الموضوع: سورة آل عمران.
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2014, 09:45 AM   #4
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة آل عمران.

أخرى إلى دنيا الناس - كما يقول ابن حزم - لينضم إلى المسلمين فى تقرير وحدانية الله، ويدعم صفوفهم وهم يقاتلون أعداء الله. مثله فى ذلك مثل صاحب القرية الذى قال: "أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه" . أو مثل أصحاب الكهف الذين رقدوا قرونا ثم عادوا إلى الحياة!! والخطب سهل، والخلاف قريب، المهم الاعتقاد بأن عيسى عبد الله ورسوله، وليس إلها ولا ابن الله.. بيد أن سورة آل عمران حكت لنا قصة وفد كنسى قدم المدينة يجادل الرسول فى العقيدة التى قررها، ويقول له: إذا كان بشرا فمن أبوه؟ إن الله هو أبوه، وإنه ليس بشرا إلا فى الصورة وحسب ! وجادلهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن فقدان الأب البشرى لا يعنى بنوته لله. ولو كان الأمر كذلك لكان آدم أولى بالألوهية، فهو لا أب له ولا أم "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين" ولكنهم أصروا على رأيهم، وقاوموه بحماس! فماذا يصنع لهم؟ اقترح عليهم أن يجتمعوا مع أهل الإسلام فى صعيد واحد، وأن يستنزلوا لعنة الله على أكذب الفريقين " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين * إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم" . وقد رفض القوم هذه المباهلة، وبقى كلا الفريقين إلى يوم الناس هذا على دينه، ويبدو أن عيسى وحده عندما ينزل آخر الزمان سوف يحسم الموقف، ويبين لعابديه أنهم مخطئون، وأن الملكوت كله ليس له إلا سيد واحد هو الله الواحد القهار.
ص _038
قبل أن يبلغ الحديث عن أهل الكتاب نهايته، شرعت السورة فى الكلام عن معركة أحد، وهى معركة انهزم فيها المسلمون هزيمة موجعة، وأصابتهم فيها خسائر فادحة..! والمعركة مع عبدة الأوثان الذين سبقوا أهل الكتاب فى مخاصمة الإسلام، ومطاردة أتباعه، وقد لاحظنا أن المسلمين قلما قابلوا أعداءهم فى جبهة واحدة! كانوا على امتداد تاريخهم حتى هذا اليوم يقاتلون فى جبهتين!! ويبدأ الكلام عند قوله تعالى لنبيه: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم" إلا أن السياق ينقطع فجأة ويبدأ حديث عن تحريم الربا، وعن الإنفاق فى السراء والضراء، وعن الإسراع إلى التوبة بعد مقارفة ذنب ما. ثم يتصل الكلام بعد ذلك تعليقا مسهبا عن نتائج المعركة، يمتد حتى آخر السورة!. ونتساءل: ما السر فى هذا الاعتراض؟ والذى يبدو أن الهدف إصلاح الجبهة الداخلية وتطهيرها من كل انحراف حتى تكون أهلا للنصر، فالمعارك الدينية ليست انتصارا لأشخاص قدر ما هى انتصار لمبادئ طاهرة، ومسالك قويمة.. وتبتعد قصة الخصومات الشخصية تماما عن جو الحروب الدينية عندما يقول الله لنبيه: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " . من يدرى قد يكون خصوم الأمس واليوم أصدقاء المستقبل إذا اصطلحوا مع الله ودخلوا فى دينه؟ إن الحب والبغض لله وحده. وليست بينكم وبين أحد ثارات خاصة أو عداوات شخصية! ولهزيمة أحد حكمة واضحة، فإن نصر بدر فتح الطريق أمام المغامرين وطلاب المصلحة كى ينتموا للدين الجديد، فظاهر أن المستقبل له! ألم يقل كبير المنافقين عبد الله بن أبى بعد النصر المفاجئ فى بدر: هذا أمر قد توجه!! ورأى أن ينضم بأتباعه إلى المسلمين؟. لذلك يقول الله تعالى: " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب.. " . لابد من هزيمة تكشف العدو من الصديق، وتفرز طلاب المنافع والوجاهات، وتستبقى أهل الإخلاص الذين يظاهرون نبيهم مع البأساء والضراء، وينصرون ربهم مهما تقلبت الليالى!..

ص _039
والناس طائفتان: طائفة متجردة وفية للحق وإن أصابه ما أصابه، " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " لا يسعون إلا لمآربهم ولا يدورون إلا حول أشخاصهم "يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء"؟ إنهم غاضبون لأن مقترحاتهم لم يؤخذ بها، ولأن أشخاصهم لم تكن موضح التقديم والتقدير!! وأمثال هؤلاء لا تنتصر بهم عقيدة! ولم تجيء هزيمة أحد من سوء التخطيط كما يظن البعض، بل جاءت من التفريط فى إنفاذ الأوامر الصادرة، ولو أدى كل جندى دوره المرسوم له ما وقع المكروه، ولكن البعض نسى واجبه المكلف به لسوء تصرف منه، أو لطمع طارئ عندما تحقق للمسلمين النصر فى المرحلة الأولى من المعركة، وبدت أكوام الغنائم..!! " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة... " أى تغير الموقف فتغيرت النتيجة.. "ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين". وعندما استغرب المؤمنون الهزيمة الفادحة، وبوغتوا بآثارها السيئة، تساءلوا: كيف وقع هذا؟ ولماذا؟ فكان التعليق الأعلى " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير" . إن هزيمتكم فى أحد نصف هزيمة المشركين فى بدر! فكفتكم - برغم ما حدث - أرجح، ومع ذلك فأنتم وحدكم المسئولون عما وقع لكم، وكان من الممكن أن تتجنبوه بالطاعة المفروضة على كل جندى، والتجرد المطلوب من كل مؤمن..!! ثم بدأ العزاء البليغ عن الأحداث المؤلمة، بدأ بقوله تعالى: " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين * ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " . إن الباطل لا مستقبل له! وقد قص الله على عباده تواريخ أمم مضت، هلكت جميعا لأنها تشبثت بالباطل وأصرت عليه..
ص _040
يتبع...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً