عرض مشاركة واحدة
قديم 01-15-2011, 05:48 PM   #1
ابوصهيب
مشرف قسم الاعجاز العلمى فى القرأن
 
الصورة الرمزية ابوصهيب
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 764
معدل تقييم المستوى: 14
ابوصهيب is on a distinguished road
الأمثال في السنة النبوية



المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد...

فإن الحقائق السامية في معانيها وأهدافها تأخذ صورتها الرائعة إذا صيغت في قالب حسي يُقرِّبها إلى الأفهام، والتمثيل هو القالب الذي يبرز المعاني في صورة حيّة تستقر في الأذهان، بتشبيه الغائب بالحاضر، والمعقول بالمحسوس، وقياس النظير على النظير، وكم من معنى جميل أكسبه التمثيل روعةً وجمالاً، فكان ذلك أدعى لتقبل النفس له، واقتناع العقل به، وهو من أساليب السنة النبوية في ضروب بيانها.

تعريف الأمثال:

الأمثال جمع مثل بفتحتين، والمَثَلُ والمِثْل والمَثِيل: كالشَّبَه والشِّبْه والشَّبِيْهِ لفظًا ومعنىً.

قال الزمخشري: "المَثَلُ في الأصل بمعنى المِثْل، أي: النظير. يقال: مَثَلٌ ومِثْلٌ ومَثِيْلٌ كشَبَه وشِبْه وشَبِيْه، ثم قال: ويستعار للحال، أو الصفة، أو القصة، إذا كان لها شأن وفيها غرابة"(1).

وقال ابن القيم: "إنها تشبيه شيء بشيء في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الآخر واعتبار أحدهما بالآخر"(2).

وقال البيضاوي: المثل في الأصل بمعنى النظير يقال: مَثَل ومِثْل ومَثِيل كشَبَه وشِبْه وشَبِيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده، ولا يضرب إلا ما فيه غرابة؛ ولذلك حوفظ عليه من التغيير، ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة، مثل قوله تعالى: ((مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ))[سورة محمد: 15]، وقوله تعالى: ((وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى)) [سورة الروم: 27] (3).

والمثل في الأدب: قول محكي سائر يقصد به تشبيه حال الذي حُكِيَ فيه بحال الذي قيل لأجله، أي: يشبه مضربه بمورده، مثل: " رُبَّ رميةٍ من غير رامٍ" أي: رُبَّ رميةٍ مُصيبةٍ حصلت من رامٍ شأنه أن يخطئ، وأول من قال هذا: الحكم بن يغوث النقري، يُضرب للمخطئ يصيب أحيانًا، وعلى هذا فلا بد له من مورد يُشَبَّه مضربه به.

ويطلق المثل على الحال، والصفة، والقصة العجيبة الشأن، وأشار الزمخشري إلى هذه المعاني الثلاثة في كشافه فقال: " والمثل في أصل كلامهم بمعنى المِثل والنظير، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده: مثل، ولم يضربوا مثلاً ولا رأوه أهلاً للتيسير ولا جديرًا بالتداول والقبول إلا قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه" ثم قال: وقد استعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن، وفيها غرابة.

وهناك معنى رابع ذهب إليه علماء البيان في تعريف المثل، فهو عندهم: المجاز المركب الذي تكون علاقته المتشابهة متى فشا استعماله، وأصله الاستعارة التمثيلية، كقولك للمتردد في فعل أمر: " مالي أراك تُقدِّم رِجْلاً وتؤخِّر أخرى".

وقيل في ضابط المثل كذلك: إنه إبراز المعنى في صورةٍ حسّيةٍ تكسبه روعةً وجمالاً. والمثل بهذا المعنى لا يُشترط أن يكون له مورد، كما لا يُشترط أن يكون مجازًا مركبًا.

والأمثال مقادير الأفعال، والمتمثل كالصانع الذي يقدر صناعته؛ كالخياط يقدر الثوب على قامة المخيط ثم يفريه ثم يقطع، وكل شيء به قالب ومقدار، وقالب الكلام ومقداره الأمثال.

وقال الخفاجي سمي مثلا لأنه ماثل بخاطر الإنسان أبدًا، أي شاخص فيتأسى به ويتعظ ويخشى ويرجو والشاخص المنتصب(4).

الهوامش:

(1) ينظر: البرهان في علوم القرآن، 1/ 490.

(2) إعلام الموقعين لابن القيم، 1/ 150، والأمثال في القرآن الكريم، 1/ 9.

(3) تفسير البيضاوي، 1/ 186.

(4) ينظر: البرهان في علوم القرآن، 1/ 487.

أنواع الأمثال في السنة


الأمثال في السنة ثلاثة أنواع:
1.الأمثال المصَرَّحة. وهي ما صرِّح فيها بلفظ المثل، أو ما يدل على التشبيه. كما جاء فى الحديث الصحيح: ((إن مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها طائفة أمسكت الماء فشرب الناس واستقوا وزرعوا وكانت منها طائفة إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ وذلك مثل من فقه فى دين الله فنفعه ما بعثنى الله به من الهدى والعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به)) (1). والأمثلة عليها كثيرة.
2.والأمثال الكامنة. وهي التي لم يُصَرَّحْ فيها بلفظ التمثيل، ولكنها تدل على معانٍ رائعةٍ في إيجازٍ، يكون لها وقعها إذا نقلت إلى ما يشبهها، مثاله: ((وخير الأمور أوساطها)) (2)، و((ليس الخبر كالمعاينة)) (3)، و((لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)) (4).
3.والأمثال المرسلة. وهي جمل أرسلت إرسالاً من غير تصريح بلفظ التشبيه، مثاله: ((سبقك بها عكاشة)) (5).
فوائد الأمثال:


1.الأمثال تبرز المعقول في صورة المحسوس الذي يلمسه الناس، فيتقبله العقل؛ لأن المعاني المعقولة لا تستقر في الذهن إلا إذا صيغت في صورة حسية قريبة الفهم.
2.وتكشف الأمثال عن الحقائق، وتعرض الغائب في معرض الحاضر.
3.وتجمع الأمثال المعنى الرائع في عبارة موجزة.
4.ويضرب المثل للترغيب في الممثَّل به مما ترغب فيه النفوس.
5.ويضرب المثل للتنكير حيث يكون الممثَّل به مما تكرهه النفوس.
6.ويضرب المثل لمدح الممثَّل به.
7.وفيه أيضا تبكيت الخصم.
8.والأمثال أوقع في النفس، وأبلغ في الوعظ، وأقوى في الزجر، وأقوم في الإقناع، وقد أكثر النبي الأمثال في السنة للتذكرة والعبرة.
واستعان بها الداعون إلى الله في كل عصر لنصرة الحق وإقامة الحجة، ويستعين بها المربون ويتخذونها من وسائل الإيضاح والتشويق، ووسائل التربية في الترغيب أو التنفير، وفي المدح أو الذم.
قال الزمخشرى التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعاني وإدناء المتوهم من المشاهد فإن كان المتمثل له عظيما كان المتمثل به مثله وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك فليس العظم والحقارة في المضروب به المثل إلا بأمر استدعته حال الممثل له ألا ترى أن الحق لما كان واضحا جليا تمثل له بالضياء والنور، وأن الباطل لما كان بضده تمثل له بالظلمة، وكذلك جعل بيت العنكبوت مثلا في الوهن والضعف (6).
وقال الأصبهاني: لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خفيات الدقائق ورفع الأستار عن الحقائق، تريك المتخيل في صورة المتحقق والمتوهم في معرض المتيقن والغائب كأنه مشاهد، وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة، وقمع لسورة الجامح الأبي؛ فإنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثر في وصف الشيء في نفسه؛ ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه وفي سائر كتبه الأمثال، وفشت في كلام النبي وكلام الأنبياء والحكماء (7).
وقال البيضاوي: يضرب المثل زيادة في التوضيح والتقرير، فإنه أوقع في القلب، وأقمع للخصم الألد، ولأنه يريك المتخيل محققا والمعقول محسوسا، والأمر ما أكثر الله في كتبه الأمثال، وفشت في كلام الأنبياء والحكماء (8).
والخلاصة: أن ضرب الأمثال يستفاد منه أمور كثيرة، منها: التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره بصورة المحسوس، فإن الأمثال تصور المعاني بصورة الأشخاص؛ لأنها أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس، ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد (9).

الهوامش:
(1) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب: فضل من علم وعلّم، برقم79)، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب: بيان مثل ما بعث به النبي ، برقم: (2282).
(2) سنن البيهقي الكبرى، 3/ 273، برقم: (5897)، وضعّفه الألباني، ينظر: ضعيف الجامع، برقم: (3177).
(3) مسند الإمام أحمد، 1/ 215، برقم: (1842). والحديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.
(4) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، برقم: (6133)، وصحيح مسلم، كتاب الأدب، باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، برقم: (2998).
(5) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب: يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب، برقم: (6542)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة، برقم: (216).
(6) ينظر: البرهان في علوم القرآن، 1/ 488.
(7) ينظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، 2/ 344.
(8) ينظر: تفسير البيضاوي، 1/ 186.
(9) ينظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، 2/ 344.

المصنفات في الأمثال


من العلماء من أفرد الأمثال في السنة بالتأليف، منهم أبو الحسن الرامهرمزي حيث سمّى كتابه " أمثال الحديث المروية عن النبي "، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان, وكتابه المسمى " كتاب الأمثال في الحديث النبوي"، ومنهم من عقد لها بابًا أو كتاب من مصنفه، كأبي عيسى الترمذي الذي عقد أبوابًا في جامعه سماها: " أبواب الأمثال عن رسول الله ".
يقول القاضي أبو بكر بن العربي: " لم أر من أهل الحديث من صنّف فأفرد للأمثال بابًا غير أبي عيسى، ولله دره، لقد فتح بابًا، وبنى قصرًا أو دارًا، ولكنه اختط خطًا صغيرًا، فنحن نقنع به، ونشكره عليه".


المنهج في دراسة الأمثال:



لأهمية الأمثال في السنة النبوية اخترنا طرفاً صالحاً منها من كتب السنة، وفق المنهج الأتي:
1-الاقتصار على ما صح سنده منها، ففيها الكفاية والغنية.
2- تخريج الأحاديث من كتب السنة المعتمدة.
3-شرح المفردات الغريبة في متن الحديث، مع شرح إجمالي للحديث عند الحاجة إلى ذلك.
4-ذكر أهم الفوائد المستنبطة من المثل.
5-الرجوع إلى المصادر الرئيسة، من شروح السنة، وغريب الحديث، وكتب اللغة، مع الإشارة إلى ذلك في الحاشية.
هذا ونسأل الله تعالى أن ينفع بها إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.

إذا لم تستح فاصنع ما شئت



عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: (إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) (1).

شرح الحديث:

قال المناوي في فيض القدير:

قوله: (من كلام النبوة الأولى) أي: مما اتفق عليه الأنبياء، لأنه جاء في زمن النبوة الأولى وهي عهد آدم، واستمر إلى شرعنا إلى آخر ما وجدوا مأمورا به في زمن النبوة الأولى إلى أن أدركناه في شرعنا, ولم ينسخ في ملة من الملل, بل ما من نبي إلا وقد ندب إليه وحث عليه ولم يبدل فيما بدل من شرائعهم, ففائدة إضافة الكلام إلى النبوة الأولى الإشعار بأن ذلك من نتائج الوحي, ثم تطابقت عليه العقول وتلقته جميع الأمم بالقبول.
وقال القاضي: معناه أن مما بقي فأدركوه من كلام الأنبياء المتقدمين: أن الحياء هو المانع من اقتراف القبائح, والاشتغال بمنهيات الشرع, ومستهجنات العقل؛ وذلك أمر قد علم صوابه, وظهر فضله, واتفقت الشرائع والعقول على حسنه, وما هذه صفته لم يجر عليه النسخ والتبديل, وقيد النبوة الأولى إيذاناً باتفاق كلمة الأنبياء على استحسانه من أولهم إلى آخرهم.
وقوله: (فاصنع ما شئت) أمر بمعنى الخبر, أي: إذا لم تخش من العار عملت ما شئت, لم يردعك عن مواقعة المحرمات رادع, وسيكافئك الله على فعلك, ويجازيك على عدم مبالاتك بما حرمه عليك. وهذا توبيخ شديد فإن من لم يعظم ربه ليس من الإيمان في شيء, أو هو للتهديد من قبيل: " اعملوا ما شئتم " أي اصنع ما شئت فسوف ترى غبه, كأنه يقول إذ قد أبيت لزوم الحياء فأنت أهل لأن يقال لك افعل ما شئت وتبعث عليه ويتبين لك فساد حالك, أو هو على حقيقته ومعناه: إذا كنت في أمورك آمنا من الحياء في فعلها؛ لكونها على القانون الشرعي الذي لا يستحي منه أهله فاصنع ما شئت, ولا عليك من متكبر يلومك, ولا من متصلف يستعيـبك فإن ما أباحه الشرع لا حياء في فعله.
وعلى هذا الحديث مدار الإسلام من حيث إن الفعل إما أن يستحيا منه وهو الحرام والمكروه وخلاف الأولى، واجتنابها مشروع، أولا وهو الواجب والمندوب والمباح وفعلها مشروع, وكيفما كان أفاد أن الحياء كان مندوبًا إليه في الأولين كما أنه محثوث عليه في الآخرين, وقد ثبت أنه شعبة من الإيمان, أي: من حيث كونه باعثًا على امتثال المأمور وتجنب المنهي لا من حيث كونه خلقًا فإنه غريزة طبيعية لا يحتاج في كونها شعبة منه إلى قصد.
وقد ذكر النووي أن قانون الشرع في معنى الحياء لا يحتاج إلى اكتساب ونية, فينبغي حمل الحديث على هذا المعنى والقانون فيه أنك إذا أردت أمرًا أو اكتساب فعل وأنت بين الإقدام والإحجام فيه فانظر إلى ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحيا منه من الله ولا من أنبيائه قديمًا وحديثًا فافعله ولا تبالي من الخلق وإن استحيت منهم وإلا فدعه. فدخل الحديث إذًا في جوامع الكلم التي خص الله بها نبيه . وقد عده العسكري وغيره من الأمثال وقد نظم بعضهم معنى الحديث فقال:


إذا لم تخش عاقبة الليالي
ولم تستحي فاصنع ما تشاء







ابوصهيب غير متواجد حالياً