لقد قال للصنف الأول: لا تكن عبد رغبة ورهبة تشدك مصلحتك الشخصية وحدها إلى الإقدام أو الإحجام!. ما معنى أن تحزن لما فاتك من غنيمة عند النصر، أو تفرح لنجاتك عند الهزيمة!! هذه دناءة لا تليق بمؤمن. تجرد لله وأقبل على المعركة لرفع كلمته و حدها "فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما.. " الخ . وقال للصنف الثانى: إن الآجال محددة المواقيت " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا " . ومع طول الأجل قد تسقط من الطائرة فتمشى على الأرض بقدميك. ومع قصر الأجل قد تموت حتف أنفك فيمسك قلبك عن الوجيب وأنت فى بيتك..!! والأصناف التى تتردد بين النفاق وضعف الإيمان كثيرة، وهاك نماذج أحصتها سورة النساء، قال تعالى: " وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله" . والآية تذكرنا بموقف الفراعنة من موسى " فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون". وكذلك فعلت ثمود مع صالح... والمقصود بالحسنة الأحوال الحسنة من خصب ورخاء وعافية وغنى، والمقصود من السيئة أضدادها. ولا صلة لذلك بالاصطلاح الشرعى عن المعاصى والطاعات! والتشاؤم من بعثة الرسل كفر، وربما كان هذا الموقف من اليهود، وربما كان من حدثاء الإيمان الذين عرضت لهم بعد إسلامهم متاعب غير متوقعة!! وعقيدتنا أن الله هو الضار النافع الخافض الرافع، وأنه خالق كل شئ وسائقه، فلا قدرة لبشر على خلق وإنشاء، ولكن البشر لهم إرادات وقدر تعمل داخل نطاق محدود فى هذا الكون الكبير الذى لا ندرى منه إلا القليل... وهذا معنى "قل كل من عند الله" ثم جاء تفصيل لاحق يبين أن أغلب ما يصيب الناس من
ص _059
شرور هو لسيئات اقترفوها أو تقصير وقعوا فيه، وهذا معنى " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ". وإنما قلنا: أغلب ما يصيب الناس، لأن الله قد يبتلى بما يرفع الدرجات على طريقة " إذا سبقت للعبد منزلة فلم يبلغها بعمله، سلط عليه بلاء يرفعه إليها " - بصبره وتسليمه - فكل شئ لله إيجادا وإرسالا، ولنا كسبا واكتسابا، ونحن السبب فى أغلب السيئات التى تصيبنا... وهذا صنف آخر " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم.. " . من المآسى أن تشتغل الدهماء بشئون الدولة الكبرى، وأن تبدى رأيها فيما لا تعرف له رأسا من وقد رأيت من يتحدث فى الفقه ولا فقه له، ومن يفتى فى قضايا الحرب والسلام ولا رأى له، ومن يريد إصلاح العالم وهو عاجز عن إصلاح بيته، لماذا لا نترك الأمور لأربابها؟ ولماذا تبعثر الشئون الحربية والمالية فى كل مكان... يا بارى القوس بريا ليس يحسنه لا تظلم القوس أعط القوس باريها!. إن الله يأبى أن يسأل عنه من يجهله " الرحمن فاسأل به خبيرا " . ومن الخير أن نحترم الأخصائيين، وأن نقف عند حدود علمنا. والأمم الكبيرة تحترم الإخصائيين، وتوفر لهم الجو الذى ينتجون فيه، فإهانة هؤلاء تضر المجتمع كله. وماذا على أفراد الجمهور لو أتقنوا ما يوكل إليهم، وتركوا لغيرهم ما يحسنون؟ لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا. وفى الحديث " ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه.. ".
ص _060
يتبع...