عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-2011, 09:07 PM   #4
مسلم التونسي

المدير العام للموقع

 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 6,084
معدل تقييم المستوى: 10
مسلم التونسي is on a distinguished road
افتراضي

التحذير من الشرك:


أمر الله بأن نكون: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ} أي مقبلين عليه وعلى عبادته، معرضين عما سواه.

وقوله: {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ} فمثله {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} أي سقط منها {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} بسرعة {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} أي بعيد، كذلك المشرك، فالإيمان بمنزلة السماء، محفوظة مرفوعة.

ومن ترك الإيمان، بمنزلة الساقط من السماء، عرضة للآفات والبليات، فإما أن تخطفه الطير فتقطعه أعضاء،
كذلك المشرك إذا ترك الاعتصام بالإيمان تخطفته الشياطين من كل جانب، ومزقوه، وأذهبوا عليه دينه ودنياه.


تعظيم شعائر الله:


قوله:{ذَلِكَ} أي ذلك الذي ذكرنا لكم من تعظيم حرماته وشعائره، والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة،

ومنها المناسك كلها؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}


ومنها الهدايا والقربان للبيت، وتقدم أن معنى تعظيمها، إجلالها، والقيام بها، وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، ومنها الهدايا، فتعظيمها، باستحسانها واستسمانها،


وأن تكون مكملة من كل وجه، فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله.

وقوله: {لَكُمْ فِيهَا} أي في الهدايا {مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} هذا في الهدايا المسوقة من البدن ونحوها، ينتفع بها أربابها، بالركوب، والحلب ونحو ذلك، مما لا يضرها {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} مقدر موقت، وهو ذبحها إذا وصلت مَحِلُّهَا وهو الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، أي: الحرم كله "منى" وغيرها، فإذا ذبحت، أكلوا منها وأهدوا، وأطعموا البائس الفقير.


تعدد الشرائع واتحاد الأصل:


قوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} أي ولكل أمة من الأمم السالفة {جَعَلْنَا مَنْسَكًا} أي: فاستبقوا إلى الخيرات وتسارعوا إليها، ولننظر أيكم أحسن عملا والحكمة في جعل الله لكل أمة منسكا، لإقامة ذكره، والالتفات لشكره،
ولهذا قال: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وإن اختلفت أجناس الشرائع،

فكلها متفقة على هذا الأصل، وهو ألوهية الله، وإفراده بالعبودية، وترك الشرك به ولهذا قال: {فَلَهُ أَسْلِمُوا}

أي انقادوا واستسلموا له لا لغيره، فإن الإسلام له طريق إلى الوصول إلى دار السلام.


قوله: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} بخير الدنيا والآخرة، والمخبت: الخاضع لربه، المستسلم لأمره، المتواضع لعباده ، ثم ذكر صفات المخبتين فقال: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}


أي خوفا وتعظيما، فتركوا لذلك المحرمات لخوفهم ووجلهم من الله وحده.

{وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} من البأساء والضراء، وأنواع الأذى، فلا يجري منهم التسخط لشيء من ذلك،

بل صبروا ابتغاء وجه ربهم، محتسبين ثوابه، مرتقبين أجره، {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ}

أي الذين جعلوها قائمة مستقيمة كاملة، بأن أدوا اللازم فيها والمستحب، وعبوديتها الظاهرة والباطنة، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}

وهذا يشمل جميع النفقات الواجبة، كالزكاة، والكفارة، والنفقة على الزوجات والمماليك، والأقارب، والنفقات المستحبة،

كالصدقات بجميع وجوهها، وأتي بـ {من} المفيدة للتبعيض، ليعلم سهولة ما أمر الله به ورغب فيه،
وأنه جزء يسير مما رزق الله، ليس للعبد في تحصيله قدرة، لولا تيسير الله له ورزقه إياه. فيا أيها المرزوق من فضل الله، أنفق مما رزقك الله، ينفق الله عليك، ويزدك من فضله.


الطريقة الشرعية في الهدي:


قوله: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

هذا دليل على أن الشعائر عام في جميع أعلام الدين الظاهرة. وتقدم أن الله أخبر أن من عظم شعائره فإن ذلك من تقوى القلوب،

وهنا أخبر أن من جملة شعائره، البدن، أي: الإبل، والبقر، على أحد القولين، فتعظم وتستسمن، وتستحسن، {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}

أي المهدي وغيره، من الأكل، والصدقة، والانتفاع، والثواب، والأجر، {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا} أي عند ذبحها قولوا: "بسم الله"،

واذبحوها، {صَوَافَّ} أي قائمات، بأن تقام على قوائمها الأربع، ثم تعقل يدها اليسرى، ثم تنحر.

قوله: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} أي سقطت في الأرض جنوبها، حين تسلخ، ثم يسقط الجزار جنوبها على الأرض،
فحينئذ قد استعدت لأن يؤكل منها، {فَكُلُوا مِنْهَا}

وهذا خطاب للمهدي، فيجوز له الأكل من هديه، {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}

أي الفقير الذي لا يسأل تقنعا وتعففا، والفقير الذي يسأل، فكل منهما له حق فيهما.

قوله: {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ} أي البدن {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على تسخيرها،

فإنه لولا تسخيره لها لم يكن لكم بها طاقة، ولكنه ذللها لكم وسخرها رحمة بكم وإحسانا إليكم، فاحمدوه.

الإخلاص لله في الأعمال:


قوله: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا}
أي ليس المقصود منها ذبحها فقط.
ولا ينال الله من لحومها ولا دمائها شيء، لكونه الغني الحميد، وإنما يناله الإخلاص فيها، والاحتساب، والنية الصالحة،

ولهذا قال: {وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} ففي هذا حث وترغيب على الإخلاص في النحر، وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخرا ولا رياء، ولا سمعة، ولا مجرد عادة،


وهكذا سائر العبادات، إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله، كانت كالقشور الذي لا لب فيه، والجسد الذي لا روح فيه.


قوله: {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} أي تعظموه وتجلوه، {عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أي مقابلة لهدايته إياكم،
فإنه يستحق أكمل الثناء وأجل الحمد، وأعلى التعظيم، {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} بعبادة الله بأن يعبدوا الله، كأنهم يرونه،
فإن لم يصلوا إلى هذه الدرجة فليعبدوه، معتقدين وقت عبادتهم اطلاعه عليهم، ورؤيته إياهم، والمحسنين لعباد الله، بجميع وجوه الإحسان من نفع مال، أو علم، أو جاه، أو نصح، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو كلمة طيبة ونحو ذلك،

فالمحسنون لهم البشارة من الله، بسعادة الدنيا والآخرة وسيحسن الله إليهم، كما أحسنوا في عبادته ولعباده {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ} {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}.

فهذا ما تيسر جمعه وبيانه في معنى آيات سورة الحج التي تبين أحكام الحج وشعائره ومناسكه،

والله نسأل أن يجنبنا الزلل، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

1 أخرجه مسلم من حديث بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه-.

2 رواه مالك في الموطأ من حديث جابر -رضي الله عنه-.

3 رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، رقم(2834).

4 رواه البخاري.

5 راجع: تفسير القرآن العظيم (3/290- 291) للحافظ ابن كثير. والجامع لأحكام القرآن(12/37) وما بعدها. للقرطبي. ومعالم التنزيل(1/378- 380) للبغوي. وأضواء البيان (4/469) وما بعدها، للشنقيطي. وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، صـ(536) لابن سعدي. مؤسسة الرسالة.

مسلم التونسي غير متواجد حالياً