الموضوع: سورة آل عمران.
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2014, 09:44 AM   #2
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة آل عمران.

وقد ظن اليهود أنهم لم يشرفوا بالتوراة، ولعلهم يحسبون التوراة شرفت بجنسهم فغالوا بأنفسهم على نحو دمرهم تدميرا. ويوجد الآن عرب يرفضون أن يشرفوا بالإسلام، فتراهم يجردون العروبة منه، أتظن عقباهم خيرا من بنى إسرائيل الذين مسخوا قردة وخنازير؟ إن سنن الله لا تتخلف، والناس لديه سواسية.. استغرق الحوار مع أهل الكتاب بضع عشرة صفحة، اتجه إلى اليهود أولا لأن المسلمين صلوا بنارهم، ولم أر فى الصفحة الأولى إلا إشارة خفيفة إلى النصارى تلقح عن بعد إلى ميلاد عيسى بن مريم، " هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم " فالآية وإن تحدثت عن عمل القدرة العليا فى تخلق الإنسان، وملامحه المادية والأدبية، تشير إلى أن عيسى بن مريم واحد من ألوف الذين أبدعهم الخالق من عدم، وأفاض عليهم من الصفات المتفاوتة ما يثير العجب، بعضهم يعجز عن فهم ما يسمع ويرى، وبعضهم يخترق الحجب على نحو ما قيل: والألمعى الذى يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا. هناك من لا يحسن ركوب دابة، وهناك من يغزو الفضاء! هناك من يحتبس داخل هواه، وهناك من يفنى فى الله! وعيسى وإن ولد من غير أب إلا أنه مندرج فى سياق قانون القدرة، وأرى أن نؤخر الكلام عنه حتى نفرغ من اليهود أولا وموقفهم المريب من الإسلام.. * * * * كراهية اليهود للعرب قديمة، سببها الأول أن تحول النبوة عنهم بدأ بمحمد، وقد كانت لهم دالة على البشر ببقاء الرسالات السماوية فيهم، فلما رأوا الوحى ينزل بين العرب جن جنونهم، وكرهوا الأرض والسماء!! وقد اتجه إليهم الخطاب الإلهى منددا بهذا الموقف " يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون * يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون "؟. وظاهر من هذا التوبيخ أن اليهود كانوا يعرفون يقينا أن محمدا حق، وأنه يتحدث باسم الله ، ص _031
وأن الله عاقبهم على معاصيهم التاريخية المتوارثة، ولكنهم بدلا من أن يصطلحوا مع الله، مضوا فى طريق المشاكسة والتحدى ينكرون النبوة الخاتمة ويحادونها بالكلام والسلاح، ويحيكون المؤامرات بين عبدة الأوثان حتى يصرفوهم عن الإيمان الصحيح. ولذلك تكرر فى أكثر من موضع لوْم اليهود على هذا الموقف الرديء " كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات.."؟. ثم يجرى الله على لسان رسوله هذا التساؤل : " قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون * قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون "؟. ويتفتق الفكر اليهودى عن حيلة خبيثة ليردوا الناس عن الإسلام ويصدوا عن سبيل الله، يقولون: إن الناس قد يتهموننا بالتعصب لما لدينا، ويظنوننا كرهنا الإسلام لذلك، فلنتظاهر باعتناق الإسلام، ولنوهم الناس أننا أحرار الفكر ولذلك تركنا ديننا إلى غيره! فلما وجدنا هذا الغير لا يصلح تركناه لعلة فيه لا لعلة فينا!! " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ". وأظهروا إصرارهم على كره الوحى الجديد، وانتقال الرسالة بعيدا عن العبريين، فقالوا: " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم.. " فلا يجوز أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ولا أن يشابهكم فى تلقى الوحى. وظاهر أن القوم كارهون لما صنع الله، وضائقون بمشيئته فى إيثار العرب، واختصاصهم بالوحى الجديد، وهم يحاولون إرغامه - سبحانه وتعالى - على تغيير أقداره، والعودة إليهم هم! وكان الجواب الحاسم " إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم" . لقد التقت فى بنى إسرائيل رذائل الصلف والقسوة والغرور، وهى رذائل قد يخفيها الضعف فتكون حقدا دفينا، وقد يبديها الثراء والغلب فتكون عدوانا مبينا، وقد
دفعهم هذا وذاك إلى

ص _032
التقوقع فى حاراتهم بعواصم الشرق والغرب، وإكنان الشر للناس مع الاستعلاء والاستخذاء جميعا..!! ونقرأ فى سورة آل عمران علة ما يفعلون ".. ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون" . والأميون جمع منسوب إلى الأمة أو إلى الأم، فإن كان إلى الأم، بمعنى العجز عن القراءة، فالمقصود العرب لشيوع الأمية فيهم، وإن كان منسوبا إلى الأمم فالمراد الناس كلهم، وهذا الشرح أدنى إلى خلائق اليهود ومزاعمهم التى يتدارسونها فى توراتهم وتلمودهم، والتى جعلت دول أوروبا كلها تتنكر قديما لهم، وتنزل نكالها بهم، وكان هتلر آخر هذه السلسلة من الحكام الباطشين، ولن يكون آخر من يؤدبون المجرمين! وقد شرح القرآن الكريم أن العلاقة بين الناس وربهم لا تقوم على الدعوى الكذوب، بل على الخلق العالى، على الوفاء والتقى " بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين " . وقد تساءلت: إذا كان النصف الأول من سورة آل عمران يقوم على الحوار مع أهل الكتاب وقصص أحوالهم فلماذا جاء ذكر الحج هنا؟ ولماذا جاء الحديث قبله عن الأطعمة المحرمة والمحللة؟؟. وبعد إعمال الذهن وإدامة التدبر لم أعد بطائل، فقلت: أستفتى صاحب المنار وأتعرف على رأى الأستاذ الإمام، فوجدت الجواب السائغ! قالوا : كأن اليهود - والإسلام يعرض عليهم - يتساءلون: كيف نتبع دينا يستبيح الأطعمة المحرمة علينا ونحن نبتعد عنها فلا ترى قط على موائدنا؟. وأجيبوا بأن الحظر الذى يحترمونه كان موقوتا وطارئا، لقد كانت الأطعمة كلها حلا عليهم، فلما فسقوا واستمروا العدوان حرمت عليهم عقابا من الله... وقد فصل الله ذلك فى سورة الأنعام وختم التحريم بقوله: ".. ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون * فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين". والمعروف أن رسالة عيسى بدأت بالتخفيف من آصار اليهود، وورد ذلك فى قوله تعالى على لسان المسيح "ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم "

ص _033
فلما نزل القرآن الكريم عاد بالتشريع إلى أصله، فلم تحرم إلا أنواع الميتة، ولحوم الخنازير، والدماء المسفوحة، وما أهل لغير الله به، أما ما وراء ذلك فحلال. وفى هذا يقول تعالى : " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة.. " الخ. وكذلك الكلام فى شأن القبلة، فإن البيت الحرام فى مكة المكرمة هو القبلة الأولى والأخيرة للناس كافة " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين " . وإذا كان بيت المقدس لظروف عارضة قد صار قبلة، فقد زالت العوارض ورجعت المياه إلى مجاريها، واستؤنف التكريم للبيت الذى أسس حصنا للتوحيد، وكان موضع التقدير من جملة الأنبياء السابقين... وندع الفروق بين شتى الشرائع لنقرر أن التربية الصحيحة على مهاد من العقيدة المكينة هى أساس الارتقاء البشرى على اختلاف العصور، وقد ذكرت سورة آل عمران ذلك فى أولها، قال تعالى : " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" . إن هذه الغرائز لابد منها لقيام الحياة، فلو لم تكن الغريزة الجنسية مثلا ما اتصلت قوافل الأحياء على ظهر الأرض، وكذلك سائر الغرائز الأخرى، والمهم ألا تتجاوز طور الاعتدال، وألا تضل سواء السبيل. والإسلام أباح ما يفيد وحرم ما يضر، وبنى قواعد الحلال والحرام على الإيمان والعمل الصالح، وشرع من عناصر التقوى ما يستبقى العلاقة قوية بالله واليوم الآخر! وقد استمعت إلى خطاب زعيم كبير يحذر من مرض " الإيدز " فرأيته يوصى باستعمال وقاء معين عند المباشرة الحرام، إنه يائس من العفة فلا يوصى بها لاستحالتها فى منطقه، وهى مستحيلة مع فقدان اليقين بالحى القيوم. وسوف يبقى أتباع الأديان الشكلية يلقون العنت من غرائزهم التى فقدوا السيطرة عليها، حتى يفهموا قول الله تعالى:
ص _034
يتبع...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً