الموضوع: سورة النساء.
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2014, 05:11 PM   #8
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

أمر الله نبيه ألا يكترث للضعاف والجبناء ومرضى القلوب، وأن يتصدى لمقاتلة الفتانين والمعتدين حتى يكسر شوكتهم ويفُلّ حدَّهم "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا... " والرجاء هنا من جند الله فى جنب الله، وختام الآية يشير إلى أن بأس الكافرين شديد وأذاهم بالغ، ولكن الله أكبر "والله أشد بأسا وأشد تنكيلا" . ومن شاء انضم إلى الرسول والمؤمنين فقوى ظهرهم ونصر الحق معهم، وهذا الانضمام يسمى شفاعة، لأن المؤيد يجىء إلى الوتر فيجعله شفعا، وإلى الواحد المنعزل فيصيران اثنين قويين، وهذا معنى الآية " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا" أى مجازيا أو مقتدرا. وأمر الله المؤمنين أن يرقبوا مواقف الناس فى هذه المعارك فمن حاسنهم حاسنوه، واستقبلوه ببشاشة تدل على حبهم للسلام "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها.. ". ولا بأس أن تكون الآية فى سائر التحيات المتبادلة، وقد كان المسلمون يسلمون على الناس كلهم، ويردون بالسلام على من حياهم، حتى حرَّف اليهود الكلمة، فجعلوها "السام عليكم " فأمر المؤمنون أن يكون الرد: " وعليكم.. " فيستجيب الله فيهم ولا يستجيب منهم ! ويظهر لى أن ذلك موقف خاص، والآية على عمومها، ومن كرم الإسلام وأمته أن يحيوا الآخرين تأليفا لقلوبهم وإعلانا عن مبدئهم وهو السلام. روى ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنه قال: " من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه، وإن كان مجوسيا فإن الله يقول: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها". ورد الشعبى على نصرانى سلم عليه، فقال: وعليك السلام ورحمة الله، فقيل له فى ذلك فقال: " أليس فى رحمة الله يعيش "؟. ثم ذكر القرآن الكريم بعدئذ المنافقين، وحدد الموقف منهم. والمنافقون فى هذا السياق ليسوا جماعة من أهل المدينة يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر كعبد الله ابن أبى وشيعته. بل هم قبائل بعيدة، أو دول أجنبية بتعبير عصرنا، يتظاهرون بموالاتنا ونصره
ص _061
قضايانا، ويكيدون لنا فى الخفاء، ويعبثون بنا، وقد انخدع بعض المؤمنين بظاهرهم حتى كشف الوحى حقائقهم فقال جل شأنه: " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ". لماذا تنقسمون على رأيين فى هؤلاء الناس؟ وقد افتضحت بواطنهم "أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا" . ثم فصلت الآيات أصناف هؤلاء البعداء، فأوضحت أن منهم فريقا يود لنا العنت، ويتمنى أن نعود كفارا وهو يتربص بنا الدوائر " فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا" . وهناك قوم محايدون، ليسوا معنا ولا ضدنا، وموقفنا من هؤلاء السلام! " فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا" ! وهناك قوم مداهنون يريدون اللعب على الحبلين، فإذا تاحت لهم فرصة انتهزوها، وهؤلاء ينبغى أن نكون معهم صارمين " ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم.. " . وظاهر أن مقاتلة هؤلاء ليست على دخول الإسلام بل على التزام الحياد الدقيق بين المسلمين وخصومهم. فإذا تبين خَبْؤُهم، وبدا عدوانهم فلا معنى للسكوت عليهم، ولذلك قيل فى حقهم: "وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا" والتقسيم الآنف يتسم بالعدالة، فنحن لا نكره الناس على ديننا، ولا نكره منهم أن يكونوا محايدين بيننا وبين عدونا ما دام الحياد صادقا شريفا. الذى نرفضه هو العدوان الصريح أو الماكر، على نحو ما قيل: " لست بخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعنى"... ثم ذكرت السورة بعد ذلك الحكم فى القتل الخطأ والعمد، وكأن هذا الذكر نتيجة مقدمة لجريمة القتل التى تورط المسلمون فيها وهم يجاهدون فى سبيل الله، فقد حدث فى إحدى المعارك أن أحدق المسلمون بخصومهم، فخرج رجل من بينهم يعلن إسلامه، فظنوه مخادعا يريد النجاة بنفسه، ويلقى السلام وهو كاذب، فقتله أسامة بن زيد. فلما اطلع الرسول على ما حدث حزن حزنا شديدا، وعنف أسامة على مسلكه قائلا له: كيف
ص _062
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً