بحثٌ ممتاز للألباني
حول حديث
أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم
قرأتُ هذا الكلام الطيب للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، فأجاد الشيخ وأفاد ، حول هذا الحديث الذي يتداوله الكثيرون ، يظنون أنه صحيحٌ :
قال الشيخ :
"السلسلة الضعيفة" 1/149.
إنما أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم".
موضوع .
ذكره ابن عبد البر معلقا (2/90) وعنه ابن حزم من طريق أبي شهاب الحناط عن حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به.
وقد وصله عَبد بن حُمَيد في "المنتخب من المسند" (86/1) : أخبرني أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب به.
ورواه ابن بطة في "الإبانة" (4/11/2) من طريق آخر عن أبي شهاب به.
ثم قال ابن عبد البر : وهذا إسناد لا يصح ، ولا يرويه عن نافع من يحتج به.
قلت : وحمزة هذا هو ابن أبي حمزة ، قال الدارقطني : متروك ، وقال ابن عدي : عامة مروياته موضوعة ، وقال ابن حبان : ينفرد عن الثقات بالموضوعات حتى كأنه المتعمد لها ، ولا تحل الرواية عنه ، وقد ساق له الذهبي في "الميزان" أحاديث من موضوعاته هذا منها.
قال ابن حَزم (6/83) : فقد ظهر أن هذه الرواية لا تثبت أصلا ، بل لا شك أنها مكذوبة ، لأن الله تعالى يقول في صفة نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} ، فإذا كان كلامه عليه الصلاة والسلام في الشريعة حقا كله وواجبا فهو من الله تعالى بلا شك ، وما كان من الله تعالى فلا يختلف فيه لقوله تعالى : {ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.
وقد نهى تعالى عن التفرق والاختلاف بقوله : {ولا تنازعوا}.
فمن المحال أن يأمر رسولُه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باتباع كل قائل من الصحابة رضي الله عنهم ، وفيهم من يحلل الشيء ، وغيره يحرمه ، ولوكان ذلك لكان بيع الخمر حلالا اقتداء بسمرة بن جندب ، ولكان أكل البَرَد للصائم حلالا اقتداء بأبي طلحة ، وحرامًا اقتداء بغيره منهم ، ولكان ترك الغسل من الإكسال واجبًا بعلي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأُبَي بن كَعب ، وحراما اقتداء بعائشة ، وَابن عمر ، وكل هذا مَروِيٌّ عندنا بالأسانيد الصحيحة.
ثم أطال في بيان بعض الآراء التي صدرت من الصحابة وأخطؤوا فيها السُّنَّة ، وذلك في حياته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وبعد مماته.
ثم قال (6/86) : فكيف يجوز تقليد قوم يخطئون ويصيبون ؟!.
وقال قبل ذلك (5/64) ، تحت باب ذم الاختلاف : وإنما الفرض علينا اتباع ما جاء به القرآن عن الله تعالى ، الذي شرع لنا دين الإسلام ، وما صح عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أَمَره الله تعالى ببيان الدين ، فصح أن الاختلاف لا يجب أن يراعى أصلا ، وقد غلط قوم فقالوا : الاختلاف رحمة ، واحتجوا بما روي عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" ، قال : وهذا الحديث باطلٌ مكذوبٌ من توليد أهل الفسق ، لوجوه ضرورية ؛
أحدها : أنه لم يصح من طريق النقل.
والثاني : أنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يجز أن يأمر بما نهى عنه ، وهو عليه السلام قد أخبر أن أبا بكر قد أخطأ في تفسير فسره ، وخطأ أبا السنابل في فتيا أفتى بها في العِدَّة ، فمن المحال الممتنع الذي لا يجوز البتة أن يكون عليه السلام يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ.
فيكون حينئذ أمر بالخطأ تعالى الله عن ذلك ، وحاشا له صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذه الصفة ، وهو عليه الصلاة والسلام قد أخبر أنهم يخطئون ، فلا يجوز أن يأمرنا باتباع من يخطيء ، إلا أن يكون عليه السلام أراد نقلهم لما رووا عنه فهذا صحيح لأنهم رضي الله عنهم كلهم ثقات ، فمن أيهم نقل ، فقد اهتدى الناقل.
والثالث : أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقول الباطل ، بل قوله الحق ، وتشبيه المشبه للمصيبين بالنجوم تشبيه فاسد وكذب ظاهر ، لأنه من أراد جهة مطلع الجدي ، فأم جهة مطلع السرطان لم يهتد ، بل قد ضل ضلالا بعيدا وأخطأ خطأ فاحشا ، وليس كل النجوم يهتدى بها في كل طريق ، فبطل التشبيه المذكور ووضح كذب ذلك الحديث وسقوطه وضوحا ضروريا.
ونقل خلاصته ابن الملقن في "الخلاصة" (175/2) وأقره ، وبه ختم كلامه على الحديث فقال : وقال ابن حزم : خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط.