عرض مشاركة واحدة
قديم 02-04-2011, 05:17 PM   #11
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي

سألت إمام مسجد عن المسح على الجوربين عند الوضوء فأجاب بأنه لا يجوز المسح على الجوارب التي اعتاد الناس لبسها ولا بد من غسل الرجلين ، فما قولكم في ذلك ؟ وجزاكم الله خيراً

جواب المفتي أ.د حسام الدين بن موسى عفانة - أستاذ الفقه وأصوله - جامعة القدس:

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمسح على الجوربين ثابت بالسنة وبه عمل الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون، وهو جائز ولا حرج فيه.
وإليك تفصيل ذلك في فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة - أستاذ الفقه وأصوله - جامعة القدس - فلسطين :ـ

بعض الناس يحجرون واسعاً على الأمة ويشددون عليهم ويظنون أن في هذا التشدد التزاماً تاماً بالدين . يقول الدكتور يوسف القرضاوي :( إن جمهور الناس في عصرنا أحوج ما يكونون إلى التيسير والرفق رعايةً لظروفهم وما غلب على أكثرهم من رقة الدين وضعف اليقين وما ابتلوا به من كثرة المغريات بالإثم والمعوقات عن الخير ولهذا كان على أهل الفقه والدعوة أن ييسروا عليهم في مسائل الفروع على حين لا يتساهلون في قضايا الأصول ومن كان يعمل بالأحوط فهذا حسن إذا كان ذلك لنفسه ولأولي العزم من المؤمنين أما من كان يفتي الناس عامة أو يكتب للجماهير كافة فينبغي أن يكون شعاره التيسير لا التعسير والتبشير لا التنفير اتباعاً لوصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن فقال يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا ) وقالإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) . وهذا يجعل الفقيه يستحضر الرخص فإن الله يحب أن تؤتى رخصه ويقدر الأعذار والضرورات ويبحث عن التيسير ورفع الحرج والتخفيف عن العامة ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) سورة النساء 28 ... ويسرني أن أذكر هنا كلمة لإمام كبير انعقدت له الإمامة في ثلاثة مجالات في الفقه حيث كان له مذهب وأتباع لمدة من الزمن ثم انقرضوا ، وفي الحديث والرواية ، حيث كان يسمى أمير المؤمنين في الحديث وفي الورع والزهد حيث عد من أئمة التقوى وأعني به الإمام سفيان بن سعيد الثوري فقد روى عنه الإمام النـووي في مقدمـات المجـموع هذه الكلمة المضيئة : إنما الفقه الرخصة من ثقة أما التشديد فيحسنه كل أحد !! ).

ومسألة المسح على الجوربين فيها تيسير وتسهيل على الناس وخاصة في أيام الشتاء الباردة حيث إن كثيراً من الناس وخاصة كبار السن يجدون صعوبة في غسل أرجلهم عند كل وضوء فيمسحون على جواربهم ولا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى ، والمسح على الجوربين ثابت بالسنة وبه عمل الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون ، وهذه بعض الأدلة والشواهد الشرعية على جواز المسح على الجوربين:

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تـوضأ ومسـح عـلى الجوربين والنعلين ) رواه أحمد والترمذي و ابن ماجة وابن حبان والبيهقي وابن خزيمة وابن أبي شيبة.
وعن ثوبان رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين ) رواه أحمد وأبو داود والحاكم.
وعن عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين ) رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح.
وقد ثبت المسح على الجوربين عن جماعة كبيرة من الصحابة رضي الله عنهم ، قال الإمام النووي (وحكى ابن المنذر إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من الصحابة علي وابن مسعود وابن عمر وأنس وعمار بن ياسر وبلال والبراء وأبي أمامة وسهل بن سعد ) المجموع 1/499.
وقال العلامة ابن القيم :( قال ابن المنذر روي المسح على الجوربين تسعة من الصحابة رضي الله عنهم وهم : علي وعمار وأبي مسعود الأنصاري وأنس وابن عمر والبراء وبلال وعبد الله ابن أبي أوفى وسهل بن سعد . وزاد أبو داود - صاحب السنن - أبو أمامة وعمرو بن حريث وعمر وابن عباس فهؤلاء ثلاثة عشر صحابياً والعمدة في الجواز على هؤلاء رضي الله عنهم ... وقد نص أحمد على جواز المسح على الجوربين وعلل رواية أبي قيس . وهذا من إنصافه وعدله رحمه الله وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه ... ولا نعرف في الصحابة مخالفاً لمن سمينا ) تهذيب سنن أبي داود1/187-189 .
ومن الروايات المنقولة عن الصحابة في المسح على الجوربين:
1- ما رواه الدولابي في الكنى والأسماء من طريق أحمد بن شعيب عن عمرو بن علي أخبرني سهل بن زياد أبو زياد الطحان حدثنا الأزرق بن قيس قال رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح على جوربين من صوف ، فقلت : أتمسح عليهما فقال : إنهما خفان ولكن من صوف ) . قال العلامة أحمد شاكر : ( وهذا إسناد صحيح ... وهذا الحديث موقوف على أنس من فعله وقوله ولكن وجه الحجة فيه أنه لم يكتف بالفعل بل صرح بأن الجوربين خفان ولكنهما من صوف ) مقدمة رسالة المسح على الجوربين ص13.
2- روى عبد الرزاق بإسناده عن كعب بن عبد الله قال (رأيت علياً توضأ فمسح على جوربيه ونعليه ثم قام يصلي ) ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/188.
- 3 وروى عبد الرزاق بإسناده عن خالد بن سعد قال :) كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على جوربين له من شعر ونعليه ( مصنف عبد الرزاق 1/199 ، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف 1/188.
4- وروى عبد الرزاق بإسناده عن ابن عمر أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه . مصنف عبد الرزاق 1/199.
5- وروى عبد الرزاق عن أبي مسعود أنه كان يمسح على الجوربين والنعلين . مصنف عبد الرزاق 1/200.
6- وروى عبد الرزاق بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال : ( رأيت البراء بن عازب يمسح على جوربيه ونعليه ] مصنف عبد الرزاق 1/200 ، ورواه أبن أبي شيبة في مصنفه 1/189.
7 - وروى عبد الرزاق بإسناده عن يحيى البكاء قال : سمعت ابن عمر يقول : المسح على الجوربين كالمسح على الخفين . مصنف عبد الرزاق 1/201.
8- وروى ابن أبي شيبة بإسناده أن عمر توضأ يوم جمعة ومسح على جوربيه ونعليه . مصنف ابن أبي شيبة 1/188.
9- وروى عبد الرزاق وابن أبي شيبة بإسناديهما عن أنس بن مالك :[ أنه كان يمسح على الجوربين قال : نعم ، يمسح عليهما مثل الخفين ] مصنف عبد الرزاق 1/200 ، مصنف ابن أبي شيبة 1/188.
10. وورى ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي غالب قال : رأيت أبا أمامة يمسح على الجوربين . مصنف ابن أبي شيبة 1/188.

وقد قال بالمسح على الجوربين كبار الفقهاء من التابعين والأئمة وغيرهم كسعيد بن المسيب وعطاء والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والأعمش والثوري والحسن بن صالح وعبد الله بن المبارك وإسحاق وأبي ثور وهو قول الإمام أحمد وأهل الظاهر وأبي يوسف ومحمد وزفر أصحاب أبي حنيفة ، ورجع إليه أبو حنيفة في آخر أيامه وهو قول الإمام الشافعي بشروط ، ومالك في أحد القولين عنه ، والقول بالمسح على الجوربين هو الذي عليه الفتوى عند الحنفية.

وقد ذكر الإمام الكاساني : ( أن أبا حنيفة كان يقول بعدم جواز المسح على الجوربين وكان أبو يوسف ومحمد يخالفانه في ذلك ويريان جواز المسح وأن الإمام رجع عن قوله إلى قولهما في آخر عمره وذلك أنه مسح على جوربيه في مرضه ثم قال لعواده: فعلت ما كنت أمنع الناس عنه ، فاستدلوا به على رجوعه ) بدائع الصنائع 1/83.
وأما ما ذكره بعض الفقهاء من شروط للجوربين الذين يمسح عليهما بأن يكونا منعلين أو مجلدين أو ثخينين وغير ذلك من الشروط فلم يقم دليل صحيح على اعتبار هذه الشروط ولم يرد دليل على تقييد الجوربين بهذه الشروط.
قال ابن حزم :( اشتراط التجليد خطأ لا معنى له لأنه لم يأت به قرآن ولا سنة ولا قياس صاحب . والمنع من المسح على الجوربين خطأ لأنه خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاف الآثار ولم يخص عليه الصلاة والسلام في الأخبار التي ذكرنا خفين من غيرهما ) المحلى 1/324.
وعقب الشيخ القاسمي: على كلام ابن حزم المذكور بقوله :) يؤيده أن كل المروي في المسح على الجوربين مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه قيد و لا شرط ولا يفهم ذلك لا من منطوقه ولا من مفهومه ولا من إشارته وجلي أن النصوص تحمل على عمومها إلى ورود مخصص وعلى إطلاقها حتى يأتي ما يقيدها ولم يأت هنا مخصص ولا مقيد لا في حديث ولا أثر.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما سواء أكانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولي العلماء ففي السنن : أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك فإن الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة فلا فرق بين أن يكون جلوداً أو قطناً أو كتاناً أو صوفاً كما لم يفرق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه ومحظوره ومباحه وغايته أن الجلد أبقى من الصوف فهذا لا تأثير له كما لا تأثير لكون الجلد قوياً بل يجوز المسح على ما يبقى وما لا يبقى . وأيضاً فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا سواء . ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقاً بين المتماثلين ، وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة ، وما أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله . ومن فرق بكون هذا ينفذ الماء منه وهذا لا ينفذ منه : فقد ذكر فرقاً طردياً عديم التأثير ) مجموع الفتاوى 21/214.
وقد رد العلامة محمد بن صالح العثيمين "رحمه الله " عما اشترطه بعض العلماء من كون الجورب والخف ساترين لمحل الفرض بقوله هذا الشرط ليس بصحيح لأنه لا دليل عليه فإن اسم الخف أو الجورب ما دام باقياً فإنه يجوز المسح عليه لأن السنة جاءت بالمسح على الخف على وجه مطلق وما أطلقه الشارع فإنه ليس لأحد أن يقيده إلا إذا كان لديه نص من الشارع أو إجماع أو قياس صحيح وبناءً على ذلك فإنه يجوز المسح على الخف المخرق ويجوز المسح على الخف الخفيف لأن كثيراً من الصحابة كانوا فقراء وغالب الفقراء لا تخلو خفافهم من خروق فإذا كان هذا غالباً أو كثيراً في قوم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينبه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم دل ذلك على أنه ليس بشرط ، ولأنه ليس المقصود من الخف ستر البشرة ، وإنما المقصود من الخف أن يكون مدفئاً للرجل ونافعاً لها ، وإنما أجيز المسح على الخف لأن نزعه يشق وهذا لا فرق فيه بين الجورب الخفيف والجورب الثقيل ولا بين الجورب المخرق والجورب السليم والمهم أنه ما دام اسم الخف باقياً فإن المسح عليه جائز لما سبق من الدليل ] مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ص 165-166.
وخلاصة الأمر أن المسح على الجوربين جائز ولا حرج فيه أبداً.

والله أعلم .
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً