عرض مشاركة واحدة
قديم 08-10-2018, 12:01 AM   #1
انى احبكم فى الله

مشرف المرئيات الاسلامية

 
الصورة الرمزية انى احبكم فى الله
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
الدولة: مصر\ الاسماعيلية
المشاركات: 571
معدل تقييم المستوى: 12
انى احبكم فى الله will become famous soon enough
إرسال رسالة عبر ICQ إلى انى احبكم فى الله إرسال رسالة عبر AIM إلى انى احبكم فى الله إرسال رسالة عبر Yahoo إلى انى احبكم فى الله إرسال رسالة عبر Skype إلى انى احبكم فى الله
Post مــا حكم دخول مكة من غير إحرام ؟؟؟

حكم دخول مكة من غير إحرام


الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم القصير - أستاذ الفقه المقارن بجامعة الملك سعود بالرياض
الحمد لله الذي رفع من شأن بيته العتيق، وأعلى مكانه، وشرفه على بقاع الأرض قاطبة، وجعله حرماً آمناً تهوي إليه أفئدة المؤمنين، قال تعالى: } وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا {(1) ، وقال تعالى: } ومن دخله كان آمنا{ (2)، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين القائل، وهو واقف على راحلته بالحزورة(3) من مكة: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، لولا أني أخرجت منك ما خرجت»(4).
قال ابن القيم رحمه الله: (ومن هذا اختياره سبحانه وتعالى من الأماكن والبلاد خيرها وأشرفها، وهي البلد الحرام، فإنه سبحانه وتعالى اختاره لنبيه صلى الله عليه وسلم، وجعله مناسك لعباده، وأوجب عليهم الإتيان له من القرب والبعد من كل فج عميق، فلا يدخلونه إلا متواضعين متخشعين متذللين، كاشفي رؤوسهم، متجردين عن لباس أهل الدنيا، وجعله حرماً آمناً)(5).
ولما كان البيت بهذه المثابة العظيمة رغبت أن أبحث في حكم دخول مكة بغير إحرام، موضحاً حالات الدخول، والأثر المترتب على هذا الدخول.
وتتضح أهمية الكتابة في الموضوع في ثلاث نقاط هي:
الأولى: الوقوف على الحكم والأثر المترتبين على تجاوز الميقات بغير إحرام بقصد أو من غير قصد.
الثانية: كثرت التردد إلى مكة المكرمة في الوقت الحاضر، وذلك له أسباب منها:
أولاً: سهولة الوصول إلى مكة عبر المواصلات الحديثة مع تعبيد الطرق الواسعة من جميع جهات مكة التي توصل إلى البلد الحرام بيسر وسهولة.
ثانياً: أصحبت مكة كغيرها من المدن بوجود الدوائر الحكومية المتعددة والمؤسسات الخاصة، ونقل البضائع التجارية بأنواعها، وشركات نقل المسافرين من وإلى مكة، مما جعل التردد إلى البلد الحرام يزداد من حين إلى حين آخر في الوقت الحاضر.
ثالثاً: أثر المدن الكبيرة والصغيرة التي حول مكة، كجدة، والطائف، وغيرهما، مما ساعد المجيء إلى مكة، لأن أهل تلك المدن وزوارها لمهمات وغيرها الغالب من هؤلاء القيام بزيارة مكة لأجل الحج أو العمرة وهو الغالب، أو الصلاة في المسجد الحرام.
الثالثة: في موسم الحج تكثف الجهات العاملة في مكة انتداب أعداد كبيرة من الموظفين المدنيين والعسكريين في مختلف قطاعاتهم للعمل مع تلك الجهات في موسم الحج، وذلك لكثرة الحجاج الوافدين إلى مكة، وهؤلاء يؤمرون بعدم الحج، وذلك لأداء المهمات الموكلة إليهم التي لا يمكن أن يؤدوا مناسك الحج مع تلك المهمات في الوقت نفسه.
الدراسات السابقة في الموضوع:
لم أجد بعد البحث من كتب في الموضوع سوى بعض الأبحاث المطبوعة المتعلقة بالحرم والإحرام، والتي تطرقت بصورة يسيرة إلى موضوع البحث، والمتأمل في عناوين هذه الأبحاث ومحتوياتها يلحظ الاختلاف بين مضمون تلك الأبحاث، ومضمون هذا البحث، وهذه الأبحاث هي:
1- مسائل الإحرام من غير الميقات الأصلي جمعاً ودراسة، إعداد د/ صالح بن أحمد بن محمد الغزالي(6).
2- تبصير الأنام في الأحكام الخاصة بالبلد الحرام، إعداد د/ أحمد بن عبدالرزاق الكبيسي(7).
3- مسألة «كشف اللثام عما ورد في دخول مكة المكرمة بلا إحرام»، تأليف الشيخ أبي عبداللطيف حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله (8).
4- المكيون والميقاتيون وما يختص بهم من أحكام الحج والعمرة، تأليف د/ أحمد ابن عبدالرزاق الكبيسي(9).
5- حاضرو المسجد الحرام وتمتعهم بالعمرة إلى الحج، إعداد د/ شرف بن علي الشريف(10).
وهذا استعراض لتلك الأبحاث فيا يتفق ويختلف مع موضوع البحث.
* أما البحث الأول: فمباحثه تختلف عن موضوع البحث، إلا في مبحث واحد وهو تجاوز الميقات من غير إحرام، وهذا المبحث كذلك اختلف معه من ناحية المنهج الذي سار عليه الباحث في بحثه.
* أما البحثان الثاني والثالث: فمباحثهما كذلك تختلف عن موضوع البحث، إلا في مبحث واحد، وهو الدخول إلى مكة بلا إحرام لحاجة لا تكرر، على أن هذا المبحث اختلف معهما، أما بالنسبة للبحث الثاني، فقد مال صاحبه إلى عدم الدخول إلا بإحرام، ولم يستعرض جميع أدلة المجيزين للدخول. أما البحث الثالث، فقد رجح الدخول من غير إحرام وأطال في أدلة المجيزين للدخول، ولم يستعرض أدلة المانعين -وهم الجمهور- حيث لم يذكر لهم من الأدلة إلا أثر ابن عباس رضي الله عنه.
* أما البحثان الرابع والخامس، فلم أجد فيهما ما يتوافق مع موضوع البحث، وعلى كل حال فقد استفدت من هذه الأبحاث من حيث التخطيط ومحتويات المسائل؛ جزى الله المؤلفين خيراً.
المنهج الذي سرت عليه في كتابة البحث:
اتبعت في البحث المنهج الاستقرائي الاستنتاجي، بتتبع ما كتب حول الموضوع، وعرض خلاف العلماء وأدلتهم، ومناقشتها، وترجيح ما يتوصل إليه، والمنهج يتخلص في النقاط التالية:
1- أعرض الخلاف إجمالاً، ثم أنسب الأقوال إلى أصحابها من مصادرها الأصلية مقتصراً في المقارنة على المذاهب الأربعة.
2- أذكر أدلة كل فريق، ووجوه الاستدلال بها، ثم أناقشها موثقاً ذلك من مصادره الأصلية، ثم أبين الترجيح وسببه.
3- إذا لم أجد للفقهاء مناقشة أو اعتراضاً على الأدلة، افترض مناقشات للقول حسب ما يتضح من سياق كلام الفقهاء بدون أن أذكر عبارة «يمكن مناقشته» في كثير من الأحيان.
4- أعزو الآيات إلى سورها.
5- أخرج الأحاديث وأذكر درجة ما ليس في الصحيحين، أو أحدهما، وأذكر كلام المحدثين فيها، أو أهل الاختصاص بهذا الفن، وكذا أخرج الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم.
6- أعرف بالألفاظ الغريبة التي تحتاج إلى بيان.
7- أثبت للبحث في نهايته فهرساً للمراجع.
تقسيمات البحث:
قسمت البحث إلى تمهيد وثلاثة فصول، وخاتمة على النحو التالي:
أولاً: التمهيد، تعريف الإحرام لغةً واصطلاحاً.
ثانياً: الفرق بين مكة والحرم في الدخول.
الفصل الأول: حكم الدخول إلى مكة وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الدخول إلى مكة بغير إحرام لمريد النسك.
المبحث الثاني: الدخول إلى مكة بغير إحرام لغير مريد النسك، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الدخول إلى مكة لحاجة لا تتكرر.
المطلب الثاني: الدخول إلى مكة لحاجة تتكرر.
الفصل الثاني: حالات دخول مكة بغير إحرام لمريد النسك، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: من كان مسكنه في مكة أو دون المواقيت، ثم سافر خارجها وأراد عند دخولها الحج أو العمرة.
المبحث الثاني: المتمتع إذا سافر بعد أدائه العمرة، ثم رجع إلى مكة لأداء الحج.
الفصل الثالث: أثر دخول مكة بغير إحرام، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: أثر دخول مكة بغير إحرام لمريد النسك.
المبحث الثاني: أثر دخول مكة بغير إحرام لغير مريد النسك.
المبحث الثالث: أثر تجاوز الصبي، أو العبد، أو الذمي الميقات وإحرامهم من موضعهم بعد بلوغ الصبي، وعتق العبد، وإسلام الكافر.
الخاتمة: عرض النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث مع التوصيات.

التمهيد
أولاً: تعريف الإحرام لغة وشرعاً:
الإحرام لغة: مأخوذ من الحُرْمة، وهي: ما لا يحل انتهاكه.
والحُرْمُ بالضم: الإحْرَامُ، قالت عائشة ل: «كنت أُطَيِّبُهُ صلى الله عليه وسلم لِحلِّهِ وحُرْمِهِ»(11) أي عند إحرامه، وكذلك المَحْرَمةُ والمَحْرُمَةُ؛ بفتح الراء، وضمها.
ورجل حَرَامُ، أي مُحْرِمُ؛ والجمع حُرُمُ، مثل قذالٍ وقُذُلٍ(12).
الإحرام شرعاً:
تقاربت ألفاظ الفقهاء في تعريف الإحرام شرعاً حيث عرّف بقولهم: (وهو نية الدخول في النسك)( 13).
وقيل هو: (الدخول في حرمات مخصوصة أي: التزامها، غير أنه لا يتحقق شرعاً إلا بالنية مع الذكر، أو الخصوصية)( 14).
ثانياً: الفرق بين مكة والحرم في الدخول:
كانت مكة في القرون الماضية إلى وقت قريب داخل حدود الحرم بالشيء الكثير، حيث لم تتسع المباني في ذلك الوقت، وإنما اتسعت في الوقت الحاضر حتى أصبحت حدود الحرم داخلة في النطاق العمراني، فالتفريق في الدخول بين مكة والحرم عند الفقهاء على حسب ما مضى؛ وهو أن مكة كانت داخلة ضمن حدود الحرم، فالبحث جرى على ما هو متعارف عليه عند الفقهاء.
أما الدخول إلى أطراف مكة في الوقت الحاضر التي هي خارجة عن حدود الحرم؛ فمن أراد الدخول إليها وقد مرَّ بالميقات، فإنه لا يلزمه الإحرام بغير خلاف بين العلماء ذكره ابن قدامه بقوله: (من لا يريد دخول الحرم، بل يريد حاجة فيما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام بغير خلاف، ولا شيء عليه في ترك الإحرام، وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدراً مرتين، وكانوا يسافرون للجهاد وغيره، فيمرون بذي الحليفة، فلا يحرمون، ولا يرون بذلك بأساً، ثم متى بدا لهذا الإحرام وتجدد له العزم عليه، أحرم من موضعه، ولا شيء عليه)(15).
ومثله من أراد الشرائع(16)، أو الجعرانة(17)، وقد مرَّ على قرن المنازل -السيل الكبير- فلا يلزمه الإحرام.
وإنما وقع الخلاف بين الفقهاء في دخول الحرم هل يأخذ حكم الدخول إلى مكة أم لا، اختلف الفقهاء على قولين:
القول الأول: أن دخول الحرم يأخذ حكم الدخول إلى مكة.
وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية(18)، والشافعية(19)، والحنابلة(20).
القول الثاني: إن دخول الحرم لا يأخذ حكم الدخول إلى مكة، وهو قول المالكية.
قال ابن جماعة: (وقال الثلاثة -غير المالكية: إن حكم دخول الحرم حكم دخول مكة لاشتراكهما في الحرمة، ولم يلحق المالكية الحرم بمكة في ذلك)(21).
وقد ارتضى قول ابن جماعة الحطاب المالكي حيث نقله بنصه ثم قال بعده -أي بعد نقل كلام ابن جماعة: - وقول المصنف -أي خليل- والمارَّ به إن لم يرد مكة فلا إحرام عليه ولا دم كالصريح في ذلك، ولم أر في كلام أهل المذهب ما يخالف ذلك(22).
ولم أجد من ذكر أدلة القولين، وإن كان القول الأول أرجح لسببين:
الأول: أن كل موضع ذكر الله سبحانه وتعالى فيه المسجد الحرام؛ فالمقصود به الحرم كله، إلا في قوله تعالى: }فول وجهك شطر المسجد الحرام{ (23)، فهو نفس مسجد الكعبة، حيث قال الرملي: (إن كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام فهو الحرم)(24). ومما يدل على ذلك في تفسير قوله تعالى: }سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير { (25).
حيث قال أكثر المفسرين: (إنه أسرى به صلى الله عليه وسلم من بيت أم هانئ، ولم يُسْرَ به من المسجد الحرام)(26).
الثاني: شمول آية التمتع أهل مكة والحرم معاً، وذلك بعدم وجوب ذبح الهدي على مَنْ كان مِنْ سكان مكة والحرم، وذلك في قوله تعالى: }ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام { (27). فمدلول الآية أوسع عند الجمهور فهي تشمل الحرم وما وراءه(28)، خلافاً للمالكية؛ حيث مدلول الآية عندهم خاص بأهل مكة وما اتصل بها خاصة(29).
وهذا الذي -ربما- جعل المالكية يوجبون الإحرام على الداخل إلى مكة دون الداخل إلى الحرم، والله أعلم.
تنبيه: لم أذكر في هذا البحث أحكام من كان دون المواقيت إلا في مسألة واحدة، لأن أحكامهم تأخذ أحكام أهل مكة عند الفقهاء الأربعة(30)، قال ابن قدامة: (وهذا قول أكثر أهل العلم إلا مجاهد)(31).
الفصل الأول: حكم الدخول إلى مكة وفيه مبحثان
المبحث الأول: الدخول إلى مكة بغير إحرام لمريد النسك
من أراد الحج أو العمرة، أو أرادهما معاً فقد اتفق الفقهاء بأنه لا يجوز له مجاوزة الميقات إلا محرماً.
وممن حكى الاتفاق ابن القطان حيث قال: (وأجمع الفقهاء أن من أراد الإحرام ومنزله قبل الميقات إلى الآفاق، أو بعدها إلى مكة لم ينبغ له أن يدخل مكة إلا محرماً، إلا ابن شهاب فإنه أباحها ذلك غير محرمين)(32).
وكذلك حكى الاتفاق ابن هبيرة حيث قال: (على أن هذه المواقيت هي التي لا يجوز أن يتجاوزها الإنسان إلا محرماً، ممن يريد النسك، وأنها مواقيت لأهلها ولمن مرَّ بها من غير أهلها)(33).
قال ابن جماعة الكناني: (إذا انتهى مريد الحج، أو العمرة، أو القران إلى الميقات حرم عليه مجازوته غير محرم باتفاق الأربعة)(34).
وحجة هذا الاتفاق:
ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: «وقَّتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحُلَيفْة(35)، ولأهل الشام الجُحْفة(36)، ولأهل نجد قَرْنَ المْنَازِلِ(37)، ولأهل اليمن يَلَمْلَمَ(38) فَهُنَّ لَهُنَّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دُونهن فمْهَلُّه من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يُهِلُّونَ منها»(39).
2- عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُهِلُ أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن»، قال عبدالله: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ويُهِلُّ أهل اليمن من يلملم»(40).
3- عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله رضي الله عنه يُسْأَلُ عَنِ الْمُهَلِّ؟ فقال: سمعت (أحسبه رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم) فقال: «مُهَلُّ أهل المدينة من ذي الحُلَيْفة، والطريق الآخر الجُحْفَة، وَمُهَل أهل العراق من ذات عِرْقِ(41)، ومُهَلَ أهل نجد من قَرْن، ومُهَلِّ اليمن من يَلمْلَم»(42).
4- وعن عائشة ل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «وقّت لأهل العراق ذات عِرْق»(43).
5- عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَدَّ لأهل نجد قرناً وهو جَوْرُ عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شق علينا، قال: فانظروا حَذْوهَا من طريقكم، فحدَّ لهم ذات عِرق»(44).
واتفق الفقهاء على أن ذات عرق ميقات أهل العراق(45).
وجه دلالة من هذه الأحاديث ما قاله الكاساني: (لما وقت الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لا يجوز لأحد أن يجاوز الميقات إذا أراد الحج أو العمرة، إلا محرماً، لأنه لما وقت لهم ذلك، فلابد أن يكون الوقت مقيداً، وذلك إما المنع من تقديم الإحرام عليه، وإما المنع من تأخيره عنه، وأن الأول ليس بمراد، لإجماعنا على جواز تقديم الإحرام عليه(46)، فتعين الثاني وهو المنع من تأخير الإحرام عنه)(47).
وبعد عرض المسألة يتبين إن حكم دخول مكة بغير إحرام لمريد النسك إنه محرم إذا كان عالماً عامداً، أما إذا كان جاهلاً أو ناسياً، فإن الإثم مرفوع عنه، ولكن يجب على الجميع الرجوع إلى الميقات للإحرام منه قبل الدخول في النسك(48).
المبحث الثاني: الدخول إلى مكة بغير إحرام لغير مريد النسك وفيه مطلبان
المطلب الأول: الدخول إلى مكة لحاجة لا تتكرر.
إذا أراد الدخول إلى مكة لغرض معين، وحاجة لا تتكرر؛ كالتجارة، أو عمل لجهة حكومية، أو مؤسسة منتدب لها، أو زيارة قريب، أو مريض، إلى غير ذلك من الأعمال أو الأغراض، فهل يشرع له أن يتجاوز الميقات بغير إحرام، أو لابد من الإحرام ولو لم يكن قصده الحج أو العمرة، اختلف الفقهاء فيها على قولين:
القول الأول: إنه يجب عليه الإحرام، ولا يتجاوز الميقات إلا محرماً، لأداء عمرة أو حج، وممن قال بهذا القول جمهور الفقهاء من الحنفية(49)، والمالكية(50)، والحنابلة(51)، إلا إن الحنفية قيدوه فيما إذا كان منزله خارج المواقيت، وهو قول عند الشافعية(52)، قال العمراني: (وهو الأشهر إنه يجب عليه)(53)، وقال الدميري: (يجب لإطباق الناس عليه)(54). وهو اختيار سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ(55).
القول الثاني: إن لا يجب عليه الإحرام، وإنما يستحب له الإحرام، وممن قال بهذا القول الشافعية في المعتمد عندهم(56).
قال النووي: (أن الأصح عندنا أنه يستحب له الإحرام ولا يجب)(57).
وهو رواية عن الإمام مالك(58)، والإمام أحمد، قال في «الفروع»: (وعن أحمد إنه لا يجب الإحرام، ذكره القاضي وجماعة، وصححها ابن عقيل وهي أظهر)(59)، وهو قول الحنفية، فيمن كان منزله دون المواقيت(60).
وهذا القول الثاني: اختاره ابن حزم(61)، والشوكاني(62)، وأفتى به كثير من العلماء في الوقت الحاضر، كاللجنة الدائمة بدار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية(63)، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز(64)، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي(65)، والشيخ محمد ابن صالح العثيمين(66)، والشيخ حماد الأنصاري(67) -رحم الله الجميع-.
وأصحاب هذا القول اشترطوا إن يكون الداخل قد سبق له أن حج، أو اعتمر أما إذا كان لم يحج أو يعتمر، فلا يتجاوز الميقات إلا محرماً.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول: بالسنة، والآثار، والمعقول.
أولاً: من السنة:
1- عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يتجاوز أحد الميقات إلا وهو محرم»(68). وفي لفظ آخر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجوزوا الوقت إلا بإحرام»(69).
نوقش:
بالنسبة للفظ الأول: قال ابن حجر: (رواه ابن عدي مرفوعاً من وجهين ضعيفين)(70).
أما بالنسبة للفظ الثاني: قال الهيثمي: (وفيه خصيف، وفيه كلام وقد وثقَّه جماعة)(71).
وقال الذهبي عنه: (صدوق سيء الحفظ، ضعفه أحمد، ووصفه أبو حاتم بالاختلاط)(72).
2- عن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجاوز أحدُ الوقت إلا محرم»(73).
نوقش:
إن في سند الحديث علتين:
الأولى: أنه مرسل.
الثانية: أن في سنده خصيف، وسبق الكلام عليه آنفاً.
3- استدلوا بعموم حديث ابن عباس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن هذا بلد حرم الله يوم خلق السموات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة»(74). وفي لفظ عند مسلم: «إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس»(75).
وجه الدلالة من الحديث:
ما قاله الطحاوي: (وفيه دلالة إن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة يوم دخلها هي له حلال فكان له بذلك دخولها بغير إحرام، وهي بعد حرام، فلا يدخلها أحد إلا بإحرام)(76).
نوقش:
أن المراد به القتال وليس في جميع طرق هذا الحديث ما يقتضى الإحرام، وإنما هو صريح في القتال(77).
ثانياً: ومن الآثار:
1- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «لا يدخل مكة أحد بغير إحرام إلا الحطابون والعمالون، وأصحاب منافعها»(78).
نوقش:
قال ابن حجر: (في إسناده طلحة بن عمرو، وفيه ضعف)(79).
2- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (لا يدخل أحد مكة إلا محرماً)(80).
3- عن أبي جعفر عن علي قال: (لا يدخلها إلا بإحرام، يعني مكة)(81).
نوقش هذان الأثران:
أن قول ابن عباس، وعلي رضي الله عنهما معارض بقول ابن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يراه واجباً(82).
4- احتجاج بعض التابعين (بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة: إنهم كانوا يدخلون مكة محرمين، إلا في فتح مكة للقتال)(83).
وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي الوجوب(84).
نوقش:
إن التلبس بالإحرام ومن ثم دخولهم إلى مكة يعد مجرد فعل، فهو إما يدل على الوجوب، أو الاستحباب وحمله على أحدهما لا دليل عليه. مع أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت مجردة فهي تحمل على الاستحباب(85)، والله أعلم.
ثالثاً: أدلتهم من المعقول:
1- إن التلبس بالإحرام من الميقات فيه التعظيم لهذه البقعة الشريفة، فيستوي فيه الحاج والمعتمر وغيرهما، فلأجل هذا التعظيم فإنه يجب الإحرام من الميقات(86).
نوقش:
إن التلبس بالإحرام إنما هو لأجل عبادة مشروعة، وهي الحج، أو العمرة، والمواقيت جعلت أمكنة يعقد بها الحاج أو المعتمر الإحرام، فهي مواقيت مكانية كما للحج مواقيت زمانية، ويدل على ذلك إن الحرم النبوي بقعة شريفة ولم يشرع لها التلبس بالإحرام(87).
2- أنه لو نذر دخول مكة، لزمه الإحرام، ولو لم يكن واجباً لم يجب بنذر الدخول، كسائر البلدان(88).
نوقش:
إنه في العادة من نذر الدخول إلى مكة، فإنه يقصد به الحج، أو العمرة، ولا يقصد مجرد الدخول، فتعلق الحكم بالقصد وهو نية أداء الحج، أو العمرة ما دام غالباً، والله أعلم.
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدلوا بالسنة والمعقول:
أولاً: من السنة:
1- ما رواه ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً في المواقيت وفيه: «فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة»(89).
وجه الدلالة من الحديث:
دل الحديث على أن من مرَّ على الميقات غير مريد للحج، أو العمرة لم يلزمه الإحرام بحال(90).
نوقش:
وجه الدلالة من الحديث من وجهين:
الأول: بأن الخبر قصد به بيان حد المواقيت التي يجب الإحرام منها، ولم يقصد به بيان من أراد المرور عليها، هل يلزمه الإحرام أم لا؟ فإن القيد إنما ذكر ليخرج من تجاوز الميقات ولم يرد مكة، أو البلد الحرام، إذ لو بقي النص على إطلاقه لوجب الإحرام على كل من تجاوز المواقيت، ولو لم يرد البلد الحرام(91).
الثاني: إن هذا الاستدلال يتعلق بأن المفهوم له عموم من حيث إن مفهومه أنه لا يريد حجاً ولا عمرة، ولا دخول مكة، وأنه لا يريدهما، وقد يريد الدخول، وفي عموم المفهوم نظر في الأصول، وعلى تقدير أن يكون له عموم، فإذا دل الدليل على وجوب الإحرام لدخولها، وكان ظاهر الدلالة لفظاً قدم على هذا المفهوم، لأن المقصود بالكلام حكم الإحرام بالنسبة إلى هذه الأماكن، ولم يقصد به بيان حكم الداخل إلى مكة، والعموم إذا لم يقصد فدلالته ليست بتلك القوية إذا ظهر من السياق المقصود من اللفظ(92).
يتبع

انى احبكم فى الله غير متواجد حالياً