتكلم أو هي دلالة اللفظ الموضوعة من قبل المتكلم على جزء المعنى المقصود، أو هي دلالة اللفظ الوضعية على جزء مسماه ([7]).
كدلالة لفظ الشجرة على الأوراق؛ فإن الشجرة تضمنت الأوراق وغيرها، فالذهن يتصور الأوراق وبقية الأجزاء مباشرة عند النطق بلفظ الشجرة، فيتصور بدلالة التضمن فروعها وخشبها وثمارها وجميع ما حوت من أجزاء، ومثال ذلك أيضا دلالة لفظ المدرسة على الفصول والتلاميذ والمدرسين؛ فإن الذهن يتصور مباشرة أن لفظ المدرسة ينطبق على عدة أشياء يطلق عليها مجتمعه هذا اللفظ، وكذلك أيضا دلالة لفظ الصلاة في الاصطلاح الشرعي على الوقوف والركوع والسجود والجلوس بهيئة مخصوصة، وغير ذلك من الحركات والسكنات التي تضمنتها الصلاة؛ فلفظ الصلاة يدل على كل جزء من أجزائها بالتضمن، وسميت دلالة التضمن بذلك لكون الجزء ضمن المعنى الموضوع له ([8]).
فدلالة المطابقة تشمل عموم ما دل عليه اللفظ، ودلالة التضمن موضوعة لخصوصه .
أما بالنسبة لأسماء الله تعالى فكل اسم يدل على الذات وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها بالتضمن؛ فاسم الله العزيز يدل على صفة العزة وحدها بالتضمن، كما يدل أيضا على ذات الله وحدها بالتضمن، ويدل على ذات الله وعلى صفة العزة معا بالمطابقة.
قال ابن القيم: (الاسم من أسمائه له دلالات، دلالة على الذات والصفة بالمطابقة ودلالة على أحدهما بالتضمن) ([9]) .
3- دلالة اللزوم: هي دلالة اللفظ على معنى يخرج عن دلالة المطابقة والتضمن وهو لازم لوجوده لزوماً عقليا يتصوره الذهن عند ذكر اللفظ، وسمي لازما لارتباطه بمدلول اللفظ وامتناع انفكاكه عنه ([10]).
ومثال ذلك دلالة الشيء على سبب وجوده كدلالة البعرة على البعير، والأثر على المسير، وكدلالة الحمل على الزواج أو الزنا إلا في بعض الخوارق الاستثنائية، ولذلك لما جاء الملك مريم وأعلمها أنها ستحمل وتلد أخبرته أن الولد يكون من طريق مشروع أو ممنوع بدلالة اللزوم، ولم يحدث أنها تزوجت، أو وقع الاحتمال الثاني وهذا ليس شأنها، فأخبرها أن هذا خارج عن اللوازم العقلية.
كما ورد في قوله: } قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً { (مريم:19) .
ومن ثم فإن دلالة اللزوم مبنية على فهم العقل لترابط الأسباب بحيث ترتبط العلة بمعلولها والنتيجة بسببها، فدلالة السقف على الأعمدة دلالة لزوم لأن العاقل يعلم أن السقف لا يوجد إلا بعد وجود الحائط أو الأعمدة، فالذهن لا يتصور السقف إلا مرفوعا على شيء، فلفظ السقف دلنا على الأعمدة باللزوم مع ملاحظة أن الأعمدة ليست مما دل عليه لفظ السقف بالمطابقة أو بالتضمن، فدلالة اللزوم من الدلالات العقلية والقواعد الشمولية التي تصح بها لغة التخاطب بين الإنسانية وطرق الاستدلال على توحيد الربوبية؛ فالذي يعلم بدلالة اللزوم أن السقف يلزمه أعمدة يوقن عند ذلك بقدرة الخالق، وأنه ليس كمثله شيء عندما يقرأ قوله تعالى: } الله الذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا { (الرعد:2) .
والله U كثيرا ما يدعو العقلاء إلى النظر بدلالة اللزوم إلى ما في الكون من آيات تدل على عظمة أوصافه وكمال أفعاله، قال تعالى: } إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ { (آل عمران:190)؛ فدلالة اللزوم هي دلالة الشيء على سببه، أما دلالة الشيء على نتيجته وتوقع حدوثها فهي دلالة التزام كدلالة الغيوم على اقتراب المطر، وكدلالة الفعل على رد الفعل، فلكل فعل رد فعل بالالتزام، وكل رد فعل ناشئ عن فعل باللزوم، ودلالة الالتزام من إضافة المسبب إلى السبب ([11]) .
وكما أن الأسماء الحسنى تدل على الصفات بالمطابقة والتضمن فإنها أيضا تدل على الصفات باللزوم كدلالة اسم الله الخالق على صفة العلم والقدرة؛ فاسم الله الخالق يدل على ذات الله وصفة الخالقية بالمطابقة، ويدل على أحدهما بالتضمن، ويدل على العلم والقدرة باللزوم؛ لأن العاجز والجاهل لا يخلق.
ولذلك لما ذكر الله خلق السماوات والأرض عقب بذكر ما دل عليه الخلق باللزوم فذكر القدرة والعلم.
قال تعالى: } الله الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً { (الطلاق:12) .
ومن وفقه الله لفهم دلالة اللزوم المتعلقة بالأقوال والأفعال فكانت أقواله صادرة عن حكمة وأفعاله عن روية وفطنة ووزن جميع أموره بدقة بحيث يقدر المنفعة والمضرة ويتخير الأحسن والأفضل على الدوام فقد وفق إلى خير كثير كما قال تعالى: } يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً { (البقرة:269) .
وأغلب ما يحل بالإنسان من بلاء وشقاء سببه الغفلة عن لازم قوله وفعله، وقد ثبت عند الإمام البخاري من حديث أبي هريرةَ t أن رسول الله e قال: (إنَّ العبدَ ليَتكلمُ بالكلمةِ ما يَتبَينُ فيها يَزلُّ بها في النار أبعدَ مما بينَ المشرق) ([12]).
وعند البخاري في رواية أخرى: (وإن العبدَ ليتكلمَ بالكلمة من سَخَط اللّه لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) ([13]) .
ولذلك اختلفوا في لازم القول هل هو قول يحاسب عليه الإنسان؟ فقال بعضهم: إذا كان هذا اللازم لازماً من قوله لزم أن يكون قولاً له محاسب عليه، لأن ذلك هو الأصل لاسيما إذا قرب التلازم، ورد آخرون ذلك وقالوا هذا مردود بأن الإنسان بشر وله حالات نفسية وخارجية توجب الذهول عن اللازم، فقد يغفل أو يسهو أو ينغلق فكره أو يقول القول في مضايق المناظرات من غير تفكير في لوازمه ([14]) .
وكثير من العامة يغفلون عن لوازم كلامهم إما لجهلهم أو سرعة اندفاعهم أو ما شابه ذلك من تقلب الأحوال، ولو حوسبوا على ذلك لعجز من يحصي لوازم الأقوال والأفعال، روي أن أعرابيا خرج إلى الحج مع أصحابه فلما كان في طريق العودة إلى أهله لقيه بعض أقربائه؛ فسأله عن أهله ومنزله، فقال: لما خرجت إلى الحج بعد ثلاثة أيام وقع في بيتك حريق أتى على أهلك ومنزلك، فرفع الأعرابي يديه إلى السماء وقال: ما أحسن هذا يا رب، تأمرنا بعمارة بيتك وتخرب علينا بيوتنا ([15]).
وكذلك خرجت أعرابية إلى الحج فلما كانت في بعض الطريق عطبت راحلتها فرفعت يديها إلى السماء وقالت: يا رب أخرجتني من بيتي إلى بيتك فلا بيتي ولا بيتك ([16])، ومثل هذا الكلام لوازمه كفر لكن القائل في الغالب غافل عن لازم قوله .
وأخذ الحجاج أعرابيا سرق فأمر بضربه، فلما قرعه السوط قال: يا رب شكرا حتى ضرب سبعمائة سوط، فلقيه أشعب فقال له: تدري لم ضربك الحجاج سبعمائة سوط؟ قال: لا، قال: لكثرة شكرك، فإن الله يقول: } لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ { (إبراهيم:7)، قال الأعرابي: وهذا في القرآن؟ قال: نعم، فقال: يا رب لا شكرا فلا تزدن، أسأت في شكري فاعف عنى، باعد ثواب الشاكرين منى([17]).
وسمع أعرابي إماما يقرأ: } وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواَ { (البقرة:221) قرأها بفتح التاء، فقال الأعرابي: ولا إن آمنوا أيضا - يقصد أن اللواط محرم - فقيل له: إنه يلحن وليس هكذا يقرأ؟ فقال: أخروه قبحه الله لا تجعلوه إماما فإنه يحل ما حرم الله ([18]) .
قال ابن تيمية: (فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظا أو يثبتونها بل ينفون معاني أو يثبتونها ويكون ذلك مستلزما لأمور هي كفر، وهم لا يعلمون بالملازمة بل يتناقضون وما أكثر تناقض الناس لاسيما في هذا الباب، وليس التناقض كفراً) ([19]).
ثم فصل المسألة وبين أن لازم قول الإنسان نوعان:
أحدهما: لازم قوله الحق، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحق حق ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب .
الثاني: لازم قوله الذي ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض، وقد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين، ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له فقد يضاف إليه وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه ([20]) .
ولما كان قول الله حق وليس فيه اختلاف ظاهر أو تناقض مضمر كما قال تعالى عن كتابه العزيز: } وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ { (فصلت:41/42)، وكذلك لما كان قول رسوله e حق حيث قال الله في شأنه: } وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى { (النجم:3/4)، فإن اللازم من كلام الله ورسوله e إذا صح أن يكون لازماً فهو حق، وذلك لأن لازم الحق حق والله U عالم بما يكون لازما من كلامه وكلام رسوله e وأن العقلاء سيدركون ذلك بدلالة اللزوم ([21]) .
ومن ثم فإن في دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة والتضمن واللزوم، الاسم يدل على الذات والصفة بدلالة المطابقة، ويدل على ذات الله وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها بالتضمن، ويدل باللزوم على أوصاف أخرى غير الوصف الذي اشتق منه، فالرحمن يدل على ذات الله وعلى صفة الرحمة بالمطابقة ويدل على الذات وحدها بالتضمن وعلى صفة الرحمة وحدها بالتضمن، ويدل على الحياة والعلم والقدرة التزاما، وهذا ينطبق على جميع الأسماء الحسنى ودلالتها على الصفات ([22]) .
وتجدر الإشارة إلى أن الأسماء الحسنى عند المعتزلة تدل على الذات بالمطابقة فقط لأنهم ينفون الصفات، فالأسماء عندهم تنعدم فيها دلالة التضمن واللزوم مع كونها أدلة عقلية صحيحة تؤيد صحيح المنقول، فما أعجب تناقضهم إذ يدعون تعظيم العقل وأنهم أهل التوحيد والعدل وهم أبعد الناس عن صريح المعقول .
ومن ثم لا بد أن ننبه على خطأ غير مقصود في ذكر دلالة الأسماء على الصفات ذكره الشيخ حافظ حكمي رحمه الله، وتناقله كثير من الدعاة دون تحقق في فهم المسألة حيث قال رحمه الله: (فدلالة اسمه تعالى الرحمن على ذاته عز وجل مطابقة وعلى صفة الرحمة تضمنا وعلى الحياة وغيرها التزاما، وهكذا سائر أسمائه تبارك وتعالى) ([23]).
فقوله بأن الرحمن يدل على ذات الله بالمطابقة هو في حقيقته مذهب المعتزلة، والصواب أنه يدل على الذات بالتضمن وعلى الرحمة بالتضمن وعليهما معا بالمطابقة، والشيخ لا يقصد مذهب المعتزلة لأنه أثبت الصفات وهم ينفونها فتنبه .
· دلالة الأسماء على العلمية والوصفية .
تعريف الاسم كاصطلاح يتردد بين علماء العقائد هو ما دل على علم لتمييزه عن غيره أو اللفظ الدال على المسمى، وهو إما مشتق من السمو وهو العلو، أو من السمة وهي العلامة، ويقال لصاحبه مسمى، فالاسم يظهر به المسمى ويعلو فيقال للمُسَمِّى: سَمِّهِ، أي أظهره وأعلي ذكره بالاسم، والاسم له خصائص منها جواز الإسناد إليه، ودخول حرف التعريف والجر والتنوين والإضافة ([24]) .
أما الصفة عندهم فهي ما دل على معنى أو شيء يقوم بذات الموصوف ولا يمكن أن يقوم بنفسه أو ينفصل عن موصوفه، كالسعادة والقوة والجمال، والعزة والقدرة والكمال وغير ذلك من صفات الذات والأفعال، فهذه الصفات لا تقوم بنفسها ولكنها ملازمة للموصوف وتتبعه في الحكم فيقال سعيد متصف بالسعادة، والقوي متصف بالقوة، والجميل متصف بالجمال وهكذا، قال ابن فارس: (الصفة الأمارة اللازمة للشيء) ([25]) .
وإذا كان الاسم في اللغة هو ما تميز بعلامات الاسمية المعروفة فإنه أيضا يتناول الصفة والموصوف والفاعل والمفعول والعلة والمعلول ([26])، فمثلا قولنا: سعيد سعيد هذان اسمان من الناحية اللغوية، لكن الأول يراد به العلمية، والثاني يراد به الوصفية إن كان خبرا ولم يكن اسما لوالد الأول، وقولنا: سعيد في منتهى السعادة، فالأول والأخير اسمان من الناحية اللغوية، لكن الأول للعلمية، والثاني للوصفية، فالسعادة لا تقوم بنفسها ولابد من قيامها بموصوف، شأنها في ذلك شأن الأسباب في إضافتها لمن قام بها، فكما لا يصح أن نقول ضرب السوط فلانا، ولا قتله السيف، بل السوط والسيف كلاهما اسمان لغويان لا يستقلان بفعل ذاتي، بل يفعل بهما ويضاف الفعل إلى من فعل بهما، فكذلك لا يصح أن نقول الرحمة استوت على العرش، أو العزة والقدرة نصرت المؤمنين وهزمت الكافرين، بل يقال: الرحمن على العرش استوى أو الرحمن علم القرآن، والعزيز القدير نصر المؤمنين وهزم الكافرين، فالصفة تقوم بموصوفها ولا يمكن أن تقوم بنفسها .
وهنا نقطة جوهرية في فهم الأسماء الحسنى ودلالتها على الصفات، وهى أنه لا بد من التمييز بين الاسم ودلالته الوضعية عندما يستعمل في حق المخلوق، والاسم ودلالته في حق الخالق، فعدم فهم هذه المسألة هو أساس التفرق والاختلاف، لأن الاسم في استعماله المتعارف بين الناس لا يراد به إلا العلمية التي تميزه عن غيره، ولا يعني إن كانت فيه صفة السعادة أم لا؛ فالاسم في حقنا فارغ من الوصفية على الأغلب ومرتبط على الدوام بمسماه كاسم بلا وصف، فإن استجد الوصف عبرنا عن ذلك بقدر زائد فقلنا سعيد سعيد أو سعيد في منتهى السعادة .
أما الأسماء في حق الله فتختلف اختلافا كليا عن ذلك؛ فهي علمية ووصفية معا في آن واحد، ولا يمكن قياسها بما سبق في حق المخلوق، ولذلك لم يقل النبي e : إن الجواد سبحانه جواد، وإن المحسن محسن، وإن الحيي الستير حيي ستير، وإن الجميل جميل، والوتر وتر، كما قلنا في حق المخلوق سعيد سعيد، لأن الأسماء في حق الله أعلام وأوصاف، سواء ذكر الاسم أولا أو ثانيا، مبتدأ أو خبرا، أو في أي موضع كان من النص فهو علم ووصف، ومن ثم فإن الجواد والجميل والوتر والرفيق والمحسن والحيي والستير كلها أسماء صحيحة ثابتة لله U تدل على العلمية والوصفية معا، لأن الله لم يطرأ عليه وصف أو يستجد به كمال، كما طرأت السعادة واستجد النصر والصلاح على سعيد ومنصور وصالح .
وقد كان من شأن العرب أن يسموا أولادهم بأسماء الجماد والحيوان لما يرون فيها من بعض الصفات النبيلة كتسميتهم صخرا أو حربا أو أسدا أو كلبا أو جحشا أو كعبا، وهم يقصدون بهذه التسمية أولا تمييز الشخص عن غيره؛ لأنه لا بد لكل فرد من اسم يميزه بالعلمية، ويتطلعون أيضا أن تتحقق فيه مستقبلا الوصفية التي تضمنها الاسم، فالذي يسمي ولده صخرا يأمل أن تتوفر فيه صفة القوة والصلابة، والذي يسمي ولده حربا يأمل أن تتوفر فيه صفة الفارس المقاتل والمقدام الهمام، والذي يسميه أسدا أو كلبا أو جحشا أو كعبا يرغب أن تتوفر فيه صفة الشجاعة والجرأة والوفاء والتحمل والعظمة والبقاء، ولذلك كانت أغلب الأسماء التي يسميها العرب مبنية على مراعاة العلمية والرغبة والأمل في حدوث الوصفية كأبي سفيان بن حرب، وعند البخاري تزوج أبو بكر امرأة من كلب ([27])، يعني من بني كلب، وأيضا كان من أمهات المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها، ومن الصحابة أبي بن كعب، وكعب بن مالك الذي تخلف عن غزوة تبوك رضي الله عنهم أجمعين، وقد يسمون الجارية زهرة أو غزالا، أو شهدا أو نورا، أو قمرا أو جميلة، وهي سوداء كالليل البهيم أو قبيحة وجها دميم، أو خبيثة الجوهر والمنظر .
والقصد أن الأسماء البشرية يراد بها في الأصل العلمية مع الرغبة في وجود الوصفية وقياس ذلك على أسماء الخلق هو أصل الضلال، ولما خلط أهل الاعتزال بين الأحكام المتعلقة بعالم الغيب وعالم الشهادة، وشبهوا الخالق بالمخلوق حدث اللبس والغموض في مسألة الاسم والمسمى، هل هو عينه أو غيره؟ وهل الصفات زائدة علي الذات أم لا؟ وغير ذلك من القضايا التي زعموا فيها أن التوحيد هو إثبات الأسماء ونفي الصفات وقد تخبطوا هم أنفسهم في فهمها قبل بيانها وشرحها للآخرين .
لكن عقيدة السلف لما كانت مبنية على أن التوحيد هو إفراد الله U بما ثبت له من الأسماء والصفات، وأن الله متوحد عن الأقيسة التمثيلية والقواعد الشمولية التي تحكم ذوات المخلوقات فإنهم وفقوا إلى الفهم الصحيح في باب الأسماء والصفات، فعندهم أن الأسماء في حق الله علمية ووصفية، علمية من جهة الدلالة على الذات ووصفية من جهة المعنى الذي تضمنه كل اسم، فاسم الله القدير وكذلك العلي الرحمن القوي العزيز الحكيم السميع العليم وغير ذلك من الأسماء دلت على إثبات صفة القدرة والعلو والرحمة والقوة والعزة والحكمة والسمع والعلم، فهي أعلام لقوله تعالى: } قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى { (الإسراء:110)، وكلها تدل على ذات واحدة ومسمى واحد، وهي أيضا أوصاف لقوله تعالى: } وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا { (الأعراف:180) .
والله U ذكر من أسمائه الحسنى الغفور الرحيم، وكلاهما علم على ذاته كما جاء في قوله: } وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ { (يونس:107)، وقوله أيضا: } نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ { (الحجر:49)، وقد بين في موضع آخر تضمن الاسم للوصف، وأن الغفور ذو مغفرة، والرحيم ذو رحمة، فقال تعالى: } وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقَابِ { (الرعد:6)، وقال سبحانه أيضا: } وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ { (الكهف:58)، ومن أسمائه الحسنى القوي حيث ورد علما مطلقا على ذات الله فقال U: } إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ { (هود:66)، وفي موضع آخر بين أنه متصف بالقوة فقال: } إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ { (الذاريات:58) .
وذكر سبحانه وتعالى أيضا من أسمائه الحسنى العزيز فقال: } لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { (آل عمران:6)، ثم قال في تضمن الاسم للوصف: } سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ { (الصافات:180)، وقال أيضا: } الذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلهِ جَمِيعاً { (النساء:139)، ومن ثم فإن الأدلة قاطعة في أن الله سبحانه رحيم برحمة، قوي بقوة، عزيز بعزة، وكذلك أيضا قدير بقدرة حكيم بحكمة، سميع بسمع، عليم بعلم، وغير ذلك من الأسماء ودلالتها على الصفات، ولا يشبه في وصفه حال المخلوق كما نقول سعيد بلا سعادة، أو صالح بلا صلاح أو فالح بلا فلاح، أو سعيد وهو حزين كاسم بلا مسمى، أو منصور وهو مهزوم، أو صالح وهو طالح، فالسلف الصالح أثبتوا أسماء الله U أعلاما وأوصافا بعكس المعتزلة كما تقدم .
قال ابن القيم: (وقد اختلف النظار في هذه الأسماء هل هي متباينة نظرا إلى تباين معانيها، وأن كل اسم يدل على غير ما يدل عليه الآخر، أم هي مترادفة لأنها تدل على ذات واحدة؛ فمدلولها لا تعدد فيه وهذا شأن المترادفات؟ .. والتحقيق أن يقال: هي مترادفة بالنظر إلى الذات متباينة بالنظر إلى الصفات، وكل اسم منها يدل على الذات الموصوفة بتلك الصفة بالمطابقة، وعلى أحدهما وحده بالتضمن، وعلى الصفة الأخرى بالالتزام) ([28]).
وقال أيضا: (أسماء الرب تعالى هي أسماء ونعوت، فإنها دالة على صفات كماله، فلا تنافي فيها بين العلمية والوصفية؛ فالرحمن اسمه تعالى ووصفه، لا تنافي اسميتُه وصفيتَه، فمن حيث هو صفة جرى تابعا على اسم الله، ومن حيث هو اسم ورد في القرآن غير تابع، ورود الاسم علما، وكذلك فإن الأسماء مشتقة من الصفات، إذ الصفات مصادر الأسماء الحسنى) ([29]) .
ومن المعلوم أن فطرة البشر مجبولة على طلب الأوصاف الحميدة والانتساب للنعوت الجميلة والأفعال الجليلة، ومن ثم فإن أسماء الله U من باب أولى دالة على أوصاف الجلال ومعاني الكمال والجمال .
· أمثلة لدلالات اللزوم:
1. اسم الملك يدل على ذات الله وعلى صفة الملك بدلالة المطابقة، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها بالتضمن، فالملك من بيده الملك المطلق التام الذي لا يشاركه أحد فيه، قال تعالى: } تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ المُلك وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { (الملك:1).
وقال سبحانه: } الذِي لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ { (الفرقان:2)، وقال أيضا: } ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ المُلكُ وَالذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير ٍ{ (فاطر:13)، واسم الله الملك يدل باللزوم على الحياة والقيومية، والعلو والأحدية، والسيادة والصمدية، والعلم والمشيئة والقدرة والسمع والبصر والقوة، والعدل والحكمة والعظمة، فلا يتصور ملك دائم له الملك التام المطلق بغير هذه الصفات وغير ذلك من صفات الكمال، فالملك الحق هو الذي يستغني بذاته وصفاته عن كل ما سواه، ويفتقر إليه كل موجود سواه .ومن أهم القضايا المتعلقة بدلالة اللزوم إثبات علو الملك وفوقيته واستوائه على عرشه، وإذا كان كل ملك في الدنيا يلزمه لإثبات ملكه أن يستوي على عرشه مع دوام فوقيته وعلوه، فالملك الخالق أولى بالكمال من المخلوق؛ لاسيما أن الله أثبت ذلك لنفسه فقال: } الرَّحْمَنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوَى { (طه:5)، فإثبات استواء الله على عرشه من لوازم توحيده في اسمه الملك، ولذلك قال تعالي: } فَتَعَالى اللهُ المَلكُ الحَقُّ لا إِلهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم ِ{ (المؤمنون:116)، واسم الله الملك دل على صفة من صفات الذات .
2. اسم العزيز يدل على ذات الله وعلى صفة العزة بدلالة المطابقة، وعلى أحدهما بالتضمن فالله عز وجل له العزة كوصف ذات، والإعزاز كوصف فعل، أما صفة الذات فلأنها صفة قائمة به يستحيل وصفه بضدها، قال تعالى في وصف المنافقين: } يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَل وَلِلهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ { (المنافقون:8)، وقال: } مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلهِ العِزَّةُ جَمِيعاً { (فاطر:10)، وقال سبحانه: } سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ { (الصافات:180)، وعند مسلم من حديث أبي هريرة t أن رسول الله e قال: (العِزُّ إِزَارُهُ، وَالكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ) ِ([30])، وعند البخاري من حديث أنس بن مالك t أن النبي e قال: (لاَ تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَل مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ) ِ([31])، وعنده أيضا من حديث أنس t قال: (وَدَنَا الجَبَّارُ رَبُّ العِزَّةِ فَتَدَلى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) ِ([32]) .
وروى النسائي وصححه الألباني من حديث عبد الله بن مسعود t أن النبي e قال: (يَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا قتلني، فَيَقُولُ الله لَهُ: لِمَ قَتَلتَهُ؟ فَيَقُولُ: قَتَلتُهُ لِتَكُونَ العِزَّة لَكَ، فَيَقُولُ: فَإِنَّهَا لي، ويجيء الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ إِنَّ هَذَا قتلني، فَيَقُولُ الله لَهُ: لِمَ قَتَلتَهُ؟ فَيَقُولُ: لِتَكُونَ العِزَّةُ لِفُلاَنٍ، فَيَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِفُلاَنٍ فَيَبُوءُ بِإِثْمِهِ) ِ([33]) وفي رواية: (يجيء المقتول آخذا قاتله وأوداجه تشخب دما عند ذي العزة، فيقول: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ فيقول: فيم قتلته؟ قال: قتلته لتكون العزة لفلان، قيل: هي لله) ِ([34]) .
وأما الإعزاز كوصف الفعل فالله عز وجل يمنحها لمن شاء من خلقه كما قال سبحانه: } قُلِ اللهمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { (آل عمران:26)، وعند مسلم من حديث أبي هريرة t أن رسول الله e قال: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ الله عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلهِ إِلاَّ رَفَعَهُ الله) ([35])، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عمر t أن رسول الله e قال: (اللهمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بأبي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ) ([36])، واسم الله العزيز يدل باللزوم على الحياة والقيومية، والعلم القدرة والأحدية، والسيادة والحكمة والصمدية، والكبرياء والعظمة والقدسية، وغير ذلك من صفات الكمال.
3. اسم الله الخالق يدل على ذات الله وعلى صفة الخالقية بدلالة المطابقة، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها بالتضمن، قال تعالى: } قَالَ كَذَلِكِ الله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ { (آل عمران:47)، وقال: } للهِ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ { (الشورى:49)، وقال: } وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ { (القصص:68)، واسم الله الخالق يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والمشيئة والحكمة والقدرة والغنى والقوة والعزة وغير ذلك من الصفات الذاتية والفعلية، ولما وصف الله نفسه بالخالقية فقال: } الله الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ {، قال بعدها: } لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلماً { (الطلاق:12)، واسم الله الخالق دل على صفة من صفات الأفعال.
4. اسم الله العظيم يدل على ذات الله وعلى صفة العظمة بدلالة المطابقة، وعلى أحدهما بالتضمن، وعند البخاري من حديث أنس t أن النبي e قال: (ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُل يُسْمَعْ وَسَل تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لي فِيمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، فَيَقُولُ: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله) ([37])، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أبي هريرة t أن رسول الله e قال: (قَالَ الله U: الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ في النَّارِ) ([38]) .
وقد ورد وصف العظمة أيضا عند أبي داود وصححه الشيخ الألباني من حديث عوف بن مالك t أنه قال: (ثُمَّ رَكَعَ e بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ) ([39]) .
أما دلالة الاسم على وصف الفعل المتعلق بالمشيئة فكما ورد في قوله تعالى: } ذَلِكَ أَمْرُ الله أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ الله يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { (الطلاق:5)، وفي المسند وصححه الألباني من حديث أنس t أن النبي e قال: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُعَظمَ الله رِزْقَهُ، وَأَنْ يَمُدَّ فِي أَجَلِهِ؛ فَليَصِل رَحِمَهُ) ([40]) .
واسم الله العظيم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسيادة والصمدية والعزة والأحدية وانتفاء الشبيه والمثلية، وكذلك يدل على السمع والبصر والعلم والحكمة والمشيئة والقدرة، وغير ذلك من صفات الكمال، والاسم دل على صفة من صفات الذات والأفعال.
5. اسم الله القدير يدل على ذات الله وصفة القدرة بدلالة المطابقة، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن، وعلى القدرة وحدها بالتضمن، روى الحاكم حسنه الألباني من حديث ابن عباس t مرفوعا في الحديث القدسي، قال الله تعالى: (مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى مَغْفِرَةِ الذنُوب غَفَرْتُ لَهُ وَلاَ أُبَالِي ما لم يُشْرك بي شَيْئا) ([41])، واسم الله القدير يدل باللزوم على الحياة والقيومية والعزة والأحدية والسمع والبصر والعلم والحكمة والغنى والقوة وغير ذلك من صفات الكمال، وقد اقترن اسم الله القدير باسمه العليم في غير موضع من القرآن لأن العلم من لوازم القدرة، قال تعالى: } أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ { (الشورى:50) .

منقول من كتاب أصول العقيدة في توحيد الأسماء والصفات وعقيدة السلف الصالح في الغيبيات للدكتور محمود عبد الرازق الرضواني أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة الملك خالد بالسعودية سابقاً وعميد دار العقيدة المصرية .
1. انظر بتصرف تحرير القواعد المنطقية لقطب الدين محمود بن محمد الرازي ص 29.

2. منهاج السنة النبوية لابن تيمية 5/453 .

3. درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية10/12، وانظر له أيضا الصفدية 2/154 .

4. منهاج السنة النبوية لابن تيمية 5/452 .

5. الصواعق المرسلة 2/643 .

6. انظر بتصرف البحر المحيط للزركشي 2/272.

7. انظر الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية ص76.

8. انظر المرشد السليم في المنطق الحديث والقديم للدكتور عوض الله جاد حجازي ص47 .

9. بدائع الفوائد ص170 .

10. انظر التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص615 بتصرف .

11. انظر بتصرف حاشية الصبان على شرح الملوي ص 53 .

12. البخاري في الرقاق باب حفظ اللسان 5/2377 (6112) .

13. الموضع السابق حديث رقم (6113) .

14. مجموع الفتاوى 2/217 .

15. جمهرة خطب العرب 3/340 .

16. السابق 3/340 .

17. السابق 3/38 .

18. السابق 3/342 .

19. مجموع الفتاوى 5/306 .

20. السابق 29/42، والفتاوى الكبرى 3/ 425 .

21. انظر بتصرف القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ص14.

22. شرح قصيدة ابن القيم 2/250، وبدائع الفوائد 1/170.

23. معارج القبول 1/119.

24. مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/195.

25. انظر معجم مقاييس اللغة 5/448، والتعريفات ص133 .

26. انظر نتائج الفكر للسهيلي ص63.

27. البخاري في فضائل الصحابة، باب هجرة النبي S إلى المدينة 3/1427 (3706) .

28. جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام لابن قيم الجوزية ص177 .

29. بدائع الفوائد 1/28.

30. مسلم في البر والصلة والأدب، باب تحريم الكبر 4/2023 (2620) .

31. البخاري في الأيمان والنذور، باب قوله وتقول هل من مزيد4/1835 (4568) .

32. البخاري في التوحيد، باب قوله وكلم الله موسى تكليما 6/2731 (7079) .

33. النسائي كتاب تحريم الدم 2/286 (3460)، وانظر السلسلة الصحيحة 6/445 رقم (2698) .

34. صحيح الترغيب والترهيب (2448) .

35. مسلم في البر والصلة والأدب، باب استحباب العفو والتواضع 4/2001 (2588) .

36. الترمذي في المناقب، باب في مناقب عمر t 5/617 (3681) وانظر صحيح الجامع (3681) .

37. البخاري في التوحيد باب ذرية من حملنا مع نوح 4/1746 (4435) .

38. أبو داود في اللباس، باب ما جاء في الكبر 4/59 (4090)، وانظر صحيح الجامع (1908) .

39. أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده 1/230 (873) .

40. مسند الإمام أحمد 3/156 (12610)، وانظر صحيح الجامع (6291) .

41. الحاكم في المستدرك 4/291 (7676)، وانظر صحيح الجامع حديث (4330).




محمد محمود محمد احمد 12-01-2012 01:00 AM

رد: دروس في العقيدة الإسلامية 8
 
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

ابو نضال 09-24-2015 08:45 PM

رد: دروس في العقيدة الإسلامية 8
 


بسم الله الرحمن الرحيم


بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد

http://scontent-frt3-1.xx.fbcdn.net/...4e&oe=56A653CA


وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله




الساعة الآن 11:04 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية