عرض مشاركة واحدة
قديم 01-01-2011, 08:54 AM   #1
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
حكم إجراء العقود الفاسدة .









المقدمة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده أما بعد:
فإنه لما أقبلت الدنيا، وجاء كفران النعمة، وهاجت فتن الشبهات والشهوات، وغلب الهوى، وعز اليقين، وتساهل الكثير في الاكتساب، حتى غدا الفاصل بين الحلال والحرام واهياً ضبابياً، وتجاوز آخرون الحلال إلى الحرام إلا من رحم الله، كان من الواجب على الدعاة والخطباء تذكير الناس عامة بوجوب تحري الكسب الحلال، وتحريم إجراء العقود الفاسد، والمكاسب الخبيثة، والربوية منها بخاصة، ولقد أصبح اليوم ذلك التذكير مطلباً ملحاً أكثر من أي يوم مضى.
وتناقش هذه الدراسة حكم إجراء العقود المحرمة ابتداءً، وحكم الاستمرار فيها بعد الدخول، مع بيان النصوص الشرعية، وبيان أقوال علماء المذاهب في ذلك؛ ليعود للحق من كان قد تشبث بقول عالم عن طريق الخطأ، والفهم الغلط.
ولأجل حصر الموضوع وحمايته من التشعب؛ جعلته في فرعين:


حكم الدخول فيه ابتداء
العقد الفاسد (1) إنما سمي فاسداً؛ لأن الشارع نهى عنه، وكل عقد نهى الشرع عن إجرائه فهو فاسد أو باطل(2)، فالفساد في العقود إنما هو نتيجة وأثر للنهي الوارد عليها، وإذا عُرِف هذا عُرِف الحكم التكليفي لإجراء العقد الفاسد والدخول فيه ابتداء وهو التحريم.
وتحريم إيقاع العقود الفاسدة والإقدام عليها أولى وأشد من تحريم إيقاع الشروط الفاسدة؛ لأن التحريم فيها عائد إلى ذاتها، بخلاف الشرط، فإنه أمر خارج عن ذات العقد، فكل عقد فاسد يفسد العقد وما لحقه من الشروط، وليس كل شرط فاسد يفسد ذات العقد.
قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-: ( إيقاع العقود الفاسدة أو الشروط الفاسدة حرام لا يجوز؛ لأن الفساد نتيجة التحريم وثمرته، فلا فساد إلا بتحريم، ولهذا نقول: " كل فاسد محرم وليس كل محرم فاسداً، ومعنى فاسداً أي: لا تترتب عليه أحكامه")(3)
و تحريم الدخول في العقد الفاسد لم يختلف العلماء فيه في الجملة، حتى عند الحنفية الذين أثبتوا ملكية الفاسد بالقبض فقالوا: ( إن المقصود سلامة الدين التي لها شرعت العقود وليندفع التغالب، والوصول إلى دفع الحاجة الدنيوية وكل منهما بالصحة، وأما الفاسد فعقد مخالف للدين، ثم إنه وإن أفاد الملك لكن لا يفيد تمامه إذ لم ينقطع حق البائع من المبيع، ولا المشتري من الثمن إذ لكل منهما فسخه بل يجب عليه)(4).
ولذلك قال بعض الحنابلة: ( ويحرم تعاطيهما عقداً فاسداً من بيع أو غيره) (5) ، وقال بعض الشافعية: (العقد الفاسد تعاطيه حرام )(6).
قال الزركشي: (وقال ابن الرفعة: ما كان من العقود منهياً عنه فالإقدام عليه حرام) (7).
ومعنى هذا التحريم عند جمهور العلماء: أن العقود الفاسدة التي نهى الشرع عنها يحرم تعاطيها ولا ينتقل الملك بها لو تراضى على ذلك المتعاقدان، فقولهم: (يحرم ذلك ) يعنون: أن من فعل ذلك فهو آثم؛ لأنه فعل ما لا يجوز له فعله، ومع الإثم لايتم به ملك أيضاً؛ لئلا يظن الجاهل أن من فعل ذلك فسد عقده فقط، بل يقال يأثم ويفسد العقد، ولا يملك به، فيجب رد السلعة إلى البائع، وصور العقد الفاسد كثيرة لا تنضبط، يدخل فيه كل بيع نُهي عنه سواء أكان من الربويات أم من غيرها كالطعام الذي يباع قبل قبضه وكالعينة، وكما لو جمع بين سلف وبيع، أو بيع ما ليس عنده(8).
أما معنى ذلك عند الحنفية: أن العقود الفاسدة التي نهى عنها الشرع يحرم تعاطيها ولو تراضى على ذلك المتعاقدان، فإذا قبضه فإنه يملكه ملكاً خبيثاً يجب فسخه ويأثم في قبضه، وهنا نجد أن ثم قدر مشترك بين الجمهور والحنفية وهو تحريم تعاطيه وخبثه ووجوب فسخه و التراد (9).
ومع أن هذا هو حكم الدخول فيه إلا أنه قد يجوز الإقدام عليه أحياناً، وذلك عند الضرورة، فالضرورات تبيح المحظورات.
قال الزركشي: ( وقد يجوز الإقدام على العقد الفاسد للضرورة كالمضطر يشتري الطعام بزيادة عن ثمن المثل ) (10).
وجاء في مغني المحتاج: ( وتعاطي المعقود الفاسد حرام في الربوي وغيره إلا في مسألة المضطر المعروفة، وهي فيما إذا لم يبعه مالك الطعام إلا بأكثر من ثمن المثل فله أن يشتري شراء فاسداً إن أمكن حتى لا يلزمه أكثر منه) (11).


..../...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً