تسجيل الدخول


العودة   منتديات الكعبة الإسلامية > القسم الشرعى > منتدى العقيدة الإسلامية

منتدى العقيدة الإسلامية كل ما يختص بالعقيدة الإسلامية - توحيد الألوهية توحيد الربوبية توحيد الأسماء والصفات والإيمان و أركانه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-08-2012, 07:38 PM   #1
عمر محمد
مرشح للاشراف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 37
معدل تقييم المستوى: 0
عمر محمد is on a distinguished road
افتراضي دروس في العقيدة الإسلامية 6

المحاضرة السادسة
علم التوحيد وأنواعه وتصنيفاته

· المقصود بعلم التوحيد لغة واصطلاحا.
التوحيد لغة: مصدر وحد يوحد أي أفرد الشيء يفرده، فالمتوحد هو المنفرد بوصفه المباين لغيره، والمقصود بتوحيد الصحابة لربهم أنهم أفردوا الله عن غيره بما أثبته لنفسه من أنواع الكمال في العبودية والربوبية والأسماء والصفات، فهو وحده رب العالمين المستحق للعبادة، كما قال: } إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {(الفاتحة: 5)، وهو المتوحد في أسمائه وصفاته كما قال تعالى: } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {(الشورى: 11)، فهم يؤمنون بأنه سبحانه وتعالى منفرد بالخلق والتدبير وإليه يرجع الأمر والتقدير، وشهدوا ألا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه .
أما علم التوحيد اصطلاحا: (هو علم يعرف به طريقة الصحابة والتابعين في توحيد الله بالعبودية وإثبات العقائد الإيمانية بأدلتها النقلية والعقلية، والرد على المتبدعين في العبادات والمخالفين في الاعتقادات بالأدلة النقلية والعقلية) ([1]) .
· المصطلحات التي تدل على علم التوحيد .
يعتبر علم التوحيد اصطلاحا سائدا بين السلف منذ عصر النبوة، فالصحابة y كانوا علي دراية تامة بما يجب معرفته في توحيد الله وكيفية الدعوة إليه ومناقشة المخالفين فيه، وقد أفرد الإمام البخاري رحمه الله (ت:256) بابا في الصحيح في كتاب التوحيد قال فيه: (باب ما جاء في دعاء النبي e أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى)،e ثم عقب بحديث عبد الله بن عباس t لما بعث النبي e معاذ بن جبل t إلى اليمن قال له: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إلى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تعالى) ([2]) .
ولا شك أن معاذ بن جبل t كان خبيرا في هذا العلم بالصورة التي تناسب إتمام الدعوة التي بعث من أجلها، والتي يترتب علي نجاحها دخول الآلاف من أهل الكتاب في دين الله وإلا ما كلفه النبي e بهذه الأمر العظيم .
وقد تتابع أهل العلم عبر القرون المختلفة على التأليف في هذا الفن تحت مصطلح التوحيد سواء كانوا من السلفيين أو ممن خالفهم من المتكلمين، فالإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت:311) ألف كتابا على نهج السلف الصالح عنون له: (كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب U)، وكتب أبو منصور الماتريدي (ت:333) كتابا سماه: (التوحيد) وانتهج فيه طريقة المتكلمين الذين يقدمون العقل في إثبات الحجج والبراهين .
وقد بقي اصطلاح (علم التوحيد) دائرا بين المتقدمين والمتأخرين منذ عصر النبوة إلى وقتنا هذا، وتجدر الإشارة إلى كتابين ألفا تحت ذلك الاصطلاح في القرنين الماضيين، وهما: (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت:1206) حيث وضعه على نهج السلف الصالح لما انتشر شرك الجاهلية في الجزيرة العربية، وفي المقابل نجد على مذهب الأشعرية رسالة التوحيد للشيخ محمد عبده (ت:1323)، وقد أطلقت عدة اصطلاحات أخرى على هذا العلم من قبل علماء السلف أو المخالفين لهم يتمثل أبرزها فيما يلي:
1- علم العقيدة: فالعقيدة هي عقد القلب على تصديق خبر الرب وتنفيذ أمره، والإيمان به إيمانا لا يقبل الشك مع الثبات عليه .
وكثير من علماء السلف والخلف استخدم هذا الاصطلاح كل على وجهته أو منهجه في التعامل مع النصوص، فمن علماء السلف الإمام أحمد بن حنبل (ت:241) له كتاب بعنوان: (العقيدة) ([3] وكذلك كتاب: (العقيدة الطحاوية) للإمام أبي جعفر بن سلامة الأزدي الطحاوي (ت:321)، وكتاب: (اعتقاد أئمة الحديث) لأبي بكر الإسماعيلي (ت:371) .
وقد اشتهر مصطلح العقيدة بين المتمسكين بمنهج السلف حتى اقترن بهم وأصبح التعرف على العقيدة سمتهم بين الناس وميزانهم المقدم في مسألة الولاء والبراء، كما برزت فيما بعد كتب أخرى كثيرة على منهج السلف الصالح اشتهرت شهرة واسعة بين الناس ككتاب: (الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث) للإمام البيهقي (ت:458)، وكتاب (العقيدة الواسطية) لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728)، وكتاب: (عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة) للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت:1206)، وغير ذلك كثير ممن كتبوا في العقيدة على منهج السلف الصالح .
كما تردد هذا المصطلح أيضا بين المنتهجين لطريقة الخلف من المتكلمين، فكتب أبو حامد الغزالي (ت:505) كتابه المسمي: (قواعد العقائد)، وكذلك (العقيدة الأصفهانية) التي ألفها الشيخ أبو عبد الله شمس الدين الأصفهاني (ت:688) وهو أحد رؤوس علماء الكلام وقد شرحها شيخ الإسلام ابن تيمية وخالفه فيها في كتابه المعروف (شرح العقيدة الأصفهانية) .
2- الفقه الأكبر: في بداية القرن الثاني الهجري ظهرت عقيدة الجهمية بظهور أصلها الجعد بن درهم (ت:125) فهو أول من قال بخلق القرآن ونفي أوصاف الله بحجة التنزيه والتوحيد ونفي التشبيه، وقد تبني فكره تلميذه الجهم بن صفوان (ت:128) إلا أن الجعد لم ينل شهرة الجهم .وقد كان مصطلح الفقه عند السلف يعني العلم بالدين وأحكام العبودية التي وردت بها الأدلة القرآنية والنبوية , ثم جاء المتأخرون من الفقهاء وغيرهم وحصروه بمعرفة الأحكام الشرعية التكليفية المكتسبة من أدلتها التفصيلية دون تعرض منهم لتفصيل مسائل العقيدة، فظهر في المقابل مصطلح الفقه الأكبر لبيان أهمية التوحيد قبل القول والعمل والرد على الجهمية وأتباعهم .
ويعتبر الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثاب (ت:150) أول من أطلق هذا اللفظ في كتابه الفقه الأكبر، قال رحمه الله في الكشف عن ذلك المعنى الاصطلاحي: (الفقه الأكبر في الدين خير من الفقه في العلم، ولأن يتفقه الرجل كيف يعبد ربه U خير من أن يجمع العلم الكثير) ([4]) .
قال أبو مطيع الحكم البلخي: (قلت:فأخبرني عن أفضل الفقه؟ قال: يتعلم الرجل الإيمان والشرائع والسنن والحدود واختلاف الأئمة .. وذكر مسائل في الإيمان ثم ذكر مسائل في القدر) ([5] ونسب بعضهم الفقه الأكبر لأبي مطيع الحكم البلخي الذي ذكر فيه أراء أبي حنيفة وأقواله في التوحيد، وهو متن صغير شرحه الكثير من الأحناف ([6] غير أن الشاهد هنا أن اصطلاح الفقه الأكبر بعد أن ظهر في القرن الثاني الهجري اشتهر على ألسنة العلماء وأصبح مرادفا لعلم التوحيد والعقيدة عند السلف الصالح وأتباعهم .
3- السنة: بمعنى سنة الدلالة والطريقة المسلوكة، وقد أطلق لفظ السنة على علم التوحيد وعرف به في أواخر القرن الثاني الهجري وبداية القرن الثالث، وذلك حين بلورت المعتزلة آرائها الفكرية في خمسة أصول عقلية كان أولها ادعاء التوحيد، فقد رتبوا عليه القول بخلق القرآن وتعطيل السنة، وردوا ما ثبت عن رسول الله e في باب الصفات وعطلوه بحجة أنها من أخبار الآحاد التي لا تدل على اليقين في أمور الاعتقاد، مما دفع أهل السنة وعلى رأسهم الإمام أحمد (ت:241) أن يطلقوا مصطلح السنة على مسائل التوحيد والعقيدة تمييزا لها عن أصول المعتزلة التي أسفرت عن تعطيل السنة وردها، فألف الإمام أحمد بن حنبل كتابه أصول السنة قال في مقدمته: (أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله e والإقتداء بهم، وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات في الدين والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن، وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء، إنما هو الإتباع وترك الهوى، ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقبلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها الإيمان بالقدر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه والإيمان بها لا يقال لم ولا كيف ؟) ([7]) .
وكذلك الإمام الحافظ أبو بكر بن أبي عاصم الشيباني (ت:287) كتب في الرد على المعتزلة كتابا سماه: (السنة) حيث جاءت مسائله عن الإيمان بالقدر ورؤية الله تعالى في الآخرة ومسائل أخرى في صفات الله U يقف منها أهل الاعتزال موقف التعطيل .
وعلى الوتيرة نفسها جاء لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت:310) كتابه (صريح السنة) قال فيه: (فأول ما نبدأ بالقول فيه من ذلك عندنا، القرآن كلام الله وتنزيله إذ كان من معاني توحيده، فالصواب من القول في ذلك عندنا أنه كلام الله غير مخلوق كيف كتب وحيث تلي وفي أي موضع قرئ .. فمن قال غير ذلك أو ادعي أن قرآنا في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه، أو أضمره في نفسه، أو قاله بلسانه دائنا به فهو بالله كافر حلال الدم بريء من الله والله منه بريء) ([8]) .
وكذلك كتاب: (السنة) لأبي عبد الله بن نصر المروزي (ت:294)، ومثله أيضا كتاب: (السنة) لأبي بكر الخلال (ت:311)، وكتاب: (شرح السنة) لأبي محمد الحسن بن على بن خلف البربهاري (ت:329)، وكل هؤلاء يؤكدون على أن الإسلام هو السنة، والسنة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر، وأن من السنة لزوم الجماعة، ومن رغب غير الجماعة وفارقها فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وكان ضالا مضلا، وأن الأساس الذي بنيت عليه الجماعة أصحاب محمد e رحمهم الله أجمعين، وهم أهل السنة والجماعة، فمن لم يأخذ عنهم فقد ضل وابتدع وكل بدعة ضلالة، والضلال وأهله في النار ([9]) .
وهناك كتب كثيرة باسم السنة كاصطلاح يرادف معنى التوحيد والعقيدة، وكلها كما هو ملاحظ ألفت في القرن الثالث الهجري وحتى منتصف القرن الرابع، وهو عصر سيطرة المعتزلة وولادة المذهب الأشعري وظهور أركانه واستقرار بنيانه .
4- الإيمان: أطلق مصطلح الإيمان على مسائل التوحيد والعقيدة لأنها قضايا تتعلق بتصديق القلب واستعداده للعمل، وهذان ركانان أساسيان في صلاح الإنسان وقد تداول علماء السلف ذلك الاصطلاح منذ وقت مبكر وأطلقوه على مؤلفاتهم , فمن ذلك كتاب: (الإيمان ومعالمه وسنته واستكمال درجات) لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت:223) وكتاب الإيمان لمحمد بن يحيي بن أبي عمر العدني (ت:243)، والإيمان لمحمد بن إسحاق بن يحيي بن منده (ت:395)، وكتاب: (الإيمان وأصول) لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي (ت:429)، وكتاب شعب الإيمان لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت:458) .
ثم كتابان لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728) وهما (الإيمان الأوسط) (والإيمان الأكبر)، وأيضا كتاب: (تنبيه الوسنان إلى شعب الإيمان) للشيخ زين الدين عمر بن أحمد الشماع الحلبي (ت:936) وغير ذلك كثير ([10]) .
5- أصول الدين: الأصول جمع أصل وهو في اللغة ما يُفتقر إليه ولا يفتقر هو إلى غيره، وفي الشرع ما يبني عليه غيره ولا يبني هو على غيره، وعلى هذا فأصول الدين قوام أركانه وأساس بنيانه ([11] ومن العجب أن اصطلاح (أصول الدين) الذي اشتهر ولا يزال مشتهرا حتى سميت باسمه الكليات الجامعية في سائر البلاد الإسلامية هو في حقيقته من صنع المتكلمين الأشعرية .
فإذا كان مصطلح الأصول قد اشتهر بين السلف مرتبطا بالفقه إلا أن اقترانه بالدين كان أشعري المنشأ والتكوين، فأغلب الذين ابتدعوه واستعملوه كانوا من متكلمي الأشعرية، وكانوا يرغبون أن تكون أصولهم العقلية متميزة عن الأصول الخمسة عند المعتزلة، حيث اعتبروا أنفسهم أهل السنة والجماعة الذين جمعوا حسب زعمهم بين عقيدة السلف أو أصحاب المدرسة النقلية وعقيدة المعتزلة أصحاب المدرسة العقلية فابتدعوا أصولا عقلية أخرى أثبتوا بها سبع صفات فقط إرضاء للسلف، وعطلوا باقي النصوص التي تدل على الصفات الخبرية إرضاء للمعتزلة، رافعين شعار التأويل وبحجة أن هذه النصوص توهم التشبيه والتمثيل وظاهرها باطل مستحيل، ثم أطلقوا على أصولهم في التوحيد الجديد الذي ابتدعوه مصطلح: (أصول الدين) .
وأول من عرف عنه هذا الاصطلاح هو أبو القاسم عبيد الله بن أحمد البلخي (ت:319) إذ أنه ألف كتابا سماه: (أوائل الأدلة في أصول الدين)، وقام بشرحه أبو بكر بن فورك الأصبهاني (ت:406)، وكلاهما ضليعان في المذهب الأشعري ([12]) .
وقد ألف أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد النيسابوري (ت:478) كتابا سماه: (الغنية في أصول الدين)، نسجه أيضا على طريقة الأشعرية ومنهجهم، قال في بدايته: (فصل في بيان العبارات المصطلح عليها بين أهل الأصول منها: العالم هو اسم لكل موجود سوى الله تعالى، وينقسم قسمين: جواهر وأعراض، فالجوهر كل ذي حجم متحيز، والحيز تقدير المكان، ومعناه أنه لا يجوز أن يكون عين ذلك الجوهر حيث هو، وأما العرض فالمعاني القائمة بالجواهر كالطعوم والروائح والألوان، والجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتصور تجزئته عقلا، ولا تقدير تجزئته وهما، وأما الجسم فهو المؤلف، وأقل الجسم جوهران بينهما تأليف ... الخ) ([13])، ثم بدأ يطبق تلك الأصول العقلية أو الفلسفية على ذات الله U وصفاته وأفعاله، فينفي بها ما يشاء ويثبت مستخدما منهج التأويل سواء تيسر له الدليل أو لم يتيسر، فالهدف الأعلى هو التعطيل لأن الإثبات في اعتقاده تشبيه وتمثيل .
وعلى الوتيرة نفسها ألف جمال الدين أحمد بن سعيد (ت:593) كتابا سماه: (أصول الدين) انتهج فيه مذهب المتكلمين من الأشعرية وطريقتهم في الغيبيات، ومما جاء فيه: (فصل صانع العالم لا يقال له: أين هو؟ لأن أين يستخبر به عن المكان ولا مكان ل) ([14])، هكذا حتى لو عارض ذلك سؤال النبي e للجارية أين الله؟ ([15]) .
وقال حاجي خليفة عن كتاب فخر الدين الرازي: (الأربعين في أصول الدين للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت:606)، ألفه لولده محمد ورتبه على أربعين مسألة من مسائل الكلام) ([16] ومعلوم أن الرازي من أعمدة المذهب الأشعري .
وقال ياقوت الحموي في ترجمة الجويني (ت:874): (أبو المعالي عبد الملك بن يوسف الجويني إمام الحرمين، أشهر من علم في رأسه نار، كان قليل الرواية معرضا عن الحديث وصنف التصانيف المشهورة نحو الشامل في أصول الدين على مذهب الأشعري والإرشاد وغير ذلك) ([17]) .
6- الشريعة: الشريعة للآجري، قال محمد بن الحسين الآجري رحمه الله: (كتاب الإيمان والتصديق بأن الله عز وجل كلم موسى عليه السلام الحمد لله المحمود على كل حال، وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم أما بعد فإنه من ادعى أنه مسلم ثم زعم أن الله عز وجل لم يكلم موسى فقد كفر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل فإن قال قائل: لم ؟ قيل: لأنه رد القرآن وجحده، ورد السنة، وخالف جميع علماء المسلمين، وزاغ عن الحق، وكان ممن قال الله عز وجل: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (1) وأما الحجة عليهم من القرآن: فإن الله جل وعز قال في سورة النساء: وكلم الله موسى تكليما (2) وقال عز وجل في سورة الأعراف: ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك (3) وقال عز وجل: إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي (4))
وقال في نهاية الكتاب: (وبهذا وبجميع ما رسمته في كتابنا هذا وهو كتاب الشريعة ثلاثة وعشرون جزءا ندين الله عز وجل، وننصح إخواننا من أهل السنة والجماعة، من أهل القرآن وأهل الحديث وأهل الفقه وجميع المستورين في ذلك ؛ فمن قبل فحظه من الخير إن شاء الله، ومن رغب عنه أو عن شيء منه فنعوذ بالله منه، وأقول له كما قال نبي من أنبياء الله عز وجل لقومه لما نصحهم فقال ( فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد).
6- علم الكلام: لما ظهرت مذاهب الضلال في باب العقيدة على يد الجهمية والمعتزلة والأشعرية والماتريدية، وبنوا أصول عقيدتهم على الحجج العقلية والكلام الفاسد في باب الغيبيات ونفي الصفات، ولم يستندوا إلى ما ورد في الأدلة القرآنية والنبوية إلا باعتبارها دليلا ثانويا وليس أساسيا في إثبات العقائد، بل ما وافقهم منها أخذوه وما خالفهم عطلوه، أطلق هؤلاء وغيرهم على مسائل التوحيد والعقيدة علم الكلام لكثرة الجدل بين الطوائف المختلفة في مسائله، أو لأن أعظم مسألة من قضايا هذا العلم حصل فيها النزاع هو كلام الله سبحانه وتعالى .
وهذه التسمية ليست معتمدة عند السلف الصالح أهل السنة والجماعة بل آراؤهم مجتمعة على ذم الكلام وأهله الذين عارضوا به الكتاب والسنة، وتجدر الإشارة إلى أن السلف لم يمنعوا الاحتجاج بالأدلة العقلية لتأييد الأصول القرآنية والنبوية وشرح مضمونها وبيانها، وإنما منعوا أن تكون الأصل الذي يبنى عليه عقيدة المسلم في الغيبيات أو الأسماء والصفات أو يعارض بها الأدلة النقلية .
قال ابن الجوزي: (وقد تنوعت أحوال المتكلمين وأفضى الكلام بأكثرهم إلى الشكوك وببعضهم إلى الإلحاد، ولم تسكت القدماء من فقهاء هذه الأمة عن الكلام عجزا ولكنهم رأوا أنه لا يشفي غليلا ثم يرد الصحيح عليلا، فأمسكوا عنه ونهوا عن الخوض فيه حتى قال الشافعي رحمه الله: لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في الكلام ... وقال: حكمي في علماء الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام، وقال أحمد بن حنبل: لا يفلح صاحب كلام أبدا علماء الكلام زنادقة) ([18]).
وقد حذر أتباع السلف الصالح من هذا علم الكلام وألفوا كتبا في ذمه وتقبيحه منها كتاب أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة وعنوانه: (تحريم النظر في كتب الكلام)، وفي المقابل تجد من كتب ليحذر من صعوبته وأنه للخواص كما فعل أبو حامد الغزالي في كتابه: (إلجام العوام عن علم الكلام) .
وقد ألفت كتب كثيرة من قبل المتكلمين في هذا العلم معتبرين إياه علم التوحيد الأمثل الذي نزل به جبريل على محمد بن عبد الله e، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر كتاب: (نهاية الإقدام في علم الكلام) لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت:548)، وكذلك كتاب: (الداعي إلى الإسلام في أصول علم الكلام)، لأبي البركات بن محمد الدفع (ت:577) ([19])، وأيضا كتاب: (مطية النقل وعطية العقل في علم الكلام)، لمحمد بن إبراهيم الصوفي (ت:622)، وكتاب: (غاية المرام في علم الكلام) لسيف الدين أبي الحسن الآمدي (631)، وكتاب: (زبدة الكلام في علم الكلام) لصفي الدين الهندي (ت:715)، وكذلك: (علم الكرام في علم الكلام) للشيخ زين الدين المالطي (ت:788)، (والمواقف في علم الكلام) للعلامة عضد الدين الإيجي (ت:1000) ([20]) .
وقال صديق بن حسن القنوجي: (علم أصول الدين المسمي بعلم الكلام، هو علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها وموضوعه الموجود من حيث هو موجود) ([21]) .
تلك أغلب المصطلحات التي وردت علما على علم التوحيد تعبر عن التطور التاريخي للمراحل التي مر بها، وقد كان السلف الصالح على أعلى درجات التوحيد والإيمان وكان اللفظ الشائع بينهم لفظ الإسلام والإيمان، تعبيرا عن خضوعهم لله وحده وعدم الإشراك به، والإيمان بكل ما ورد في الكتاب والسنة مما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله .
· مفهوم الألوهية بين السلف ومخالفيهم .

توحيد الألوهية سمي بذلك عند السلف لأنه المقصود بقول العبد لا إله إلا الله فالإله هو المعبود بحق الذي يدعى وحده لا شريك له، وتوحيد الألوهية عندهم هو توحيد العبادة لله وتجريدها له وحده، وتلك هي الغاية التي دعت إليها الرسل ونزلت من أجلها الكتب، وإنما قلنا إن هذا اعتقاد السلف في معنى الألوهية لأن السلف اعتمدوا في تقرير ما ذهبوا إليه على نص كتاب الله وما صح في سنة رسوله e، قال تعالى: } اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {(التوبة: 31)، وقال U} إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي {(طه: 14)، وقال سبحانه وتعالى: } وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ {(الأنبياء: 25).
وقال: } وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {(القصص: 88)، وقال U} هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {(غافر: 65)، وقال تعالى: } رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً {(المزمل: 9).
ومما ورد في سنة رسول الله e في بيان معنى لا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه ما رواه البخاري من حديث ابن عباس t لما بعث النبي e معاذ بن جبل t إلى اليمن قال له: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إلى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تعالى) ([22])، وفي رواية أخرى توضح أن توحيد العبادة هو معنى لا إله إلا الله قال رسول الله e لمعاذ t: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ .. الحديث) ([23])، وعند مسلم من حديث أبي مالك عن أبيه t أن رسول الله e قال: (مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى الله) ([24]) .
وروى البخاري من حديث أبي سفيان t لما سأله هرقل ملك الروم عن النبي e قال: (مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قُلْت:يَقُولُ اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ) ([25]) .
قال ابن تيمية: (لا إله إلا أنت فيه إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزمك أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل) ([26]) .
وقد يتنوع معنى لا إله إلا الله أو مفهوم الألوهية عند قائليه ولا يعني به ما سبق عند السلف الصالح، فمنهم من جعل الألوهية بمعنى الربوبية وحصرها في إفراد الله بالخالقية، ومنهم من يعني أنه لا موجود إلا الله على اعتبار أن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق حالة ظهوره بأشكال متعددة وكثرة متنوعة، ومنهم من يعني بها العلة الأولي أو العق الفعال، فليس كل من قال لا إله إلا الله يعني بها ما أراده الله في كتابه أو أراده رسوله e في سنته ([27]) .
فالألوهية عند الخلف المعروفين بأهل النظر والكلام الذين اتبعوا فلاسفة اليونان جعلوها بمعنى الخالق أو القادر على الاختراع ([28] وجعلوا غاية التوحيد عندهم إثبات أن صانع العالم واحد، وأن الواحد الحقيقي هو الشيء الذي لا ينقسم .
واحتجوا على وحدانية الإله بما يسمي بدليل التمانع، وهو من الأدلة العقلية في إثبات توحيد الربوبية، وملخصه أنا لو قدرنا إلهين اثنين وفرضنا أمرين متضادين وقدرنا إرادة أحدهما لأحد الأمرين، وإرادة الثاني للثاني فلا يخلو من أمور ثلاثة، إما أن تنفذ إرادتهما أو لا تنفذ إرادتهما أو تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر، واستحال أن تنفذ إرادتهما لاستحالة اجتماع الضدين، واستحال أيضا ألا تنفذ إرادتهما لتمانع الإلهين وخلو المحل عن كلا الضدين، فإذا بطل القسمان تعين الثالث وهو أن تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر، فالذي لا تنفذ إرادته فهو المغلوب المقهور المستكره والذي نفذت إرادته فهو الإله القادر على تحصيل ما يشاء وذلك عندهم مضمون قوله تعالى: } لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا {(الأنبياء: 22)([29]) .
قال ابن أبي العز الحنفي معقبا على الاستدلال بالآية السابقة كحجة على دليل التمانع: (وقد ظن طوائف أن هذا دليل التمانع الذي تقدم ذكره، وهو أنه لو كان للعالم صانعان .. الخ، وغفلوا عن مضمون الآية، فإنه سبحانه أخبر أنه لو كان فيهما آلهة غيره، ولم يقل: أرباب، وأيضا فإن هذا إنما هو بعد وجودهما، وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواء لفسدتا، وأيضا فانه قال لفسدتا، وهذا فساد بعد الوجود ولم يقل لم يوجدا) ([30]) .
وقد بين أيضا في معرض الرد أن الآية دلت على أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة بل لا يكون الإله إلا واحدا، وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله سبحانه وتعالى، وأن فساد السماوات والأرض يلزم من كون الآلهة فيهما متعددة ومن كون الإله الواحد غير الله، وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده لا غيره، فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه كله، فإن قيامه إنما هو بالعدل وبه قامت السماوات والأرض، وأظلم الظلم على الإطلاق الشرك وأعدل العدل التوحيد ([31]) .
وقد بين الله U أن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، وكانوا يعتقدون أن الله خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم كما قال تعالى في شأنهم: } وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّي يُؤْفَكُون {(العنكبوت:61)، فالقلوب مفطورة على الإقرار بالخالق أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات، ولم يذهب إلى غير ذلك طائفة معروفة من بني آدم، بل الأمر كما قالت الرسل لأممهم كما ذكر الله U في شأنهم: } قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض { (إبراهيم/10) .
وهذا فرعون الذي تظاهر بإنكار الصانع وتجاهله كان مستيقنا بالله في الباطن كما قال له موسي u} لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَل َ هَؤُلاء إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا { (الإسراء: 10)، وقال تعالى: } وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ { (النمل/14) ([32]) .
وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله أن هؤلاء المتكلمين المتأخرين الذين خلطوا الفلسفة بالكلام كثر اضطرابهم وازدادت شكوكهم وحيرتهم بحسب ما ازدادوا به من ظلمة هؤلاء المتفلسفة .. وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية وهو الإقرار بأن الله خالق كل شيء وربه، وهذا التوحيد كان يقر به المشركون، وهم مع هذا يعبدون غيره، وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية، وأن يعبد الله وحده لا يشركون به شيئا فيكون الدين كله لله، ولا يخاف إلا الله ولا يدعى إلا الله، ويكون الله أحب إلى العبد من كل شيء فيحبون لله ويبغضون لله، ويعبدون الله، ويتوكلون عليه ([33]) .
ومن ثم فإن توحيد الربوبية والأسماء والصفات في عرف السلف من قبيل الوسيلة وليس من قبيل الغاية، فمعرفة المعبود والإقرار بأن الله U خالق كل شيء وأنه ليس للعالم صانعان هو حق لا ريب فيه، ولكن ذلك وسيلة إلى توحيد العبادة وتحقيق الغاية من خلق الإنسان، فمعني لا إله إلا الله عند السلف الصالح لا معبود بحق إلا الله، وعند الخلف معناها لا خالق إلا الله .
أما عند غلاة الصوفية فإنها تعني لا موجود إلا الله، حيث ذهب فريق من الصوفية يتزعمهم محي الدين بن عربي الأندلسي (ت:638) إلى أن الله هو هذا الوجود بعينه وهو ظاهر في أشكال متعددة وكثرة متنوعة وأنه لا موجود إلا هو .
أما الكثرة المشاهدة في العالم من أنواع المخلوقات فهي على زعمهم وَهْمٌ يحكم أصحاب العقول القاصرة وهي في حقيقتها مظاهر لله فقط، أو مرآة ويري نفسه فيها ويتعين للآخرين من خلالها، أو أثواب يلبسها ويخلعها وقتما يشاء، فهو السماء بما فيها من شمس وقمر ونجوم، وهو السحاب الذي نراه بين السماء والأرض عند الصفاء والغيوم لا فرق بين الأنداد والأضداد، ولا فرق بين الرب والعباد، فالعابد عندهم هو المعبود والذاكر هو المذكور، كما يقول ابن عربي: (ما في الوجود مثل ما في الوجود ضد فإن الوجود حقيقة واحدة والشيء لا يضاد نفس) ([34] ويقول أيضا:
فإنا أعبدٌ حقا وإن الله مولانا:
وإنا عينه فاعلم إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان فقد أعطاك برهانا:
فكن حقا وكن خلقا تكن بالله رحمانا ([35]) .
ويزعم هؤلاء أنه كلما فنيت صورة من وجود الله وخلعها عن نفسه لبس صورة أخرى، وكذلك يظل يلبس صورة ويخلع أخرى بلا انقطاع، وهذا حكم منه اقتضاه لظهور هذا الوجود، لكي لا يكون موجود إلا هو .
ويلزم على هذا المذهب الخبيث تأليه جميع الأشياء وعبادتها فلا مانع عند ذلك أن يكون المعبود إنسانا أو وحيوانا أو ملكا أو شيطانا حجرا، ولذا يري هؤلاء الزنادقة أن الأديان كلها حق، وأن المجوس عابدي النيران والمشركين عابدي الأوثان والنصارى عابدي الصلبان وغيرهم من أهل الشرك ليسوا كفار ضلالا، بل مذاهبهم هي عين التوحيد والإيمان، لأنهم حين عبدوا النار والحجارة والصلبان ما عبدوا إلا الله U تعالى الله عن قولهم، فتلك المعبودات عندهم تجليات ظهرت بها الذات الإلهية .
والتوحيد في زعمهم أن تعبد جميعا وأن تعظم جميعا، والشرك الضلال عندهم أن تخصص بعض هذه المظاهر بالعبادة دون بعض، فالكفر عندهم ليس هو عبادة غير الله، ولكنه ستر حقيقة المعبود بتخصيص بعض مجاليه بالعبادة دون البعض الآخر . وحكم هؤلاء الزنادقة أيضا بأن إمام الموحدين هو فرعون، لأنه كان يشاهد عين الحقيقة حين قال: أنا ربكم الأعلى، ولم يكن كاذبا في دعواه أنه هو الله، بل كان في أعلى مقامات التوحيد، وقد أغرق في البحر تطهيرا له من الشرك عندما هم بالإسلام في لحظاته الأخيرة وتوهم الغيرية، وزعموا أيضا أن موسي u لم يلم قومه على عبادة العجل ولم ينكرها عليهم ([36] ومعلوم أن تلك العقيدة كفر صريح بآيات القرآن التي نطقت بموت فرعون على الكفر، وأنه لم ينفعه إيمانه حين أدركه الغرق، وأن الله إنما نجاه ببدنه ليكون عبرة ماثلة للأجيال من بعده .فهؤلاء الغلاة من الصوفية لما شهدوا ألا إله إلا الله وضعوها على معنى الخبيث فيغتر الجاهل بشهادتهم ويظن أنهم يقصدون ما قصده أصحاب محمد بن عبد الله e ومن سار على دربهم.
وعلى شاكلة الصوفية في تأويلاتهم الباطنية فسر الفلاسفة كابن سينا والفارابي وغيرهما معنى الألوهية في كلمة التوحيد، فالإله عندهم هو بذاته علة تامة أزلية للعالم بما فيه من الحوادث المتجددة، وقد فاضت المخلوقات عن الذات الإلهية أو ما يسمونها بالعلة الأولية أو المبدأ الأول أو واجب الوجود فاضت بالعلل والمعلولات بعدها، وكل علة عندهم أكسبت معلولها قوة الإيجاد والإعداد لما بعدها في تسلسل متصل، وليس العالم عندهم ناتجا عن علم وإرادة وقدرة اتصف بها خالقه، ولكنه صدر عنه صدور المعلول عن علته، فهو سبحانه وتعالى عندهم العلة الأولى التي لا يقوم بها شيء من الصفات والأفعال.
ولما قرروا أن العالم معلول لعلة قديمة أزلية، قالوا أيضا بقدم العالم وأنه لم يزل مع الله أزلا وأبدا، فالرب على أصلهم والعالم متلازمان كل منهما شرط في الآخر، والرب محتاج إلى العالم كما أن العالم محتاج إلى الرب، تعالى الله عن قولهم، وتلك عقيدة فلسفية باطلة تؤدي إلى هدم التوحيد ونسف حقيقة الألوهية التي اتصف بها الإله الحق، لأن الله تعالى لم يزل ذا قدرة ومشيئة وعلم وحياة، ولم يزل فعالا متكلما إذا شاء وكيف شاء، والله سبحانه كان وليس شيء غيره، وليس معه شيء من خلقه فكيف يقترن الخالق والمخلوق اقتران العلة بمعلولها ؟ .
فهؤلاء استخدموا الأقيسة التي تحكم عالم الشهادة في الحكم على خالقهم الذي ليس كمثله شيء، ومعلوم أن الله لا يخضع لقياس تمثيلي يستوي فيه الفرع والأصل، أو قياس شمولي يستوي فيه مع بقية أفراده، كما أنهم أيضا سلبوا عن رب العزة والجلال ما ثبت له في القرآن والسنة من أوصاف الكمال، عندما جعلوه علة تامة أزلية لا يحدث فيها ولا منها شيء، وجعلوه ذاتا خاملة لا حراك فيها ولا علم لها ولا مشيئة ولا قدرة ولا حكمة ولا عزة تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، فالله U عاب المشركين أنهم عبدوا الحجارة والأصنام ونعي عليهم كونها لا تخلق ولا تتكلم . وفضلا عن أن عقيدة السلف في معني الألوهية تدور حول إفراد الله بالعبودية وهي تختلف عن عقيدة الأشعرية والصوفية والفلاسفة إلا أنهم يجعلون المرجع في حدوث المخلوقات هو كمال الصفات التي تقوم بالذات الإلهية كالعلم والإرادة والقدرة والحياة والغني والحكمة وغير ذلك من الصفات عملا بقوله تعالى: } إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ { (يس/82).
ومن ثم فإن الله U صانع كل شيء بقدرته، وعلة كل شيء صُنْعُه، ولا علة لصنعه، وهو سبحانه وتعالى واحد أحد، وتر صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وليس الإله علة وجود الأشياء وإنما العلة صفاته الفاعلة ([37]).

· تصنيف التوحيد إلى نوعين والمصطلحات التي أطلقت على كل نوع .
إذا علمنا أن توحيد الألوهية عند السلف يعني توحيد العبادة، فيجدر بنا أن نذكر أنواع التوحيد عند السلف الصالح حتى يمكن التعرف على عقيدتهم ومنهجهم وأدلتهم في تصنيف التوحيد، فالتوحيد عند السلف نوعان، وقد يقسم إلى ثلاثة أنواع على اعتبار آخر سوف يأتي تفصيله، أما تصنيفه إلى نوعين والأسماء التي قد يرد بها كل نوع فبيانه كالتالي:
الأول: هو توحيد الغاية ويسمى أيضا توحيد الألوهية، وربما يطلق عليه أيضا توحيد العبادة، وتوحيد القصد والطلب، وتوحيد الشرع والقدر، وتوحيد الإرادة .
الثاني: هو توحيد الوسيلة، ويسمى توحيد الربوبية والأسماء والصفات أو يطلق عليه توحيد المعرفة والإثبات، أو توحيد العلم والخبر، وهذا النوع كما تقدم يمثل غاية المطلوب في توحيد الله عند كثير من الخلف أهل النظر والكلام وطائفة كبيرة من الصوفية ([38]) .
أما النوع الأول فسمي توحيد الغاية وتوحيد العبادة لقوله تعالى: } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ { (الذاريات/56)، فعبادة الله وحده لا شريك له هي الغاية التي خلق الناس من أجلها، وهي أول الدين وآخره وظاهره وباطنه وقد بينت الآية العلة في خلق العباد بلام التعليل في قوله إلا ليعبدون .
ولما جعل أهل الضلال من الجهمية وأصحاب الاعتزال غايتهم في التوحيد تدور حول إثبات الأسماء ونفي الصفات وكذلك الأشعرية من بعدهم الذين صنفوا التوحيد بقسمة عقلية مبنية على ما يجب للذات من الصفات والأفعال، وجعلوا ذلك غايتهم من التوحيد، كان رد الفعل الطبيعي عند الصادقين من الموحدين أتباع السلف أن يبنوا لجميع المسلمين الفرق بين توحيد الغاية وتوحيد الوسيلة، وأن توحيد الغاية هو توحيد العبادة الذي من أجله نزلت الكتب وبعثت الرسل .
أما التوحيد عند هؤلاء ففضلا عن كون تصنيفاتهم له تخالف النصوص القرآنية والنبوية إلا أنها وما يدور حولها من موضوعات لم تكن محلا للخلاف بين الرسل وأممهم لأن الله U أودع في نفوس البشر من الإقرار بعظمته في ذاته وصفاته وأفعاله وربوبيته لخلقه ما أقر به المشركون في الجاهلية، فقد كانوا يعلمون أن الله U خالقهم ورازقهم وأنه عظيم في ذاته لا يماثل شيئا من معبوداتهم التي يعظمونها .
فالنوع الأول هو توحيد الغاية أو توحيد العبادة، ويسمي أيضا توحيد الألوهية أو الإلهية كلاهما صحيح ذلك لأنه معنى قول العبد: لا إله إلا الله، فقد تقدم أن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة والخشية والإجلال والتعظيم وجميع أنواع العبادة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (توحيد العبادة هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، أن يقصد الله بالعبادة ويريده بذلك دون ما سواه وهذا هو الإسلام، فإن الإسلام يتضمن أصلين: أحدهما: الاستسلام لله، والثاني: أن يكون ذلك له سالما، فلا يشركه أحد في الإسلام له وهذا هو الاستسلام لله دون ما سوا) ([39]) .
ويسمي توحيد القصد والطلب لأنه يتعلق بنية المسلم ومطلبه في الحياة، فمن حديث عُمَر بْن الْخَطَّابِ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ e يَقُولُ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَي فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْ) ([40]) .
فالعبادة تتضمن الطلب والقصد والإرادة والمحبة، وهذا لا يتعلق بمعدوم فإن القلب يطلب موجودا فإذا لم يطلب ما فوق العالم طلب ما هو فيه ([41]) .
وهذا النوع من التوحيد يسمي أيضا توحيد الإرادة، فالإرادة في الأصل من راد يرود إذا سعي في طلب الشيء، وهي قوة مركبة في قلب الإنسان جعلت اسما لشروع النفس إلى الشيء مع الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أولا يفعل ([42]) .
والإرادة قريبة من القصد والنية والعزم على الفعل وكلها في من أعمال القلوب ومنطقة الكسب، كقوله تعالى: } مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَي لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا { (الإسراء/18) .
وقد سمي هذا التوحيد توحيد الإرادة لتوافق الإرادات، فالعبد إذا حققه توافقت إرادته مع الإرادة الشرعية الدينية والإرادة الكونية القدرية، فالمؤمن الذي كمل إيمانه تتوافق فيه الإرادات، والكافر تتخلف فيه إرادة الله الشرعية فقط، وهي إرادة بمعنى الأمر الشرعي الموجه إلى المكلفين كقوله تعالى: } يُرِيدُ اللهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ { (البقرة/185)، وكقوله: } مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ { (المائدة/6)، وتلك الإرادة قد تتخلف وقد يعصيها الإنسان أما إرادة الله الكونية القدرية فهي بمعنى الحكم المنتهي والقضاء المبرم والتقدير الواقع بأن يفعل أو لا يفعل، فمتي قيل: أراد الله كذا على المعنى الكوني فمعناه قضاه وقدره وحكم فيه أنه واقع، وهي بمعنى المشيئة وتسمى الإرادة الكونية، كقوله تعالى: } فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد ُ{ (البروج/16)، وكقوله أيضا: } قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا { (المائدة/17) .
سئل سهل بن عبد الله التستري (ت:293) عن قوله تعالى: } وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَي وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ { (البقرة/34)، لما أمر إبليس بالسجود أراد منه ذلك أم لا ؟ فقال: أراده ولم يرده ([43] ويقصد بذلك أنه سبحانه أراده شرعا، وإظهارا عليه إيجابا وتكليفا وهي إرادة الله الشرعية، ولم يرده منه وقوعا وكونا إذ لا يكون في ملكه إلا ما أراد الله تعالى، وهي الإرادة الكونية فلو أراد كونه لكان، ولو أراده فعلا لوقع لقوله سبحانه وتعالى: } إِنَّمَا أَمْرُه ُإِذَا أَرَاد شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون { (يس/82)،فلما لم يكن عُلِم أنه لم يرده، فقد كان الأمران معا، إرادته بالتكليف والتعبد، وإرادته ألا يسجد، فلم يقدر أن يمتنع من ألا يسجد كما لم يقدر من أن يمتنع أن يؤمن ([44]) .
وكما سمي هذا النوع بتوحيد الإرادة، فإنه يسمي أيضا توحيد الشرع والقدر، لأن عقيدة السلف وسط بين الجبرية والقدرية، فالمسلم يجب أن يسلم لله في تدبيره الشرعي وتدبيره الكوني معا كما سبق، فيعمل بشرعه ويؤمن بقدره لا انفكاك لأحدهما عن الآخر، ومعنى ذلك أن المسلم إذا وفقه الله إلى الطاعة واجتهد في أحكام العبودية وأدى توحيد الألوهية نسب الفضل في طاعته إلى ربه، وأنها كانت بمعونته وتوفيقه لما سبق في حكمه وقضائه وقدره ولا ينسب الفضل إلى نفسه أو يمن به على ربه، قال تعالى: } يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ { (الحجرات:17) .
فهذه أغلب الأسماء والمصطلحات التي تطلق على النوع الأول من التوحيد في كتب العقيدة .
أما النوع الثاني وهو المسمي توحيد الوسيلة، أو توحيد الربوبية والأسماء والصفات أو توحيد المعرفة والإثبات، أو توحيد العلم والخبر، فقد سمي توحيد الوسيلة لأن إثباته أو الإيمان به فقط لا يكفي لدخول الجنة، لأن الله U حدد الغاية من خلق الإنسان بقوله: } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ { (الذاريات/56)، فعبادة الله وحده لا شريك له وامتثال ما أمر به على ألسنة الرسل هي الطريق إلى الجنة والغاية التي خلق الناس من أجلها كما تقدم، وعند البخاري من حديث أبي هريرة t أن رسول الله e قال: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ أَبَي، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ يأبى ؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَي) ([45] فالحصول على الجنة سببه الطاعة والعبادة .
أما من يجعل غايته من التوحيد البحث عن وجود الله والتعرف على أوصافه بقوانين العقل أو الذوق، كما هو الحال عند الجهمية والصوفية وأحفادهم من المعتزلة والأشعرية والماتريدية أو حتى بالرجوع إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فهذا كله عند السلف وسيلة لتحقيق العبادة من خلال معرفة المعبود، فتوحيد العبادة يدل على توحيد الربوبية والأسماء والصفات بالتضمن، قال ابن القيم: (وأما توحيد الربوبية الذي أقر به المسلم والكافر وقرره أهل الكلام في كتبهم فلا يكفي وحده، بل هو الحجة عليهم كما بين ذلك سبحانه في كتابه الكريم في عدة مواضع، ولهذا كان حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)([46]) .
ويسمي النوع الثاني من التوحيد أيضا توحيد الربوبية والأسماء والصفات لأنه يدور حول إثبات الوحدانية في ربوبية الله U من خلال الأدلة النقلية والعقلية، وإثبات أنه سبحانه المنفرد بالخلق والتقدير والملك والتدبير، فلا خلق ولا رزق ولا عطاء ولا منع ولا قبض ولا بسط ولا موت ولا حياة ولا إضلال ولا هدي ولا سعادة ولا شقاوة إلا من بعد إذنه، وكل ذلك بمشيئته وتكوينه إذ لا مالك غيره، ولا مدبر سواه، فهذه حقيقة الربوبية ومعنى كونه رب العالمين ([47]) .
وكذلك فإن هذا النوع يدور أيضا حول الطريقة المثلى في معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله وحقيقة المنهج الصحيح الذي لم يتلوث بشيء من أفكار المخالفين وأدناس الشبهات التي تؤدي إلى هدم التوحيد في قلوب المسلمين ؟ وكيف أثبت السلف الصالح لربهم حقائق الأسماء والصفات ونفوا عنه مماثلة المخلوقات ؟
وكيف أن مذهبهم مذهب بين مذهبين وهدي بين ضلالتين، خرج من بين مذاهب المعطلين والمخيلين والمجهلين والمشبهين، كما خرج اللبن من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ؟ وكيف وضعوا ضابطا يحكم منهجهم ويبين عقيدتهم في الأسماء والصفات عندما قالوا بإثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله e من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ؟ وعندما قالوا: لا نعطل ولا نؤول ولا نمثل ولا نجهل، ولا نقول: ليس لله يدان ولا وجه ولا سمع ولا بصر ولا حياة ولا قدرة ولا استوي على عرشه، ولا نقول: له يدان كأيدي المخلوق ووجه كوجوههم، وسمع وبصر وحياة وقدرة واستواء كأسماعهم وأبصارهم وقدرتهم واستوائهم، بل قالوا: له ذات حقيقية ليست كسائر الذوات وله صفات حقيقية ليست كسائر الصفات، وليست دربا من المجازات أو نوعا من التخيلات، وكذلك قولهم في وجهه تبارك وتعالى ويديه وسمعه وبصره وكلامه واستوائه، ولم يمنعهم ذلك أن يفهموا المراد من تلك الصفات وحقائقها ([48] هذا مع التعرف على فقه الأسماء الحسنى وفهم دلالتها مطابقة وتضمنا والتزاما، ودعاء الله بها، دعاء مسألة ودعاء عبادة، وتأثير ذلك في سلوك المسلم واعتقاده .
وهذا النوع يسمي أيضا توحيد العلم والخبر لأن تحصيل العلم به ورد فيما أخبرنا الله به في كتابه وسنة رسوله e، فغاية ما للعقل من جهد محدود في هذا الباب إثبات الخالق ووصفه بأوصاف العظمة، سواء بالنظر إلى الأسباب في الآفاق أو بالنظر إلى النفس وتركيبة الإنسان كما قال سبحانه: } سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ { (فصلت/53) .
أما لو ترك الإنسان لعقله العنان في وصف المعبود فسوف يضع الأقيسة والقواعد والقيود وسوف يتجاوز الحدود لا محالة في حكمه على ذات الله تعالى أو حكمه على صفاته وأفعاله، كما فعل أصحاب المدارس العقلية المنتهجين لفكر الجهمية، وقد كانت النتيجة الحتمية أن وقعوا بجهلهم في الزيغ والضلال ووصفوا الله بالعجز والمحال.
وتوحيد العلم والخبر يسمي أيضا توحيد المعرفة والإثبات لأن المسلم مطالب بمعرفته وإثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته رسوله e، فالتوحيد بغير إثبات الصفات هو في حقيقته نقص ومذمة كما هو الحال في الأصل الأول من أصول المعتزلة ([49] فالمتوحد المنفرد عن غيره لا بد أن ينفرد بصفة يتميز بها ولا يشاركه فيها أحد سواه، أما الذي لا يتميز بشيء عن غيره ولا يوصف بوصف يلفت الأنظار إليه، فهذا لا يكون منفردا ولا متوحدا ولا متميزا، فالله وله المثل الأعلى أثبت لنفسه أوصاف الكمال التي انفرد بها دون غيره، ونفي عن نفسه أوصاف النقص ليثبت توحده في ذاته وصفاته وأفعاله وهذا منهج القرآن، فبعد أن بدأ سبحانه بالتوحيد أولا في قوله U} لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ { (الشورى: 11)، اتبع ذلك بإثبات الصفات العليا التي تليق به فقال: } وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { (الشورى: 11)، فالتوحيد يستلزم إثبات الصفات وهذا هو المناسب للفطرة السليمة والعقول المستقيمة، ومن أجل هذا سمي هذا النوع من التوحيد بتوحيد المعرفة والإثبات.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
منقول من كتاب : أصول العقيدة في توحيد الأسماء والصفات وعقيدة السلف الصالح في الغيبيات للدكتور محمود عبد الرازق الرضواني أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة الملك خالد بالسعودية سابقاً وعميد دار العقيدة المصرية للتعليم عن بعد





(1) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، 1/109، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، نشر دار الكتاب العربي بيروت 2/402، وقارن: ما ورد في العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية رواية محمد الصالح رمضان عبد الحميد ابن باديس، 1995م، الشارقة، دار الفتح، ص65، وانظر أيضا التعريفات لعلى بن محمد بن على الجرجاني 1405هـ، تحقيق إبراهيم الإبياري، بيروت دار الكتاب العربي ص96 .

(2) البخاري في الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة 2/529 (1389) .

(3) حقق ونشر بعنوان: العقيدة رواية أبي بكر الخلال، تحقيق عبد العزيز عز الدين السيروان، نشر دار قتيبة دمشق سنة 1408هـ .

(4) انظر بتصرف: اجتماع الجيوش الإسلامية علي غزو المعطلة والجهمية لابن قيم الجوزية ص74 .

(5) شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد 4/281،394 .

(6) كشف الظنون لحاجي خليفة 1/69، 2/1151، 2/1859.

(7) أصول السنة، نشر دار المنار، من ص14: ص 17، السعودية الخرج سنة 1411هـ .

(8) صريح السنة ص18، تحقيق بدر يوسف المعتوق، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي الكويت 1405هـ .

(9) انظر بتصرف كتاب شرح السنة لأبي محمد البربهاري، ص 21، تحقيق د. محمد سعيد سالم القحطاني، نشر دار ابن القيم، الدمام 1408هـ .

(10) كشف الظنون 1/448، 2/1401.

(11) انظر التعريفات للجرجاني ص45، والمبدع في شرح المقنع 4/158، لأبي إسحاق بن مفلح الحنبلي، نشر المكتب الإسلامي، بيروت 1400هـ .

(12) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون 12/200.

(13) الغنية، تحقيق عماد الدين أحمد حيدر ص39 .

(14) أصول الدين تحقيق عمر وفيق الداعوق ص60، ص81 .

(15) حديث صحيح رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلميt أنه قال: (وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله S، فعظم ذلك علي، قلت:يا رسول الله أفلا أعتقها ؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال لها: أين الله ؟ قالت:في السماء، قال: من أنا ؟ قالت:أنت رسول الله، قال: اعتقها فإنها مؤمنة) مسلم في المساجد 1/381 (537) .

(16) كشف الظنون 1/61 .

(17) معجم البلدان 2/193، لأبي عبد الله ياقوت الحموي نشر دار الفكر بيروت.

(18) انظر تلبيس إبليس لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ص102، وقواعد العقائد لأبي حامد الغزالي ص85، وتحريم النظر في كتب الكلام لابن قدامة ص41 .

(19) انظر كشف الظنون 1/728 .

(20) انظر ميزان الاعتدال في نقد الرجال 6/40، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي نشر دار الكتب العلمية بيروت سنة 1995، وكشف الظنون 2/1160 .

(21) أبجد العلوم الوشى المرقوم في بيان أحوال العلوم تحقيق عبد الجبار 2/440 .

(22) تقدم تخريجه ص10 .

(23) البخاري في الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة 2/529 (1389) .

(24) مسلم في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله 1/53 (23) .

(25) البخاري في بدء الوحي،باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله S 1/7 (7) .

(26) دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية تحقيق الدكتور محمد السيد الجليند 2/364 .

(27) انظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 1/459 بتصرف .

(28) كتاب المواقف لعضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة، 3/306، نشر دار الجيل بيروت سنة 1997م .

(29) وانظر لمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة ص 99، لعبد الملك بن عبد الله بن يوسف، تحقيق د. فوقية حسين نشر عالم الكتب بيروت 1987م، وانظر أيضا الغنية في أصول الدين ص 67، لأبي سعيد عبد الرحمن بن محمد، تحقيق عماد الدين أحمد حيدر نشر مؤسسة الخدمات والأبحاث الثقافية بيروت سنة 1987م .

(30) انظر شرح العقيدة الطحاوية، نشر المكتب الإسلامي بيروت 1391ه ص 87 .

(31) السابق ص 87 .

(32) انظر السابق ص 77 .

(33) منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية 3/288 بتصرف، وانظر أيضا تحقيق هذه المسألة في مجموع الفتاوى لابن تيمية 1/136 3/100، 2/11.

(34) فصوص الحكم لابن عربي شرح عبد الرزاق الكاشاني ص 92 .

(35) السابق ص 143.

(36) انظر المزيد عن عقيدة الصوفية في وحدة الوجود: ابن تيمية وفلاسفة التصوف للدكتور محمد سليمان داود، وابن الفارض والحب الإلهي للدكتور محمد مصطفي حلمي وانظر أيضا مصطلحات ابن عربي وأصحاب وحدة الوجود في المعجم الصوفي للدكتور محمود عبد الرازق الرضواني، تحت الطبع .

(37) انظر المزيد عن توحيد الفلاسفة: الرسالة العرشية لابن سينا ص 10: 12، وانظر تهافت الفلاسفة لأبي حامد الغزالي ص 37، 38، نشر دار المعارف القاهرة سنة 1972م، والتعليقات ص 20 وهي رسالة من رسائل الفارابي ضمن أحد عشر رسالة، طبعة دار المعارف العثمانية، حيدر أباد الهند سنة 1926م .

(38) للتعرف علي أنواع التوحيد عند السلف، والأسماء التي قد يرد بها كل نوع، انظر اجتماع الجيوش الإسلامية 1/43، ومنهاج السنة النبوية 3/289، واقتضاء الصراط المستقيم لا بن تيمية 1/465، وله أيضا مجموع الفتاوى 3/89، 14/380، ومدارج السالكين 3/449، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص 88 .

(39) الفتاوى الكبرى 5/250 .

(40) البخاري في كتاب بدء الوحي 1/1 (45) .

(41) انظر بتصرف الفتاوى الكبرى لا بن تيمية نشر دار الكتب العلمية 2/298 .

(42) المفردات ص206، 207، ولسان العرب1/362 .

(43) قوت القلوب لأبي طالب المكى1/ 128 .

(44) السابق 1/128.

(45) أخرجه البخاري في الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله S6/ 2655 (6851) .

(46) إغاثة اللهفان 1/30 .

(47) شفاء العليل 1/44 بتصرف .

(48) الصواعق المرسلة 2/426 بتصرف .

(49) الأصول الخمسة عند المعتزلة هي التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلها شعارات تستتر تحتها أنواع من الضلالات والشبهات هي أقرب عند التحقيق إلي الكبائر والشركيات انظر التنبيه والرد علي أهل الأهواء والبدع ص38، لأبي الحسين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المالطي الشافعي تحقيق محمد زاهد بن الحسن الكوثري، نشر المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة سنة 1977م .


عمر محمد غير متواجد حالياً  
قديم 09-08-2012, 07:46 PM   #2
سمير المصرى

مؤسس شبكة الكعبة والمشرف العام

 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 4,570
معدل تقييم المستوى: 10
سمير المصرى is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس في العقيدة الإسلامية 6

جزاك الله خيرا
فى انتظار الجديد منك
تم وضعك فى قائمة المرشحين للاشراف
__________________
أكبر موقع لتلاوات القرأن الكريم شاركوها لتشاركوا الثواب
أكثر من 100 ألف تلاوة
https://bit.ly/2YoKF1P
اتلاوات الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
https://bit.ly/3dKub8s
تلاوات الشيخ محمد صديق المنشاوى
https://bit.ly/2CES9Vw
تلاوات الشيخ الحصرى
https://bit.ly/3eEgiK7
تلاوات الشيخ محمود على البنا
https://bit.ly/3g4vCA1
تلاوات الشيخ مصطفى اسماعيل
https://bit.ly/2CMrfv8
تلاوات الشيخ محمد رفعت
https://bit.ly/31mPZV2
تلاوات الشيخ الطبلاوى
https://bit.ly/2Nz6JQD
تلاوات الشيخ ماهر المعيقلى
https://bit.ly/2A8k5jM
تلاوات الشسيخ السديس
https://bit.ly/2Ze29ge
تلاوات الشيخ الشريم
https://bit.ly/31l8dWL
تلاوات الشيخ هزاع البلوشى
https://bit.ly/2NxZnwG
تلاوات الشيخ أحمد العجمى
https://bit.ly/3ihVlHc
تلاوات الشيخ حجاج الهنداوى
https://bit.ly/31hRJ1M
باقى القراء ستجد مئات القراء والاف التلاوات
https://bit.ly/31z1cSD
سمير المصرى غير متواجد حالياً  
قديم 09-24-2015, 08:51 PM   #3
ابو نضال
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 2,255
معدل تقييم المستوى: 11
ابو نضال is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس في العقيدة الإسلامية 6



بسم الله الرحمن الرحيم


بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد




وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله


ابو نضال غير متواجد حالياً  
إضافة رد

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دروس في العقيدة الإسلامية 1 عمر محمد منتدى العقيدة الإسلامية 8 09-24-2015 10:48 PM
دروس في العقيدة الإسلامية 2 عمر محمد منتدى العقيدة الإسلامية 1 09-24-2015 10:40 PM
دروس في العقيدة الإسلامية 9 عمر محمد منتدى العقيدة الإسلامية 3 09-24-2015 08:39 PM
دروس في العقيدة الإسلامية 10 عمر محمد منتدى العقيدة الإسلامية 2 09-24-2015 08:36 PM
دروس في العقيدة الإسلامية 11 عمر محمد منتدى العقيدة الإسلامية 1 09-24-2015 08:31 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية
جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة الكعبة الإسلامية © 2018