منتديات الكعبة الإسلامية

منتديات الكعبة الإسلامية (http://forum.alkabbah.com/index.php)
-   منتدى العقيدة الإسلامية (http://forum.alkabbah.com/forumdisplay.php?f=23)
-   -   الاشاعرة هل هم اهل سنة (http://forum.alkabbah.com/showthread.php?t=29575)

صابر السلفي 04-17-2015 05:22 PM

الاشاعرة هل هم اهل سنة
 
إن الحمد لله..
مقدمة:
الأشاعرة:
هم أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، المنتسب إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-.
وأبي الحسن الأشعري هو: العلامة أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أمير البصرة بلال بن أبي برده بن صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي موسى الأشعري.
ولد سنه 260هـ وكان عجباً في الذكاء وقوة الفهم.
كان في أول أمره معتزلياً ومنهجه هو منهج المعتزلة وهو تقديم العقل على النقل ثم بعد ذلك أخذ يعيد النظر في معتقدات المعتزلة ويخطط لنفسه منهجاً مستقلاً جديداً يلجأ فيه إلى تأويل النصوص. ومنهجه الفكري كان قريباً من منهج أهل السنة لكن يعيبه أنه يفضل التأويل في أغلب آرائه. وبعدما ترك الاعتزال أخذ يرد عليهم ويهتك عوارهم.
قال الفقيه أبو بكر الصيرفي: "كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى نشأ الأشعري فحجرهم في أقماع السمسم".
وفي أواخر حياته تبين له -رحمه الله- خطأ ما كان عليه فرجع إلى مذهب السلف المتمثل في منهج الإمام أحمد -رحمه الله- وهو تقديم النقل على العقل فكتب كتاب "الإبانة" وصرح فيه بإتباعه لمذهب السلف حيث قال بعد أن أكد تمسكه بالكتاب والسنة وبما روي عن الصحابة والتابعين قال: "ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول أبو عبد الله - يقصد الإمام أحمد - قائلون ولمن خالف قوله مخالفون...".
وبهذا يتبين أن الأشعري كان في أول أمره معتزلياً ثم تحول من الاعتزال إلى المذهب الجديد الذي خطه لنفسه والذي عرف فيما بعد بمذهب الأشاعرة ثم انتهى في آخر حياته واستقر على مذهب أهل السنة والجماعة وقد بقى في الاعتزال أربعين سنة مما جعله وبعد رجوعه إلى مذهب السلف لا يسلم من الوقوع في بعض الأخطاء مثل قوله: بالكسب والتكليف بما لا يطاق كما سيأتي بيانه إن شاء الله، وتوفي رحمه الله سنة 324هـ في بغداد.
وقد تابع الأشعري -رحمه الله- وقال بقوله قبل رجوعه إلى عقيدة السلف أئمة أفذاذ كان لهم الأثر الكبير في تقعيد هذا المذهب وتأصيله ووضع مناهجه بل وفي انتشاره كالباقلاني والبغدادي والجويني والغزالي والشهرستاني والرازي والإيجي ولم ينتشر مذهب الأشاعرة إلا في القرن الخامس إثر انتشار كتب الباقلاني.
وأيضا لا بد أن يعلم أن إمام الأشعرية المتأخر الذي ضبط المذهب وقعّد أصوله هو الفخر الرازي ثم خلفه الآمدي والآرموي فنشرا فكره في الشام ومصر وجاء بعدهم الإيجي صاحب كتاب (المواقف) الذي هو تقنين وتنظيم لفكر الرازي ومدرسته وهذا الكتاب هو عمدة المذهب الأشعري قديماً وحديثاً، وقد كان الإيجي معاصراً لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فأصبح بعد ذلك للأشاعره مدرسة مستقلة لها مناهجها وأصولها مخالفة تماماً لمذهب أهل السنة والجماعة كما سيأتي تفصيله بعد قليل -إن شاء الله- وسيتضح خطأ من قال بأن الأشاعرة من أهل السنة فهم كما سيأتي ليسوا من أهل السنة، أمّا ماذا يكونون؟ فسيتضح جوابه في آخر الدرس.
كان الأشاعره في بداية منشأهم أقرب الناس إلى أهل السنة والجماعة ولم يخالفوهم إلا في مسائل يسيره أغلبها في الاعتقاد وبخاصة فيما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات لكن بعد مرور الزمن تطور المذهب وتعّقد وتأثر بآراء كثيرة من اعتقادات الفرق الأخرى وأصبح المذهب الأشعري خليطاً من المذاهب قال شيخ الإسلام: "والأشعرية الأغلب عليهم أنهم مرجئة في باب الأسماء والأحكام، جبرية في باب القدر، وأما في الصفات فليسوا جهمية محضة بل فيهم نوع من التجهم ". (6/55).
ومن حسنات الأشاعرة أنهم بينوا عوار المعتزلة وتناقضاتهم وذلك لبقاء الأشعري في المعتزلة 40 سنة، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فإن الأشعري كان من المعتزلة وبقي على مذهبهم أربعين سنة يقرأ على أبي علي الجبائي، فلما انتقل عن مذهبهم كان خبيراً بأصولهم وبالرد عليهم وبيان تناقضهم وأما ما يقي عليه من السنة فليس هو من خصائص المعتزلة بل هو من القدر المشترك بينهم وبين الجهمية، وأما خصائص المعتزلة فلم يوالهم الأشعري في شيء منها، بل ناقضهم في جميع أصولهم ومال في مسائل العدل والأسماء والأحكام إلى مذهب جهم ونحوه". (13/99).

1- مصدر التلقي:
مصدر التلقي عند الأشاعرة هو العقل وقد صرح أئمة المذهب بذلك كالجويني والرازي والبغدادي والغزالي والآمدي والسنوسي، يقول السنوسي: "وأما من زعم أن الطريق بدأ إلى معرفة الحق الكتاب والسنة ويحرم ما سواهما فالرد عليه أن حجيتهما لا تعرف إلا بالنظر العقلي، وأيضا فقد وقعت فيهما ظواهر - يقصد أي في ظاهر الكتاب والسنة - من اعتقدها على ظاهرها كفر عند جماعة وابتدع" ويقول أيضا: "أصول الكفر ستة.. قال في خامسها: التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير عرضها على البراهين العقلية والقواطع الشرعية".
أما السنة خاصة عند الأشاعرة فلا تثبت بها عقيدة، المتواتر يجب أن يأوّل والآحاد لا يجب الاشتغال به حتى على سبيل التأويل، حتى إن إمامهم الرازي قطع بأن رواية الصحابة كلهم مظنونة بالنسبة لعدالتهم وحفظهم سواء. وقال بأن في الصحيحين أحاديث وضعها الزنادقة.
ثم إنك تقرأ في كتب العقائد من كتب الأشاعرة المائة صفحة بل وأكثر لا تجد فيها آية ولا حديث، لكنك تجد في كل فقرة "قال الحكماء" أو "قالت الفلاسفة" مثل كتاب الإرشاد للجويني، هذا إذا كان الأشعري لم تخالطه لوثة التصوف فإن كان فيه صوفية كالغزالي، فإن مصدر التلقي يكون تقديم الكشف والذوق على النص وتأويل النص ليوافق الذوق وقد يصححون بعض الأحاديث ويضعونها حسب هذا الذوق. وقد أطال النفس شيخ الإسلام في الرد على مصدرهم العقلي في كتابه الفذ - درء تعارض العقل والنقل - فهو كله تقريبا رد عليهم.

2- إثبات وجود الله:
وجود الله تعالى أمر فطري معلوم بالضرورة لا داعي للتكلف في إثبات وجوده -عز وجل- والأدلة عليه من الكون والنفس والوعي والآثار والآفاق أجل من الحصر.
أما الأشاعرة فطريقتهم غريبة في إثبات وجود الله والذي يسمونه دليل "الحدوث والقدم".
يقولون: بأن الكون حادث وكل حادث فلا بد له من محدث قديم وأخص صفات هذا القديم مخالفته للحوادث، ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس جوهراً ولا عرضاً ولا جسماً ولا في جهةً ولا مكان... إلى آخر ما أطالوا في تقرير هذه القضايا والذي قد ترتب على أصولهم الفاسدة إنكار كثير من صفاته -عز وجل- كالرضا والغضب والاستواء بشبهة نفي حلول الحوادث في القديم ولو أنهم اختصروا هذا الدليل الطويل العريض وقالوا الكون مخلوق وكل مخلوق لا بد له من خالق لكان أيسر وأخصر وأقرب للصواب. لكنه إعطاء العقل أحياناً أكبر من حجمه الطبيعي يورد هذه الموارد.

3- التوحيد:
التوحيد عند أهل السنة معروف بأقسامه الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، والتوحيد عند أهل السنة هو أول واجب على المكلف.
أما الأشاعرة فالتوحيد عندهم هو: نفي التثنية أو التعدد ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة وحسب تعبيرهم نفي الكمية المتصلة والكمية المنفصلة. ومن هذا المعنى فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع، أما التوحيد الحقيقي وما يقابله من الشرك والتحذير منه فلا ذكر له في كتبهم إطلاقاً.
وأول واجب على المكلف عند الأشاعرة ليس التوحيد بل النظر، فإذا بلغ الإنسان سن التكليف وجب عليه النظر ثم الإيمان.
وينكر الأشاعرة المعرفة الفطرية ويقولون أن من آمن بالله بغير طريق النظر فإنما هو مقلد ورجح بعض الأشاعرة كفره. يقول الجويني في الإرشاد ص25: "أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ أو الحلم شرعاً القصد إلى النظر الصحيح المفضي إلى العلم بحدث العالم والنظر في اصطلاح الموحدين هو الفكر الذي يطلب به من قام به علماً أو غلبة ظن"

4- الإيمان:
الأشاعرة في باب الإيمان مرجئة جهمية، يقولون بأن الإيمان هو التصديق القلبي وهذا بإجماع الأشاعرة. واختلفوا في النطق بالشهادتين أيكفي عند تصديق القلب أم لا بد من النطق بهما، وقد ذهب بعضهم إلى أن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بهما - قال بهذا من المعاصرين حسن أيوب والبوطي - فعلى كلامهم لا داعي لحرص النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول عمه أبو طالب لا إله إلا الله. وبناء على كلامهم الفاسد هذا أولوا كل نص ورد في زيادة الإيمان.

5- الصفات:
متقدمي الأشاعرة كالأشعري والباقلاني على مذهب أهل السنة في إثبات الصفات. أما متأخريهم كالرازي والغزالي ومن بعدهم فقد اقتصروا على إثبات سبع صفات وأولوا الباقي وسموها صفات الذات وهي: "العلم، القدرة، الإرادة، السمع، البصر، الكلام، والحياة" وأما الصفات الأخرى كالاستواء والعلو والنـزول وغيرها فكلها أولوها ووافقوا المعتزلة فيها.
بل حتى هذه الصفات السبع التي أثبتوها لم يثبتوها على طريقة السلف من خلال نصوص الكتاب والسنة ولكن أثبتوها عن طريق العقل:
فقالوا: وجدنا أن الأحداث التي تحدث من وقت لآخر، أفعال حديثة تتجدد، وهذا يدل على القدرة فبذلك أثبتوا صفة القدرة فقالوا: نثبت صفة القدرة بالأفعال التي تتجدد من إحياء وإماتة ورفع وخفض وغير ذلك؛ لأن من يفعل مثل هذه الأفعال لا بد أن يكون قديراً، فأثبتوا صفة القدرة. قالوا ثم التخصيص: بمعنى جعل هذا عالماً وذاك جاهلاً وهذا غنياً وذاك فقيراً، هذه التخصيصات تدل على الإرادة؛ لأنه لا يخصص هذا التخصيص إلا من له إرادة، فأثبتوا صفة الإرادة. ثم الإتقان والإحكام: فهذا الإحكام البديع وهذا الإتقان في المخلوقات يدل على العلم، فأثبتوا صفة العلم. ثم قالوا: الذي يتصف بالقدرة والإرادة والعلم لا بد أن يكون حياً، فأثبتوا صفة الحياة. ثم قالوا: الحي لا بد أن يكون سميعاً بصيراً متكلماً فأثبتوا صفة السمع والبصر والكلام. فأثبتوا هذه الصفات السبع عن طريق العقل.
وقد أطال النفس العلامة ابن القيم في الصواعق المرسلة، في الرد عليهم في إثبات بعض الصفات ونفي البعض الآخر في مناقشة علمية هادئة فيقول -رحمه الله-: "فما الذي سوغ تأويل بعضها دون بعض؟ وما الفرق بين ما أثبتها وما أولتها من جهة السمع أو العقل؟ ودلالة النصوص على أنه له سمعاً وبصراً وعلماً وقدرةً وإرادةً وحياةً وكلاماً، كدلالتها على أن له محبةً ورحمةً ووجهاً ويدين، فدلالة النصوص على ذلك سواء فإن قلت:
إن إثبات الإرادة والمشيئة لا يستلزم تشبيهاً وتجسيماً، وإثبات حقائق ما أولته يستلزم التشبيه والتجسيم، فإن الرحمة رقة في القلب تعتري طبيعة الحيوان... قيل لك: وكذلك الإرادة هي ميل النفس إلى جلب ما ينفعها ودفع ما يضرها ومثلها جميع ما أثبتته من الصفات إنما هي أعراض قائمة بالأجسام في الشاهد فكيف لزم التشبيه والتجسيم من إثبات تلك الصفات ولم يلزم من إثبات هذه؟. فإن قلت: أنا أثبتها على وجه لا يماثل صفاتنا ولا يشبهها، قيل لك: فهلاّ أثبت الجميع على وجه لا يماثل صفات المخلوقين؟ فإن قلت: هذا لا يعقل، قيل لك: فكيف عقلت سمعاً وبصراً ليست من جنس صفات المخلوقين؟ فإن قلت: أنا أفرق بين ما يتأول وما لا يتأول بأن ما دل العقل على ثبوته يمتنع تأويله كالعلم والحياة وما لا يدل عليه العقل يجب أو يسوغ تأويله كاليد والوجه فإن الفعل المحكم دل على قدرة الفاعل قيل لك:
أولاً: العقل قد دل على ما أولته كدلالته على ما أثبته فمثلا: الإنعام والإحسان وكشف الضر وتفريج الكربات دليل على الرحمة ومثلها بقية الصفات التي أولتها.
ثانياً: هب أن العقل لا يدل على إثبات هذه الصفات التي نفيتها فإنه لا ينفيها والسمع دليل مستقل بنفسه بل الطمأنينة إليه في هذا الباب أعظم من الطمأنينة إلى مجرد العقل فما الذي سوغ لك نفي مدلوله.
ثالثاً: يقال له إن كان ظاهر النصوص يقتضي تشبيهاً وتجسيماً فهو يقتضيه في الجميع فأول الجميع وإن كان لا يقتضي ذلك لم يجز تأويل شيء منه...." إلى آخر رده الرصين -رحمه الله-.

6- القرآن:
مذهب أهل السنة والجماعة في القرآن واضح وهو أنه كلام الله غير مخلوق، وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل وسمعه موسى -عليه السلام- ويسمعه الخلائق يوم القيامة.
ومذهب المعتزلة أيضاً واضح: أنه مخلوق. فجاء الأشاعرة وأرادوا التوفيق بين القولين، فجاء توفيقهم تلفيقاً. فهم أولاً فرقوا بين المعنى واللفظ، فالكلام الذي يثبتونه لله تعالى هو معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء. واستدلوا بالبيت المنسوب للأخطل النصراني:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلا

فالقرآن عند الأشاعرة: عبارة عن كلام الله النفسي والكلام النفسي -على حد زعمهم- شيء واحد في ذاته لكن إذا جاء التعبير عنه بالعبرانية فهو توراة، وإن جاء التعبير عنه بالسريانية فهو إنجيل وإن جاء بالعربية فهو قرآن فهذه الكتب عندهم كلها مخلوقة ووصفها بأنها كلام الله مجاز لأنها تعبير عنه.
ثم اختلف الأشاعرة فيما بينهم: فقال بعضهم إن الله خلق القرآن أولاً في اللوح المحفوظ، ثم أنزله في صحائف إلى سماء الدنيا فكان جبريل يقرأ هذا الكلام المخلوق ويبلغه لمحمد -صلى الله عليه وسلم-.
وقال آخرون: إن الله أفهم جبريل كلامه النفسي وأفهمه جبريل لمحمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فالنـزول نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال؛ لأن الأشاعرة ينكرون علو الله وهذا من طامّاتهم التي تدركها حتى البهائم ثم اختلفوا في الذي عبر عن الكلام النفسي بهذا اللفظ والنظم العربي، من هو؟ فقال بعض الأشاعرة: هو جبريل وقال آخرون بل هو محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وعلى القول بأن القرآن الذي نقرؤه في المصاحف مخلوق سار الأشاعرة المعاصرون وصرحوا بذلك. وهناك رسالة قيمة لشيخ الإسلام -رحمه الله- تسمى: "التسعينية" استغرق موضوع الرد عليهم في القرآن أكثر مباحثها.


7- نظرية الكسب:
وهذا في الحقيقة من عجائب الأشاعرة والتي لم يفهموها هم فكيف بغيرهم ولهذا قيل:

مما يقال ولا حقيقة تحته *** معقولة تدنو إلى الإفهام
الكسب عند الأشعري والحال *** عند البهشمي وطفرة النظام

وخلاصة هذه النظرية: أن أفعال العباد خلق لله وكسب للعباد بمعنى: أن العبد إذا توجهت إرادته نحو عمل ما، خلق الله قدرة العبد وخلق معها الفعل فقدرة العبد مهمتها كسب الفعل، وقدرة الله مهمتها خلق الفعل، ومناط التكليف والثواب والعقاب على الكسب.
يقول الشهرستاني: "... الفعل الحاصل إذا أراده العبد وتجرد له ويسمى هذا الفعل كسباً فيكون خلقاً من الله تعالى إبداعاً، وإحداثاً وكسباً من العبد حصولاً تحت قدرته".
وكما ترون كلام -كما قلت- لم يفهموه هم حتى أن الرازي نفسه عجز عن فهمه فقال: "إن الإنسان مجبور في صورة مختار" فكيف يكون مجبوراً ويكون مختاراً؟
وقد أراد البغدادي أن يوضح هذه النظرية لأحد أصحابه فأتى بمثال لكي يشبه اقتران قدرة الله بقدرة العبد مع نسبة الكسب إلى العبد فقال: لو أن هناك حجز كبير، وقد عجز عن حمله رجل، وهناك رجل آخر يستطيع حمل الحجر لوحده، فإذا اجتمعا كليهما على حمل الحجر، كان حصول الحمل بأقواهما، ولا خرج أضعفهما بذلك عن كونه حاملاً.
ولاشك في فساد هذا المثال لمن تأمله.
فالأشاعرة بهذه النظرية خرجوا عن المنقول والمعقول وقد رد عليهم العلامة ابن القيم -رحمه الله- في شفاء العليل فقال: "إذا كان الإنسان ليس بفاعل حقيقة والفاعل هو الله -سبحانه وتعالى- وأفعال الإنسان قائمة لم تقم بالله فإذا لم يكن الإنسان فاعلها مع قيامها به فكيف يكون الله هو فاعلها؟ ولو كان الله فاعلها لعادت أحكامها إليه واشتقت له منها أسماء وذلك مستحيل إذ يتعالى -سبحانه وتعالى- عن ذلك فيلزم إذاً أن تكون أفعالاً لا فاعل لها، وهو باطل فما يؤدي إليه مثله.
خلاصة قول أهل السنة: أن العبد يفعل الفعل حقيقة، والله خالقه وخالق أفعاله.
ترتب على قول الأشاعرة بنظرية الكسب النقطة التي تليها:

8- التكليف بما لا يطاق:
تقول الأشاعرة بأنه يجوز أن الله يكلف عباده ما لا يطيقونه؛ لأن مشيئته مطلقة ولا يقبح منه شيء البتة.
يقول الشهرستاني في الملل والنحل وهو يحكي آراء الأشعري: "وتكليف ما لا يطاق جائز على مذهبه".
غير أن الأشاعرة يفرقون بين نوعين من التكليف:
الأول: ما يعجز عنه العبد لعدم القدرة عليه أصلاً كتكليف الأعمى أن يبصر، قالوا وهذا ما لا يكلف الله به.
الثاني: ما لا يستطيعه العبد لأنه صرف الجهد عنه وهذا جائز عندهم، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [(286) سورة البقرة] قالوا: لو لم يكن التكليف بما لا يطاق جائزاً لما دعوا الله أن لا يحملهم إياه.
والرد عليهم: بأن أول الآية صريح في عدم التكليف بما لا يطاق قال الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] وكلام الله يحمل على ظاهره ولا يخرج من العموم إلى الخصوص إلا بحجة ظاهرة، أما القصد من الدعاء في قوله: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} فيحتمل أن يراد به لا تحملنا من العذاب العاجل والآجل ما لا طاقة لنا به أو لا تشدد علينا كما شددت على بنى إسرائيل.
والعلامة ابن القيم في كتابة عدة الصابرين له رد نفيس على الأشاعرة في بدعتهم هذه فيقول -رحمه الله-: "وتأمل قوله تعالى: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [(147) سورة النساء] كيف تجد في ضمن هذا الخطاب أن شكره تعالى يأبى تعذيب عباده بغير جرم كما يأبى إضاعة سعيهم... إلى أن قال: وفي هذا رد لقول من زعم أنه سبحانه يكلف ما لا يطيقه ثم يعذبه على ما لا يدخل تحت قدرته، تعالى عند هذا الظن الكاذب والحسبان الباطل علوا كبيراً" ص280.

9- الحسن والقبح:
مر معنا بأن الأشاعرة يغلبون جانب العقل في كثير من معتقداتهم ومن عجائبهم بل ومتناقضاتهم أنهم في مسألة التحسين والتقبيح ألغوا جانب العقل تماماً بل وحتى الفطرة وقالوا بأن مرد الحسن والقبح هو الشرع وحده وكأنهم بفعلهم وقولهم هذا رد فعل لقول المعتزلة الذين يقولون بأن الحسن والقبح يعرف بالعقل.
وترتب على أصلهم الفاسد هذا قولهم بأن الشرع قد يأتي بما هو قبيح في العقل، فإلغاء دور العقل تماماً أسلم من نسبة القبح إلى الشرع، ومثلوا لذلك بذبح الحيوان قالوا بأنه في ذبحه إيلام له بلا ذنب وهو قبيح في العقل ومع ذلك أباحه الشرع وهذا في الحقيقة هو قول البراهمة الذين يحرمون أكل الحيوان. ولابن القيم -رحمه الله تعالى- رد على الأشاعرة في مسألة التحسين والتقبيح في كتابه مفتاح دار السعادة وقد وساق آيات كثيرة كلها تدل على إثبات الحسن والقبح عقلاً مثل قوله تعالى: {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ} [(157) سورة الأعراف] فلو كان لا معنى للمعروف إلا ما أمر به ولا المنكر إلا ما نهى عنه كما تزعمه الأشاعرة لكان معنى الآية: يأمرهم بما يأمرهم به وينهاهم عما ينهاهم عنه وهذا كلام ينـزه عنه آحاد العقلاء فضلاً عن كلام رب العالمين وهل دلت الآية إلا على أنه أمرهم بالمعروف الذي تعرفه العقول وتقر بحسنه الفطر ونهاهم عما هو منكر في الطباع والعقول. وأيضاً قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] فهذا صريح في أن الحلال كان طيباً قبل حله وأن الخبيث كان قبل تحريمه ولم يستفد طيب هذا وخبث هذا من نفس الحل والتحريم إلى غير ذلك من الآيات.
وخلاصة رأي أهل السنة والجماعة في الحسن والقبح: أنه يثبت بالعقل ويمكن للعقل أن يدرك حسن وقبح الأشياء لكن لا يترتب على هذا الإدراك أو هذه المعرفة ثواب ولا عقاب إلا بالشرع.
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كلام ابن القيم في مفتاح دار السعادة فقد رد عليهم من 63 وجهاً. وأيضاً له كلام في شفاء العليل.
وكذلك رد عليهم في مدارج السالكين ج1 ص 230-236
ج3 ص 488-492

10- تأثير الأسباب في حصول المسببات:
الأشاعرة ينفون الاقتران الضروري بين الأسباب والمسببات ويقولون بأن الأسباب لا تأثير لها في حصول المسببات وأن التلازم الظاهر بين الأسباب والمسببات إنما يرجع إلى جريان العادة بحصول المسبب عند وجود السبب وإلا فالمسبب حاصل سواء وجد السبب أو لم يوجد ولو وجد فإنه لا تأثير له في حصول المسبب.
فمثلاً: النار عند الأشاعرة لا تحرق وأيضاً هي ليست سبباً في الإحراق ولكن عند التقاء الخشب بالنار يخلق الله تعالى الاحتراق. فيقولون بأن الخشب احترق عند النار لا بالنار. والرجل إذا كسر الزجاجة يقولون ما انكسرت بكسره وإنما انكسرت عند كسره. والإنسان إذا أكل حتى شبع، يقولون ما شبع بالأكل وإنما شبع عند الأكل.
ومن قال بأن النار تحرق بطبعها أو هي علة الاحتراق، فهو كافر مشرك عند الأشاعرة؛ لأنه لا فاعل عندهم إلا الله مطلقاً، فلا ارتباط عندهم بين سبب ومسبب أصلاً، وإنما المسألة عندهم اقتران كاقتران الزميلين من الأصدقاء في ذهابهما وإيابهما، ومن متونهم في العقيدة:

والفعل في التأثير ليس إلا *** للواحد القهار جل وعلا
ومن يقل بالطبع أو بالعلة *** فذاك كفر عند أهل الملة
ومن يقل بالقوة المودعة *** فذاك بدعي فلا تلتفت

يقول الباقلاني: "ولو كانت هذه الطبائع موجبة لمسبباتها لكانت كلما تكررت وكثرت تكررت مسبباتها... إلى أن قال: ومن ثم فقد فسد أن تكون الطبائع موجبة لهذه الأمور وفقاً لمبدأ السببية".
ويقول الغزالي: "الاقتران بين ما يعتقد في العادة سبباً وبين ما يعتقد مسبباً ليس ضرورياً عندنا".
والصواب في المسألة: أن الله -جل وتعالى- ربط الأسباب بالمسببات إذا عملت الأسباب وقعت المسببات. والأسباب من قدر الله تعالى إذا أتى بها العبد وقع المقدور ومتى لم يأتي بها انتفى المقدور. فالله -جل وعز- قدر الشبع بالأكل وقدر الري بالشرب وقدر الولد بالنكاح والوطء فمن لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهذا لا ينافي قضاء الله وقدره.

11- الحكمة في أفعال الله:
أنكرت الأشاعرة أن يكون شيء من أفعال الله له حكمة تقتضي إيجاد الفعل أو عدمه، وهو تقريباً رد فعل لقول المعتزلة الذين يوجبون الفعل على الله. حتى أنكرت الأشاعرة كل لام للتعليل في القرآن.
وقالوا: إن كونه يفعل شيئاً لعلة ينافي كونه مختاراً مريداً وجعلوا أفعال الله كلها راجعة إلى محض المشيئة ولا تعليق لحكمه، ولهذا لم يثبت الأشاعرة صفة الحكمة لله، وبناء على أصلهم الفاسد هذا قالوا: بجواز أن يخلد الله في النار أخلص أوليائه ويخلد في الجنة أفجر الكفار، وقالوا: بجواز تكليف ما لا يطاق ونحوها لأنه لا يستلزم حكمة لأفعاله.
تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

12- النبوات:
تقول الأشاعرة بأن إرسال الرسل راجع للمشيئة المحضة كما في الفقرة السابقة ثم يقولون بأنه لا دليل على صدق النبي إلا بالمعجزة، ثم يقولون بأن أفعال السحرة والكهان من جنس المعجزة لكنها لا تكون مقرونة بإدعاء النبوة والتحدي، ثم قالوا ولو ادعى الساحر أو الكاهن النبوة لسلبه الله معرفة السحر رأساً وإلا كان هذا إضلالاً من الله وهو يمتنع عليه الإضلال.
وهذا كما تلاحظون كلام غريب ومخالف تماماً لما عليه أهل السنة بل وفيه إضعاف القوة اعتقاد المسلم في الأنبياء والرسل.
وعندما نال أعداء الإسلام واستطالوا طعناً في الأنبياء، لم يتكلم الأشاعرة ويدافعوا وينافحوا عن معتقدهم، لأنها أصلا مهزوزة عندهم.
بل أن بعض الأشاعرة قال كلاماً خطيراً في هذا الباب لو أخذ فقط على ظاهره لصار حاله لا يحسد عليه.
يقول الغزالي: وهو يفسر الوحي "بأنه انتقاش العلم الفائض من العقل الكلي في العقل الجزئي" وهذا هو عين كلام القرامطة نسأل الله العافية.

13- السمعيات:
يقسم الأشاعرة أصول العقيدة بحسب مصدر التلقي إلى ثلاثة أقسام:
1- قسم مصدره العقل وحده وهو معظم الأبواب ومنه باب الصفات.
2- قسم مصدره العقل والنقل معاً كالرؤية على خلاف بينهم.
3- قسم مصدره النقل وحده وهو السمعيات أي المغيبات من أمور الآخرة كعذاب القبر والصراط والميزان وهو عندهم ما لا يحكم العقل باستحالته، لكن لو لم يرد به الوحي لم يستطع العقل إدراكه منفرداً.
والحاصل أنهم في صفات الله جعلوا العقل حاكماً.

14- التكفير:
الأشاعرة مضطربون اضطراباً كبيراً في هذا الباب، فتارة يقولون نحن لا نكفر أحداً، وتارة يقولون نحن لا نكفر إلا من كفرنا، وتارة يكفرون بأمور لا تستوجب أكثر من التفسيق أو التبديع، وتارة يكفرون بأمور لا توجب مجرد التفسيق، وتارة يكفرون بأمور هي نفسها شرعية ويجب على كل مسلم أن يعتقدها. فأما قولهم لا نكفر أحداً فباطل قطعاً لأن الذي لا يدين بالإسلام فهو كافر بلا شك.
وأما قولهم لا نكفر إلا من كفرنا فباطل أيضاً، إذ ليس تكفير أحد لنا بمسبوغ أن نكفره إلا إذا كان يستحق ذلك شرعاً.
وأما تكفير من لا يستحق سوى التبديع مثل تصريحهم في أغلب كتبهم من قال إن الله جسم لا كالأجسام فهو كافر. وهذا ليس بكفر بل هو ضال مبتدع لأنه أتى بلفظ لم يرد به الشرع.
وأما تكفير من لا يستحق حتى مجرد الفسق أو المعصية كتكفيرهم من قال أن النار سبب للاحتراق.
وأما تكفيرهم بما هو حق في نفسه يجب اعتقاده فنحو تكفيرهم لمن يثبت علو الله.

يتبين لنا بعد هذا العرض السريع كيف أن الأشاعرة وقعوا في تناقضات عجيبة والسبب هو أنهم لم يُسلموا للوحي وضخموا جانب العقل ولم يعرفوا حدوده.

وإليك بعض تناقضات الأشاعرة:
- قالوا: بأن الجهة مستحيلة في حق الله ثم قالوا بإثبات الرؤية. قالوا باستحالة الجهة لأنهم أنكروا العلو ثم قالوا بإثبات الرؤية وهذا ظاهر التناقض. ولهذا قيل فيهم من أنكر الجهة وأثبت الرؤية فقد أضحك الناس على عقله.
- قالوا: إن لله سبع صفات عقلية يسمونها صفات المعاني وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام. ثم قالوا إن له سبع صفات أخرى وهي الصفات المعنوية وهي كونه حياً وكونه عالماً وكونه قادراً وكونه مريداً وكونه سميعاً وكونه بصيراً وكونه متكلماً. ثم لم يأتوا بالتفريق بين المعاني والمعنوية بما يقبله العقل بل إن غاية ما قالوه إن الصفات المعنوية أحوال. فإذا سألوا ما الحال ؟ قالوا: صفة لا معدومة ولا موجودة.
- قالوا: بأن أحاديث الآحاد مهما صحت لا يبنى عليها عقيدة ثم هم أسسوا مذهبهم في أخطر قضايا الاعتقاد (الإيمان، القرآن ، العلو) على بيتين من الشعر غير ثابتتين لشاعر نصراني هما:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلا


قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق

- قالوا: بأن رفع النقيضين محال وهو كذلك، وهم في تقريراتهم رفعوا النقيضين فقالوا إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا عن يمينه ولا عن شماله وهذا رفع للنقيضين.
- قالوا: بأن العقل يقدم على النقل عند التعارض بل العقل هو الأصل والنقل إن وافقه قُبل وإن خالفه رُد أو أُوّل. ثم في مسألة التحسين والتقبيح ألغوا العقل تماماً وقالوا بأن العقل لا يحسن شيئاً ولا يقبحه وردوه للشرع.
- قالوا: آيات الصفات يجب أن تأول، وآيات الحشر والإحكام قالوا بأن مأولها كافر يخرج عن الملة.
- قالوا: إن من قال بأن النار تحرق بطبعها كافر مشرك ومن أنكر علو الله على خلقه موحد منـزه.
- قالوا: بأن من لم يبلغه الشرع غير مؤاخذ. ثم قالوا: بأن المكلف إذا بلغ ولو كان مولوداً من أبوين مسلمين فإن أول واجب عليه النظر فإن مات قبل النظر اختلفوا في الحكم بإسلامه وجزم بعضهم بكفره.
وهذا غيض من فيض في تناقضاتهم، ومن أراد الاستزادة والتفصيل فليرجع للتسعينية لشيخ الإسلام - المجلد الخامس من الفتاوى الكبرى بالكامل -.

وبعد هذا الاستعراض يتضح الاستفسار الذي طرح في الأول وهو أن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة وذلك لأسباب:
1- إذا كان المرجئ والقدري ليسا من أهل السنة فما حكم من جمع بين الإرجاء والقدر أو الإرجاء والجبر أو جمع بين أصول المعتزلة وقول الرافضة أيكون هذا من أهل السنة والجماعة أم أكثر بعداً عنهم. إذا كانت المرجئة الخالصة ليست من أهل السنة والجماعة فكيف يكون حال الأشاعرة الذين جاءوا بالإرجاء كاملاً وزادوا عليه بدعاً أخرى. إذا كانت الجبرية الخالصة ليست هي أهل السنة فكيف يكون حال الأشاعرة الذين جاءوا بنظرية الكسب الذي هو جبر محض وزادوا عليه. أضف إلى أن كل ذم للصوفية فللأشاعرة منه نصيب لأن أكثر أئمة الصوفية أشاعرة كالغزالي وابن القشيري وغيرهم.
2- هل يرضى الأشاعرة أن يقال عنهم معتزلة - لا، وكذلك أهل السنة لا يرضون أن يقال عنهم أشاعرة مع أن المسافة بين الأشاعرة والمعتزلة أقرب بكثير من المسافة بين الأشاعرة وأهل السنة.
3- لو سمعت أحداً من العامة يشتم طائفة من الناس فقلت له أنت منهم أفيرضى بهذا أم يعتبره شتماً له؟ الجواب معروف. فالقول إذن في الأشاعرة الذين تمتلئ كتبهم بشتم وتضليل وتبديع أهل السنة وأحياناً بتكفيرهم، أيصح بعد هذا أن نقول بأن الأشاعرة من أهل السنة.
إذا لم يكن الأشاعرة من أهل السنة فمن هم:
الأشاعرة كباقي الفرق المبتدعة من أهل القبلة، ومن الثنتين وسبعين فرقة وهو أنهم على ضلالة وبدعة وأنهم متوعدين بالنار وعدم النجاة.
الحكم فيهم أنهم من أهل الوعيد.
ومذهب أهل السنة في الوعيدية واضح: وهو أننا لا نجزم بدخولهم النار وإنما نقول هم واقعون تحت الوعيد.
قال شيخ الإسلام بعدما وضّح اعتقاد الفرقة الناجية قال: "وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكاً فإن المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته" 3/179.
الحاصل أن قولنا أن الأشاعرة فرقة ضالة يعني أنها منحرفة عن طريق الحق ومنهج أهل السنة ولا يعني مطلقاً خروجها عن الملة وأهل القبلة.
وأيضاً نفرق عندما نتكلم عن الأشاعرة فإن الكلام على الفكر وعلى المدرسة الأشعرية وليس الكلام على فلان أو فلان بعينه.
ثم هنا سؤال يطرح نفسه وهو أن مذهب الأشاعرة ما دام أنه بهذا الشكل وبهذه المخالفات فما هو السبب أو السر في انتشار المذهب الأشعري هذا الانتشار الواسع في أنحاء العالم الإسلامي حتى كان يستقر في بعض الأزمنة أن مذهبهم هو أهل السنة والجماعة؟
الجواب على هذا السؤال الواسع تحتاج إلى إجابة واسعة فيقال:
بأن كل الكلام السابق عن الأشاعرة كلام عام يحتاج إلى تفصيل وإلا فشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- صرح في عدد من كتبه في مواضيع عدة بأن الأشاعرة أقرب الفرق إلى أهل السنة ذكر هذا في الحسنة والسيئة وغيرها.
ويجيب شيخ الإسلام عن سبب انتشار المذهب الأشعري فيقول:
1- لكثرة الحق الذي يقولونه وظهور الأثارة النبوية عندهم.
2- لبسهم ذلك بمقاييس عقلية بعضها موروث عن الصابئة وبعضها مما ابتدع في الإسلام واستيلاء ما في ذلك من الشبهات عليهم وظنهم أنه لم يمكن التمسك بالأثارة النبوية من أهل العقل والعلم إلا على هذا الوجه.
3- ضعف الأثارة النبوية الدافعة لهذه الشبهات والموضحة لسبيل الهدى عندهم.
4- العجز والتفريط الواقع في المنتسبين إلى السنة والحديث تارة يرون ما لا يعلمون صحته وتارة يكونون كالأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ويعرضون عن بيان دلالة الكتاب والسنة على حقائق الأمور.12/33
أما عن أهم أسباب انتشار مذهب الأشاعرة في العالم الإسلامي:
1- أفول نجم المعتزلة مع ظهور المذهب الأشعري كخصم لمذهبهم.
2- نشأة المذهب في حاضرة الخلافة العباسية "بغداد" ولا شك أن أنظار الناس في شتى الأقطار تتجه في الغالب إلى دار الخلافة ففيها الفقهاء والمحدثون والمقرئون.
3- تبنى بعض الأمراء والوزراء لمذهب الأشاعرة ومن أبرز هؤلاء:
أ- الوزير نظام الملك الذي تولى الوزارة لسلاطين السلاجقة.
ب- المهدي بن تومرت، مهدي الموحدين توفى سنة 524هـ فقد دعا إلى المذهب الأشعري وتبناه وكان له دور عظيم في نشره.
ج - نور الدين محمود زنكي الذي جاهد الصليبيين وكان من آثاره أنه بنى أكبر دار للحديث في دمشق ووكل مشيختها لابن عساكر وأنشأ في حلب المدرسة النفرية النورية وتولى التدريس فيها قطب الدين مسعود، وكان أحد أعلام أهل الكلام على المذهب الأشعري ولا شك أن لهذه المدارس المتمثلة في أولئك العلماء وغيرهم كان له الأثر العظيم في مقاومة التيار الباطني الإسماعيلي والقضاء على الدولة الفاطمية الباطنية حيث حلت محلها دولة سنية، وإن كان فيها بعض الأشعرية.
د- صلاح الدين الأيوبي: فقد حمل الكافة على عقيدة أبي الحسن الأشعري، وشرط ذلك في أوقافه بديار مصر.
4- جمهرة العلماء اعتمدوا المذهب الأشعري ونصروه، خاصة الفقهاء من الشافعية والمالكية المتأخرين، كالباقلاني، ابن فورك، البيهقي، الاسفراييني، الشيرازي، الجويني، القشيري، البغدادي، الغزالي، الرازي، الآمدي، العز بن عبد السلام، ابن جماعه، السبكي وغيرهم كثير، ولم يكن هؤلاء أشاعرة فقط، بل كانوا مؤلفين ودعاة إلى هذا المذهب.
وأيضا لا بد أن نعلم بأن الأشاعرة أنفسهم ليسوا على مذهب موحد واحد الكل متفق عليه بل بينهم اختلاف، وأحيانا يكون الاختلاف كبيراً. فالمذهب الأشعري مر بعدة أطوار، لهذا يصعب تحديد العقيدة الأشعرية تماماً. فهل المعتبر في تحديد المذهب ما يقوله مؤسسه فقط، أم لابد أن يدخل في ذلك ما قاله الأتباع؟ ثم هل المعتبر في المذهب الأقوال أو الأشخاص؟ أم المعتبر الأقوال الموافقة للمذهب الأشعري فقط؟.
مثاله: الفخر الرازي يعتبر من أهم أعلام وأئمة الأشعرية، وله في ذلك جهود ومؤلفات، ومع ذلك فقد دخل في الفلسفة وألف فيها كتباً مستقلة ففي هذه الحالة هل يؤخذ الرازي وكتبه على أنه أشعري أراد مزج عقيدة الأشاعرة بالفلسفة، أو تُفصَل الفلسفة عنده عن العقيدة الأشعرية وتعتمد أقواله الموافقة للمذهب فقط؟.
ثم الرجوع عند المذهب، وقع كثيراً لأعلام الأشاعرة فالأشعري نفسه ترك الأشعرية ورجع إلى عقيدة السلف، الكتب التي انتشرت وتلقفها الناس وصارت من الأصول المعتمدة في المذهب ثم أصحابها تراجعوا عن المذهب؟.
ثم التطور الذي حصل في المذهب - وسنمر عليه سريعاً بعد قليل - هل يعتمد الطور الأول أو الثاني أو الثالث وإذا اعتمد أحد الأطوار فلماذا؟ وما المصدر في ذلك؟. هذه أهم الصعوبات في تحديد العقيدة الأشعرية.
ولذا فأئمة الأشاعرة بعد الأشعري ليسوا على قول واحد حتى في الأصول؛ فبعضهم يثبت سبع صفات فقط ويأول الباقي. وبعضهم يثبت سبع صفات أخرى غير السبع.
والبعض يأخذ بأحاديث الآحاد والبعض لا يأخذ.
صفة الاستواء بعض الأشاعرة أثبتها والبعض أولها بالاستيلاء.
والبعض قال بعرش الرحمن والبعض أول العرش بالملك وقال بأنه استوى على ملكه.
الوجه واليدين والعين - بعض كبار الأشاعرة أثبتها والبعض الآخر نفاها وأولها والبعض الثالث سلك مسلك التفويض.
بعض الأشاعرة معارض للمعتزلة تماماً وبينهم حروب طاحنة، والبعض يحاول التوفيق بين الأشاعرة والمعتزلة ويقرب بعض الأقوال من بعض.
بعض الأشاعرة يهتم بالحديث والأثر والسنة، والبعض له صلات بالفلسفة وعلم الكلام.
وهكذا اختلافات غريبة لا تجد أحياناً لها تفسيراً فالمذهب مر بأطوار ومراحل وكل إمام يأتي كان يضيف ويحذف ويغير في المذهب بل في أصول المذهب أحياناً.

وإليك عرضاً سريعاً للتطور الذي حصل في المذهب الأشعري:
فأولاً هذا عرض سريع وملخص لعقيدة الأشعري نفسه لكي نلاحظ التطور في المذهب بعده:
1- يثبت الأشعري أن الله موجود واحد أزلي وأن العالم حادث.
2- إثبات صفات الله تعالى دون تفريق بين الخبرية والعقلية.
3- الصفات الاختيارية لا يثبتها صفات قائمة بالله تتعلق بمشيئة الله واختياره بل إما يؤلها أو يثبتها أزلية خوفاً من حلول الحوادث بذات الله.
4- يقول بأن القرآن كلام الله غير مخلوق لكن الكلام أزلي لا تتعلق بالمشيئة والإرادة.
5- يقول بإثبات الرؤية وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة.
6- الإيمان بالقدر مع القول بالكسب وأن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل.
7- الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ومرتكب الكبيرة مؤمن فاسق.
8- الإمامة والصحابة وأمور المعاد يقول بقول أهل السنة.

جاء بعد الإمام أبي الحسن الأشعري:
- أبو الحسن الطبري: توفي بحدود 380هـ.
كان أحد تلاميذه الأربعة الذين اختصوا به واسمه علي بن محمد بن مهدي أبو الحسن الطبري.
بدأ أبو الحسن في استخدام المنهج العقلي في تأويل النصوص ولم يفرق أبو الحسن بين الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة والأحاديث الثابتة.
بالنسبة للصفات الخبرية فهو يثبتها مع نفي أي دلالة فيها على التجسيم أو التبعيض على حد زعمه. مثاله: فهو حين تكلم على صفة اليدين لله وذكر الوجوه الواردة في معنى اليد، كالقوة والنعمة والجارحة والنفس والذات فأبطل هذه الأقوال كلها، وقال بإثبات اليدين مع التفويض الكامل لها ولذلك لم يثبت القبض ولا الطي.
حاول أبي الحسن الطبري أن يسير على منهج وسط بين المعتزلة وأهل الحديث.

- جاء بعده الباقلاني: توفي سنة 403هـ.
يعتبر الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري والباقلاني تلميذ من تلامذة الأشعري فهو قريب العهد به وعلى الرغم من أن تلامذة الأشعري كانوا أقوياء وذوي تأثير واسع إلا أن أحداً منهم لم يبلغ ما وصل إليه الباقلاني. ويكاد يجمع الباحثون على أن للباقلاني دور كبير في تطوير المذهب الأشعري ويمكن تلخيص التطورات في النقاط التالية:
1- الميل في المناقشات إلى العقل وضعف الاعتماد على النقل وإن كان الأمر لم يصل إلى الإهمال.
2- وضع المقدمات العقلية لمباحث العقيدة وعلم الكلام مثل مباحث الجوهر والعرض وأقسام العلوم والاستدلال والكلام عن الموجودات وأنواعها.
3- الميل إلى بعض أقوال المعتزلة وخاصة في بعض الصفات وإذا كان الأشعري أخذ يبعد عن الاعتزال في آخر كتبه، فالباقلاني أعاد المنهج الأشعري ليقرب من أهل الكلام.
4- تقعيد بعض القواعد الكلامية التي أصبحت فيما بعد من أصول الأشاعرة مثل القول بالجوهر الفرد وأن العرض لا يبقى زمانين وهكذا.
5- التركيز على مبدأ إنكار العِلّيه والسببية التي جعلها الله في الأشياء.

- ثم جاء ابن فورك المتوفي: سنة 406هـ.
وهو محمد بن الحسن بن فورك أبو بكر الأنصاري الأصبهاني أقام بالعراق ودرس المذهب الأشعري على يد أبي الحسن الباهلي أحد تلاميذ الأشعري..
يعتبر ابن فورك من معاصري الباقلاني لكن شيوخ الباقلاني في مسائل الكلام أكثر، وكان عناية ابن فورك بالحديث أكثر ويكفي أن أحد تلامذته هو الإمام البيهقي. وقد وافق ابن فورك الباقلاني في مسائل كثيرة لا نريدها لكن الذي يهمنا هو ما تميزه به ابن فورك الذي يعتبر تطوير في المذهب الأشعري فمنها:
1- العناية بالحديث والاهتمام به مع البقاء على منهج وطريقة أهل الكلام وتأويلاتهم وبذلك خف الحاجز الذي كان يفصل بين أهل السنة من أهل الحديث الذين يثبتون ما دلت عليه النصوص وأهل الكلام الذين كانوا بعيدين عن الاهتمام بعلم الحديث رواية ودراية وهذا المنهج الذي سلكه ابن فورك هو ما نجده أوضح وأقوى عند البيهقي.
2- الغلو في التأويل وكأنه صار هو الأصل والإثبات هو القليل.
3- تأويل صفة الاستواء والعلو وهذا تطور خطير وكبير في المذهب الأشعري ما قال به أحد من قبله، وإن كان قد أثر عنه المنع من تأويلها.

- ثم جاء البغدادي: المتوفى سنة 429هـ.
هو عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله أبو منصور البغدادي التميمي جوانب التطوير للمذهب عنده:
1- مخالفته صراحة لبعض أقوال شيخ الأشاعرة أبي الحسن الأشعري فهو يعرض الأقوال ومنها قول الأشعري ثم يرجح قولا آخر قال به غيره كابن كلاب أو غيره ومن ذلك مسألة إيمان المقلد ومعنى الإله.
2- تبنى بعض آراء المعتزلة كدليل حدوث الأجسام بقوة حتى صار فيما بعد من مسلمات المذهب الأشعري.
3- مسألة الاستواء سبق معنا بأن الباقلاني ومن قبله قالوا بإثباته بلا تأويل ثم جاء ابن فورك ومال فيه إلى التأويل، فجاء البغدادي فرد أولاً على قول المعتزلة بالتأويل بالاستيلاء ثم عرض أقوال من سبقه من الأشاعرة فمنهم من قال كذا ومنهم من قال كذا ثم قال: والصحيح عندنا تأويل العرش على معنى الملك. فأتى بشيء لم يُسبق إليه غفر الله له...
أما مسألة العلو فهو من نفاته.
4- البغدادي من أوائل الأشاعرة الذين أولوا الصفات الخبرية تماماً وصراحة كالوجه واليدين والعين فابن فورك ومن قبله أثبتوا لله الصفات الخبرية وإن كان ابن فورك أوّل بعضها كالقدم والأصبع واليمين فجاء البغدادي وقال بتأويل كل الصفات الخبرية.
5- من المعالم البارزة في منهج البغدادي مما كان له أثر فيمن أتى بعده صياغته لمذهب الأشاعرة على أنه مذهب أهل السنة والجماعة حتى كاد يستقر في أذهان كثير ممن ينتسب إلى الفقه والعلم بأن أقوال الأشاعرة يمثل المذهب الصحيح.

- ثم جاء البيهقي: المتوفي سنة 458هـ.
هو أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي البيهقي، أبو بكر الإمام الحافظ العلامة مجدد المذهب الشافعي في الفقه وأحد أعلام المحدثين
تطويره للمذهب:
1- كان له دور في ربط المذهب الأشعري بالفقه الشافعي.
2- دافع البيهقي عن علم الكلام ولما ذكر أقوال الشافعي المشهورة في ذم الكلام وأهله علق البيهقي على ذلك مبرراً ما نقله العلماء من الأخذ بالعقل أو علم الكلام. ولما ذم الشافعي الصوفية، دافع البيهقي عنهم بل ونقل إباحة أنواع السماع.
3- قام البيهقي بدور عظيم في الفتنة التي وقعت على الأشاعرة المعروفة بفتنة القشيري - أنظر التسعينية ص333 - والتي وقعت سنة 445هـ واستمرت عدة سنوات حيث أُعلن في نيسابور لَعن أبي الحسن الأشعري وصارت فتنة عظيمة حتى اضطر كثير من الأشاعرة إلى الهجرة من خراسان وكان منهم القشيري والجويني وغيرهما فكتب القشيري رسالة سماها: شكاية أهل السنة لما نالهم من المحنة. وقال فيها: أيلعن إمام الدين ومحيى السنة؟ ثم رفع إلى السلطان بعض مقالات الأشعري لكي يسكت أصحاب الفتنة وكان زعيمها رجل يدعى الوزير الكندري فلم يقبل السلطان ذلك وكان أسمه "طغر لبك" إنما أوعز بلعن الأشعري وقال الأشعري عندي مبتدع يزيد على المعتزلة، فقال القشيري يا معشر المسلمين الغياث الغياث.
فقيل: لو أن القشيري لم يعمل هذه الرسالة لكان أستر للحال، ولم تزول الفتنة إلا عام 456هـ حيث تولى الحكم ألب أرسلان وإستوزر نظام الملك الذي قام بنصره الأشاعرة وبني لهم عدة مدارس فكان البيهقي من القلائل الذين دافعوا عن الأشعري والأشاعرة في تلك الفتنة وصار يكتب الرسائل في مدح الأشعري وأسرته ويرسل بها ويجعله أحد المجددين، فكانت له جهود عظيمة في خدمة ودعم المذهب الأشعري وإعادة الثقة بهذا المذهب عند أتباعه ومعتنقيه.

- ثم جاء القشيري: المتوفى سنة 465هـ.
وهو: عبد الكريم بن هوزان بن عبد الملك القشيري النيسابوري.
تطويره للمذهب:
1- دفاعه عن الأشاعرة وقت المحنة وقد فاق دفاعه أغلب أئمة الأشاعرة وكتب رسالته المشهورة، وقد طبعت عدة مرات يبث فيها أشجانه ويدافع عن الأشعري وعن الأشاعرة.
2- إدخال التصوف في المذهب الأشعري وربطه به وذلك حين ألف رسالته المشهورة في التصوف وأحواله وتراجم رجاله المشهورين فذكر في أحد فصول الرسالة وفي ثناياها أن عقيدة أعلام التصوف هي عقيدة الأشاعرة.
ولم يكن تصوف القشيري تصوفاً سنياً كما يظن البعض، بل كان يؤمن بوجود القطب والأوتاد والإبدال والغوث ودعوته إلى آداب المريد مع الشيخ وإباحته للسماع وزادت صلته بالصوفية حتى صار شيخاً فيها.
ولا شك أن القشيري يمثل مدرسة كان لها الأثر الكبير في عقائد ومنهج الإشاعرة.

- ثم جاء الجويني: المتوفي سنة 478هـ.
وهو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري أبو المعالي إمام الحرمين اشتهر الجويني خاصة بعد فتنة الأشاعرة والتي بسببها جاور في الحرمين وسمي بإمام الحرمين.
طور المذهب من خلال الآتي:
1- مال إلى كثير من آراء المعتزلة حيث أنه تأثر بهم أكثر ممن سبقه من الأشاعرة.
في الاستواء قال بالاستيلاء، والتأويل الصريح لصفة الوجه واليدين والعين، مسألة التحسين والتقبيح قال بما قالت به المعتزلة.
2- دفاعه عن المعتزلة فيما نقله من مذاهبهم.
3- صلة خاصة بكتب أبي هاشم الجبّائي المنظّر لإحدى فرق المعتزلة البهشمية ودفاعه عن أبي هاشم.
4- صلته بالفلسفة وعلوم الأوائل، فاطلع على كتبهم واستفاد منها في تأصيل المذهب الأشعري في بحوثه الكلامية ولذلك جاء تفكيره متسماً بنـزعة فلسفية عميقة.
5- يعتبر الجويني من أئمة الشافعية وقد كتب كتاباً يفضل فيه مذهب الشافعي ويرى أنه الأحق بالإتباع، ومن أبرز الأمور الملفتة والبارزة في منهجه إدخاله مسائل المنطق والكلام في أصول الفقه وقد تأثر بمنهجه هذا من جاء بعده من الأشاعرة مثل الغزالي والرازي والآمدى وغيرهم.
يتبين مما سبق كيف أنه خطا بالمذهب الأشعري نحو الاعتزال والتأصيل الكلامي.

- ثم جاء الغزالي: المتوفي سنة 505هـ.
وهو: أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي.
الغزالي لوحده يحتاج إلى دراسة مستقلة لما أحدثه -رحمه الله- ودخوله في الفلسفة والتصوف بعمق. وقد كُتبت دراسات وبحوث مستقلة وعديدة عن الغزالي لكن قبل عرض وتلخيص تطويره في المذهب بشكل نقاط سريعة ينبغي أن نذكر بأن الغزالي:
- أتى بقانون لم يُسبق إليه إلاّ ما عند الفلاسفة ثم صار فيما بعد أحد ركائز العقيدة الأشعرية ولم يقل به من تقدمه وهو: التعارض بين العقل والنقل وهذه قضية خطيرة لم يسبق إليها مما جعل شيخ الإسلام يفرده بمؤلف كبير مستقل في 11 مجلد للرد على هذه الفكرة - درء تعارض العقل والنقل -.
- حول الغزالي المعركة بين الأشاعرة والمعتزلة إلى معركة بين الأشاعرة والفلاسفة.
- اشتهر الغزالي بالتصوف الفاضح ولذا فهو يمثل مرحلة خطيرة من مراحل امتزاج التصوف بالمذهب الأشعري حتى كاد أن يكون جزء منه.
تطويره لمعتقد الأشاعرة إضافة إلى ما سبق:
1- ميله إلى تأويل عذاب القبر وعذاب النار ونعيم الجنة بتأويلات قرمطية باطنية وهذه من الأمور الخطيرة عنده.
2- إنكار السببية.
3- تكريس قانون التأويل الكلامي في المذهب الأشعري.
4- لا مانع أن يحمل الإنسان أكثر من عقيدة.

- ثم جاء فخر الدين الرازي: المتوفى سنة 606هـ.
وهو: محمد بن عمر بن الحسن فخر الدين أبو عبدالله القرشي الرازي. الرازي يمثل مرحلة خطيرة في مسيرة المذهب الأشعري فهذا الإمام ترك مؤلفات عديدة دافع فيها عن المذهب الأشعري كما أنه أفاض في بعضها في دراسة الفلسفة فوافق أصحابها حيناً وخالفهم حيناً آخر بل وصل الأمر به إلى أن يؤلف في السحر والشرك ومخاطبة النجوم لكنه -رحمه الله- انتهى في آخر عمره إلى مذهب أهل الحديث.
تطويره للمذهب:
1- القرب من المعتزلة والرد على أدلة الأشاعرة مع النقد لأعلام الأشاعرة فنقد الغزالي والبغدادي والشهرستاني وغيرهم.
2- دافع عن تكفير المعتزلة والخوارج والروافض.
3- تصريحه بالجبر في مسألة القدر.
4- ومن الآثار البارزة في المنهج متابعة من جاء بعده له في خلط علوم الفلسفة بعلم الكلام.

ولعلي أكتفي بهذا القدر ليتضح المقصود وهو أن عقيدة الأشاعرة ليست واضحة تماماً ومحدده ومتفق عليها وأن كل إمام كان يحدث تغييرات ليست فرعية بل منهجية وأصولية ولولا الإطالة لسردت لكم خلاصات أفكار والتغييرات التي أحدثها غير من سبق ذكرهم، لكن أذكر لكم أسمائهم سريعاً للمعرفة برموز الأشاعرة:
- أبو الحسن الآمدي توفي سنة 631هـ.
- العز بن عبد السلام توفي سنة 660هـ.
- صفى الدين الهندي توفي سنة 715هـ.
- بدر الدين ابن جماعه توفي سنة 733هـ.
- البيضاوي توفي سنة 685هـ.
- الإيجي توفي سنة 756هـ.
- أبو على السكوني توفي سنة 717هـ.

وقبل أن استعراض السمات الأخيرة تقريباًَ التي استقر عليها المذهب الأشعري لعلي أشير إلى رجل ذكرت اسمه قبل قليل له علاقة بالأرضية النهائية التي استقر عليها المذهب الأشعري وهو:
عضد الدين الإيجي: توفي سنة 756هـ هذا الإمام له كتابان:
1- العقائد العضدية - متن مختصر وضعت عليه شروح وحواشي عديدة
2- المواقف في علم الكلام. وهو كتاب متوسط يقع في 430 صفحة يمتاز هذا الكتاب بالتقسيم الجيد، فهو قسّم الكتاب إلى ستة مواقف، الأربعة الأولى في المقدمات المنطقية، والخامس والسادس في الإلهيات ويقسم الموقف إلى مراصد وكل مرصد إلى مقاصد وكل مقصد إن احتاج إلى مسالك. والكتاب له شروح وعليها حواشي بلغت ثمانية مجلدات كبار، يمتاز الكتاب بأسلوبه وعباراته القوية السلسلة مع البعد عن التطويل.
منـزلة هذا الكتاب عند الأشاعرة ممن جاء بعده أنه يمثل الصياغة النهائية لمذهب الأشاعرة لا سيما الطبعة التي بشرح الجرجاني فهو يعد حصيلة تراث الأشاعرة. والكتاب يضارع ما بلغه المغني للقاضي عبد الجبار بالنسبة للمعتزلة وما بلغه كتاب الشفاء لابن سينا بالنسبة للفلاسفة وقد كان دعم هذا الكتاب للمذهب الأشعري مع سهولته ودقة تبويبه أن أصبح مقرراً دراسياً في العصور المتأخرة لدى كثير من المعاهد والجامعات في بعض أنحاء العالم الإسلامي.

مما سبق يتبين كيف تطور المذهب الأشعري وكيف أن المذهب دخل في متاهات على يد أعلامه، متاهات كلامية وفلسفية وصوفية، فقرب من الاعتزال وخلط علومه بمقدمات الفلاسفة المنطقية وغيرها وقرن ذلك بالتصوف المنحرف.
أما ما استقر عليه مذهب الأشاعرة فلا يمكن تحديده بدقة لاختلاف الأقوال وتعارضها، وقد يثبت بعضهم ما نفاه الآخرون لكن يمكن أن يقال بأن الأرضية التي استقر عليها المذهب الأشعري هو ما سطره الإيجي في كتابه المواقف. مع ملاحظة أن الأشاعرة حتى في العصور المتأخرة قد يعولون على كتب السابقين كالأشعري نفسه أو الباقلاني أو الجويني أو غيرهم. لكن يمكن تلخيص سمات المذهب الأشعري الأخيرة تقريباً في النقاط التالية:
1- ضرورة المقدمات المنطقية العقلية.
2- التمسك بدليل حدوث الأجسام.
3- استقرار القانون العقلي عند تعارض العقل والنقل.
4- خبر الآحاد لا يفيد اليقين فلا يُحتج به في العقائد.
5- مسألة نفي العلو والجهة أصبحت من المسائل المسلمة التي لا تقبل المناقشة.
6- التوحيد عندهم هو توحيد الربوبية فقط، ويدخلون فيه نفي الصفات الخبرية أما توحيد الألوهية فلا يشيرون إليه في كتبهم إلا من خلال موضوعات التصوف.
7- في الصفات استقر الأمر على إثبات سبع صفات وما عداها فيجب تأويلها.
8- الصفات الخبرية فيها قولان التأويل أو التفويض.
9- نفي الصفات الفعلية الاختيارية.
10- كلام الله هو الكلام النفسي.
11- الرؤية ثابتة لكن مع نفي العلو.
12- الإيمان ما لو فيه إلى مذهب المرجئة.
13- فيما يتعلق بحكمهم على من خالفهم بقي المذهب متأرجحاً بين التكفير لغالب الطوائف والإعذار لهم.
14- مسألة الإمامة وأحوال القيامة والجنة والنار والشفاعة وعدم خلود أهل الكبائر في النار بقي موافقاً لمذهب أهل السنة والجماعة.



***** هل الاشاعرة أهل سنة *****



الأشاعرة ليسوا من أهل السنة وإنما هم أهل كلام، عدادهم في أهل البدعة :

قال الإمام أبو نصر السجزي في فصل عقده في كتابه " الرد على من أنكر الصوت والحرف " لبيان السنة ما هي؟ وبم يصير المرء من أهلها؟

قال ص 100-101"...فكل مدَّعٍ للسنة يجب أن يطالب بالنقل الصحيح بما يقوله، فإن أتى بذلك علم صدقه، وقبل قوله، وإن لم يتمكن من نقل ما يقوله عن السلف، عُلم أنه محدث زائغ، وأنه لا يستحق أن يصغى إليه أو ينظر في قوله، وخصومنا المتكلمون معلوم منهم أجمع اجتناب النقل والقول به ، بل تمحينهم لأهله ظاهر، ونفورهم عنهم بين، وكتبهم عارية عن إسناد ، بل يقولون: قال الأشعري، وقال ابن كلاب، وقال القلانسي، وقال الجبائي... " .

بل يذهب - رحمه الله – أبعد من ذلك ؛ فيرى أن ضررهم أكثر من ضرر المعتزلة، فيقول ( ص 222 ) : " ثم بُليَ أهل السنة بعد هؤلاء؛ -أي المعتزلة- بقوم يدَّعون أنهم من أهل الاتّباع، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم ، وهم أبو محمد بن كلاب وأبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري...".

معللاً رأيه هذا بقوله ( ص 223) : " فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردوه على المعتزلة " ، وقوله ( ص 177-178) : "... لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تستقف – أي تأتي من الخلف - ولم تموِّه .

بل قالت: إن الله بذاته في كل مكان وإنه غير مرئي، وإنه لا سمع له ولا بصر... فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء. والكلابية، والأشعرية قد أظهروا الرد على المعتزلة، والذب عن السنة وأهلها، وقالوا في القرآن وسائر الصفات ما ذكرنا بعضه ".

وروى ابن عبدالبر عن ابن خويز منداد المصري المالكي: أنه قال في كتاب الشهادات من كتابه "الخلاف"، في تأويل قول مالك: لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء قال: " أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته " . ( جامع بيان العلم وأهله ، 2/117) .

وقال أبو العباس ابن سريج الشافعي : " لا نقول بتأويل المعتزلة ، والأشعرية ، والجهمية ... الخ " . ( منهج الأشاعرة للشيخ سفر ، ص 18 ) .

وقال الإمام أبوالحسن الكرجي الشافعي : " لم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن يُنسبوا إلى الأشعري ، ويتبرأون مما بنى الأشعري مذهبه عليه ، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه " . ( المرجع السابق ) .

ولما زلّ السفاريني في كتابه " لوامع الأنوار " ( 1/73) وقال : "أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية: وإمامهم أحمد بن حنبل. والأشعرية: وإمامهم أبو الحسن الأشعري. والماتريدية: وإمامهم أبو منصور الماتريدي " !

تعقبه في الحاشية بعض أهل العلم - ولعله الشيخ ابن سحمان رحمه الله - فقال: "هذا مصانعة من المصنف رحمه الله تعالى في إدخاله الأشعرية والماتريدية في أهل السنة والجماعة، فكيف يكون من أهل السنة والجماعة من لا يثبت علو الرب سبحانه فوق سماواته، واستواءه على عرشه ويقول: حروف القرآن مخلوقة، وإن الله لا يتكلم بحرف وصوت، ولا يثبت رؤية المؤمنين ربهم في الجنة بأبصارهم، فهم يقرون بالرؤية ويفسرونها بزيادة علم يخلقه الله في قلب الرائي، ويقول: الإيمان مجرد التصديق وغير ذلك من أقوالهم المعروفة المخالفة لما عليه أهل السنة اولجماعة ؟! ".

كما علق على ذلك أيضاً الشيخ عبدالله أبابطين – رحمه الله - بقوله: " تقسيم أهل السنة إلى ثلاث فرق فيه نظر، فالحق الذي لا ريب فيه أن أهل السنة فرقة واحدة، وهي الفرقة الناجية التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عنها بقوله: (هي الجماعة)، وفي رواية: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، أو (من كان على ما أنا عليه وأصحابي). قال: وبهذا عرف أنهم المجتمعون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا يكونون سوى فرقة واحدة، -قال-: والمؤلف نفسه يرحمه الله لما ذكر في المقدمة هذا الحديث، قال في النظم:
وليس هذا النص جزماً يُعتبرْ *** في فرقةٍ إلا على أهل الأثر
يعني بذلك: الأثرية. وبهذا عرف أن أهل السنة والجماعة هم فرقة واحدة " .

وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز –رحمه الله- جواباً عن قول الصابوني : "إن التأويل لبعض الصفات لا يخرج المسلم عن جماعة أهل السنة" :
قال: " الأشاعرة وأشباههم لا يدخلون في أهل السنة في إثبات الصفات لكونهم قد خالفوهم في ذلك وسلكوا غير منهجهم، وذلك يقتضي الإنكار عليهم وبيان خطئهم في التأويل، وأن ذلك خلاف منهج الجماعة... كما أنه لا مانع أن يقال: إن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة في باب الأسماء والصفات، وإن كانوا منهم في الأبواب الأخرى، حتى يعلم الناظر في مذهبهم أنهم قد أخطأوا في تأويل بعض الصفات وخالفوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان في هذه المسألة، تحقيقاً للحق وإنكاراً للباطل وإنزالاً لكل من أهل السنة والأشاعرة في منـزلته التي هو عليها..." . ( تنبيهات هامة على ماكتبه الصابوني ، ص 37-38) .

وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - في تعقيبه على مقالات الصابوني: " ليسوا – أي الأشاعرة - منهم – أي أهل السنة - في باب الصفات وما خالفوا فيه، لاختلاف مذهب الفريقين في ذلك". ( البيان لأخطاء بعض الكُتاب ، ص 28 ) .

قال الدكتور محمد باكريم : " والذي أميل إليه: أن لا يقال: الأشاعرة من أهل السنة إلا بقيد، فيقال: هم من أهل السنة في كذا، في الأبواب التي لم يخالفوا فيها مذهب أهل السنة.


لأننا إذا أطلقنا القول بأنهم من أهل السنة التبس الأمر وظن من لا دراية له بحالهم أنهم على مذهب أهل السنة والسلف في كل خصال السنة، والواقع أنهم ليسوا كذلك، بل في أقوالهم ما يخالف السنة في كثير من أبواب الاعتقاد
.

فليسوا على السنة المحضة في كل اعتقاداتهم .

وإذا أطلقنا القول بأنهم ليسوا من أهل السنة، كان ذلك حكماً بأنهم خالفوا السنة في كل أبواب الاعتقاد، والأمر ليس كذلك فقد وافقوا أهل السنة في أبواب الصحابة والإمامة وبعض السمعيات " . ( وسطية أهل السنة ، ص 89 ومنه استفدت كثيرًا من النقولات السابقة ) .

وقال الشيخ سفر : " الحكم الصحيح في الأشاعرة أنهم من أهل القبلة ، لا شك في ذلك ، أما أنهم من أهل السنة فلا " . ( منهج الأشاعرة ، ص 22 ) .





****** براءة الأشاعرة من مذهب أهل السنة والجماعة *****

شكل المذهب الأشعري منهجا جديدا مختلفا عما كان عليه السلف المتقدمون منذ أول لحظة من ظهوره, حيث إن الأشعري اعتمد طريقة ابن كلاب ومنهجه في تأسيس العقائد, ويكشف الشهرستاتي عن هذه الحقيقة فيقول في معرض مدحه لشيخه الأشعري :" حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسعد المحاسبي وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا علم الكلام وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية. .. وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة فأيد مقالتهم بمناهج كلامية وصار ذلك مذهبا لأهل السنة والجماعة وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية"([1])
ومن حين أن ظهر المذهب الأشعري باعتباره مذهبا عقديا له أصول وعقائد خاصة, اتخذ منه أئمة أهل السنة والجماعة الذين هم أخبر بمذهب الأئمة المتقدمين وأعلم بمدلولاتها موقفا واضحا, وعدوه من الفرق الخارجة عن السنة التي كان عليها الصحابة وتلاميذهم ومن جاء بعدهم من الأئمة المتبوعين نتيجة لما تلبس به من أخطاء منهجية وعقدية.
وقد تتالت مقالاتهم ومواقفهم التي تؤكد ذلك, وقام عدد من الباحثين في القديم والحديث بجمع تلك المقالات والمواقف التي صرح فيها أئمة مذهب أهل السنة بأن المذهب الأشعري خارج عن منهجهم وأنه يمثل مذهبا متناقضا مع مذهبهم.
ولكن هناك نافذة أخرى يمكن من خلالها تأكيد ذلك الحكم الذي اتخذه علماء أهل السنة, وهي مقالات ومواقف أئمة المذهب الأشعري ومحققيه التي أكدوا فيها على أن طريقتهم مخالفة للطريقة التي يقررها أئمة أهل السنة ومناقضة لها في المنهج والأصول.
وهذه النافذة لم تكشف بالشكل الكافي, وهي من أقوى الدلائل وأوضحها في التأكيد على أن المذهب الذي يقرره أئمة أهل السنة والمذهب غير الذي قرره أئمة المذهب الأشعري, كل منهما يختلف عن الآخر ويتناقض معه بوضوح وجلاء, وأن الخلاف بينهما ليس خلافا لفظيا وإنما هو خلاف جوهري ومنهجي, وأن إثبات صحة أحدهما يستلزم بطلان الآخر.
ويمكن أن نجمل أهم المواقف التي أعلن فيها أئمة المذهب الأشعري براءتهم من المذهب الذي يقرره أئمة أهل السنة في الأمور التالية:
الأمر الأول: تلقيبهم لمن أثبت ما عليه السلف بالحشوية :
المراد بالحشوية رذالة الناس وأقلهم منزلة ومكانة ومن لا فهم لهم ولا معرفة, ويعد المعتزلة أول من أطلق هذا اللقب على أهل السنة والجماعة من المحدثين والفقهاء قصدا منهم لتحقيرهم وإنزال مكانتهم, ثم تلقفه الأشاعرة من عندهم وأكثروا من إطلاقها في مؤلفاتهم, والمتأمل في استعمالاتهم لهذا اللقب يدرك بوضوح بأن من يعتقد المذهب الذي يقرره أئمة أهل السنة يدخل في ذلك الوصف بجلاء, فإنهم يطلقونه على جملة من يثبت الصفات الإلهية ويجري نصوصها على ظاهرها ولا يعتمد على التأويل, وكذلك من يقرر أن الإيمان حقيقة مركبة, ومن يقرر أن النظر ليس بواجب وغيرها من المقالات.
يقول الجويني : "ذهبت الحشوية المنتمون إلى الظاهر إلى أن كلام الله قديم, ثم زعموا أنه حروف وأصوات, وقطعوا بأن المسموع من أصوات القراء ونغماتهم عين كلام الله"([2]) , ويقول أيضا :"ذهبت الكرامية وبعض الحشوية إلى أن الباري -تعالى عن قولهم- متحيز مختص بجهة فوق"([3]) , ثم ساق الأدلة التي يستدل بها أئمة أهل السنة على إثبات العلو وقام بتأويلها.
ويقول الغزالي :" أما الحشوية فإنهم لم يتمكنوا من فهم موجود إلا في جهة، فأثبتوا الجهة-أي لله -حتى ألزمتهم بالضرورة الجسمية"([4]) .
ويقول الآمدي :" وبهذا ثبت فساد قول الحشوية : أن الإيمان هو : التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان"([5]) , وقد ذكر الجويني أن هذا القول الذي حكم الآمدي بفساده هو قول أصحاب الحديث, ثم صرح هو أيضا ببطلانه([6]) .
ويقول الرازي بعد أن ساق حجة تدل عنده على وجوب النظر, وهي :" تدل على فساد قول الحشوية الذين يقولون : نستفيد معرفة الله والدين من الكتاب والسنة"([7]) .
ويكشف السبكي عن مراد الأشاعرة بالحشوية فيقول :" هم طائفة ضلوا عن السبيل وعميت أبصارهم : يجرون آيات الصفات على ظاهرها, ويعتقدون أنه المراد"([8]) .
وقد تتالت مقالات أئمة المذهب الأشعري في تضليل الحشوية وتقبيحهم وذمهم, واختلفوا في حكم تكفيرهم على قولين مشهورين عندهم([9]) .
وإذا رجعنا إلى مقالات ومؤلفات أئمة أهل السنة, كالإمام مالك والشافعي وأحمد والثوري وابن عيينة والبخاري وغيرهم كثير نجدها دالة على الأقوال نفسها التي حكم عليها أئمة المذهب الأشعري بالحشوية, وهذا الصنيع منهم يدل بوضوح على أنهم يعدون المذهب الذي يقرره أئمة أهل السنة من المحدثين والفقهاء مذهبا باطلا وفاسدا وأنه خارج عن السنة ومناقض لما هم عليه وأنهم يختلفون معه اختلافا جوهريا وليس اختلافا لفظيا فقط.
الأمر الثاني: وصفهم لمن سلك طريقة السلف بالمجسمة والمشبهة :
يعد لفظ المشبهة من أكثر الألفاظ ذكرا في مؤلفات أئمة المذهب الأشعري, وعادة ما يطلق هذا اللقب على صنفين : الأول : المشبهة حقا, الذين صرحوا بالتشبيه واتخذوه مذهبا, كمقاتل بن سليمان وهشام ابن الحكم وداود الجواليقي وغيرهم([10]) , والثاني : من أجرى نصوص الأسماء والصفات على ظاهرها المتبادر وأقر بإثبات المعاني التي تدلت عليها مع نفيه للتشبيه والتمثيل كما هو المذهب الذي يقرره أئمة أهل السنة والجماعة, فهذا الصنف عند أئمة المذهب الأشعري يعد داخلا في المشبهة والمجسمة, فمن أثبت العلو والاستواء على العرش وأثبت أن القرآن كلام الله حقيقة وأنه حرف وصوت وأثبت النزول حقيقة, وأثبت الصفات الذاتية, كالوجه واليدين والرجل وغيرها مع نفي التمثيل يعد مشبها لديهم.
يقول الجويني في بيان عقيدة المشبهة :"وذهبت المشبهة إلى أنه – تعالى عن قولهم- مختص بجهة فوق"([11]) , ويقول السبكي:"إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهياء الإمرار على الظاهر والاعتقاد أنه المراد وأنه لا يستحيل على الباري, فذلك قول المجسمة, عباد الوثن الذين في قلوبهم زيغ يحملهم الزيغ على إتباع المتشابه ابتغاء الفتنة عليهم لعائن الله تترى واحدة بعد أخرى, ما أجرأهم على الكذب وأقل فهمهم للحقائق"([12]) .
والقارئ في مؤلفات أئمة المذهب الأشعري يجدهم يطلقون وصف المشبهة على كل من أثبت جميع الصفات الإلهية وأجرى نصوصها على ظاهرها حتى ولو صرح بنفي التشبيه والتمثل وعدم العلم بالكيفية, ويجد جل المواضع التي ينسبونها إلى المشبهة والمجسمة منطبقة بشكل ظاهر وجلي على ما هو مذكور في مؤلفات أئمة أهل السنة والجماعة, ومن ذلك – زيادة على ما ذكر – قول الرازي :" قالت المشبهة قوله تعالى : {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ} هذا يدل على أن الإله تعالى فوقهم بالذات"([13]) , ويقول :" قالت المشبهة قوله تعالى : {وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر : 22) يدل على أنه تعالى يحضر في ذلك المكان وتعرض عليه أهل القيامة صفاً"([14]) , ويقول أيضا :" المشبهة استدلوا بلفظ الإسراء في السورة المتقدمة وبلفظ الإنزال في هذه السورة على أنه تعالى مختص بجهة فوق"([15]) , وغيرها كثير مبثوث في مؤلفات المذهب الأشعري.
وقد تتالت مقالات أئمة الأشاعرة على تأكيد ضلال المشبهة وزيغهم والحكم عليهم بالخروج من السنة, وقد اختلفوا في حكم تكفيرهم على قولين مشهورين لديهم([16])
ولو رجعنا إلى نصوص أهل السنة من التابعين ومن بعدهم, وكذلك إلى المصنفات المشهورة المعتمدة, كالرد على الجهمية والرد على بشر المريسي للدارمي, وكتاب التوحيد لابن خزيمة وكتاب التوحيد لابن مندة والشريعة للآجري وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي غيرها تجدهم يقررون الأقوال التي يصفها أئمة المذهب الأشعري بالتشبيه والتجسيم.
وهذا يدل بوضوح على أن أئمة المذهب الأشعري لا يعدون الخلاف بينهم وبين أئمة أهل السنة خلافا لفظيا, وإنما هو خلاف جوهري متعلق بأصول الدين ومنهج فهمه.
وفضلا عما في قولهم هذا من التناقض البين ؛ فإن أئمة المذهب الأشعري المؤسسين له, كالأشعري والباقلاني يصرحون بإثبات صفة العلو وعدد من الصفات الذاتية كاليدين والوجه ونحوهما([17]) , فكيف لا يكونون مشبهة وهم يتفقون مع أهل السنة في إثبات ذلك النوع من الصفات؟!
الأمر الثالث: موقف أئمة المذهب الأشعري من كتاب التوحيد لابن خزيمة :
يعد ابن خزيمة من أشهر العلماء الممثلين لمذهب أهل السنة والجماعة ويعد كتابه من العمد الأصلية في تأسيس منهجهم, وقد نال شهرة واسعة جدا نتيجة لشهرة ابن خزيمة نفسه, فإنه كان يلقب بإمام الأئمة, وهو من أشهر أئمة المذهب الشافعي البارزين.
وقد أضحى كتابه ( التوحيد) معلما من معالم أهل السنة ومرجعا من مراجعهم الأصلية, ولأجل هذا تقصده بالرد والمعارض عدد من أعلام المذاهب العقدية الخارجة عن السنة, سواء من المعتزلة أو من الأشاعرة أو من غيرهم([18]) .
ومن أشهر وأول أئمة المذهب الأشعري الذين أعلنوا المخالفة لكتاب التوحيد لابن خزيمة : ابن فورك, فإنه قال بعد أن أوّل عددا كبيرا من نصوص الصفات :" ثم سألتم عند انتهائها إلى هذا الموضع من كتابنا أن نتأمل مصنف الشيخ أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة رضي الله عنه, الذي سماه كتاب التوحيد, وجمع فيه نوع هذه الأخبار التي ذكرت فيها هذه الألفاظ المتشابهة, وحمل ذلك على أنها صفات الله عز وجل, وأنه فيها لا يشبه سائر الموصوفين بها من الخلق, فتأملنا ذلك وبينا ما ذهب فيه عن الصواب في تأويله, وأوهم خلاف الحق في تخريجه, وجمعه بين ما يجوز أن يجري مجرى الصفة وما لا يجوز ذلك فيه, وذكرنا ألفاظا ذكرها في كتابه الذي روى وجمعها فيه مما لم يدخل فيما أملينا قبل, ورتبنا معانيها, وإن كنا قد أومينا إلى أصله وأشرنا إلى طريقته"([19]) .
ثم تتبع ما ذكره ابن خزيمة في عدد من الصفات الإلهية, كصفة النفس, وصفة الوجه, وصفة اليدين, وصفة الرجل والقدم ,وغيرها من الصفات وقام بتأويلها وصرفها عن ظاهرها الذي أجراه عليه ابن خزيمة.
وهذا يدل دلالة ظاهرة على أنه يرى أن ما قرره ابن خزيمة في كتابه مناقض لمذهب الأشاعرة, ومتعارض معه تعارضا بينا.
ومن أئمة المذهب الأشعري الذين أعلنوا مناقضتهم لكتاب ابن خزيمة : أبو عمر الرازي, بل إنه أغلظ في القول ووصف ابن خزيمة بقلة العقل والفهم, ونعت كتابه بأنه كتاب الشرك, وفي هذا يقول :" واعلم أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه "بالتوحيد"، وهو في الحقيقة كتاب الشرك، واعترض عليها، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات، لأنه كان رجلاً مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل"([20]) .
فها هو الرازي في هذا التقرير يؤكد بوضوح على أن ما قرره ابن خزيمة في كتابه يناقض مذهبه الأشعري تمام المناقضة, ولأجل هذا وصفه بالشرك.
وممن ذم كتاب التوحيد لابن خزيمة وعابه وعده خارجا عن السنة : ابن جماعة, حيث يقول :" فإن احتج محتج بكتاب ابن خزيمة وما أورد فيه من هذه العظائم وبئس ما صنع من إيراد هذه العظائم الضعيفة والموضوعة
قلنا لا كرامة له ولا أتباعه إذا خالفوا الأدلة العقلية والنقلية على تنزيه الله تعالى بمثل هذه الأحاديث الواهية وإيرادها في كتبهم
وابن خزيمة وإن كان إماما في النقل والحديث فهو عن النظر في العقليات وعن التحقيق بمعزل فقد كان غنيا عن وضع هذه العظائم المنكرات الواهية في كتبه"([21]) .
وقد أول في كتابه عامة النصوص التي أوردها ابن خزيمة في كتابه وأثبت ما يقتضيه ظاهرها من الصفات الإلهية.
ومن علماء الأشاعرة الذين أكدوا مناقضة ما قرره ابن خزيمة في كتابه لمذهبهم : ابن جهبل, حيث يقول :"على أن ابن خزيمة قد علم الخاص والعام حديثه في العقائد, والكتاب الذي صنفه في التشبيه, , وسماه بالتوحيد, ورد الأئمة عليه أكثر من أن يذكر, وقولهم في ما قاله هو في غيره معروف"([22]) .
وقد تتالى عدد من علماء الأشاعرة في العصر الحديث على تأكيد ذلك الذم.
وكل تلك النصوص تدل على معنى واحد, وهو أن علماء الأشاعرة يدركون أن ما قرره ابن خزيمة في كتابه التوحيد مناقض تمام المناقضة لمذهبهم, وأنه في نظرهم مذهب بدعي خارج عن السنة, وأنه بناءً على ذلك لا يمكن أن يجمع هو ومذهبهم في تمثيل الحق.
والغريب حقا أنه مع وضوح رأي ابن خزيمة في كتابه, ووضوح موقف أئمة المذهب الأشعري من كتاب ابن خزيمة, من أنه يقرر إثبات المعاني للصفات ويجري نصوصها على الظاهر, أقول مع وضوح ذلك يأتي بعض المعاصرين من المنتسبين للمذهب الأشعري وينسب التفويض إلى ابن خزيمة ويدعي أنه ممن ينسبه إلى السلف([23]) !
ومن غرائبه أيضا أنه يجعل ابن خزيمة والرازي كلاهما ممن يقول بالتفويض وينسبه إلى السلف, مع أن الرازي يحكم على ابن خزيمة بأنه يؤلف في الشرك وأنه مخالف لمنهج الحق!
ابن خزيمة ليس وحده:
أصول العقائد التي قررها ابن خزيمة في كتابه ليست خاصة به وحده, بل هي في مجملها العقيدة التي عليها أئمة الهدى من العلماء المتبوعين قبله, كالإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري وابن عيينة والبخاري وغيرهم كثير, وهو في كتابه لم يكن يريد أن يؤسس عقيدة خاصة به, وإنما كان يريد أن يشرح العقيدة التي أجمع عليها العلماء قبله وتلقاها هو عنهم ؛ ولهذا فقد كان حريصا على التأكيد على إجماعهم في عدد من المواطن, ومن ذلك قوله :" فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر مذهبنا أنا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه نقر بذلك بألسنتنا ونصدق ذلك بقلوبنا, من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين عز ربنا عن أن يشبه المخلوقين, وجل ربنا عن مقالة المعطلين"([24]) .
وكذلك فعل في صفة السمع والبصر واليدين والاستواء على العرش والعلو وغيرها, فهو في كل هذه الصفات يؤكد على الإجماع فيها بين أئمة السلف.
ونحن إذا رجعنا إلى الكتب المسندة التي اهتمت بجمع مقالات أولئك العلماء نجدها متطابقة مع ما ذكره ابن خزيمة في الجملة, ولم تختلف عنه في أصول العقائد, وكذلك الحال في الأئمة الذين عاصروا ابن خزيمة أو جاءوا بعده, كالصابوني وعبدالله ابن الإمام أحمد والدارقطني وابن عبدالبر والسمعاني والأصفهاني وابن جرير الطبري, وقبلهم البخاري, كل هؤلاء قرروا ما قرره ابن خزيمة في صفات الله, ولم يختلفوا عنه في شيء منها.
وهذا ما أدركه الكوثري, ولهذا جعلهم كلهم مندرجين ضمن المجسمة والمشبهة بكل وضوح حيث يقول:" فدونك كتاب الاستقامة لخشيش بن أصرم، والكتب التي تسمى السنة لعبد الله وللخلال، ولأبي الشيخ، وللعسال، ولأبي بكر بن عاصم، وللطبراني، والجامع، والسنة والجماعة لحرب بن إسماعيل السيرجاني، والتوحيد لابن خزيمة، ولابن مندة، والصفات للحكم بن معبد الخزاعي، والنقض لعثمان بن سعيد الدارمي، والشريعة للآجري، والإبانة لأبي نصر السجزي، ولابن بطة، ونقض التأويلات لأبي يعلي القاضي، وذم الكلام والفاروق لصاحب منازل السائرين. . تجد فيها ما ينبذه الشرع والعقل في آن واحد ولا سيما النقض لعثمان بن سعيد الدارمي السجزي المجسم, فإنه أول من اجترأ من المجسمة بالقول إن الله لو شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته، فكيف على عرش عظيم!!"([25]) .
فإذا كان كتاب ابن خزيمة يعد كتاب تشبيه وشرك لأجل ما فيه من إثبات الصفات وإجراء نصوصها على ظاهرها, فإن هذا الحكم ليس خاصا به, بل هو شامل لكل من جرى على طريقته وسار على منهاجه وتوافق معه, وهم عدد كبير جدا من العلماء المشهورين من جميع المذاهب : الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي.
وهذا الوضوح في الحكم من قِبَل أئمة المذهب الأشعري يؤكد بقوة على أنهم يرون أن الخلاف بينهم وبين أئمة أهل السنة ليس خلافا لفظيا فحسب, وإنما هو خلاف منهجي حقيقي.
الأمر الرابع: موقفهم من كتاب إثبات الحرف والصوت للسجزي :
ألف أبو نصر السجزي كتابا في إثبات الحرف والصوت, وقرر فيه مذهب أهل السنة والجماعة, وقد رد عليه الجويني في كتاب مستقل بالغ في الجهوم على السجزي وفي وصفه بالجهل وسخافة العقل, وقد نقل تقي الدين السبكي شيئا من ذلك الكتاب, فقال ذاكرا قدوته في الرد على المبتدعة :" وها أنا أذكر مجامع ما تضمنته القصيدة- نونية ابن القيم- ملخصا من غير نظم وناظمها أقل من أن أذكر كلامه لكني تأسيت في ذلك بإمام الحرمين في كتابه المسمى بنقض كتاب السجزي، والسجزي هذا كان محدثا له كتاب مترجم بمختصر البيان وجده إمام الحرمين حين جاور بمكة شرفها الله، اشتمل كتاب السجزي هذا على أمور منها أن القرآن حروف وأصوات.
قال إمام الحرمين: وأبدى من غمرات جهله فصولا وسوى على قصبة سخافة عقله نصولا، ومخايل الحمق في تضاعيفها مصقولة وبعثات الحقائق دونها معقولة.
وقال إمام الحرمين أيضا: وهذا الجاهل الغر المتمادي في الجهل المصر، يتطلع إلى الرتب الرفيعة بالدأب في المطاعن في الأئمة والوقيعة.
وقال إمام الحرمين أيضا: صدر هذا الأحمق الباب بالمعهود من شتمه فأف له ولخرقه فقد والله سئمت البحث عن عواره وإبداء شناره.
وقال الإمام أيضا: وقد كسا هذا التيس الأئمة صفاته. وقال الإمام أيضا: أبدى هذا الأحمق كلاما ينقض آخره أوله في الصفات وما ينبغي لمثله أن يتكلم في صفات الله تعالى على جهله وسخافة عقله.
وقال الإمام أيضا قد ذكر هذا اللعين الطريد المهين الشريد، فصولا وزعم أن الأشعرية يكفرون بها فعليه لعائن الله تترى، واحدة بعد أخرى، وما رأيت جاهلا أجسر على التكفير وأسرع إلى التحكم على الأئمة من هذا الأخرق.
وتكلم السجزي في النزول والانتقال والزوال والانفصال والذهاب والمجئ فقال الإمام, ومن قال بذلك حل دمه وتبرم الإمام كثيرا من كلامه معه"([26]) .
ونقل الكوثري عن أبي جعفر اللبلي الأندلسي أنه قال في فهرسته: "وكذلك اللعين المعروف بالسجزي فإنه تصدى أيضا للوقوع في أعيان الأئمة وسرج الأمة بتأليف تالف وهو على قلة مقداره وكثرة عواره ينسب أئمة الحقائق وأحبار الأمة وبحور العلوم إلى التلبيس والمراوغة والتدليس وهذا الرذل الخسيس أحقر من أن يكترث به ذما ولا يضر البحر الخضم ولغة كلب"([27]) .
وما قرره السجزي في رسالته من إثبات الحرف والصوف ليس خاصا به, بل هو الذي يقرره أئمة أهل السنة في مؤلفاتهم المشهورة, فالحكم عليه بالبدعة والخروج من السنة ليس خاصا به, بل هو شامل لكل من وافقه وقرر مثلما قرر.
وهذا الحكم يؤكد بوضوح على أن أئمة المذهب الأشعري يعدون الخلاف بينهم وبين أئمة أهل السنة خلافا حقيقيا ومنهجيا وليس مجرد خلاف لفظي فحسب.
الأمر الخامس: موقفهم من ابن تيمية وابن القيم وغيرهما :
حين قام ابن تيمية بنصرة مذهب أهل السنة في العقائد وشرع في تأليف الكتب المطولة والمختصرة في شرحه وبيانه أدرك علماء الأشاعرة في زمنه بأن ما يقوم به مخالف ومناقض لأصولهم وعقائدهم ؛ ولهذا سعوا إلى منعه والتضييق عليه, وقد جرت بينه وبينهم مناظرات شهيرة حول بعض تلك المؤلفات.
ومن أشهرها : المناظرة حول العقيدة الواسطية, فقد قرر ابن تيمية في هذه العقيدة جملا مختصرة كلية مما كان عليه أئمة أهل السنة من الاعتقاد, ولم يذكر شيئا خاصا به, وكان واثقا من موافقته لما كان عليه السلف, ولهذا تحدى علماء الأشاعرة في زمنه فقال لهم :" قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاث سنين فإن جاء بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة"([28]) .
ومع ذلك فقد كان علماء الأشاعرة مدركين بأن ما هم عليه متناقض مع جاء في تلك العقيدة وخاصة في باب الأسماء والصفات وباب الإيمان وغيرها.
وكذلك المناظرة التي كانت حول العقيدة الحموية, التي ألفها ابن تيمية ليثبت الصفات الاختيارية وصفة الاستواء, فقد أدرك علماء الأشاعرة بأن ما جاء في هذه العقيدة مناقض لما هم عليه, ولهذا سعوا إلى مناظرته والتضييق عليه وألف بعضهم كتبا في نقض ما جاء فيها.
ولم يكتف بعضهم بالرد عليه بل تجاوز ذلك إلى حبسه ومنعه من الإفتاء, بل تجاوز بعضهم ذلك إلى الحكم بتكفيره والحكم عليه بالخروج من الإسلام وبوجوب قتله.
وأما ابن القيم فهو أيضا لم يسلم من معارضة علماء الأشاعرة له ولا من تضييقهم, فإنه حين ألف النونية وقرر فيها عقيدة أئمة أهل السنة, بادر بعض علماء الأشاعرة إلى الرد عليه وإلى نقض ما جاء فيها, وعدها عقيدة بدعية خارجة عن السنة, كما صنع السبكي الأب في كتابه السيف الصقيل.
وممن هاجمه علماء الأشاعرة وضيقوا عليه : الإمام عبد الغني المقدسي, فإنه كان متبعا للإمام أحمد ومعجبا به جدا, وكان يحدث في مسجد دمشق ويقرر في باب الصفات والقرآن ما كان عليه أئمة أهل السنة, من أنها تثبت من غير تحريف ولا تشبيه, كما هو ظاهر وجلي في كتابه ( الاقتصاد في الاعتقاد) , فقام عليه بعض علماء الأشاعرة في زمنه وشكوه إلى الأمير وحكموا عليه بالكفر وأفتوا بقتله([29]) .
وهذه المواقف تؤكد بوضوح على أن علماء الأشاعرة مدركون بأن الخلاف بينهم وبين أئمة أهل السنة خلاف حقيقي منهجي وليس مجرد خلاف لفظي فحسب.
المذهب الأشعري والانتساب إلى السلف:
أكثر أئمة المذهب الأشعري من الانتحال لمذهب أهل السنة في مؤلفاتهم ومن دعوى أنهم المحققون لما كان عليه الصحابة ومن جاء بعدهم من أئمة الدين([30]) .
وفي المقابل فإنهم يؤكدون كثيرا على أن ما قرره أئمة أهل السنة المشهورين, كابن خزيمة وعبدالله ابن الإمام أحمد وابن مندة وابن عبدالبر والأصفهاني وابن أبي زمنين وأبي بكر الإسماعيلي والصابوني وغيرهم كثير وصولا إلى ابن تيمية وابن القيم لا يمثل حقيقة ما كان عليه الصحابة وأئمة الدين من بعدهم, وأن ما هو مقرر في تلك المؤلفات يعد انحرافا وخروجا عن طريقتهم التي كانوا عليها.
والكشف عما في هذا الكلام من خلل منهجي وعقدي يحتاج إلى تفصيل وكلام مطول, ولكن نريد في هذا المقام التأكيد على أن هذه الدعوى من قِبل الأشاعرة لا تدل بمجردها على أنهم هم المحققون لما كان عليه الصحابة وأئمة الدين, ويمكن أن يوضح هذا الكلام بالأوجه التالية :
الوجه الأول: أن المرء لا يكون محققا للسنة وما لما كان عليه السلف الصالح بمجرد الانتساب, ولو كان هذا القدر كافيا لكانت أكثر الفرق العقدية محققة للسنة ؛ لكونها تنسب إليها وإلى ما كان عليه السلف, فالانتساب إلى الصحابة وادعاء الموافقة التامة لهم ليس خاصا بالأشاعرة, بل هو شأن عام في أشهر الطوائف العقدية, فالمعتزلة -الذين يعدهم الأشاعرة ضلالا وبعضهم يحكم عليه بالكفر - ينتسبون إلى السنة ويدعون أنهم هم الممثلون للحق, فقد أكد القاضي عبد الجبار على أن التمسك بالسنة هو طريقة المعتزلة([31]) .
ونقل عن محمد بن يزداذ الأصبهاني :"أن المعتزلة هم المقتصدون, فاعتزلت الإفراط والتقصير, وسلكت طريق الأدلة, وذكر أن المعتزلة الأولى هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم "([32]) , وعقد فصلا قال فيه :" فصل في نسبتهم المعتزلة إلى الخروج عن التمسك بالسنة والجماعة, وأنهم ليسوا من أهل السنة والجماعة " وجاء فيه "فالمتمسك بالسنة والجماعة هم أصحابنا دون هؤلاء المشغبين"([33]) .
والمحصل من هذا أن مجرد الانتساب إلى السلف ليس دليلا كافيا في إثبات تحقيق السنة, وإنما لا بد مع ذلك من الموافقة التامة لما كانوا عليه من العقائد والمنهج في الاستدلال والنظر.
الوجه الثاني: وإذا كان تحقيق الانتساب إلى السنة لا بد فيه من التوافق التام مع ما كان عليه الصحابة والأئمة من بعدهم, فإن حال المعتزلة والأشاعرة لا يتوافق مع هذا الشرط, فقد وقعوا في خلل منهجي كبير في محاولتهم لإثبات صحة انتسابهم ؛ لأنهم وقعوا في عملية اختزالية ضخمة للنصوص والمقالات المروية عن السلف, حيث إنهم لم يعتمدوا على كل النصوص ولم يجمعوا بين كل ما صح عنهم, وإنما أبرزوا النصوص التي يوهم ظاهرها الدلالة على ما هم عليه وأغفلوا النظر عن النصوص الأخرى الكثيرة المناقضة لأصل مذهبهم أو قاموا بتأويلها وصفها عن ظاهرها كما في نصوص الكتاب والسنة.
فتجد المعتزلة يوردون نصوصا عديدة عن الصحابة والتابعين ليثبتوا أنهم يقولون بقولهم في باب الصفات والقدر والإيمان([34]) , وأعرضوا عن عشرات النصوص والمقالات الأخرى التي تدل على نقيض ما هم عليه.
وكذلك الأشاعرة تجدهم يعتمدون على النصوص والمقالات المجملة الواردة عن بعض السلف ليثبتوا أنهم مفوضة في الصفات, ويعرضون عن عشرات النصوص الأخرى التي تدل دلالة واضحة على أنهم يثبون معاني للصفات الإلهية من غير تشبيه بصفات المخلوقين([35]) .
وقد حاول بعض المعاصرين منهم أن يثبت صحة نسبة التفويض إلى السلف فبادر إلى جمع نصوص كثيرة للسلف([36]) , ولكن حين نتأمل في تلك النصوص نجده انتقى من كلام الأئمة النصوص المجملة واعتمد عليها, ثم إنه أعرض عن نصوص كثيرة هي أوضح في المعنى وأحكم في الدلالة لكونها تخالف ما يريد التوصل إليه, وكثير من أعلام العلماء الذين نقل عنهم لهم نصوص أخرى تدل على نقيض ما نسبه إليهم.
وأما في باب الإيمان فقد صرح بعضهم بأن قول الأشاعرة مخالف لقول أهل الحديث ومناقض له, كما فعل الجويني([37]) , وبعضهم حاول أن يؤول ويعدّل في مذهب أهل السنة والحديث ليكون متوافقا مع مذهب الأشاعرة في الإيمان كما صنع تاج الدين السبكي([38]) .
وإذا تجاوزنا اختزالات المذهب الاعتزالي والمذهب الأشعري في التعامل مع نصوص ومقالات الأئمة وانتقلنا إلى مؤلفات أئمة أهل السنة, كالتوحيد لابن خزيمة والسنة لعبدالله ابن الإمام أحمد والإبانة لابن بطة والشريعة للآجري وشرح اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي وغيرها نجد الأمر مختلفا, فإنهم قاموا بجمع كل ما جاء عن السلف من نصوص ومقالات, وقاموا بترتيبها وتبويبها وتنسيقها, وسعوا إلى شرح معناها وتقريب مفهموها, وبادروا إلى الجواب عما أوهم التعارض بين بعض الظواهر في تلك النصوص(وهو قليل) ، والترجيح بين مختلفاتها ,, ولم يختزلوا منها شيئا ولم يبرزوا منها نوعا دون نوع.
وهذا يؤكد أنهم هم المحققون لمذاهب الأسلاف، والجامعون لعموم أقوالهم، فهم الأجدر في تحرير عقائدهم ومناهجهم.
أئمة المذهب الأشعري والتعدد في مذهب أهل السنة:
اختلفت مناهج علماء الأشاعرة في تحديد من يشملهم وصف أهل السنة, فمنهم من يظهر من كلامه بأن لقب أهل السنة لا ينطبق إلا على أتباع المذهب الأشعري فقط([39]) , ومنهم من ذهب إلى أن من يشملهم ذلك الوصف طوائف متعددة, ومن ذهب إلى هذا القول اختلفت آراؤهم, فمنهم من ذكر أن مذهب أهل السنة تندرج ضمنه ثمان طوائف, كما فعل عبدالقاهر البغدادي([40]) , ومنهم من جعل الأصناف المندرجة ضمنه صنفين فقط, وهما: الأشاعرة والسلفية من أهل الحديث, كما فعل الآمدي([41]) , ومنهم من جعلهم صنفين, وهما : الأشاعرة والماتريدية([42]) , وأما بعض المتأثرين بالمذهب الأشعري من الحنابلة فقد جعل أهل السنة ثلاث طوائف : الأشعرية والماتريدية والأثرية, كما فعل السفاريني([43]) .
وليس المقصود هنا محاكمة صحة هذا التعدد المدعى, وإنما المقصود التنبيه على الخلل المنهجي الذي وقع فيه بعض الأشاعرة, فإنه ادعى أن هناك صنفا من السلفية متوافقا معه, ثم لم يذكر لنا النصوص الواضحة البينة لذلك الصنف ولا المقالات البينة التي تثبت صحة دعواه, والآمدي حين شرع في شرح الأصول التي اتفق عليها الأشعرية والسلفية من أهل الحديث لم يذكر إلا جملا كلية وعامة جدا وهي في مجملها سائرة على طريقة الأشاعرة, ولم يعرج على القضايا الإشكالية التي وقع فيها الأشاعرة, فأوهم بأنه لا خلاف بين الصنفين, مع أن الصنف الآخر وهم لا وجود له في الواقع([44]) .
خاتمة : ليس إلا خيارين لا ثالث لهما :
ظهر لنا من خلال هذه الورقة أن أئمة أهل السنة وعلماء الأشاعرة مجمعون على أن الخلاف بينهم خلاف منهجي وجوهري ؛ ولأجل هذا سعى كل طرف منهما إلى إخراج الطرف الآخر من السنة, وهذا يؤكد على أنه ليس إلا واحدا من خيارين لا ثالث لهما : إما أن يكون المذهب الذي قرره أئمة أهل السنة هو المذهب الحق المحقق لما كان عليه الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم, وإما أن يكون المذهب الذي يقرره أئمة المذهب الأشعري هو الحق المحقق لما كان عليه الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم.
وأما الخيار الثالث, وهو محاولة الجمع بين المذهبين وادعاء أن كلا منهما ممثل للسنة وأن الخلاف بينهما خلاف لفظي فحسب, فهو رأي خاطئ ومخالف لإجماع الفريقين ومخالف لواقع المذهبين ولمنهجهما الاستدلالي والنظري
وظهر أيضا أن الحرص على التمايز بين المذهبين ليس ناتجا من قِبل أهل السنة فقط, بل الأشاعرة أيضا لديهم حرص شديد على إظهار التمايز بينهم وبين من يسمونهم الحشوية والمجسمة.
وظهر أيضا أن الوضوح في التمايز بين المذهبين لم يبدأه ابن تيمية, وإنما هو موجود من قبله, ومنتشر في مؤلفات الأشاعرة بشكل كبير جدا.
وظهر أيضا أن الصراع بين المذهبين ليس مقتصرا على الحنابلة والأشاعرة فحسب, وإنما اشترك فيه عدد من أئمة أهل السنة من سائر المذاهب, فابن خزيمة ليس حنبليا وإنما هو من أئمة المذهب الشافعي, وكذلك أبو حامد الإسفراييني الذي كان شديدا على الأشعري وأتباعه كان من الشافعية أيضا, وأبو نصر السجزي الذي رد عليه الأشاعرة ليس حنبليا وإنما هو من علماء المذهب الحنفي كما تدل عليه عدد من المؤشرات, وكذلك عدد كبير من أئمة أهل السنة ليسوا من الحنابلة.


*****مذهب الاشاعرة في الاسماء و الصفات و الرد عليهم*****

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد:
ذهب عامة الصفاتية - من الكلابيَّة الأشاعرة والماتريدية - إلى إثبات الأسماء، وبعض ما تضمنته من الصفات-على خلاف بينهم في عدد ما يثبتونه منها، إلا أن عامَّتهم على إنكار الصفات الفعلية الاختيارية، والصفات الذاتية الخبرية- وينكرون بقية الصفات، أو يردونها إلى ما أثبتوه منها.
فالأشاعرة قد اتفقوا على إثبات الصفات السبعة المعروفة، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والبصر، والسمع ، ثم اختلفوا فيما زاد ذلك.
-فالمتأخرون من الأشعرية اكتفوا بهذه الصفات السبع، وغلاتهم قطعوا بنفي ما سواها، وزعموا أن بقية الصفات راجعة إما إلى الذات-موافقةً للمعتزلة في ذلك- وإما إلى الصفات السبع، كما قرر ذلك الغزالي والرازي وغيرهما [1].
-وزاد بعض الماتريدية صفة ثامنة على ما أثبته متأخروا الأشاعرة، وهي صفة التكوين [2].
-وأما الكلابية، والمتقدمون من الأشاعرة، فقد أثبتوا غير هذه الصفات السبع، وظاهر حال سابقيهم-كأبي الحسن الأشعري، ومتقدمي أصحابه كالباقلاني-إثبات الصفات الخبرية، إلا أن عامة الأشاعرة-متقدمهم ومتأخرهم- على نفي الصفات الاختيارية الفعلية المتعلقة بمشيئة الله [3].
-مذهب الأشاعرة في التوقيف في الأسماء:
-ذهب عامة الأشعرية إلى أن أسماء الله توقيفية، موافقةً لأهل السنة في ذلك[4].
-بينما ذهب الباقلاني منهم إلى جواز القياس فيها، وإثباتها بالعقل، موافقةً للمعتزلة في ذلك[5].
-وذهب الغزالي من الأشاعرة إلى أن الأسماء توقيفية، ولكن الصفات ليست توقيفية، قال الغزالي:«كل ما يرجع إلى الاسم فذلك موقوف على الإذن وما يرجع إلى الوصف فذلك لا يقف على الإذن بل الصادق منه مباح دون الكاذب»[6] ، ووافقه على ذلك الرازي والنسفي[7].
بيان أوجه ضلالهم في الأسماء الحسنى:
تضمن قول الأشاعرة -في باب أسماء الله الحسنى- عدة بدع وضلالات، ومنها:
1- قول بعضهم إن أسماء الله غير توقيفية، كالباقلاني، وسبق نقاش ذلك عند الكلام عن المعتزلة، وبيان وجه الضلال فيه، كما أن من خطأ بعضهم زعمه أن الأسماء توقيفية بخلاف الصفات، والحق أن الباب واحد، فأسماء الله تعالى وصفاته أيضاً على التوقيف.
2- قولهم بنفي الصفات التي تضمنتها كثير من الأسماء، بل أكثر الأسماء، حيث اقتصروا على صفات محدودة، سبعةٍ أو أكثر، وحرَّفوا باقي الصفات، بالنفي، أو بإرجاعها إلى ما أثبتوه من الصفات، كنفيهم صفة علو الذات لله تعالى، وتحريفهم معنى الاستواء إلى الاستيلاء، وإرجاعهم صفة المحبة إلى إرادة الخير والإحسان، إلى غير ذلك من التحريفات.
3- أن ما أثبتوه من هذه الصفات السبع-أو ما زاد عنها-ليس إثباتهم لها موفقاً للحق على التمام، بل لهم في تقريرهم لتفاصيل تلك الصفات أخطاء مشهورة، كقولهم بالكلام النفسي وغيره، حتى إن مذهبهم في بعض ما أثبتوه ليقرب من قول المعتزلة، كإثبات من أثبت منهم رؤية المؤمنين لربهم لكن بلا جهه!! وعند تفصيل قولهم يردونها إلى قدرٍ من الإدراك والعلم الذي لا تخالف فيه المعتزلة[8].
4- ومن أعظم بدع الأشاعرة فيما يتعلق بأسماء الله الحسنى، موقفهم من مسألة خلق الأسماء الحسنى، ذلك أنهم يظهرون القول بأن الأسماء الحسنى غير مخلوقة، ويبدون النكير على المعتزلة لقولهم بخلقها، ولكن عند التحقيق نجد أن مذهبهم في ذلك يرجع إلى مذهب المعتزلة، وذلك يتبين بما يلي:
*أ- قولهم إن الاسم هو المسمى، يدل على أن قولهم: إن أسماء الله غير مخلوقة، أي أن المُسَمَّى غير مخلوق، أي أن ذات الله غير مخلوقة، وهذا أمر خارج عن محل النزاع، ولا يخالف فيه المعتزلة، بل لا يخالف فيه كل من يقر بالخالق من أهل الكفر والإشراك.
*ب- وأما ما يعنيه أهل السنة في كلامهم عن الأسماء الحسنى، وهي الأسماء المعلومة(كاسم الرحمن والرحيم ...الخ) فهذه مخلوقة عندهم، وهم يسمونها تسميات لا أسماء، وهم قالوا: إنها قد يطلق عليها (أسماء)، أي أن هذا ليس هو الأصل فيها، وإنما قالوا ذلك هروباً من استدلال أهل السنة عليهم -والمعتزلة أيضاً- من أن النصوص جاءت بالجمع في الأسماء، والمُسَمَّى واحد، فاضطروا إلى أن يقولوا: إن تلك تسميات لا أسماء، إنما الاسم واحد، وهو المسمى، وهو ذات الله تعالى، أما تلك الأسماء فهي ألفاظ مخلوقة.
وبذلك فهم خالفوا الحق في عدة أمور:
-قولهم إن الاسم هو المسمى.
-قولهم إن الله ليس له أسماء، بل له اسم واحد، واسمه هو ذاته.
-قولهم عن أسماء الله المعروفة: هي تسميات وليست أسماء.
-قولهم عن هذه التسميات: هي ألفاظ مخلوقة، وأنها غير ثابتة في الأزل، بل حدثت بعد أن لم تكن، وهذا أعظم بدعهم في هذا الباب، وبه وافقوا المعتزلة المصرحين بأن أسماء الله مخلوقة.
ومما يوضح ذلك في مذهب الأشاعرة في الأسماء ما يلي:
1-أنك ترى في طيات كلام الأشاعرة، وفي ردودهم على المعتزلة ما ينبئ عن موافقتهم لهم في أن أسماء الله- والتي هي الأسماء المعروفة كالخالق والرازق...-أنها مخلوقة، وهم يصرحون بأن هذه الأسماء (ويطلقون عليها ألفاظ) أنها مخلوقة، وأنها لم تكن موجودة في الأزل، ويتبين لمن أمعن النظر في كلامهم أن خلافهم مع المعتزلة لفظي.
فعلى سبيل المثال: في شرح المقاصد للتفتازاني قال:«الثابث في الأزل معنى الإلهية والعلم، ولا يلزم من انتفاء الاسم بمعنى اللفظ انتفاء ذلك المعنى»[9].
ففي هذا تصريح بعدم قدم الأسماء(والتي هي أسماء الله عند أهل السنة)، وأنها غير ثابتة في الأزل، أي أنها حادثة بعد أن لم تكن، كما هو صريح مذهب المعتزلة.
2-ولذا فإنك لا ترى في غالب كتب الأشعرية والماتريدية ذم المعتزلة على قولهم بخلق الأسماء، كما يوجد عند أهل السنة، مما دل على اتفاقهم معهم هذه المسألة.
3-قرن بعض الأشاعرة بين قولهم في مسألة الاسم والمسمى ومسألة كلام الله تعالى، ومعلوم مذهب الأشاعرة في كلام الله تعالى.

*****ذم أئمة المسلمين للأشاعرة ومذهبهم *****
الشيخ / محمد محب الدين أبو زيد

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لقائه . أما بعد :

قد بينا منهج أهل السنة والجماعة فى الصفات ، وأنهم يثبتونها على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل . وقد خالفهم فى ذلك الأشاعرة فأخذوا ينفون كثيرًا من صفات الله عز وجل ويسمون نفيهم وتعطيلهم هذا تأويلا ، وهم بذلك مخالفون لمذهب أهل السنة والجماعة . وقد تتابع علماء المسلمين فى التحذير من مذهب الأشاعرة ، وبيان مخالفته للكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح رضى الله عنهم ، ومنهم :

1- الإمام الحافظ أبو عبدالله محمد بن إسحاق بن منده ( توفى 395هـ ) .
قال الإمام أبو عبد الله بن منده :

\" ليتق الله امرؤ وليعتبر بمن تقدم ممن كان القول باللفظ مذهبه ومقالته ، وكيف خرج من الدنيا مهجورًا مذمومًا مطرودًا من المجالس والبلدان ؛ لإعتقاده القبيح وقوله الشنيع المخالف لدين الله مثل : الكرابيسى ، والشواط ، وابن كُلًّاب ، وابن الأشعرى وأمثالهم ممن كان الجدال والكلام طريقه فى دين الله عز وجل \" ا هـ . رواه الهروى فى \" ذم الكلام\" (4/424 ) .



2- إمام الشافعية العلامة أحمد بن محمد بن أحمد أبوحامد الإسفرايينى ( توفى 406هـ ) .

قال الإمام أبو الحسن محمد بن عبدالملك الكرجى الشافعى :
\" وكان الشيخ أبو حامد الإسفرايينى شديد الإنكار على الباقلًّانى وأصحاب الكلام \" .

وقال : \" ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعرى ، ويتبرؤون مما بنى الأشعرى مذهبه عليه ، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحَوْم حَواليه ، وكان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبى طاهر الإسفرايينى إمام الأئمة الذى طبق الأرض علمًا وأصحابًا إذا سعى على الجمعة من قطيعة الكرج إلى جامع المنصور يدخل الرباط المعروف بالزوزى المحاذى للجامع ويقبل على من حضر ويقول : اشهدوا علىًّ أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل ، لا كما يقول الباقلًّانى . وتكرر ذلك منه جُمُعَات ، فقيل له فى ذلك ، فقال : حتى ينتشر فى الناس وفى أهل الصلاح ، ويشيع الخبر فى أهل البلاد : أنى برىءٌ مما هم عليه – يعنى الأشعرية – وبرىءٌ من مذهب أبى بكر الباقلًّانى ؛ فإن جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلًّانى خفية ويقرؤون عليه فيُفتنون بمذهبه ، فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة ، فَيَظُن ظانٌ أنهم منى تعلموه قبله ، وأنا ما قلته ، وأنا برىٌ من مذهب الباقلًّانى وعقيدته \" .

قال أبو الحسن الكرجى :\" ومعروف شدة الشيخ أبى حامد على أهل الكلام ، حتى ميًّز أصول فقه الشافعى من أصول الأشعرى ، وعلقه عنه أبو بكر الزاذقانى ، وهو عندى ، وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازى فى كتابيه \"اللمع\" و \"التبصرة\" ، حتى لو وافق قول الأشعرى وجهًا لأصحابنا ميًّزه ، وقال : هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية . ولم يَعُدًّهم من أصحاب الشافعى ، استنكفوا منهم ومن مذهبهم فى أصول الفقه فضلًا عن أصول الدين \".

وعلًّق على هذا شيخ الإسلام بن تيمية بقوله :
\" وهذا المنقول عن الشيخ أبى حامد وأمثاله من أئمة أصحاب الشافعى أصحاب الوجوه معروف فى كتبهم المصنًّفة فى أصول الفقه وغيرها .
وقد ذكر ذلك الشيخ أبو حامد ، والقاضى أبو الطيب ، وأبو إسحاق الشيرازى وغير واحد بيًّنوا مخالفة الشافعى وغيره من الأئمة لقول بن كُلًّاب والأشعرى فى مسألة الكلام التى امتاز بها بن كُلًّاب والأشعرى عن غيرهما .... \" راجع \"درء التعارض\" (2/95-101) ، و\"شرح العقيدة الأصفهانية\" (ص : 103-105) .





3- بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن خويز منداد المالكى :
روى بن عبدالبر فى \"جامع بيان العلم \" (1800) عنه أنه قال فى \"كتاب الشهادات\" فى تأويل قول مالك :\" لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء \" . قال :

\" أهل الكلام عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام ، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعريًا كان أو غير أشعرى ، ولا تقبل لهم شهادة فى الإسلام ، ويهجر ويؤدًّب على بدعته ، فإن تمادى عليها استتيب منها \" ا هـ .
وعلًّق على هذا ابن عبدالبر بقوله : \" ليس فى الإعتقاد فى صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصًا فى كتاب الله ، أو صحًّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أجمعت عليه الأمة ، وما جاء فى أخبار الآحاد فى ذلك كله أو نحوه يُسلًّم له ولا يناظر فيه \" .


4- الإمام الحافظ أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلى السجزى ( توفى 444هـ ) :
كان الإمام شديدًا على الأشاعرة ، محذرًا أشد التحذير منهم ، وبيًّن أنهم أضر على العوام من المعتزلة والجهمية وغيرهم ، فكان مما قال فى \" الرد على من أنكر الحرف والصوت \" ( ص : 173 ) :

\" وينبغى أن يُتأمل قول الكلابية والأشعرية فى الصفات ؛ ليُعلم أنهم غير مثبتين إلهًا فى الحقيقة ، وأنهم يتخيرون من النصوص ما أرادوه ويتركون سائرها ويخالفون \" ا هـ .

وقال أيضًا ( ص : 195 ) :
\" قد صنًّف غير واحد من المتكلمين من المعتزلة والكرامية فى فضائح الأشعرية والكلابية ، كما صًّف هؤلاء فى فضائح الآخرين أيضًا . ولكل مخالف للسنة و لطريقة اهل الأثر ما يُفْتَضَحُ به عند التأمل . وأهل الأثر لا فضيحة عليهم عند مُحَصِّل ؛ لأنهم لم يُحدثوا شيئًا وإنما اتبعوا الأثر ، ومن ادعى فضيحة فى الأثر بعد الحكم بصحته لم يكن مسلمًا .... \" ا هـ .

وقال أيضًا ( ص : 222 - 223 ) :
\" ثم بُلِىَ أهلُ السنة بعد هؤلاء بقوم يدَّعون أنهم من أهل الإتباع ، وضررهم أكثر من ضرر المعتزلة وغيرهم ، وهم : أبو محمد بن كُلًّاب ، وأبو العباس القلانسى ، وأبوالحسن الأشعرى . وبعدهم محمد بن أبى تريد بسجستان ، وأبو عبدالله بن مجاهد بالبصرة . وفى وقتنا : أبو بكر بن الباقلانى ببغداد ، وأبو إسحاق الإسفرايينى ، وأبو بكر بن فورك بخرسان فهؤلاء يردون على المعتزلة بعض أقاويلهم ، ويردون على أهل الأثر أكثر مما ردُّوه على المعتزلة \" ا هـ .


5- شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبدالله بن محمد الأنصارى الهروى ( توفى 481هـ ) :
قال شيخ الإسلام بن تيمية فى \" مجموع الفتاوى \" ( 14/ 354 ) :

\" وكان أبو إسماعيل الهروى صاحب كتاب \" ذم الكلام \" من المبالغين فى ذم الجهمية لنفيهم الصفات ، وله كتاب \" تكفير الجهمية \" ، ويبالغ فى ذم الأشاعرة ، مع أنهم من أقرب هذه الطوائف إلى أهل السنة والحديث ، وربما كان يلعنهم .
وقد قال له بعض الناس بحضرة نظام الملك : أتلعن الأشعرية ؟ فقال : ألعن من يقول : ليس فى السماوات إله ، ولا فى المصحف قرآن ، ولا فى القرب نبى . وقام من عنده مغضبًا \" ا هـ بتصرف يسير .


6- الإمام القاضى أبو الحسين محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلى ( توفى 526هـ ) :

نقل الذهبى فى \" السير \" ( 19/ 602 ) عن السِّلَفى أنه قال :
\" كان أبو الحسين متعصبًا فى مذهبه ، وكان كثيرًا ما يتكلم فى الأشاعرة ويُسمعهم ، لا تأخذه فى الله لومة لآئم ، وله تصانيف فى مذهبه ، وكان ديِّنًا ثقةً ثبتًا ، سمعنا منه \" ا هـ .


7- شيخ الحرمين الإمام الفقيه أبو الحسن محمد بن عبدالملك بن محمد بن عمر الكرجى الشافعى ( توفى 532هـ ) :

قال الإمام الكرجي فى كتابه العظيم \"الفصول فى الأصول عن الإئمة الفحول إلزامًا لذوى البدع والفضول\" :

\" من قال : أنا شافعى الشرع ، أشعرى الإعتقاد . قلنا له : هذا من الأضداد ، لا بل من الإرتداد ؛ إذ لم يكن الشافعى أشعرى الإعتقاد . ومن قال : أنا حنبلى فى الفروع ، معتزلى فى الأصول . قلنا له : قد ضللت إذًا عن سواء السبيل فيما تزعمه ؛ إذ لم يكن أحمد معتزلي الدين والإجتهاد ....
وقد افتُتن أيضًا خلق من المالكية بمذاهب الأشعرية ، وهذه والله سُبًّة وعار ، وفلتة تعود بالوبال والنكال وسوء الدار على منتحل مذاهب هؤلاء الأئمة الكبار ؛ فإن مذهبهم ما رويناه فى تكفيرهم الجهمية والمعتزلة والقدرية والواقفية وتكفيرهم اللفظية \" ا هـ . \"مجموع الفتاوى\" (4 / 177 ) .

وكان هذا الإمام سلفيًا أثريًا ، شديدًا على المبتدعة لا سيما الاشاعرة ، وله قصيدة بائية فى السنة نحو مائتى بيت ، شرح فيها اعتقاد السلف الصالح رضى الله عنهم ، وردًّ على الأشاعرة ، تُلَقًّب بـ \" عروس القصائد فى شموس العقائد \" قال فيها :

عقيدة أصحاب الحديث فقد سَمَتْ ------- بأرباب دين الله أسنى المراتب
عــقــائـــدهـم أنًّ الإلـــه بـــذاتـــه ------- على عرشه مع علمه بالغوائب

ثم قال :

طرائق تـجسيم وطُـرْقٌ تَــجَــهَــمُ ------- وسُبْلُ اعتزال مثل نسج العناكب
وفى قــدر والرفض طُرْقٌ عَـمِــيًّــةٌ ------- وما قيل فى الإرجاء من نعب ناعب

ثم قال :

وخُـبـثُ مـــقال الأشعرى تخنُثٌ ------- يضاهى تَلَوِّيه تَلَوِّى الـشًّـــــــغازب
يُـــــزَيّـِنُ هـذا الأشـعــرى مقالة ------- ويَــقـْشـِبـُهُ بالسم يا شر قَاشِبِ
فينفى تفاصيلا ويـثـبـت جملــة ------- كناقضة مـــــــن بعد شد الذوائب
يــُؤَوِّلُ آيــــــــات الصفات بـــرأيه ------- فجرأته فى الديــــــــن جرأة خارب
ويجزم بالتأويل من سنن الهدى ------- ويخلب أغمارا بأشـــــــئم بخالــب
ولم يك ذا علم وديــــــــن وإنما ------- بضاعته كانت مخوق مـــــــداعــب
وكان كلاميا بالإحساء موتـــــــه ------- بأسواء مــــوت ماته ذو الــسوائب
كذا كل رأس للضلالة قد مضى ------- بـــقتل وصلب باللحى والـــشوارب
كجعد وجهم والمريســي بعده ------- وذا الاشـــعــــرى المبتلى شر دائب
معايبهم توفى على مدح غيرهم ------- وذا المبتلى المفتون عيب المعايب

وذكر الذهبى فى \" العلو \" ( ص : 255 – مختصره ) :\" أنه مكتوب على هذه القصيدة بخط الإمام ابن الصلاح :\" هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث \" ا هـ .



8- الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامى ( توفى 550هـ ) :
قال الحافظ بن ناصر :
\" كنت أقول كثيرًا : اللهم بيِّن لى أى المذاهب خير . وكنت مرارًا قد مضيت إلى القيروانى المتكلم فى كتاب \" التمهيد \" للباقلانى ، وكأن من يردنى عن ذلك . قال : فرأيت فى المنام كأنى قد دخلت المسجد إلى الشيخ أبى منصور ، وبجنبه رجل عليه ثياب بيض ورداء على عمامته يشبه الثياب الريفية ، دُرِّىُ اللون ، عليه نور وبهاء ، فسلمت وجلست بين أيديهما ، ووقع فى نفسى للرجل هيبة وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما جلست إلتفت إليًّ ، فقال لى : عليك بمذهب هذا الشيخ ، عليك بمذهب هذا الشيخ . ثلاث مرات ، فانتبهت مرعوبًا ، وجسمى يرجف ، فقصصت ذلك على والدتى ، وبكًّرتُ إلى الشيخ لأقرأ عليه ، فقصصت عليه الرؤيا ، فقال : ما مذهب الشافعى إلا حسن ، ولا أقول لك : اتركه ، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشعرى . فقلت : ما أريد أن أكون نصفين ، وأنا أشهدك ، وأُشهد الجماعة أننى منذ اليوم على مذهب أحمد بن حنبل فى الأصول والفروع . فقال لى : وفقك الله ..... \" ا هـ . \" سير أعلام النبلاء \" (20 / 269 – 270 ) .


9- الإمام الوزير يحيى بن محمد بن هبيرة ( توفى 560هـ )
قال الإمام بن هبيرة رحمه الله :
\" والله ما نترك أمير المومنين علي بن أبى طالب مع الرافضة ، نحن أحق به منهم ؛ لأنه منًّا ونحن منه . ولا نترك الشافعى مع الأشعرية فإنًّا أحق به منهم \" . كما فى ترجمة بن هبية من\" ذيل طبقات الحنابلة \".

· ومن النوادر ما جاء فى ترجمة الإمام سليمان بن إبراهيم بن هبة الله الاسعردى الحنبلى ( توفى 639ه ) من \" ذيل طبقات الحنابلة \" : أنهم كانوا يؤذونه ، فيكشطون الدال من \" الأسعردى \" ، ويعجمون السين فيصير : \" الاشعرى \" ، فيغضب لذلك .

وذَمُّ أئمة أهل السنة للأشاعرة مستفيض ، وقد ذكر الإمام يوسف بن عبدالهادى فى كتابه :\" جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر \" أكثر من 400 عالم وَرَدَ عنهم ذم الأشاعرة ومجانبتهم ، ثم ذكر أن ما تركه أكثر مما ذكره ، ولو ذهب يستقصى ويتتبع كل من جانبهم من يومهم وإلى يومه لزادوا على عشرة آلاف نفس .


ü هذا وقد رجع كثير من أئمة الأشاعرة المتكلمين إلى عقيدة أهل السنة فى آخر حياتهم ، وندموا على ما ضيعوه من الأعمار فى هذه العلوم الزائفة والعقائد الباطلة .

فهذا الأمام أبو المعالى الجوينى إمام الحرمين وهو من كبار أئمة الأشاعرة كان يقول :\" لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام \" ا هـ . \" سير أعلام النبلاء \" ( 18 / 473 ) .

وقال لأصحابه :\" يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بى ما بلغ ما اشتغلت به \" ا هـ . \" سير أعلام النبلاء \" ( 18 / 472 ) .

وقال أبو الفتح الطبرى : دخلت على أبى المعالى فى مرضه ، فقال : اشهدوا عليًّ بأنى رجعت عن كل مقالة تخالف السنة ، وأنى أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور \" ا هـ . \" سير أعلام النبلاء \" ( 18 / 474 ) .

وقال أيضًا :\" قرأت خمسين الفًا فى خمسين ألفًا ، ثم خلًّيت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة ، وركبت البحر الخضم ، وغُصت فى الذى نهى اهل الإسلام ، كل ذلك فى طلب الحق ، وكنت أهرب فى سالف الدهر من التقليد ، والآن قد رجعت إلى كلمة الحق بلطيف بره ، فأموت على دين العجائز ، ويختم عاقبة أمرى عند الرحيل على كلمة الإخلاص : لا إله إلا الله . فالويل لابن الجوينى \" ا هـ . \" سير أعلام النبلاء \" ( 18 / 471 ) ، \" طبقات الشافعية \" ( 5 / 185 ) .

وهذا الإمام أبو حامد الغزالى وهو من أعلام الأشاعرة أيضًا انتهى آخر أمره على الوقف والحيرة فى المسائل الكلامية ، ثم أعرض عن تلك الطرق وأقبل على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، فمات وصحيح البخارى على صدره . \" شرح العقيدة الطحاوية \" لابن أبى العز الحنفى ( ص : 208 ) .

وهذا الإمام فخر الدين الرازى من أكبر المدافعين عن المذهب الأشعرى ومناهج المتكلمين كان ينشد :


نـهـايــة إقـــدام الـعـقـول عـقــال ------- وأكثر سعى العالــــــــمين ضــلال
وأرواحنا فى وحشة من جسومنا ------- وحاصل دنـيـــانـــــــا أذىً ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ------- سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

ويقول :\" لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفى عليلًا ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، أقرأ فى الإثبات : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [ طه: 5 ] ، { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] . وأقرأ فى النفى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] ، { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه : 110 ] ، { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [ مريم : 65 ] ، ومن جرًّب مثل تجربتى ، عرف مثل معرفتى \" ا هـ \" درء تعارض العقل والنقل \" ( 1 / 160 ) .

NESR 04-17-2015 06:12 PM

رد: الاشاعرة هل هم اهل سنة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صابر السلفي (المشاركة 81576)

ولعلي أكتفي بهذا القدر ليتضح المقصود وهو أن عقيدة الأشاعرة ليست واضحة تماماً ومحدده ومتفق عليها وأن كل إمام كان يحدث تغييرات ليست فرعية بل منهجية وأصولية ولولا الإطالة لسردت لكم خلاصات أفكار والتغييرات التي أحدثها غير من سبق ذكرهم، لكن أذكر لكم أسمائهم سريعاً للمعرفة برموز الأشاعرة:
- أبو الحسن الآمدي توفي سنة 631هـ.
- العز بن عبد السلام توفي سنة 660هـ.
- صفى الدين الهندي توفي سنة 715هـ.
- بدر الدين ابن جماعه توفي سنة 733هـ.
- البيضاوي توفي سنة 685هـ.
- الإيجي توفي سنة 756هـ.
- أبو على السكوني توفي سنة 717هـ.

جزاكم الله كل خير .. وشكرا على موضوعكم
لكم منى ارق تحية واحترام


صابر السلفي 06-19-2015 01:53 AM

رد: الاشاعرة هل هم اهل سنة
 
و جزاك و بارك الله فيك اخي
تقبل الله منا و منكم صالح الاعمال

ابو نضال 09-25-2015 06:46 PM

رد: الاشاعرة هل هم اهل سنة
 


بسم الله الرحمن الرحيم


بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد

http://scontent-frt3-1.xx.fbcdn.net/...4e&oe=56A653CA


وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله




الساعة الآن 10:21 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية