تسجيل الدخول


العودة   منتديات الكعبة الإسلامية > القسم الشرعى > منتدى العقيدة الإسلامية

منتدى العقيدة الإسلامية كل ما يختص بالعقيدة الإسلامية - توحيد الألوهية توحيد الربوبية توحيد الأسماء والصفات والإيمان و أركانه

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-08-2012, 12:30 AM   #1
عمر محمد
مرشح للاشراف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 37
معدل تقييم المستوى: 0
عمر محمد is on a distinguished road
افتراضي دروس في العقيدة الإسلامية 5

المحاضرة الخامسة
تاريخ المذهب العقلي
· بدعة الجهمية وظهور المدرسة العقلية؟
أساس البلاء وسبب الشقاء وحامل لواء مقدمي الآراء على كتاب الله وسنة رسوله e رجل يدعى الجهم بن صفوان الخرساني الذي توفى في نهاية الربع الأول من القرن الثاني الهجري ([1]) .
وكان الجهم متحذلقا كثير الكلام والجدال، ولم يكن له علم ولا مجالسة لأهل العلم بل كلامه وجداله أساسه الرأي والهوى، ويذكر العلماء أن الجهم استمد فكره من طريقين:
أحدهما طريق يهودي، والآخر طريق وثني، فقد تربّى الجهم بن صفوان على يد أستاذه الجعد بن درهم، وهو رجل من المنكرين لأوصاف الله بحجة نفي التشبيه، أخذ جل أفكاره وآراءه عن أبان بن سمعان الذي كان تلميذا لطالوت بن أخت لبيد بن الأعصم الساحر اليهودي الذي سحر النبي e في مشط ومشاطة .
قال ابن تيمية: (أصل مقالة التعطيل للصفات إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين، فان أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام أعنى أن الله سبحانه وتعالى ليس على العرش حقيقة، وأن معنى استوى بمعنى استولى ونحو ذلك هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم ابن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه، وقد قيل إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي، وكان الجعد بن درهم هذا فيما قيل من أهل حران، وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة بقايا أهل دين نمرود والكنعانيين الذين صنف بعض المتأخرين في سحرهم) ([2]) .
وقد تجلى حقد اليهود بعد هزيمتهم والقضاء عليهم في إقدامهم على إيذاء النبي e بسحرهم وطرقهم المعهودة في الغدر والوقيعة بين أبناء الأمة، روى الإمام البخاري من حديث عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أنها قَالتْ: (سَحَرَ رَسُول اللهِ e رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لهُ لبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حتى كَانَ رَسُولُ اللهِ e يُخَيَّلُ إِليْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلهُ ـ تقصد الجماع حيث يظن النبي e أنه على جنابة ـ حتى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ ليْلةٍ وَهُوَ عِنْدِي، لكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَال: يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْليَّ، فَقَال أَحَدُهُمَا لصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُل؟ فَقَال: مَطْبُوبٌ، قَال: مَنْ طَبَّهُ ؟ قَال: لبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَال: فِي أَيِّ شَيْءٍ ؟ قَال: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلعِ نَخْلةٍ ذَكَرٍ، قَال: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَال: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ e فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ فَقَال: يَا عَائِشَةُ، كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قُلتُ: يَا رَسُول اللهِ أَفَلا اسْتَخْرَجْتَهُ؟ قَال: قَدْ عَافَانِي اللهُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ على النَّاسِ فِيهِ شَرًّا، فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ) ([3]) .
وفي رواية أخرى عند البخاري: (فَقُلتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ ؟ فَقَال: لا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللهُ وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلكَ على النَّاسِ شَرًّا، ثُمَّ دُفِنَتِ البِئْرُ) ([4]) .
ذلك السحر إنما صدر عن حقد يهودي امتد ليفرق كلمة الأمة بظهور عبد الله بن سبأ اليهودي ثم امتد ليصل إلى الجعد بن درهم وتلميذه الجهم بن صفوان، فعقائد الجهم ونظرياته إنما هي تشكيك في العقيدة واعتراض على الوحي استقاها من أسس يهودية بعيدة كل البعد عن منهج الصحابة في العقيدة الإسلامية .

أما الطريق الثاني الذي استمد منه الجهم بن صفوان فكره فهو طريق وثني ظهر إثر احتكاكه بالمشركين، فالجهم لقي أناسا من المشركين يقال لهم السمنية نسبة إلى قرية بالهند تسمى سُومَنَات، وهي فرقة تعبد الأصنام وتقول بتناسخ الأرواح وتنكر الوحي والدين، جرت بينهم وبين الجهم مناظرة عقلية، لما عرفوا الجهم قالوا له: نكلمك ونناظرك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك، فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا له: ألست تزعم أن لك إلها ؟ قال الجهم: نعم قالوا له: فهل رأيت إلهك ؟ قال: لا، قالوا: فهل سمعت كلامه ؟ قال: لا قالوا: فهل شممت له رائحة ؟ قال: لا، قالوا: فوجدت له حسا ؟ قال: لا، قالوا: فما يدريك أنه إله ؟ فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما ([5]) .
وقد استدرك الجهم بن صفوان حجة كحجة النصارى الذين يزعمون أن الروح الذي في عيسى هو الله، وأن الله يحل فيه، فإذا أراد الله أمرا دخل في عيسى فتكلم على لسانه فيأمر بما يشاء وينهى عما يشاء، وهو روح غائبة عن الأبصار، فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة وقال لمن ناظره من السمنية: ألست تزعم أن فيك روحا؟ قال السمني: نعم، فقال له: هل رأيت روحك ؟ قال: لا، قال: فسمعت كلامها؟ قال: لا، قال: فوجدت لها حسا ؟ قال: لا، قال: فكذلك الله لا يرى له وجه، ولا يسمع له صوت، ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، وهو في كل مكان، فالمخلوقات بمثابة الجسد والله U في داخلها بمثابة الروح ([6]) .
شككوه في دينه حتى ترك الصلاة أربعين يوما، وقال: لا أصلي لمن لا أعرفه ثم اشتق هذا الكلام فأنكر عليه الوالي فقال: إذا ثبت عندي من أعبده صليت له فضرب عنقه ([7]) .
قال أبو معاذ البلخي: (كان جهم على معبر ترمذ ـ بلد من نواحي إيران ـ وكان رجلا كوفي الأصل فصيح اللسان، لم يكن له علم ولا مجالسه لأهل العلم، وكان قد تناقل كلام المتكلمين وكلمه السمنية، فقالوا له: صف لنا ربك الذي تعبده؟ فدخل البيت لا يخرج كذا وكذا، ثم خرج عليهم بعد أيام فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء، ولا يخلو منه شيء) ([8]) .
الرد على شبهة السمنية:
وكان يكفي الجهم بن صفوان في الرد على السمنية أن يقول: إن الله يرى في الآخرة ولا يرى في الدنيا لأنه اختبرنا فيها وابتلانا بها، فلو رأيناه أو رأينا ملائكته أو رأينا جنته وعذابه دون حجاب لما كان لقيام السماوات والأرض بهذه الكيفية أو بهذا الوضع الذي فطرنا عليه أي معنى يذكر ولذلك قال U: } الذي خَلقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ ليَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُو العزيز الغَفُورُ { [الملك:2]، وقال أيضا: } ألمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ { [إبراهيم:19]، فكيف يتحقق معنى الابتلاء أو الإيمان بالله ونحن نراه ؟
وإذا كان الله لا يرى في الدنيا ابتلاءا فإنه يرى في الآخرة جزاء وإكراما لأهل طاعته كما قال: } وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ { [القيامة:22/23]، وقد تواترت الأحاديث النبوية الصحيحة في إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة .
ومن ثم فإن العلة في عدم إدراك الكيفية ليست عدم وجودها ولا استحالة رؤية الله U، ولكن العلة قصور الجهاز الإدراكي البشري في الحياة الدنيا عن إدراك حقائق الغيب، فقد خلق الله الإنسان بمدارك محدودة لتحقيق علة معينة تمثلت في حقيقة الابتلاء كما قال U: } إِنَّا خَلقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَليهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً { [الإنسان:2] .
وما يعنينا الآن أنه بهذا الفكر العقلي الخبيث الذي زعم به الجهم بن صفوان أن الله حل في مخلوقاته وهو بذاته في كل مكان نظر في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فما ظن أنه يوافق رأيه من النصوص احتج بها وما ظن أنه يخالف مذهبه منها أنكرها وعطلها عن مدلولها وإن كانت تلك النصوص من السنة فالويل لها فقد اتهمها بأنها أمور ظنية وآحاد معنعنة لا تدل على اعتقاد فوجد قوله تعالى: } وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ { [الحديد:4] فأخذه حجة لرأيه في الحلول والاتحاد، وكذلك قوله: } لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ اْلأبْصَارَ { [الأنعام:13]، فبنى عليه نفي صفات الله وتعطيلها ووجد قوله U: } الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى { [طه:5]، وقوله تعالى: } تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِليْهِ { [المعارج:4] يخالف ما ذهب إليه من القول بالحلول، ماذا صنع الجهم بتلك النصوص؟
قال أبو نعيم البلخي وكان قد أدرك جهما: (كان للجهم صاحب يكرمه ويقدمه على غيره فإذا هو قد هجره وخاصمه فقلت له: لقد كان يكرمك، فقال: إنه جاء منه ما لا يتحمل بينما هو يقرأ سورة طه والمصحف في حجره إذ أتى على هذه الآية: }} الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى { [طه:5]، قال: لو وجدت السبيل إلى أن أحكها من المصحف لفعلت فاحتملت هذه، ثم إنه بينما يقرأ آية أخرى إذ قال: ما أظرف محمدا حين قالها ثم بينما هو يقرأ القصص والمصحف في حجره إذ مر بذكر موسى U فدفع المصحف بيديه ورجليه، وقال: أي شيء هذا ؟ ذكره هنا فلم يتم ذكره وذكره هنا فلم يتم ذكره) ([9]) .
وقد أخذ الجهم بن صفوان كما ذكرنا عن أستاذه الجعد بن درهم الذي قال بنفي أوصاف الله U وعطل الآيات عن مدلولها وقال بخلق القرآن، قال أبو القاسم اللالكائي: (ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال القرآن مخلوق جعد بن درهم ثم جهم بن صفوان) ([10]) .
والجهم بن صفوان إليه تنسب طائفة الجهمية الذين قالوا لا قدرة للعبد أصلا بل هو بمنزلة الجمادات، والجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما حتى لا يبقى موجود سوى الله تعالى، وقال أبو الحسن الأشعري: (قول الجهمية الذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط، والكفر هو الجهل به فقط وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا لله وحده، وأنه هو الفاعل، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز، كما يقال: تحركت الشجرة ودارت السفينة وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والسفينة والشمس الله سبحانه وتعالى، وكان جهم ينتحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ([11]) .
وكان جهم يقف على الجذامى ويشاهد ما هم فيهم من البلايا ويقول: (أرحم الراحمين يفعل مثل هذا ([12])، يعني أنه ليس هناك رحمة في الحقيقة ولا حكمة، وأن الأمر راجع إلى الجبر وإلى محض المشيئة الخالية عن الحكمة والرحمة .
وقد قتل الجعد بن درهم حدا وذلك لكفره الصريح بآيات الله وتكذيبها، قتله خالد بن عبد الله القسري أمير بلاده في يوم عيد الأضحى بعد أن استفتى علماء زمانه حيث خطب الناس وقال: ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم ؛ فإنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسي تكليما ثم نزل فذبحه، وكان ذلك بعد أن استفتى علماء زمانه من السلف الصالح ([13]) .
ويذكر الذهبي: (أن الجعد بن درهم هو أول من ابتدع بأن الله ما اتخذ إبراهيم خليلا ولا كلم موسى وأن ذلك لا يجوز على الله، قال المدائني: كان زنديقا، وقال له وهب: إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله أن له يدا وأن له عينا ما قلنا ذلك ثم لم يلبث الجعد أن قتل وصلب) ([14]) .
أما الجهم بن صفوان انتقل إلى ترمذ أحد البلدان في إيران، وبدأ الدعوة لمذهبه فانتشرت فيها عقائد الإنكار والتعطيل لكلام الله، ثم وجد لدعوته أتباعا ومريدين من العامة والدهماء والجاهلين في مدن أخرى من مدن إيران، ثم انتشرت أفكاره في بغداد وبقية البلدان، فالجهمية فرقة ظهرت في أواخر الحكم الأموي ومؤسسها الجهم بن صفوان الترمذي السمرقندي وقد مات مقتولا، قتله سالم بن الأحوز في آخر أيام الدولة الأموية ([15]) .
وقد تفرعت من فرقة الجهمية فرق عديدة انقسمت إلى أكثر من عشر فرق كل فرقة اتخذت لنفسها مسلكا فكريا خاصا وعقيدة مستقلة، لكن أبرز عقائد الجهمية هي القول بنفي صفات الله U، وأن الإنسان لا يقدر على شيء، وهو مجبور مسير مقهور في فعله لا يوصف بالاستطاعة والقدرة، وأن الجنة والنار تفنيان، وأن الإيمان هو معرفة الله حتى لو كفر الإنسان باللسان، وقالوا أيضا بأن القرآن مخلوق ([16]) .
والقصد مما سبق أن الجهم بن صفوان زعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله e فهو مشبه، وأن التوحيد يكمن في نفي هذه الصفات متمسكا بزعمه بقول الله تعالى: } ليْسَ كَمِثْلهِ شيء { [الشورى:11] سواء كان النفي نفيا واضحا، أو كان بتأويل القرآن على غير معناه ولي أعناق النصوص بغير ما تحتمل، فزعم الجهم أن الله في كل مكان كما الروح في الجسد .
وهذا كلام باطل من جميع الوجوه لأن الله سبحانه وتعالى لا يحل في مخلوقاته فقد ثبت أنه بذاته في السماء فوق العرش، وعرشه فوق الماء، والماء فوق السماء السابعة وهو سبحانه في سمائه يدبر أمر مخلوقاته ويعلم ما هم عليه .
قال أبو عمر الطلمنكي: (أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: } وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ { [الحديد:4] ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن الله تعالى فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء، وقال أهل السنة في قوله: } الرَّحْمَنُ على العَرْشِ اسْتَوَى { [طه:5]: إن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز) ([17]) .
وقال أبو زرعة الرازي: (إن الله U على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسول الله eبلا كيف أحاط بكل شيء علما، وإنه تبارك وتعالى يرى في الآخرة يراه أهل الجنة بأبصارهم ويسمعون كلامه كيف شاء وكما شاء) ([18]) .
وقال أبو نعيم الأصبهاني: (طريقتنا طريقة المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة ثم قال: فما اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن النبي e في العرش واستواء الله يقولون بها ويثبتونها من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف، وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه وخلقه .. وقال أيضا: وأجمعوا أن الله فوق سماواته عال على عرشه مستو عليه لا مستول عليه كما تقول الجهمية أنه بكل مكان خلافا لما نزل في كتابه) ([19]) .
وقال أبو الحسن الأشعري عند قوله: } أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ {: (السماوات فوقها العرش، ولما كان العرش فوق السماوات، قال أأمنتم من في السماء لأنه على العرش الذي فوق السماوات، وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال: } أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ { يعني جميع السماوات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات) ([20]) .
وقال يحى بن معاذ الرازي: (إن الله على العرش بائن من خلقه، قد أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، لا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء أو هالك مرتاب يمزج الله بخلقه ويخلط منه الذات بالأقذار والأنتان) ([21]) .
وقد أضل الجهم بن صفوان خلقا كثيرا وتبعه على قوله رجل يقال له واصل بن عطاء، ورجل آخر يقال له عمرو بن عبيد وإليهما ينسب مذهب المعتزلة، فما هي قصة المعتزلة ؟ وكيف نشأت وما أصولهم في العقيدة ؟ وكيف دعوا الناس إلى القول بخلق القرآن ؟ وكيف امتحنوا أئمة أهل السنة وقتلوا كثيرا من أهل الإيمان؟
· كيف ظهرت المعتزلة وقوة انتشار المدرسة العقلية ؟
علمنا مما سبق أن الجهم بن صفوان قدم عقله ورأيه على الأدلة القرآنية والنبوية عندما أجاب السمنية بجهله إجابة خاطئة كاذبة، وزعم أن الله بذاته في كل مكان وأنه لا صفة له حتى لا يشبه الإنسان، ثم نظر هذا المفتون إلى القرآن فما تصور أنه يوافق مذهبه جعله دليلا وبرهان، وما خالفه صرح برده ونفيه من القرآن .
وقد تبنى فكر الجهمية واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وإليهما ينسب مذهب الاعتزال، فالمُعْتَزِلة أتباع واصل بن عطاء الغزال (ت:131هـ) الذي كان تلميذا للحسن البصري، وكان متكلما مفوها بليغا على الرغم من كونه كان عاجزا عن النطق ببعض الحروف، فكان ينطق الراء غينا، فينطق: شراب بارد شغاب باغد، ومن عجيب ما كان من واصل، أنه كان يخلص كلامه وينقيه من حرف الراء، لقدرته العجيبة على انتقاء الكلام حتى قال أحد الشعراء من أتباعه يمدحه:
عليم بإبدال الحروف وقامع: لكل خطيب يقلب الحق باطله ([22]) .
وقال آخر:
ويجعل البر قمحا في تصرفه: وخالف الراء حتى احتال للشعر
ولم يُطِقْ مطرا والقَولُ يَعْجُلُه: فعاذ بالغيث إشفاقا من المطر ([23]) .
كان واصل بن عطاء ضمن الطلاب في حلقة الشيخ الحسن البصري وهو من علماء السلف الصالح، فجاء إلى الحلقة رجل من عامة المسلمين يسأل عن الحكم الشرعي في مرتكب الكبيرة ؟
ومعلوم أن أهل السنة والجماعة يقولون بأن مرتكب الكبيرة مسلم فاسق لا يخرج عن الملة، والخوارج يقولون: مرتكب الكبيرة كافر بالله العظيم مخلد في النار، وقبل أن يجيب الشيخ البصري قام واصل بن عطاء دون أدب ولا حياء، وقال: إن الفاسق من هذه الأمة لا هو مؤمن ولا هو كافر، هو في منزلة بين المنزلتين ([24]) .
أجاب واصل بعقله دون احترام لشيخه ودون علم أو نظر في كتاب الله وسنة رسوله e، عند ذلك رده الحسن البصري وبين حكم مرتكب الكبيرة، وبدلا من أن يرجع إلى شيخه ويعتذر عن سوء أدبه أخذته العزة بالإثم واعتزل الحسن البصري وجلس إلى سارية من سواري المسجد في البصرة، وانضم إليه بعد ذلك رجل آخر يقال له عمرو بن عبيد، واجتمع إلى واصل بن عطاء أراذل الناس من أتباع الجهم بن صفوان، فكان الحسن البصري يقول: اعتزلنا واصل، اعتزلنا واصل، وكان بقية طلاب العلم من تلاميذ الحسن البصري يطلقون عليهم المعتزلة، فارتسم عليهم هذا الاصطلاح عند عامة المسلمين([25]) .
وكان هؤلاء المعتزلة يدعون الزهد والصلاح والنصح والإصلاح، وكان لهم صلة بالحكام في الدولة العباسية، تلك الصحبة أو الصداقة بين رؤوس المعتزلة وخلفاء بني العباس أثارت حفيظتهم في الأخذ بمشورتهم والعمل بنصيحتهم، وقد أدت هذه الثقة إلى بدعة كبرى وطامة عظمى مرت بالأمة الإسلامية وعصفت بها في القرن الثالث الهجري ولا زالت تعاني من آثارها حتى الآن .
شرح الأصول الخمسة عند المعتزلة .
وقد أسس المعتزلة مذهبهم على خمسة أصول رنانة وشعارات فتانة، اغتر بها كثير من المسلمين في الماضي وكثير من العلمانيين في الحاضر:
الأصل الأول: التوحيد فقد زعموا فيه أنهم أهلُ التوحيد وخاصتُه، والمنزهون لربهم عن التشبيه، وخلاصة رأيهم في التوحيد أن الله تعالى لا صفة له لأنه منزه عن الشبيه والمثيل كما قال: } ليس كمثله شيء { [الشورى:11]، وهذا توحيد يناقض الفطرة ولا ينطلي إلا على أذهان السفهاء، بل هو توحيد يسخر منه جميع العقلاء فهل يصح أن تقول مثلا ولله المثل الأعلى: الأمير لا نظير له أبد، فيقال لك في ماذا؟ أو ما الذي انفرد به ؟ فتقول: ولا شيء، أو لا صفة له أصلا .
ولا نظن عاقلا يقبل ذلك على نفسه فضلا عن ربه، فالعقلاء يمدون غيرهم بإثبات الصفات التي تليق بهم، والموحدون لله حقا يحمدون ربهم بإثبات أسمائه الحسنى وصفاته العليا، أما توحيد المعتزلة فتوحيد معكوس يزعمون فيه أنهم يمدحون ربهم وهم في حقيقة أمرهم يذمونه ويصفونه بصفات النقص التي لا يرضاه عاقل لنفسه، وقد أداهم توحيدهم هذا إلى القول بنفي صفة الكلام عن الله سبحانه وتعالى والقول بخلق القرآن وزعموا أنه مخلوق كسائر المخلوقات ([26]) .
الأصل الثاني: العدل ومعناه على رأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد، فعطلوا قوله تعالى: } وَاللهُ خَلقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ { [الصافات:96]، وستروا تحت شعار العدل نفي التقدير وعلم المقادير، وقالوا: إن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به إذ لو خلقه ثم عذبهم عليه كان ذلك جورا وظلما والله تعالى عدل لا يظلم ولا يجور .
وقد يفتن العامة بأصلهم هذا كما فعل العلمانيون والماديون الذين لا يؤمنون بالتقدير وجريان المقادير، أو كما هو منتشر بين العامة من العبارات التي يرددها الفاسقون كقول بعضهم: قدر أحمق الخطى سحقت هامتي خطاه، وهذه الكلمة كفيلة وحدها بإخراج قائلها من ملة الإسلام إن كان يدرك معناها ويفهم لوازمها، أو كقول بعضهم بجهلهم: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، وكأن أفعال الله أسيرة أو مرهونة بأفعال عباده، وقد قال الله في كتابه: } وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً { [الإنسان:30]، وقال: } وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ { [التكوير:29]، وقال تعالى: } وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ { [الأنعام:111]، وقال: } وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً { [الكهف:23/24] .
لا فرق بين كلام هؤلاء وكلام المعتزلة فهذا الأصل الفاسد الذي رفعوا فيه شعار العدل، يلزمهم فيه أن الله تعالى يكون في ملكه ما لا يريده، فيريد الشيء ولا يكون ولازمه وصفه سبحانه بالعجز في مقابل وصفهم بمطلق المشيئة والحرية ونفي كونها مشيئة محدودة ومقيدة بالاختيار بين طريقين، طريق الخير أو الشر، أو طريق الإيمان أو الكفر، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، قال تعالى: } إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً { [الإنسان:3]، وقال: } هُوَ الذِي خَلقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ { [التغابن:2]([27]) .
الأصل الثالث: المنزلة بين المنزلتين ويقصدون به أن مرتكب الكبيرة في الدنيا في منزلة بين الإيمان والكفر، خرج من الإيمان ولم يدخل الكفر فليس بمؤمن ولا كافر وقد قرر ذلك الأصل واصل بن عطاء رأس المعتزلة لما رد على السائل في حلقة الشيخ الحسن البصري .
أما حكم مرتكب الكبير في الآخرة فهم يتفقون في ذلك مع الخوارج حيث يقولون بأنه مخلد في النار، ولا يخرج منها أبدا، ولا تجوز فيه شفاعة النبي e، والفرق بين المذهبين أن الخوارج يقولون بأن مرتكب الكبيرة في الدنيا كافر خارج من الملة والمعتزلة يقولون هو في منزلة بين المنزلتين، أو بين الإيمان والكفر ([28]) .
الأصل الرابع: إنفاذ الوعيد ويقصدون به حكم مرتكب الكبيرة في الآخرة ويعني عندهم أن الله U يجب عليه أن يعاقب مرتكب الكبيرة من المسلمين ويخلده في النار أبد الآبدين، ولا يجوز أن يخرجه من النار بشفاعة أحد من المؤمنين حتى لو كان الشافع سيد الأنبياء والمرسلين، فهم يشبهون الخوارج في قولهم: إذا توعد الله بعض عبيده وعيدا فلا يجوز ألا يعذبهم ويخلف وعيده، وكأنه سبحانه مقيد لا يعفو عمن يشاء ولا يغفر لمن يشاء، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ([29]) .
الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا الشعار الرنان الذي يفتن به كل إنسان يقصدون به الدعوة إلى أصولهم الخمسة، فالمعروف عندهم هو من اعتنق أصولهم ودان بها، والمنكر عندهم هو اتباع مذهب السلف أهل السنة والجماعة، وقد أدى بهم هذا الأصل أن يجوزوا مسلك الخوارج في الخروج على حكام المسلمين وخلفائهم بالسيف ([30]) .
· كيف ظهرت البدعة الكبرى ؟
لما تأصلت فكرة الجهم عند المعتزلة في استقلال العقل بإثبات الصفات أو نفيها وتشبعوا بالرغبة في تعطيل النصوص وردها محتجين بأن إثباتها يدل على التشبيه وأنواع المحال، وأن ظاهر النصوص باطل واعتقاده ضلال، رتبوا على هذا الأصل نفي أوصاف الكمال، فنفوا رؤية رب العزة والجلال وردوا الأخبار وأنكروا الآثار التي ثبتت في رؤية الله يوم القيامة، وقالوا أيضا بنفي صفة الكلام عن الله، وجعلوه عاجزا عن التكلم بالقرآن بحجة أنه لو كان متكلما في زعمهم لكان له فم ولسان، وأن إثبات صفة الكلام تشبيه لله بالإنسان .
وقد استفحل أمرهم وكثر عددهم وانتشر في البلاد خبرهم، ومن المؤسف أن خلفاء الدولة العباسية قربوهم وجعلوهم في أعلى المناصب القيادية متعللين بأنهم كانوا يجادلون المخالفين مجادلة عقلية، وكانوا يغلبون الزنادقة والشيعة والجبرية في كثير من المناظرات الكلامية وأن شيوخ الحديث تعجز عن ذلك .
وفي بداية القرن الثالث الهجري تصادق المأمون بن هارون ـ وهو من أبرز خلفاء الدولة العباسية ـ تصادق مع بعض دعاة المعتزلة، وذلك قبل أن يكون خليفة المسلمين، فقرب إليه رجلا يقال له بشر بن غياث المرييسي ذا أصل يهودي، وكان هذا الرجل قد نظر في صفات الله بالفكر الجهمي، فغلب عليه وقال به وانسلخ من دواعي التقوى والإيمان وأعلن القول بخلق القرآن ودعا إليه حتى كان عينَ الجهمية في عصره، وكان عالمَهم المقتدى بأمره، فمقته أهل العلم وناظروه، وحكم عليه بعضهم بالفسق وكفروه .
تقوم فكرة الجهمية في القول بخلق القرآن على منهجهم في نفي الصفات الواردة في كتاب الله وسنة رسوله e ومنها صفة الكلام، فهم زعموا أن الله لو كان متكلما لكان له فم ولسان، ومن ثم لا بد من نفي صفة الكلام عنه طلبا للتوحيد .
وقد وصل الأمر ببعضهم إلى محاولته تحريف القرآن حتى لا يؤمن بتلك الصفة فقال لأبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة: أريدك أن تقرأ هذه الآية: } وَكَلمَ اللهُ مُوسَى تَكْليمَا { [النساء:164] بنصب لفظ الجلالة، وذلك ليكون موسى u هو المتكلم، أما الرب عنده فلا يتكلم ؛ لأن الكلام لا يكون إلا بفم ولسان حسب زعمه فقال أبو عمرو: هب أني وافقتك في ذلك، فماذا تفعل بقوله تعالى: } وَلمَّا جَاءَ مُوسَى لمِيقَاتِنَا وَكَلمَهُ رَبُّه { [الأعراف:143] فبهت المعتزلي ؟ ([31]) .
ومعلوم عند السلف أن الله يتكلم بكيفية تليق بجلاله، يعلمها هو ونجهلها نحن لأننا ما رأيناه وما رأينا له نظيرا ؛ فهو سبحانه كما قال: } ليْسَ كَمِثْلهِ شيء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { [الشورى:11]، ولا يلزم من إثبات صفة الكلام التشبيه والتجسيم كما هو اعتقاد المعتزلة، بل أخبرنا الله تبارك وتعالى أن بعض المخلوقات تتكلم بدون فم أو لسان، فقال تعالى: } اليَوْمَ نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون { [يس:65]، فنحن نؤمن أنها تتكلم ولا نعلم كيف تتكلم، قد أنطقها الله كما أنطق كل شيء، ولذلك قال تعالى: } وَقَالُوا لجُلُودِهِمْ لمَ شَهِدتُمْ عَليْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الذي أَنْطَقَ كُل شيء { [فصلت:21]، فالأيدي والأرجل والجلود تتكلم بلا فم يخرج منه الصوت المعتمد على مقاطع الحروف، ولكن قياس الخالق على المخلوق قياس تمثيلي أو شمولي قياس فاسد لا يجوز في باب العقائد الغيبية .
كما أن صفة الكلام من لوازم الكمال وضدها من أوصاف النقص والله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق في أسمائه وصفاته، ولهذا ذم بني إسرائيل لاتخاذهم عجلا إلها من دون الله، وأول عيبة ذكرها الله له كونه لا يتكلم فقال تعالى: } وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُليِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لهُ خُوَارٌ أَلمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً { [الأعراف:148]، فكان عجز العجل عن الكلام من صفات النقص التي يستدل بها على عدم ألوهيته، ومن ثم إذا كان الكلام وصف كمال لدى المخلوق فالخالق أولى بوصف الكلام والكمال منه، وقد أثبتت نصوص القرآن والسنة صفة الكلام لله U، فالآيات والأحاديث التي لا حصر لها تدل على أن الله يتكلم متى شاء وإذا شاء وكيف شاء، وأنه سبحانه يتكلم بحرف وصوت يسمع، سمعه جبريل من الله U، وسمعه موسى u، وسمعه محمد e، فلا عبرة بقول المعتزلة في زعمهم إن القرآن مخلوق خلقه الله ولم يتكلم به فإنهم يعارضون القرآن وما جاء في صريح النصوص كقوله تعالى: } تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ { [البقرة:253]، وآيات القرآن أكثر من أن تحصى .
ومن حديث عدي بن حاتم t أن رسول الله e قال: (ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلمهُ ربهُ ليس بينَهُ وبينَهُ ترجمان، فينظرُ أيمنَ منهُ فلا يرى إلاّ ما قدَّمَ من عمله، وينظرُ أَشْأَمَ منه فلا يَرَى إلا ما قدَّمَ، وينظرُ بين يديه فلا يرى إلاَّ النارَ تِلقاء وجهه، فاتَّقوا النار ولو بِشقِّ تمرة) ([32]) .

سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك
منقول من كتاب : أصول العقيدة في توحيد الأسماء والصفات وعقيدة السلف الصالح في الغيبيات للدكتور محمود عبد الرازق الرضواني أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة الملك خالد بالسعودية سابقاً وعميد دار العقيدة المصرية للتعليم عن بعد


(1) انظر ترجمته في أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات لمرعي بن يوسف الكرمي المقدسي ص230، إثبات صفة العلو لابن قدامة ص131، إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد لمحمد القاسمي ص289، التحفة المدنية في العقيدة السلفية لحمد آل معمر ص166 الرد على القائلين بوحدة الوجود لعلي الحنفي ص30، الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 3/105، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص293، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري ص542، البداية والنهاية لابن كثير 9/350 .

(2) مجموع الفتاوى 5/20 .

(3) البخاري في كتاب الطب، باب السحر5/2174 (5430) .

(4) البخاري في بدأ الخلق، باب صفة إبليس وجنوده 3/1192 (3095) .

(5) انظر الرد على الزنادقة والجهمية 1/19، بيان تلبيس الجهمية 1/318، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 4/218، درء التعارض 2/409 .

(6) السابق 1/19 .

(7) الوافي في الوفيات 1/1557 .

(8) إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لا بن جماعة ص34 .

(9) انظر العلو للعلي الغفار ص154 .

(10) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة 2/312 .

(11) انظر إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لابن جماعة ص34 .

(12) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم 2/177 .

(13) انظر أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات ص78 .

(14) تاريخ الإسلام 1/861 .

(15) تاريخ دمشق لابن عساكر 64/225، الملل والنحل للشهرستاني 1/20، والوافي بالوفيات 1/460 .

(16) التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، طاهر بن محمد الإسفراييني ص107.

(17) انظر العلو للعلي الغفار ص246 .

(18) إثبات صفة العلو لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ص 125 .

(19) أقاويل الثقات للكرمي ص89 .

(20) الإبانة عن أصول الديانة ص105 .

(21) العلو للعلي الغفار ص190 .

(22) وفيات الأعيان وأنباء الزمان لأبي العباس شمس الدين بن خلكان 6/7 .

(23) السابق 6/8 .

(24) النجوم الزاهرة 1/314 بتصرف .

(25) التحرير والتنوير 1/159 بتصرف .

(26) انظر المزيد عن هذا الأصل في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص37 .

(27) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص520 بتصرف .

(28) انظر التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص37 بتصرف .

(29) السابق ص38 بتصرف .

(30) مجموع الفتاوى13/126بتصرف .

(31) السابق168 .

(32) الموضع السابق 6/2729 (7074) .



عمر محمد غير متواجد حالياً  
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دروس في العقيدة الإسلامية 1 عمر محمد منتدى العقيدة الإسلامية 8 09-24-2015 10:48 PM
دروس في العقيدة الإسلامية 2 عمر محمد منتدى العقيدة الإسلامية 1 09-24-2015 10:40 PM
دروس في العقيدة الإسلامية 9 عمر محمد منتدى العقيدة الإسلامية 3 09-24-2015 08:39 PM
دروس في العقيدة الإسلامية 10 عمر محمد منتدى العقيدة الإسلامية 2 09-24-2015 08:36 PM
دروس في العقيدة الإسلامية 11 عمر محمد منتدى العقيدة الإسلامية 1 09-24-2015 08:31 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية
جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة الكعبة الإسلامية © 2018