الموضوع: سورة آل عمران.
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2014, 09:43 AM   #1
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
Thumbs up سورة آل عمران.



يستطيع قارئ سورة آل عمران؟ أن يستبين على عجل موضوع السورة الكريمة، فهى تدور على قضيتين كبيرتين. الأولى: حوار مع أهل الكتاب الذين يخاصمون الإسلام داخل المدينة. والأخرى: تعليق على هزيمة أحد التى أصابت المسلمين بجرح غائر، وأدخلت الأحزان إلى عشرات البيوت... والحديث فى كلتا القضيتين يأخذ بدايته منفردا فى أول السورة ووسطها، ثم يختلط الحوار والتعليق أواخر السورة، كأن جهاد الدعوة يقضى بالثبات فى الموقفين، ويوجب على المسلمين مواجهة مشتركة لكيد اليهود داخل المدينة وهجوم الوثنيين عليها تمشيا مع عدوانهم السابق.. إننا نعرض دعوتنا على الأحزاب كلها، عرضا لا جور فيه ولا عدوان، فمن استجاب آخيناه، ومن أعرض تركناه، ومن اعتدى تصدينا له معتمدين على الله. وتلمح هذا الموقف فى قول الله هنا " فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ". تبدأ السورة ببيان أن الإسلام هداية عامة وأن كتابه مصدق لما أنزل الله من قبل، وأن الوحى الإلهى كله فرقان بين الحق والباطل، وأن موسى وعيسى ومحمد يسيرون فى خط واحد، وأن دائرة الإسلام تشمل الأديان كلها على اختلاف الزمان والمكان. وقد سمى الله التوراة والإنجيل والقرآن " آيات الله ".. وننبه إلى أن هذه الكلمة " آيات الله " تكررت عشر مرات فى هذه السورة، بدأت بقوله تعالى : " إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام " وانتهت بقوله تعالى:
ص _028
"وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا..." ولا تناقض بين عناصر الإيمان، ولا بين ما نزل على محمد وما نزل على أخويه السابقين موسى وعيسى. إن التناقض يقع بين وحى الله وأكاذيب البشر. والإيمان ـ كما يوضحه القرآن ـ : إيمان بما أنزل إلينا، وبما أنزل من قبلنا.. وعلى المخالفين أن يثوبوا إلى رشدهم.. وأهل الكتاب صنفان: اليهود والنصارى، ولم يقع حوار ساخن بين المسلمين والنصارى داخل المدينة، وإنما حمى الخصام بين المسلمين واليهود الذين كونوا مستوطنات لهم فى المدينة نفسها، وشمالى الحجاز، والذين تصدوا للإسلام يكذبون الله ورسوله ويهاجمون وحيه، ويؤلبون عليه عبدة الأصنام فى شتى الأرجاء.. وقد أغراهم بالهجوم أنهم جمعوا مالا وعتادا، وقامت لهم ثروات وحصون، وذاك سر تكرار التنديد بمصادر قوتهم خلال هذه السورة الكريمة: " إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار ". " إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم " . " إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " . وأخيرا قوله تعالى: " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ". والواقع أن الغنى المفرط ونسيان الله قد يطيشان بالأفراد والجماعات.. واليهود فى مستعمراتهم الأولى بالحجاز بلغوا شأوا من الرقى العمرانى والاقتصادى لم يبلغه عرب الجزيرة الأصلاء! فهل سخروا شيئا من هذا فى دعم الحق والشرف ومحاربة الفسوق والعصيان؟ كلا، ربما كان المجتمع الجاهلى الوثنى أرقى منهم خلقا، وخيرا مسلكا..

ص _029
ولذلك كان النبى الخاتم نعم المؤدب لهم عندما اشتبكوا معه مغرورين، فارتدوا على أعقابهم مدحورين، وانكسرت قواهم؟ وطاحت أموالهم . . لقد، استأثر اليهود بالوحى الإلهى أجيالا متعاقبة، فظل فى جنسهم أحقابا حتى زعموا أنهم أصحابه؛ وأنه يستحيل أن يتجاوزهم إلى غيرهم!. ولم هذه الاستحالة؟ كل امرئ يفقد أهليته لمنصب ما؟ يجب إبعاده عنه!! وقد صار اليهود آخر تاريخهم عاجزين تمام العجز عن الارتفاع إلى مستوى الوحى، فقلوبهم حجارة وأخلاقهم نذالة، وأثرتهم طافحة، وتخصصهم الأول والأخير التشبع من الدنيا والعكوف على مطالبها، والجراءة على الله، وكراهية أمره ورفض حكمه. فما بد من صرف الوحى إلى جنس آخر، قد يكون خيرا منهم حالا ومآلا، وهذا سر قوله تعالى: " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " . وهذه الآية سبقتها آيات كانت مقدمات لهذه النتيجة أو "حيثيات " لهذا الحكم، منها قوله تعالى - قبل هذه الآية مباشرة: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون * ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات" . إنهم أمنوا العقاب الرادع فرفعوا راية العصيان السافر! وقرروا إهدار الشريعة وأحكامها... وكان الرد الإلهى تقرير العدالة العامة بين صنوف البشر، وأن مزاعم الأجناس لا وزن لها " فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " والتعبير بكل نفس، يفيد أن الإضافات المفتعلة للأفراد لا قيمة لها، فالنفس الإنسانية المجردة تلقى جزاء ما قدمت، وسوف يحشر الناس عراة كما خلقوا، لا تكسوهم إلا ألبسة التقوى وحدها إن كانوا أهل تقوى! والكلام وإن كان تقريعا لليهود ففيه إيماءة خفية إلى غيرهم من الأمم، فإن الله لن يعاقب أبناء إسرائيل إذا فسدوا ويترك أبناء إسماعيل إذا قلدوهم فى سيرتهم، واقتفوا آثارهم، إن تشابه البيئات يقتضى تشابه العقوبات...

ص _030
يتبع...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً