عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-2011, 09:06 PM   #2
مسلم التونسي

المدير العام للموقع

 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 6,084
معدل تقييم المستوى: 10
مسلم التونسي is on a distinguished road
افتراضي

الإعلام بالحج:


ثم أمر الله خليله بأن يعلم الناس بالحج، وأن يعلم قاصيهم ودانيهم بفريضته وبفضله، فقال الله تعالى له:

{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}

أي ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه؛ فَذُكر أنه قال: "يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟"؛ فقيل: "ناد وعلينا البلاغ".


فقام على مقامه، وقيل: على الحجر، وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قُبَيس، وقال: "يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه"،

فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمَعَ مَن في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حَجَر ومَدَر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: "لبيك اللهم لبيك".


أحوال الناس في المجيء إلى الحج:


قوله تعالى: {يأتوك رجالاً} فإنك إذا ما دعوتهم إلى الحج استجابوا لك فأتوك حجاجا وعمارا؛ حال بعضهم أنه أتى ماشياً على رجله لفرط شوقه لبيت الله العتيق، واستجابة لنداء الله.

وليس فقط سيأتونك مشاة على أرجلهم، وإنما سيأتونك: {عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أي ناقة ضامر، تقطع المهامه والمفاوز، وتواصل السير، حتى تأتي إلى أشرف الأماكن.

قال ابن كثير:


"قد يَستدلّ بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الحج ماشيا لمن قدر عليه أفضلُ من الحج راكبا؛ لأنه قدمهم في الذكر،

فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم وشدة عزمهم، والذي عليه الأكثرون أن الحج راكبا أفضل؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حج راكبا مع كمال قوته -عليه السلام-".


بل إن تكلف الحج ماشيا مع وجود وسائل الركوب والراحة هذا نوع من التعنت الذي رفعه الله عن هذه الأمة فمن فعله بعدما يسر الله من وسائل النقل والركوب السريع فكأنما رد نعم الله عليه،

ومن هذا القبيل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذرت الحج ماشية أن تركب، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أخت عقبة بن عامر رضي الله عنهم نذرت أن تحج ماشية وأنها لا تطيق ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لغني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة". رواه أبو داود والدارمي



وفي رواية لأبي داود: فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي هديا وفي رواية له: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا فلتركب ولتحج وتكفر يمينها".

وقد قال تعالى: {يأتوك}؛ وهم لم يأتوا الكعبة؛ لأن المنادى إبراهيم، فمن أتى الكعبة حاجا فكأنما أتى إبراهيم؛ لأنه أجاب نداءه، وفيه تشريف إبراهيم.

ومع أنهم يأتون مشاة وركباناً، فإنهم يأتون كذلك أفواجاً وجماعات، ومن أماكن بعيدة: {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} أي من كل بلد بعيد.

وقد فعل الخليل -عليه السلام-، ثم من بعده ابنه محمد -صلى الله عليه وسلم-، فدعيا الناس إلى حج هذا البيت، وأبديا في ذلك وأعادا،

وقد حصل ما وعد الله به، أتاه الناس رجالا وركبانا من مشارق الأرض ومغاربها.

وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن إبراهيم حيث قال في دعائه:
{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} سورة إبراهيم(37)
فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحنّ إلى رؤية الكعبة والطواف، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار.

قف بالأباطح تسري في مشارفها *** مواكب النور هامت بالتقى شغفا

من كل فــج أتت لله طائعـة *** أفواجها ترتجـي عفو الكريم عفا

صوب الحطيم خطت أو المقام مشت *** مثل الحمائم سربا بالحمى اعتكفا

مسلم التونسي غير متواجد حالياً