عرض مشاركة واحدة
قديم 02-11-2011, 01:02 AM   #3
مسلم التونسي

المدير العام للموقع

 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 6,084
معدل تقييم المستوى: 10
مسلم التونسي is on a distinguished road
افتراضي

إن المسلم حينما يتأمّل مثل هذه المواقف في حسن المعاملة فإنه يَحَار من عظمتها وسموها ورقيّها، ويتعجب من تبسّطه لإدخال السرور على أهله.




إنه الإسلام ذلك الدين العظيم، الذي أمر الأزواج بحسن المعاملة مع الزوجات، وعلم أن المرأة تحتاج إلى من يتلطّف معها ويسعدها، ويشبع فيها روح الأنس والرضا والرحمة،




ويشعرها أنها في ظلّ زوج كريم، يحميها ويرعاها، ويهتم بشؤونها، ويوفر لها حاجاتها المشروعة، ويتجمّل لها بالزينة التي أباحها الشرع،




ويعطيها من وقته واهتماماته، فلا يشغل عنها وقته كله في أعماله أو هواياته، أو مسئولياته أو أصحابه،




فراعى للمرأة هذه الحقوق، ولم يأذن للزوج بشغل وقته كله حتى ولو بالعبادة كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (
(إن لزوجك عليك حقّاً))10.




ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل الناس في معاملته لزوجاته، فقد كان يراعي في عائشة - رضي الله عنها - إذ كانت صغيرة؛ حُبَّها للّعِب، فلم يسفّهها، ولم يعنّفها،




بل كان يُسَرِّبُ إليها البنات لكي يلعبن معها باللُّعَب وقد ورد عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "كانت تأتيني صواحبي،




فكنّ يَنْقَمِعْنَ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَرِّبُهُن إليّ"
11، يَنْقَمِعْنَ: يختفين منه حياءً وهَيْبةً.




ومن حسن معاملته لزوجاته إسماعُهُنّ ما يحلو لهنّ من كلمات الثناء والنداء العَذْبَة التي تحبّها النساء من الأزواج،




فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُثنِي على عائشة، ويُرَخِّمُ نداءها، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:


((فضل عائشة على النساء كفضل الثَّرِيد على سائر الطعام))12



وروى البخاري أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً: ((
يا عائش، هذا جبريل يُقْرِئك السلام))13،




وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى - تريد رسولَ الله -"، فانظروا كيف كان يُثنِي عليها، ويناديها باسم مُحَبَّبٍ عندها.





وكان من حسن معاملته إكرامُ صديقات زوجته خديجة - رضي الله عنها - بعد مماتها




فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانت عجوز تأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيَهِشُّ (الهَشَاشَة بالفتح: الارتياح والخِفّة للمعروف) ويكرمها،




فقلت: بأبي أنت وأمي، إنك لتصنع بهذه العجوز شيئاً لا تصنعه بأحد، قال: ((
إنها كانت تأتينا عند خديجة، أما علمتِ أنّ كَرَم الودّ من الإيمان؟))14،





نعم، إنّ كَرَم الودّ من الإيمان، وحسن معاملة الزوجة من الإيمان، والصبر عليها من الإيمان، فقد كان نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - يراجِعْنَه الحديث وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،


وتهجره الواحدة يوماً كاملاً إلى الليل، وجرى بينه - عليه الصلاة والسلام - وبين عائشة كلامٌ حتى أدخل أبا بكر حَكَماً بينهما، كل هذا مع جلالته وعظمته، فأحسن إليهنّ، وصبر عليهنّ.





معاشر المؤمنين: إنّ إحسان معاملة النساء والصبر عليهنّ كما كان يفعل رسول الله - عليه الصلاة والسلام - لهو كفيل بأن يملأ البيت بسحائب الرحمة، وأن يظلّه بظلال المحبة، ويبعد عنه غشاوة العداوة، وضجيج الخلاف الذي يجعل شبح الطلاق مُخَيِّماً فوق كثير من بيوتنا،






ولعله ممّا لا يخفى على أحد زيادة معدّلات الطلاق في مجتمعاتنا المسلمة، ومن أكبر أسباب ذلك هو سوء معاملة الزوج لزوجته، وعدم تفهّمه لطبيعة المرأة وطريقة تفكيرها،



فهو في عمل وانشغال، وخروج وانتقال، وسفر وارتحال، يأمر وينهى، ويرغب ويتمنّى، كل ذلك يفكّر في نفسه فقط، ولم يوفّر الجو المناسب، والمناخ الملائم للحياة الزوجية الآمنة، يغضب لأتفه الأسباب، ويقيم الدنيا ولا يقعدها حتى ولو في أمر الطعام أو الشراب،




فإذا تأخّر الطعام أو لم تُوَفّق زوجته في إعداده ثار وغضب، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعيب طعاماً قط، إن أحبّه أكله، وإن كرهه تركه، وكان يلتمس الأعذار.





ألا فلنتق الله في زوجاتنا، ولنستوص بهنّ خيراً، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((
ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عَوَانٌ عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك))15.




ومن معالم حسن معاملته - صلى الله عليه وسلم - إحسان معاملة الأولاد




فعن عبد الله بن بُرَيْدَةَ أن أباه حدثه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب،




فأقبل حسن وحسين - عليهما السلام - وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان،



فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذهما فوضعهما في حِجْره، فقال: ((
صَدَق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}16، رأيت هذين فلم أصبر))17، ثم أخذ في خطبته.




إنه لَسلوك عظيم أن يحسن الإنسان معاملة أبنائه حتى في المواقف العظيمة، النبي - صلى الله عليه وسلم - ينزل من فوق المنبر، وأمام الجموع؛ ليحمل أسباطه - صلوات الله وسلامه عليه -، ثم يكمل خطبته.





ومن ذلك أيضاً ما رواه ابن ماجه أن يعلى بن مُرَّة حدّثهم أنهم خرجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طعام دُعُوا له،




فإذا حسين يلعب في السِّكَّة، قال: فتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أمام القوم، وبَسَط يديه فجعل الغلام يفرّ ها هنا وها هنا، ويضاحكه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فَأْس رأسه فقبّله،



وقال: ((
حسين مني وأنا من حسين، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً، حسين سِبْطٌ من الأَسْبَاط))18، وفَأْس الرأس أي: قَفَا الرأس.




فيا سبحان الله! يُضاحِك ولده بين أصحابه، ويقبّله بين جموع الرجال ليعلّمهم كيف يعاملون أبناءهم.





ومن ذلك حمله لأولاده في الصلاة فعن أبي قتادة يقول: بينما نحن في المسجد جلوس خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحمل أُمَامَة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله - عليه الصلاة والسلام -،




وهي صبيه يحملها على عاتقه، فصلى رسول الله - عليه الصلاة والسلام - وهي على عاتقه؛ يضعها إذا ركع، ويعيدها إذا قام، حتى قضى صلاته، يفعل ذلك بها.





فمَن منّا يصبر على ولده في الصلاة كما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؟! مَن منّا يحسن المعاملة مع ولده كما كان يفعل النبي - عليه الصلاة والسلام -؟





فإذا رحمتَ فأنت أمٌّ أو أبٌ *** هذان في الدنيا هما الرُّحَمَاءُ






اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، ووفقنا لكل خير وادفع عنا كل ضير، وصلى الله على محمد وآله، والحمد لله رب العالمين.

1 الأحزاب (21).

2 الحشر (7).

3 رواه مسلم برقم (4296).

4 الروم (21).

5 النساء (19).

6 رواه الترمذي برقم (3830)، وقال الشيخ الألباني (صحيح) انظر حديث رقم 3314 في صحيح الجامع.

7 رواه أبو داود، وقال الشيخ الألباني (صحيح) انظر حديث رقم 5137 في صحيح الجامع.

8 رواه أبو داود، وقال الشيخ الألباني (صحيح) انظر حديث رقم 7007 في صحيح الجامع.

9 رواه الترمذي، وصححه الألباني برقم (2914).

10 رواه البخاري برقم (1838).

11 رواه مسلم برقم (4470).

12 رواه البخاري برقم (3179).

13 البخاري برقم (3484).

14 رواه البيهقي في الشعب برقم (9121).

15 رواه الترمذي برقم (1083)، وقال الشيخ الألباني (حسن) انظر حديث رقم 7880 في صحيح الجامع.

16 التغابن (15).

17 قال الشيخ الألباني (صحيح) انظر حديث رقم 3757 في صحيح الجامع.

18 حسنه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (118).


الامام

__________________
اكسب الحسنات من عضويتك على الفيسبوك اشترك الان بتطبيقنا على الفيسبوك
ادخل على الرابط
من هنا

ثم اختار ابدأ اليوم
ثم الصفحة التاليه اضغط على علامة فيسبوك
وبعدها وافق على الاشتراك
سيقوم التطبيق بنشر أيات من القرأن الكريم بشكل تلقائى على صفحتك بالفيسبوك
وباقة مميزة من الموضوعات الاسلامية من موقع شبكة الكعبة
اشترك الان وابلغ اصدقائك
مسلم التونسي غير متواجد حالياً