عرض مشاركة واحدة
قديم 08-10-2018, 12:03 AM   #2
انى احبكم فى الله

مشرف المرئيات الاسلامية

 
الصورة الرمزية انى احبكم فى الله
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
الدولة: مصر\ الاسماعيلية
المشاركات: 571
معدل تقييم المستوى: 12
انى احبكم فى الله will become famous soon enough
إرسال رسالة عبر ICQ إلى انى احبكم فى الله إرسال رسالة عبر AIM إلى انى احبكم فى الله إرسال رسالة عبر Yahoo إلى انى احبكم فى الله إرسال رسالة عبر Skype إلى انى احبكم فى الله
افتراضي رد: مــا حكم دخول مكة من غير إحرام ؟؟؟

حكم دخول مكة من غير إحرام


الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم القصير - أستاذ الفقه المقارن بجامعة الملك سعود بالرياض




الدليل الثاني:
عن ابن عباس رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ قال: «بل مرة واحدة فمن زاد فهو تطوع»(93).
وعن سراقة بن مالك قال: قلت: يا رسول الله: عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: «بل للأبد»(94).
وجه الدلالة من الحديثين:
إن الحج والعمرة لا يجبان في العمر إلا مرة واحدة، وإن ما زاد كان تطوعاً، والتطوع لا يجب وإنما يستحب(95)، فإذا أوجبنا على الداخل إلى مكة الإحرام وهو لا يريد الحج، أو العمرة فكأننا قد أوجبنا عليه شيء لم يوجبه الشرع.
نوقش وجه الدلالة من الحديثين:
يقال: إنه لا يجب الحج على من حج مرة أخرى، بمعنى أن لا ينشئ السفر من بلده قاصداً الحج، أو العمرة لكن من أراد دخولها، فلا يدخلها إلا محرماً، ومتى دخلها على هذه الصفة كان تطوعاً، كما يقال: إذا أراد أن يصلي يتطهر، ويكبر، ويقرأ، ومتى فعل ذلك كان متطوعاً، ولأن الخبر تضمن ما وجب بإيجاب الله تعالى، والكلام في ما وجب من جهة المكلف، ولهذا لم يدخل النذر تحته(96).
3- عن أنس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المِغفر»(97).
4- عن جابر رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء بغير إحرام»(98).
والحديثان ليس بينهما تضاد، فيجوز أنه صلى الله عليه وسلم دخل على رأسه المِغفر، ثم نزعه، وكان على رأسه العمامة تحت المِغفر، ويجوز أن العمامة كانت فوق المِغفر ثم نزعها، فروى كل ما رأى(99).
وجه الدلالة من الحديثين:
إن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل مكة بغير إحرام، لأنه كان لا يأمن أن يقاتل، فدل على جواز الدخول من غير إحرام(100).
نوقش وجه الدلالة:
إن هذا مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه قوله يوم فتح مكة حين دخلها بغير إحرام: (وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس)، ومعلوم أنه لم يرد القتال، لأنه يحل إذا احتيج إليه، فدل على أنه أراد دخولها بغير إحرام(101).
الدليل الرابع: إقراره صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه مجاوزتهم الميقات من غير إحرام، كإقراره أبي قتادة، والحجاج بن عِلاط على مجاوزتهم الميقات بغير إحرام.
قال الشوكاني: (وقد كان المسلمون في عصره صلى الله عليه وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم، ولم ينقل أنه أمر أحداً منهم بإحرام؛ كقصة الحجاج بن عِلاط، وكذلك قصة أبي قتادة رضي الله عنه)(102).
أما إقراره الحجاج بن عِلاط، لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن علاط: يا رسول الله إني لي بمكة مالاً، وإن لي بها أهلاً وإني أريد أن آتيهم، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم)(103).
وجه الدلالة:
إن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر الحجاج بن عِلاط أن يذهب وأن يدخلها بدون إحرام، فلو كان الإحرام شرطاً لذكر له الرسول صلى الله عليه وسلم إنه لا يدخل مكة إلا محرماً، فتبين إن الإحرام ليس بشرط إذا دخل المريد مكة لحاجة ولم يرد النسك.
أما إقراره لأبي قتادة: هو ما رواه عبدالله بن أبي قتادة قال: (انطلق أبي عام الحديبية، فأحرم أصحابه ولم يحرم، وَحُدَّث النبي صلى الله عليه وسلم أن عدوّا يغزوه، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض، فنظرت فإذا أنا بحمار وحشِ فحملت فيه فطعنته فأثبته) الحديث(104).
نوقشت القصتان بما يلي:
1- إن هاتين القصتين وقعتا قبل توقيت المواقيت؛ إذ إن المواقيت وقتت في حجة الوداع، وقد حكى الأثرم عن الإمام أحمد: إنه سئل في أي سنة وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت؟ فقال: عام حج(105)، ومكة في ذلك الوقت لم تفتح، فالقصة الأولى وقعت بعد وقعة خيبر، والثانية في عام الحديبية.
2- أورد العلماء على قصة أبي قتادة عدة احتمالات في عدم إحرامه مع النبي صلى الله عليه وسلم من أبرزها ما ذكر ابن حجر، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة بالصدقة، وعلى هذا يفهم إنه لم يرد العمرة أصلاً(106).
ثانياً: من الآثار:
استدلوا بأثر ابن عمر رضي الله عنه وهو: (أنه أقبل من مكة حتى إذا كان بقديد جاءه خبر من المدينة، فرجع فدخل مكة بغير إحرام)(107).
نوقش الأثر من وجهين:
الوجه الأول: أن ابن عمر رضي الله عنه لم يتجاوز الميقات؛ حيث كان بقديد، وقديد موضع قرب مكة، والمجيء منها إلى مكة لا يوجب إحراماً إذا لم يرد النسك.
الوجه الثاني: إنه معارض بقول ابن عباس رضي الله عنه، فإنه كان يرى > أن مجرد الدخول يوجب النسك(108).
ثالثاً: من المعقول:
1- إنه تحية مشروعة لدخول بقعة شريفة، فوجب أن تكون مستحبة؛ كتحية المسجد(109).
نوقش:
بأن هذا يبطل بمن أراد دخولها للنسك، والمعنى في تحية المسجد أنه لو أراد دخول المسجد لعمرانه لم تجب التحية، كذلك إذا دخله لحاجة، وعلى هذا يكون إذا أراد الدخول للنسك وجب الإحرام، كذلك إذا دخلها للحاجة(110).
2- إن وجوب النسك لمجرد الدخول يكون من قبل الشرع، ولم يرد من الشارع إيجاب ذلك على كل داخل، فيبقى على الأصل وهو عدم الوجوب(111).
نوقش:
بأنه لا يسلم إن الأصل عدم الوجوب، بل الأصل هو الوجوب للداخل إلى مكة وكان مريداً للحج أو العمرة وهذا بإجماع(112)، أما إذا كان غير ذلك لحاجة لا تتكرر فقد ورد في الشرع ما يدل على الوجوب كما سبق ذكره في أدلة الموجبين.
أما حجة الحنفية فيمن كان منزله دون المواقيت وأراد الدخول إلى مكة لحاجة، فإن لهم الدخول بغير إحرام، واستدلوا بعدة أدلة هي على النحو التالي:
الدليل الأول: القياس على حاضري المسجد الحرام، فجعلوا حكمهما واحداً، قال تعالى: }ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام{(113)، فهذه الآية عمت أهل مكة، ومن كان دون الميقات في الحل والحرم، فأصبحوا في حق السكنى حكم البقعة الواحدة(114).
نوقش من وجهين:
الوجه الأول: إن المسألة في حكم الدخول لحاجة لا تتكرر ومرَّ على المواقيت، فهذا التعليل ليس في محل النزاع.
الوجه الثاني: لا يسلم أنهم من حاضري المسجد الحرام، لأن جمهور الفقهاء قالوا: حاضروا المسجد هم أهل مكة، أو الحرم، ومن كان بينه وبين مكة دون مسافة قصر(115).
الثاني: الاحتجاج بأثر ابن عمر رضي الله عنه أنه خرج من مكة يريد المدينة، فلما بلغ قديداً، بلغه عن جيش قدم المدينة، فرجع فدخل مكة بغير إحرام(116) (117).
نوقش:
بما سبق بأن ابن عمر رضي الله عنه لم يتجاوز الميقات(118).
الثالث: إنه يتكرر دخولهم الحرم، لأن مصالح أهل مكة تتعلق بهم، ومصالحهم تتعلق بالدخول، فلو كلفناهم الإحرام لشق ذلك عليهم، واستضر أهل الحرم بذلك، وهذا لا يوجد في حق من بَعُد(119).
نوقش:
إن هذا التعليل في غير محل النزاع، حيث إن المسألة في حكم من دخل مكة لحاجة لا تتكرر، هل يجب عليه الإحرام أم لا؟ أما بعد الدخول فلا تشمله حكم المسألة، والله أعلم.
الترجيح وسببه:
بعد عرض القولين وأدلتهما، لم يتضح لي رجحان قول على قول، وذلك بسبب إن أدلة القولين متباينة -متعارضة- ولم يوجد دليل نصي ينص على المسألة حتى يرجع إليه.
إلا أن الأخذ بالقول الأول، أولى، لأسباب منها:
1- إن الدخول محرم فيه زيادة أجر وفضيلة؛ حيث رتب الله الأجر العظيم على من حجّ، أو اعتمر، فلا ينبغي للمكلف أن يفرط في هذا الأجر، مع أنه قد ألزم نفسه بالدخول إلى مكة لغرض معين.
2- إن الأخذ به فيه الاحتياط للمكلف في دينه.
3- إن هذا القول قال به أكثر الصحابة رضي الله عنهم (120)، وقال به أكثر الفقهاء حتى إن الإمام الشافعي ~ ساق في تعليله للأخذ به حال الأنبياء، وأنهم دخلوا محرمين، وكذلك حال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في فتح مكة، ثم قال: (فبهذا قلنا: إن سنة الله تعالى في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حراماً، وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا: فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرماً بحج، أو عمرة)(121).
4- إن فيه تعظيماً للبيت العتيق بالدخول محرماً، قال تعالى: }ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب{(122)، ويتأكد هذا القول فيمن لم يحج، أو يعتمر منذ سنوات، والله أعلم.
هذا، وبناءً على ما سبق ترجيحه فإن على الذين ينتدبون للعمل في مكة في موسم الحج، أو العمرة من المدنيين، أو العسكريين، أو الذين لهم مهمات مع دوائر حكومية أخرى في مكة إلى غير ذلك من الأعمال في الوقت الحاضر، ممن يأتون لأجل أداء المهمات الموكولة لهم، لا لأجل إرادة الحج أو العمرة، وأكثرهم له أكثر من سنة لم يحج، أو يعتمر.
على هؤلاء أن يأتوا أما بالحج، أو العمرة، فإن كانت الجهة لا تسمح لهم بالحج، فإنهم يأتون بالعمرة قبل موعد استلام العمل، ويؤدون العمرة، هذا الذي تبين من الأدلة، والله أعلم.
المطلب الثاني: الدخول إلى مكة لحاجة تتكرر:
من دخل مكة لحاجة تتكرر؛ كالحطابين، والذين ينقلون الفاكهة، والمواشي، والتجار، وأصحاب سيارات النقل، والموظفين الذين يترددون بين مكة والمدن التي حولها، كجدة، والطائف، وبحرة، وغيرها، ومثلهم من ذكرهم الفقهاء كمن دخل مكة لقتال مباح، أو قتال بغاة، أو قطاع طرق، أو كان خائفاً من ظالم، فهل يلزم هؤلاء بالإحرام؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: إنه لا يلزمهم الإحرام.
وهو قول جمهور الفقهاء، من المالكية(123)، والشافعية(124)، والحنابلة(125).
وهذا الإطلاق قيده بعض فقهاء المالكية بقوله: إنه مستحب أن يدخلها أولاً محرماً، ويسقط عنه فيما بعد ذلك(126)، وكذلك قيده بعض فقهاء الشافعية بقوله: إنه يحرم في كل سنة مرة، لئلا يستهين بالحرم(127).
القول الثاني: إنه يلزمهم الإحرام.
وهو الظاهر من قول الحنفية(128)، وهو قول عند الشافعية(129).
أما الحنفية فلم ينصوا على ما ذكر، ولكنه المفهوم من سياق عرضهم، إذ جعلوا هذه المسألة، والمسألة التي قبلها في حكم واحد.
قال الكاساني: (لو أراد مجاوز هذه المواقيت دخول مكة لا يجوز له أن يجاوزها إلا محرماً، سواء أراد بدخول مكة النسك من الحج، أو العمرة، أو التجارة، أو حاجة أخرى)(130)، فقوله: أو حاجة أخرى لفظة عامة تشمل الحاجة المتكررة وغير المتكررة.
وقد يرد على هذا السياق ما قاله ابن عبدالبر: (لا أعلم خلافاً بين فقهاء الأمصار في الحطابين، ومن يُدمِن الاختلاف إلى مكة، ويكثره في اليوم والليلة، أنهم لا يؤمرون بالإحرام لما عليهم فيه من المشقة)(131).
إلا إن كلام ابن عبدالبر يحمل على من كان داخل مكة، ثم خرج منها إلى الحل لحاجة تتكرر، فهذا لا يؤمر بالإحرام، لأن الحنفية من مذهبهم أن من كان داخل المواقيت، فإنه لا يؤمر وإن كان لحاجة لا تتكرر كما سبق ذكره.
قال الجصاص: (إنما ذكر -أي المصنف- الحطابين، لأنهم لا يبعدون عن مكة، ولا يجاوزون المواقيت)(132).
قال الكاساني: (لأن أهل مكة يحتاجون إلى الخروج إلى الحل للاحتطاب، والاحتشاش والعود إليها، فلو ألزمناهم الإحرام عند كل خروج لوقعوا في الحرج)(133).
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول القائلون بعدم وجوب الإحرام على من دخل مكة لحاجة تتكرر بما يلي:
بالنسبة للحاجة التي تتكرر، والدخول بغير إحرام.
من المأثور:
1- ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (لا يدخل مكة أحد بغير إحرام إلا الحطابون، والعمالون، وأصحاب منافعها)(134).
نوقش:
إن هذا الأثر ضعيف، كما سبق ذكره(135).
من المعقول:
1- إنه لو أوجب الإحرام على كل من يتكرر دخوله، أفضى إلى أن يكون جميع زمانه محرماً، فسقط للحرج(136).
نوقش:
يمكن أن يناقش بأن الأمر يتعلق بتعظيم البيت، فعلى أي صفة يكون الدخول، فلابد فيه من الإحرام لأجل تعظيم البيت.
أما بالنسبة للقتال المباح، أو قتال أهل البغي، أو الخوف من الظالم، والدخول بغير إحرام، فاستدل له بما يلي:
1- ما رواه أنس رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم (دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر)(137).
2- ما رواه جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء بغير إحرام)(138).
نوقش وجه الدلالة من الحديثين:
بأن هذا مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنَّما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس) وسبق بيان ذلك(139).
أما دخولها لخوف، أو غيره من غير إحرام، فاستدل له.
بما روى عن ابن عمر رضي الله عنه: إنه أقبل من مكة حتى إذا كان بقديد جاءه خبر من المدينة، فرجع فدخل مكة بغير إحرام(140).
نوقش:
بأن ابن عمر رضي الله عنه لم يتجاوز الميقات حيث كان بقديد، وقديد موضع قرب مكة، والمجيء منها إلى مكة لا يوجب إحراماً، إذا لم يرد النسك، وتقدم بيان هذا(141).
أدلة القول الثاني:
استدل من قال بوجوب إحرام من دخل مكة لحاجة تتكرر بعموم الأدلة من السنة، والآثار، والمعقول.
فمن السنة:
ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن هذا بلد حرَّمَ الله يوم خلق السموات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة...» (142) الحديث.
وجه الدلالة من الحديث:
أن مكة لم تحل لأحد كان قبله، ولا تحل لأحد بعده، وأنها إنما أُحلت له ساعة من نهار، ثم عادت حراماً كما كانت إلى يوم القيامة، فدل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دخلها يوم دخلها وهي له حلال، فكان له بذلك دخولها بغير إحرام، وهي بعد حرام، فلا يدخلها أحد إلا بإحرام(143).
نوقش:
أن المراد به القتال، وليس في جميع طرق هذا الحديث ما يقتضي الإحرام، وإنما هو صريح في القتال كما سبق ذكره(144).
واعترض:
بأن المقصود من هذا الدخول بغير إحرام لأجل القتال، ويدل على هذا أمران:
الأول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: ولا تحل لأحد بعدي.
الثاني: الإجماع على جواز قتال الكفار والمشركين لو غلبوا على مكة عياذاً بالله، فإن للمسلمين حل قتالهم، وشهر السلاح بها، وسفك الدماء، وإن حكم مَنْ بَعْدَ النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك في إباحتها في حكم النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا انتفى أن يكون هو القتال، ثبت أنه الإحرام(145).
ومن الآثار:
1- ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه (إنه كان يرد إلى المواقيت الذين يدخلون مكة بغير إحرام)(146).
2- عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: بصر عيني رأيت ابن عباس يردهم إلى المواقيت(147).
وجه الدلالة:
إن سياق الأثر يدل على العموم في أن الرد يشمل الداخلين إلى مكة لحاجة لا تتكرر، أو لحاجة تتكرر.
نوقش:
بأنه ورد عن ابن عباس رضي الله عنه إنه رخص للحطابين الدخول بغير إحرام(148).
ومن المعقول:
أن هذه بقعة شريفة لها قدر وحظ عند الله تعالى، فالدخول فيها يقتضي التزام عبادة، إظهاراً لشرفها على سائر البقاع(149).
نوقش:
بأن التبلس بالإحرام، إنما هو لأجل عبادة مشروعة، وهي الحج، أو العمرة، والمواقيت جعلت أمكنة يعقد بها الحاج أو المعتمر الإحرام، فهي مواقيت مكانية كما للحج مواقيت زمانية(150).
الترجيح وسببه:
بعد عرض القولين وأدلتهما يظهر رجحان القول الأول وهو أن الإحرام لا يلزم من له كان حاجة يتردد عليها بدخوله إلى مكة، وسبب الترجيح ما يلي:
أولاً: استدلال أصحاب هذا القول بالنصوص التي أفادت عدم الإحرام حال الدخول إلى مكة.
ثانياً: أن هذا القول هو الموافق لمقاصد الشريعة وذلك برفع الحرج والمشقة عن المكلفين، فمع كثرة التردد إلى مكة في كل وقت، وفي الوقت الحاضر بخاصة لسهولة الطرق، وكثرة الأعمال، فلو أوجب الإحرام لربما كان كثير من المترددين يعتمرون في كل يوم، وهذا فيه مشقة وحرج جاءت الشريعة برفعهما، والله أعلم.
هذا، وقد ألحق الفقهاء في هذه المسألة جواز دخول الصبي، والعبد بغير إحرام، إذا لم يأذن للصبي وليه، أو لم يأذن للعبد سيده، وكذا جواز مرور الذمي الميقات بغير إحرام(151).
الفصل الثاني: حالات دخول مكة بغير إحرام لمريد النسك وفيه مبحثان
المبحث الأول: من كان مسكنه في مكة، أو دون المواقيت، ثم سافر خارجها وأراد عند دخولها الحج، أو العمرة
من سافر من أهل مكة أو دونها من المواقيت إلى خارجها مسافة تقصر فيها الصلاة، ثم عند رجوعه إلى مكة أراد الحج أو العمرة، فهل يدخل مكة من غير إحرام باعتبار إنه من أهل مكة، ويحرم منها، أو أنه يأخذ حكم الآفاقي، ولا يجوز له إن يتجاوز الميقات إلا محرماً فيه خلاف بالنسبة للحج:
أما العمرة فلم أجد من قال بجوازها للمكي إذا كان راجعاً إلى مكة، وأراد العمرة إن يتجاوز الميقات من غير إحرام(152)، حتى القائلين بجوازه في الحج لم يجوزه في العمرة(153).
أما الخلاف في الحج فقد اختلف الفقهاء على قولين:
الأول: عدم تجاوز الميقات إلا بإحرام.
وهو قول فقهاء الحنفية (154)، والمالكية (155)، والشافعية (156)، والحنابلة (157)، وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة بدار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية؛ حيث ورد إليها السؤال التالي: (شخص من أهل مكة يعمل خارجها وسيعود إلى أهله بمكة في أيام الحج، ولكنه يريد أن يدخل مكة دون إحرام، لأنه يريد أن يأتي أهله ويقضي حاجته منهم أولاً، ثم يحرم من بيته للحج، أو يخرج إلى التنعيم ويحرم بعمرة، ثم يتحلل، ثم يهل بالحج من بيته، فهل عليه شيء إن دخل مكة بدون إحرام، وهو ينوي أن يحرم للحج من بيته، ولكن بعد قضاء حاجته من أهله أولاً).
أجابت اللجنة: (من قدم إلى مكة ماراً بميقات من المواقيت وهو يريد الحج، أو العمرة، فإنه يلزمه الإحرام؛ سواء كان من أهل مكة أو غيرهم؛ لعموم الأحاديث في المواقيت، فلا يجوز لك أن تجاوز الميقات وأنت تريد النسك إلا وأنت محرم، فتحرم بالعمرة، فإذا وصلت إلى مكة وأديت العمرة فإنك تتحلل من إحرامك، وتستمتع بأهلك، ثم تحرم بالحج بعد ذلك)(158).
القول الثاني: جواز تجاوز الميقات بغير إحرام، وأن يحرم داخل المواقيت، أو الحرم، وإن كان الأفضل له الإحرام من الميقات وهو قول عند المالكية(159)، وهو اختيار سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز(160)، والشيخ محمد بن صالح العثيمين(161)، لكن المالكية قيدوه بأن متجاوز الميقات لا يدخل مكة، فإن كان مقصوده دخول مكة فإن عليه الإحرام من الميقات، وهذا هو الذي يظهر من سياق فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز؛ حيث سأله طالب يدرس في المنطقة الشرقية وأهله في جدة وأراد الحج، هل يقصد الإحرام من قرن المنازل -السيل الكبير- أو من سكن أهله في جدة. فأجاب رحمه الله بقوله: (أنت مخير ما دمت من سكان جدة دون الميقات، وإذا أحرمت من قرن المنازل فهو أفضل وأولى، لكونك وافداً وأخذت بالأكمل الأحوط، وإن أنت قصدت أهلك ثم أحرمت منهم فلا بأس).
أما فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين فهي صريحة بجواز الدخول إلى مكة والإحرام منها.
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
استدلوا من السنة:
ما رواه ابن عباس رضي الله عنه في المواقيت وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج، أو العمرة»(162).
وجه الدلالة من الحديث:
أن مقتضى دلالة الحديث العموم فيشمل أهل مكة وغيرهم، وذلك إنه من مرَّ على الميقات ممن يريد الحج، أو العمرة فلا يجاوزه إلا محرماً، فإن كان من أهل مكة، ثم سافر وعند رجوعه أراد الحج أو العمرة، فإنه يحرم من الميقات لمقتضى هذا الحديث.
يمكن إن يناقش:
بأن الحديث بيَّن لأهل مكة ميقاتهم؛ كبقية البلدان المذكورة في الحديث، وإن إحرامهم للحج يكون من مكة، فيجوز لهم تجاوز الميقات الذي مروا به بدون إحرام، ويحرمون من ميقاتهم المعين لهم بالحديث.
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدل المالكية بما يلي:
قياسهم على المصري إذا جاء إلى المدينة قبل مكة، فإنه يجوز له الإحرام من الجحفة، لأنها ميقاته الأصلي، بشرط المرور عليها وله أن يتجاوز الميقات الذي سيمر به وهو ذو الحليفة ميقات أهل المدينة(163).
ويمكن أن يناقش:
بأن جواز المرور وإن قال به بعض الفقهاء؛ إلا أنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن يريد الحج أو العمرة»، فالمصري والشامي أصبحوا في الحكم كأهل المدينة في الإحرام من ذي الحليفة لمنطوق الحديث.
أما غير المالكية فيمكن أن يستدل لهم من المعقول وهو:
بأن الإحرام للحج هو اليوم الثامن (يوم التروية)، فإذا أوجبنا عليه الإحرام من الميقات وهو غير واجب عليه في الأصل لدلالة الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: «حتى أهل مكة يهلون منها»(164)، فكأنا أوجبنا عليه الإحرام قبل زمن الحج!!
ويمكن أن يناقش:
بأن أهل مكة إذا خرجوا من مكة أصبح حكمهم حكم الآفاقيين، كما إن الآفاقي يحرم بالحج قبل زمنه، فكذلك أهل مكة، أو يقال: لهم أحرموا بالعمرة، فتحللوا منها، فإذا جاء وقت الحج أحرموا به.
الترجيح وسببه:
بعد عرض القولين وأدلتهما يظهر رجحان القول الأول وهو: أن المكي إذا أراد الدخول إلى مكة مريداً للحج بأن عليه الإحرام من الميقات للأسباب التالية:
1- استدلالهم بالسنة الصريحة الآمرة بعدم مجاوزة مريد الحج، أو العمرة الميقات إلا محرماً.
2- أنه الأحوط كما أشار إليه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز(165).
3- إلا إنه يمكن أن يؤخذ بقول الشيخين في حال الوقوع، وهو التجاوز من الميقات بغير إحرام، ويؤخذ بقول الجمهور، واللجنة الدائمة في حال ما قبل الوقوع، وأخذ الناس بالاحتياط، وأن تكون الفتوى على المنع من تجاوز الميقات بغير إحرام، والله أعلم.
المبحث الثاني: المتمتع إذا سافر بعد أدائه العمرة ثم رجع إلى مكة لأدائه الحج
المتمتع إذا أدى العمرة في أشهر الحج، ثم سافر إلى غير بلده، ثم رجع إلى مكة في العام نفسه، هل يجوز له أن يتجاوز الميقات بغير إحرام، حيث إن كثيراً من الحجاج يأتون إلى مكة قبل أيام الحج، ثم يعتمرون، وبعد الانتهاء من العمرة يذهبون إلى المدينة، فإذا قربت أيام الحج رجعوا إلى مكة لأداء الحج(166).
في هذه المسألة قولان:
القول الأول: إن عليه أن يحرم من الميقات، ولا يتجاوزه إلا محرماً ولو كان باقياً على تمتعه، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية(167)، والمالكية(168)، والشافعية(169)، والحنابلة(170)، حيث يُفهم من سياق عباراتهم: أن من مرَّ على الميقات وهو مريد الحج أو العمرة أنه لا يتجاوزه إلا محرماً.
وهو اختيار سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز(171) رحمه الله، وعليه فتوى اللجنة الدائمة بدار الإفتاء(172).
القول الثاني: أن له تجاوز الميقات بغير إحرام.
وهو قول سحنون من المالكية(173)، والشيخ محمد بن صالح العثيمين(174).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
يستدل لهم بما روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، لمن كان يريد الحج أو العمرة؛ فمن كان دونهن فمهلّه من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها»(175).
وقد روي هذا الحديث بألفاظ متقاربة كما روي عن بعض الصحابة } بألفاظ بمعنى هذا الحديث.
وجه الدلالة من الحديث:
أن الأحاديث التي وردت بالمواقيت عامة؛ لم تفرق بين مريد للحج، أو العمرة، وبين متمتع سافر بعد عمرته، ثم رجع إلى مكة لأجل أداء الحج، لأن قوله صلى الله عليه وسلم لمن كان يريد الحج أو العمرة عام فلم يخصصه سفر المتمتع من مكة إلى غيرها، ثم رجوعه إلى مكة في العام نفسه، فيأخذ الحكمُ العمومَ حتى يأتي ما يخصصه، ولم يوجد، فيبقى الحكم على المنع من مجاوزة الميقات بغير إحرام لمن يريد الحج، أو العمرة.
من آثار الصحابة -رضي الله عنهم-:
ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إذا اعتمر في أشهر الحج، ثم أقام فهو متمتع، فإن خرج ورجع فليس بمتمتع) (176).
وجه الدلالة من الأثر:
أنه في حال سفر المتمتع وخروجه من مكة إن عاد إليها فإن تمتعه ينقطع، ويكون على هذه الصفة قد أنشأ سفراً جديداً إلى مكة، فعليه أن يحرم من الميقات الذي مرّ به، ولا يتجاوزه إلا محرماً.
نوقش:
إن الأثر ضعيف(177).
من المعقول:
1- إن المتمتع إنما يلزمه الدم، لأنه ترك ميقات الحج، فإذا عاد إلى الميقات، فأحرم بالحج، فإن تمتعه ينقطع ولا يجب عليه دم التمتع، فعلى هذا لا ينبغي أن يجاوز الميقات إلا محرماً(178).
نوقش:
أن المستحق لحرمة الميقات إحرام واحد، وقد أتى به فصار بدخوله مكة في حكم أهلها، فلما أحرم بالحج منها لم يترك الميقات(179).
2- ويمكن أن يستدل لهم أيضاً:
بأنه من سافر انقطع تمتعه، ودليل ذلك إنه إذا لم يرغب في العودة إلى مكة في العام نفسه فله ذلك، لأن الحج لا يجب عليه وإن نوى التمتع، فدل على إن التمتع قد انقطع في حال سفره.
ونوقش:
بأن الكلام فيمن يرغب في العودة إلى مكة لأجل الحج، فإنه باقٍ على تمتعه فلا يلزمه الإحرام من الميقات الذي مرَّ به، أما من لا يرغب في العودة إلى مكة فلا علاقة له بالمسألة.
أدلة أصحاب القول الثاني:
يمكن أن يستدل لهم بما يلي:
أولاً: من القرآن الكريم:
قال تعالى: }فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي{ (180).
وجه الدلالة من الآية:
إن الآية عامة تشمل من مكث في مكة بعد أدائه العمرة، أو من سافر إلى غير بلده ثم رجع إلى مكة لأجل أداء الحج، فهي لم تفرق بين الماكث والمسافر الذي رجع فحكمهما واحد، فدل على أنه ما دام متمتعاً جاز له مجاوزة الميقات من غير إحرام.
ثانياً: من الآثار:
عن يزيد الفقير أن قوماً من أهل الكوفة تمتعوا، ثم خرجوا إلى المدينة، فأقبلوا منها بحج، فسألوا ابن عباس رضي الله عنه فقال: «إنهم متمتعون»(181).
وجه الدلالة من الأثر:
دل الأثر على إن المسافر إلى غير بلده باقٍ على تمتعه، فهؤلاء سافروا إلى المدينة وهي مسافة قصر عن مكة، فدل ذلك على أنه يجوز لهم تجاوز ميقات ذي الحليفة من غير إحرام، لأن التمتع لم ينقطع بحقهم.
يمكن أن يناقش من جهتين:
الأولى: إنه روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يعارض قول ابن عباس رضي الله عنه حيث قال: «إذا اعتمر في أشهر الحج، ثم أقام فهو متمتع، فإن خرج ورجع فليس بمتمتع»(182).
الثانية: إن الأثر دل على إن التمتع باقٍ وإن دم التمتع يجب بحقه، وهذا وإن قيل به، إلا إن هذه المسألة لا علاقة لها بمسألة مجاوزة الميقات من غير إحرام، فهذه مسألة وتلك مسألة أخرى.
من المعقول:
أنه بخروجه ينوي العودة إلى مكة صار حكمه حكم أهلها، وإن الإحرام بالحج يكون في اليوم الثامن بمكة، فإذا أوجبنا عليه الإحرام بمجرد مروره بالميقات فقد ألزمناه بالإحرام قبل زمانه، وقبل مكانه، فعلى هذا يشرع له المرور متجاوزاً الميقات، وله الإحرام في اليوم الثامن في مكة(183).
يمكن أن يناقش:
بأن من نوى الحج ومرَّ بالميقات وجب عليه الإحرام من الميقات الذي مرّ به، وإن كان هذا قبل اليوم الثامن، فإن شاء بقي على إحرامه حتى يحل يوم النحر، وإن شاء أتى بعمرة، ويحل منها، فإذا جاء اليوم الثامن أحرم بالحج، ولا يوجد نص يمنع المتمتع من أن يحرم قبل اليوم الثامن، وإن الإحرام للمتمتع في اليوم الثامن مستحب.
الترجيح وسببه:
بعد عرض القولين وأدلتهما الذي يظهر رجحانه هو القول الأول للقائلين بوجوب الإحرام من الميقات للسبب التالي: وهو استدلالهم بعموم السنة الموجبة للإحرام من الميقات، ولم يخص فيبقى الدليل على عمومه على إن أدلة القول الثاني ليس فيها دليل صريح يمكن أن يستند عليه. والله أعلم.
يتبع
__________________
اُشهد اللهٌ إني اُحبكم فى الله
وأسال الله أن يرزقنا الإخلاص في القول و العمل
و أن يستعملنا في ما يحب و يرضى .. آمين .. آمين .. آمين





انى احبكم فى الله غير متواجد حالياً