الموضوع: سورة آل عمران.
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2014, 09:44 AM   #3
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة آل عمران.

" قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد * الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار * الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ". لقد تصدرت هذه الآية فى أوائل السورة، لتقول لأهل الكتاب: إن النجاة عقيدة أساسها " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " ثم تربية تقر الطبائع البشرية فى حدود الطهر، وتكره الإفراط والتفريط.. وتجعل البصر بالحياة الدنيا بصيرة تهدى للحياة الآخرة، وتمضى على الصراط المستقيم. ******** لم يتصل بمريم أحد من البشر عندما وضعت وليدها عيسى، ولما كان بعض الناس يقولون: إن عيسى ابن الله فإن هذه القالة تدفع إلى وهم لا أصل له، هو أن بين الله - سبحانه وتعالى - وبين مريم صلة خاصة، كان عيسى ثمرتها، وهذه جهالة غليظة بمكانة الألوهية، وما ينبغى لها من تقديس.. ويستحيل أن يكون الله والدا وفق هذا التصور الهابط، ولذلك قال : " لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار " . نعم كان ميلاد عيسى خارقا للعادة! شاء الله - وقد جعله كذلك - أن يجعله لونا من الخوارق الكثيرة التى يوقعها بين العباد ليعلمهم أنه يحكم قانون السببية، ولا يحكمه قانون السببية، ولذلك حكى قصة مريم وابنها، بعد قصة زكريا وزوجته، فهى - أيضا - لون من خوارق العادات، ولا دلالة لوقائعها على شئ فوق ذلك! كانت مريم مولودا غير متوقع لأمها التى نذرت ما فى بطنها خادما للمسجد الأقصى، يحرس شعائره، ويقيم فى ساحته عبادة الله، ويقود جموع المؤمنين " رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم " لكنها فوجئت بأن الوليد المرجو جاء أنثى! وما تصنع أنثى فى تحقيق آمال أمها، وأداء وظيفة لا يختار
لها إلا الكملة من الرجال؟. ليس المولود الذكر الذى أملت فيه كهذه الأنثى التى يغلب أن تحتاج إلى الحماية! ولم تكن الأم المفاجأة تدرى أن ابنتها ستضع إنسانا وجيها فى الدنيا والآخرة ومن المقربين! وأنها

ص _035
ستتولى ـ فى مهده ـ حمايته، كما حمت أم موسى موسى، وكما حمت والدة محمد محمدا!! إن من الغرائب المثيرة أن يكون ثلاثة من أولى العزم قد كفلتهم نساء ضعيفات، وأن يرعى كبار الأنبياء فى طفولتهم نساء مجردات من القوى المادية، معتمدات على رب السماء... إن من النساء من تبلغ القمة بنبلها وإيثارها وإيمانها، ولكن الأمر كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا القليل ". لقد ناجت امرأة عمران ربها قائلة: " رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم * فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا " . وتولى زكريا كفالة مريم، وكان رجلا قد كبرت سنه، ووهن عظمه، ولديه امرأته العاقر، التى لم ترزق من قبل بولد، وكان زكريا محزونا لأنه لم يرزق من يرث عنه قيادة بنى إسرائيل، مع سوء ظنه بهم، وخشيته على الشعب بعد وفاته. بيد أنه تحامل وصبر، وشرع يرعى الابنة التى انضافت إلى أسرته .! وأحس زكريا أن جديدا يقع فى بيته، وأن أرزاقا تهبط من الغيوب على هذه الابنة الغريبة التى كفلها " قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" وكانت هذه الإجابة مشعلة لكوامن العبودية فى قلب زكريا، فناجى ربه، إنك خرقت العادات لهذه البنية، ورزقتها من السماء بقدرتك التى لا يعجزها شئ، فلا تحرمنى أنا فضلك الأعلى..! إنك تستطيع أن تجعل الزوجة العقيم خصبة، وأن تجعل الزوج العاجز قادرا، وأن ترزقنا ابنا تقر به عيوننا " هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله... ". لقد عادت الحياة إلى الزوجين اليائسين: المرأة العاقر أنجبت - وما كانت لتلد - والزوج العقيم الكهل عاودته القدرة فأحبل امرأته .

ص _036
إن الله إذا أراد كانت الأسباب طوع أمره، وهو يخلق ما يشاء ويفعل ما يشاء. فى هذه البيئة القانتة المسارعة فى الخيرات نمت وترعرعت مريم، إنها بيئة تحيا فى رعاية السماء أكثر مما تحيا وفق قوانين الأرض، فلا غرابة إذا جاءت الملائكة مريم بعد نضجها تخاطبها بما لا يخطر لها ببال.. " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين * قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " . وهكذا دخلت مريم فى تجربة هائلة، وكلفت بما توْجل منه كل بكر، وما تمنت معه الموت، ولكن كلمة الله تمت، وولد عيسى بن مريم على هذا النحو المثير! وبعث رسولا إلى بنى إسرائيل كى يقيم عوجهم، ويكسر غرورهم، ويلزمهم العبادة المتواضعة، ورقة القلب مع الله ومع الناس.. إن الناس كانوا يحترمون بيت النبوة الذى نبتت فيه مريم، ويقدرون ما عرف به ابنها من نبل وفضل، وما اقترن بسيرته من نعمة ورحمة! أما بنو إسرائيل فقد كان لهم موقف آخر... جحدوا الخوارق التى أجراها بين أيديهم، ورفضوا الاعتراف برسالته، وضموا إلى كفرهم أمرا آخر من أشنع المناكر، فزعموا أن ميلاد عيسى لم يكن معجزة سماوية، بل هو جريمة بشرية ارتكبها مع مريم خطيب لها يدعى يوسف النجار! وبذلك جمعوا بين الكفران والبهتان... واستنجد عيسى بأهل الخير والصدق فنجده الحواريون والتفوا حوله يقولون : " ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين" . ومضى اليهود فى غوايتهم وسعايتهم، يغرون بعيسى وأتباعه، وكان عيسى قد بلغ دعوته وأذى رسالته فتوفاه الله، وأراحه من مكر اليهود، ورفع درجته فى عليين! ومع أن كثيرا من الناس يرون أن عيسى قد رفع حيا إلا أنى أميل إلى رأى الفقهاء الظاهريين فى أنه مات كغيره من الناس الذين تدركهم منيتهم، وإن كان موته الطبيعى لا يمنع أن يعود مرة
ص _037
يتبع...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً