تسجيل الدخول

قديم 02-02-2014, 05:08 PM   #1
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
Thumbs up سورة النساء.




الثلث الأولى من سورة النساء حديث عن الأسرة وقضاياها، والأسرة هى المجتمع الصغير، والثلثان الباقيان حديث عن الأمة وشئونها، والأمة هى المجتمع الكبير ، فمحور السورة كلها العلاقات الاجتماعية وضرورة إحكامها وتسديدها. وبدأ التنبيه إلى ذلك من مطلع السورة " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء.. " . إن الناس - وإن بدا بعضهم غريبا عن بعض - هم أقارب فى الحقيقة، إن أبا واحدا ينميهم، ورحما مشتركة تحملهم.. وعلى كل إنسان أن يذكر هذه القرابة فيصل الرحم الماسة، ويصل الرحم البعيد، وصلة الأرحام من شعائر الإسلام، وإن كان المأنوس بين الناس أن الرحم لا تعنى إلا الأقربين من دين وإخوة! ويجب أن تكون دائرة الإنسانية أوسع، وأن يتم التعاون بين أجناسها وألوانها... والآية الأولى تعتمد فى هذا النصح على التخويف من الله الخالق القادر، وعل رقابته الشاملة المستوعبة، غير أننا لاحظنا فى هذه السورة عديدا من آيات التأميل فى الله ونشدان رحمته مثل " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم.. " ، " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " ، " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "، " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب"، " يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما * يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا.. " . إن الله لا يريد إثقال كواهل العباد بعبادات تشق عليهم، وما يؤدونه من قربات هو تعب
ص _048
يتبع...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-2014, 05:09 PM   #2
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

المتعلم فى تحصيل المعرفة، والمتربى فى إحراز الكمال، وهو تعب محتمل مثمر... وبين الخوف من الرقيب القادر، والأمل فى الرحمن الغفور يحيا المؤمنون، ويستعدون للقاء الحتم، طال الأجل أو قصر..! والقسم الذى يتحدث عن تعاليم الأسرة من هذه السورة، بدأ بالكلام عن حقوق اليتامى لأن المسلمين أمة جهاد ضد عدو لا تنتهى غاراته، فلا عجب إذا كثر القتلى وكثر الأيتام. وفى عصرنا هذا نرى الأيتام غرضا لعصابات التبشير ولصوص العقائد، ومن هنا وجب أن يهتم المسلمون بيتاماهم، ويصونوا حقوقهم.. وفى أثناء الكلام عن اليتامى عرض حديث الزواج!! فأبيح مفردا ومتعددا... والإسلام فى هذا لا يشذ عن سنن الأديان التى سبقت، فلا يوجد دين حرم التعدد بأمر من الله.. وعندما أنظر إلى واقع الناس فى عصرنا، أرى الأوروبيين والأمريكيين أسوأ الناس صلة بالنساء، فالتعدد الحرام شائع بينهم، ويستطيع أى وغد أن يتصل بعشرات النساء.. والمباح عندنا له دائرته المرسومة، فإن الإسلام أمر الأعزب بالصيام إذا كان لا يقدر على تكاليف الزواج، فكيف يبيح لمتزوج بواحدة أن يطلب أخرى لا يستطيع إعاشتها، وإن استطاع لم يستطع العدل معها؟. على أن الزواج عندنا لا يتم بالإكراه، وتستطيع أى كارهة للتعدد أن ترفضه! ذلك، ومن خشيت من زوجها التعدد تستطيع فى صلب العقد أن تشترط ألا تكون لها ضرة، وعلى الزوج كما قال أحمد أن يلتزم، ويوفى بالشرط وإلا طلقت! وذكرت السورة بعدئذ أحكام المواريث، فجعلت للمرأة نصيبا فى كل تركة، وكانت من قبل محرومة، وندبت إلى إعطاء المساكين والضعاف حظا منها، وأباحت للرجل أن يوصى بما شاء من ماله - فى حدود الثلث - كما بينت السنة!! ومعروف أن الإسلام جعل - فى كثير من الصور - نصيب الرجل ضعف نصيب المرأة، وذلك لأن الرجل فى الإسلام مكلف بأعباء أكثر، فهو دافع المهر، وهو ملزم بالنفقة على بيته. ولا تكلف المرأة بالتكسب ما دام لها قريب غنى، وإلا فبيت المال مسئول عنها..
وذلك حتى لا تتعرض النساء لضياع الأعراض والابتذال كما يقع فى الغرب.. الذى يتشدق بأنه نصير المرأة..! ولست بهذا الكلام أدافع عن نفر من المسلمين فارغى القلوب والعقول، يحتقرون الأنوثة،

ص _049
ويهينون الزوجة والأخت والبنت ويتقربون بحبسها وتجهيلها والاستطالة عليها... وفى السنة عن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله " وعن ابن عباس قال رسول الله.. "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى". والمؤسف أن عددا من المتدينين يبنى تقواه على الإغلاظ للمرأة وإساءة عشرتها وانتقاص مكانتها، حتى كره النساء فى العالم كله الإسلام، وخافوا من سيطرته على المجتمع مع هذا الفهم الفاسد.. كانت المرأة قديما مهدرة الشخصية مستباحة الحقوق، وكانت إذا مات زوجها جاء أقرب الناس إليه، فوضع يده عليها، كأنها بعض المتاع الذى يورث.. وتصرف الجاهليين شبيه بما يفعل اليهود، إذا مات الزوج ولم ينجب، وجب على أخيه أن يتزوج أرملته وأن ينجب منها ولذا ينسبه إلى الأخ الميت!! ولا أدرى كيف يقع هذا؟ زواج بالإكراه! ونسب مفتعل. وما أحسب ذلك تشريعا سماويا، إنه من أكاذيب اليهود، وقد قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها.. " . ثم قال : "ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة" . والمقصود بالعضل إساءة العشرة حتى يتحول البيت إلى سجن تحاول المرأة الخروج منه ولو برد المهر الذى أخذته من قبل!! وقد أمر الرجال بالمسلك الأشرف فقال سبحانه: "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا" . ورفض الإسلام إذا أراد الرجل الفراق أن يساوم امرأته لتنزل عن المهر الذى أخذته مهما كان الذى ساقه كبيرا. لقد صار مهرها ملكا خاصا بها ولو كان قنطارا. ومن كره زوجته ورأى التزوج بأخرى فليغرم من جيبه ما يشاء، ولا يحاول أن يسترد شيئا من
زوجته الأولى " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا" . ونلحظ أنه - قبل الحديث عن حسن العشرة - ذكرت جريمتان من الجرائم الاجتماعية السيئة :

ص _050
يتبع...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-2014, 05:09 PM   #3
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

الأولى السحاق، والأخرى اللواط، ومحاربة الجريمتين حماية حقيقية للأسرة، وحراسة لجوها الطاهر، فمن الخطأ حسبان الكلام مقحما على السياق. فى الأولى يقول الله سبحانه : " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا " . وفى اللواطيين يقول تعالى : " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما... " . ومن نسيان الغرب لله ولقائه، وللدين ووصاياه، أنه استهان بهذه الجرائم، كما استهان بأشد منها فكان ما نسمع به من فشو " الإيدز " والأمراض التناسلية الأخرى. والواقع أن حضارة الغرب منخورة الكيان، وما تبقى إلا لغياب الوارث الذى يحل محلها، أعنى غياب المسلمين الذين نسوا دينهم..!! ولكى تنجح الأسرة فى أداء رسالتها يجب أن تهذب الطباع، وتختفى الأثرة، ويتمرن كل طرف على الإحسان والتعاون مع الطرف الآخر. اتصلت بى إحدى الزوجات تشكو رجلها، وشعرت من لهجتها أنها موجعة حقا، وأنها تؤثر فراقه لولا ظروف قاهرة!! فأوصيتها بالصبر كما صبرت امرأة فرعون على عتوه! وقبلت على مضض.. قلت: عندما تكون لهذا الرجل أخت متزوجة من رجل عادى فعاملته على أنها قيصرة، أو فرعونة - إن صح التعبير - فما العمل؟ الداهية الأكبر أن تكون ذات برود جنسى، إن جو الأسرة سيكون نكدا... أباح الإسلام العقوبة فى هذه الحال، وتتدرج من الوعظ إلى المقاطعة إلى الضرب، واشتراط ألا يكون الضرب مبرحا وأن يتجنب الوجه! ولم أر فى السنة سببا للعقوبة الأخيرة إلا أن تنشز المرأة وتأبى الإجابة إلى الفراش، أو تأذن فى البيت لغريب مريب!! وكلا الأمرين خطير كما ترى.. وقبل هذه التعليمات العائلية تعرضت الآيات لعدم أكل أموال الناس بالباطل، كما تعرضت لضرورة الرضا بالواقع وعدم التطلع إلى الآخرين. ثم اتجه الحديث عاما إلى الناس كلهم يقول: " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين.... " .
ص _051
وهذا توجيه يشمل المجتمع كله، وإن عنى الأسرة أولا، ثم اطرد الحديث عن النفقة، فلا بخل ولا تبذير، ولكن الأمر الإلهى كشف فريقين من الناس متناقضين: أولهما البخلاء والآخر المسرفون المراؤون.. وقد يكون الكلام عن فريق واحد يبخل فى مجال ويأمر غيره بالبخل، ويسرف فى مجال آخر للرياء والسمعة، وكان الأولى أن يتصرف فى المال وفق إرادة من رزقه، فيكون مسلكه قصدا " وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما" . وبقى الكلام قليلا يعنى الأمة فى حاضرها ومستقبلها، ثم تحول إلى مجرى آخر مخالف لما سبقه فشرع يشرح أحوال الطوائف التى يتكون منها المجتمع العربى أيام البعثة، وحقيقة كل فرقة وما يجب بإزائها. والغريب أن هذه الطوائف هى التى تواجهها أمتنا اليوم!! كان المسلمون شداد الحرص على تألف اليهود، والاعتراف بأنهم أصحاب الوحى الأول، وكانوا يرتقبون منهم الانحياز إلى جانبهم، إذا وقع بينهم وبين الوثنية صراع. بيد أن اليهود كانوا عند أسوأ الظن، فما بالوا بعهد ولا بجوار، وقدموا إلى الإسلام كل ما يستطيعون من إساءة..!! وفى التعجيب والاستنكار لما فعلوا يقول الله لنبيه: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل * والله أعلم بأعدائكم.. ". والتعبير بأن ما لديهم نصيب من الكتاب إشارة إلى أنهم أضاعوا كثيرا من الوحى الذى نزل إليهم، والواقع أن فقدان كتابهم لتواتر الحفظة سمح بضياع بعضه واضطراب البعض الآخر. والجزء الذى بقى بين أيديهم لم يحسنوا العمل به، وهم إلى اليوم من وراء انتشار الربا والزنا فى العالم أجمع. والتدين الفاسد قد يكون أضرى من فراغ القلب، وغفلته، وذاك سر ما ورد من أن النار أسرع إلى فسقة القراء منها إلى عبدة الأوثان..! والشر الكامن فى أفئدة اليهود من وراء اشترائهم للضلال واجتذابهم للآثام، ورغبتهم
ص _052
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-2014, 05:10 PM   #4
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

الغريبة فى أن يروا المسلمين وقد نسوا القرآن وعادوا إلى عبادة الأوثان. أى إخلاص للحقيقة فى هذا المسلك المظلم؟. وقد وعد الله المسلمين أن يؤازرهم فى هذه المعركة التى فرضت عليهم وسيكون وليهم وناصرهم! " وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا " . لكن هذه الولاية والنصرة لا ينالهما القاعدون، بل يستحيل أن يظفر بهما من فرط فى الدفاع عن نفسه، وتهاون فى رسم الخطط وإحكام الحصون..! قال صاحب المنار: " إن الله العظيم الحكيم لا يحابى فى سننه المطردة فى نظام خلقه مسلما ولا يهوديا ولا نصرانيا، لأجل اسمه ولقبه، أو لانتسابه بالاسم إلى أصفيائه من خلقه، بل كانت سننه حاكمة على أولئك الأصفياء أنفسهم، حتى إن خاتم النبيين صلى الله عليم وسلم قد شج رأسه وكثر سنه، وردى فى الحفرة يوم أحد لتقصير عسكره فيما يجب من نظام الحرب.. ! فإلى متى أيها المسلمون هذا الغرور بالانتماء إلى هذا الدين وأنتم لا تقيمون كتابه ولا تهتدون به، ولا تعتبرون بما فيه من النذر؟. ألا ترون كيف عادت الكرة إلى تلك الأمم عليكم، بعد ما تركوا الغرور، واعتصموا بالعلم والعمل، وبما جرى عليه نظام الاجتماع من الأسباب والسنن، حتى ملكت دول الأجانب أكثر بلادكم، وقام اليهود الآن ليجهزوا على الباقى لكم، ويستردوا البلاد المقدسة من أيديكم، ويقيموا فيها ملكهم؟؟. فاهتدوا بكتاب الله الحكيم وبسنته فى الأمم، واتركوا وساوس الدجالين الذين يبثون فيكم نزغات الشرك، فيصرفونكم عن قواكم العقلية والاجتماعية، وعن الاهتداء بكلام ربكم إلى الاتكال على الأموات، والاستمساك بحبل الخرافات. ويشغلونكم عن دينكم ودنياكم بما لم ينزله الله تعالى عليكم من الأوراد والصلوات، وما غرضهم بذلك إلا سلب أموالكم، وحفظ جاههم الباطل فيكم..... أفيقوا أفيقوا، تنبهوا تنبهوا، واعلموا أن الله لم يظلم ولا يظلم أحد فتيلا، فما زال ملككم، ولا ذهب عزكم إلا بترك هداية ربكم واتباع هؤلاء الدجالين منكم! ". والشيخ صادق، وإن جدت أمراض غير ما ذكر هى أنكى وأقسى!!
ص _053
ثم شرح القرآن الكريم ما صنع اليهود بدينهم ـ حتى نحذر الوقوع فى مثله ـ فقال: "من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه.. " . وتحريفهم له صور شتى: أولها الميل بالكلام عن معناه الظاهر اتباعا للهوى وكراهية للمعنى القريب ولدى القوم بشارات برسول قادم، وهم يصرفونها عن المقصود بها إلى ما يرغبون حتى لا يصدقوا محمدا، أو يشهدوا له.. ومن التحريف الزيادة على النص الوارد لأنها ضميمة غريبة إلى الوحى النازل لا علاقة له بها. وقد أحصى الشيخ رحمة الله الهندى فى كتابه "إظهار الحق " مائة شاهد على هذا التحريف المتعمد، وقعت فى الكتاب المقدس " ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " . وكتاب إظهار الحق أكمل ما كتب فى هذا الموضوع. ومن تعنت اليهود وسوء أدبهم قولهم للرسول: " سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين " . وقد هددهم الله بأنهم إذا بقوا على عنادهم بطش بهم، فقال " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا " وقد ظل اليهود على عنادهم فمحا الله آثارهم من الحجاز، وطمس وجودهم به... وقد عادوا الآن مرة أخرى بعد ما انفرط عقد المسلمين واستهانوا بمواريثهم، والمستقبل لأهدى الفريقين وأنشطهما فى نصرة الله ورسوله، ولعلنا نعود إلى الله فيعيد لنا عزنا القديم! ثم قال تعالى: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن
يشاء". الشرك نوعان: الأول أن تحسب للعالم خالقين أو رازقين أو مدبرين.. أو أكثر. والثانى أن تلجأ لغير الله فى التشريع والتحليل والتحريم، والدعاء والنذر والتوكل.. الخ. واليهود لم يكونوا مشركين بالمعنى الأول، وإنما إشراكهم، وإشراك أشباههم يجىء من
ص _054
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-2014, 05:10 PM   #5
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

تحكيم غير الله والاستمداد منه، وكلا النوعين جرم لا يغتفر، لأنه فساد عميق بالنفس الإنسانية. ومع الحضارة الحديثة ظهر نوع أوغل فى الفساد والإلحاد، وهو جحد الألوهية أصلا، وعبادة الهوى، ونسيان الرب وتعاليمه نسيانا مطلقا... والإسلام فى هذا العصر يقاوم فنونا من الجحود، والتعطيل، والتثليث، والتشبيه، والحكم بغير ما أنزل الله، والجراءة على أصول الشريعة وفروعها. وعلى رجاله أن يقدروا ثقل هذه التبعات، وأن يضيئوا دروب الأرض بما فى أيديهم من نور، ولا يكونوا كاليهود الذين زعموا أنهم شعب الله المختار، ثم لم ير الناس منهم خيرا يذكر ولا صنيعا يشكر. حتى قال فيهم "هتلر": إنهم كالطفيليات تسكن البدن فتسرق غذاءه وتمنع نماءه، ولا عافية له إلا له إلا بالخلاص منها... وبلغ السعار اليهودى الحضيض عندما سئل رؤساء إسرائيل أى الفريقين أولى بالنصر وأدنى إلى الحق؟ فكان ردهم الوثنية أفضل من الإسلام، وحماة الجاهلية خير من أصحاب محمد..!! إن الدين عند بنى إسرائيل ليس عدالة ولا سماحة ولا خشية! إنه كل ما يذكى الصلف الجنسى عند القوم، ويشبع أثرتهم وغرورهم. وقد كرهوا العرب ولا يزالون، لأنهم الأمة التى اصطفاها القدر لحمل أمانات الوحى، بعد ما عبث الإسرائيليون بالوحى، وناءوا بتكاليفه. وأولاد يعقوب جزء محدود من آل إبراهيم، فلماذا يريدون احتكار نعمة الله على إبراهيم وآله فيظفروا بها وحدهم ولا يكون لأولاد إسماعيل نصيب منها؟. ولماذا ينقمون على أبناء عمومتهم ما نالهم من فضل الله، ويمالئون عباد الأصنام عليهم؟؟ "أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا * أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا" . والآية تشير إلى بخل اليهود المعروف، فلو أنهم ملكوا خزائن ربك ما تسرب منها عطاء لمحتاج ولا فضل على كفء، وقد حسدوا العرب على ما نالوا من خير، فما دخلهم فى هذا وما اعتراضهم؟.
ص _055
" أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما" . واليهود - لشدة غضبهم من انتقال الوحى إلى العرب - يتوارثون تكذيب محمد ومخاصمة قومه،وقد جاءوا بعد أربعة عشر قرنا إلى فلسطين يبغون استعادة مجدهم القديم، منتهزين فرصة أن العرب فرطوا فى مواريث الإسلام، وتخلفوا فى مضمار الحياة، وغلب عليهم اللهو واللعب.. وسمع أهل العصر صياحهم وهم يدخلون القدس هاتفين: يا لثارات خيبر! محمد مات وترك بنات! فهل نخجل من خطايانا ونعود إلى ديننا حتى يقال: محمد عاد، ومعه آساد؟؟. واسترسل السياق يلوم اليهود على شهادتهم للوثنيين، إن الشهادة أمانة، وأداؤها إلى أهلها دين، ولا ذرة من الإنصاف فى تفضيل الوثنية على الإسلام، لذلك قال تعالى: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به.. " . وللأمانة معان كثيرة مادية ومعنوية، تدور كلها على صون حقوق الله وحقوق الناس، فى سائر الأعمال والأحوال، ولا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له... بعد ما قص القرآن من أخبار اليهود، شرع يحكى أخبار طائفة ثانية كان لها خطر كبير على الإسلام وأهله، هى طائفة المنافقين الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الإيمان، حتى كشفتهم أعمالهم وفضحت سرائرهم... وبدأ الحديث عند قوله تعالى: " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا.. ". والتعبير بزعموا إشارة إلى كذب دعواهم، والطاغوت ما يحتكم إليه دون الله من إنس وجن وجماد..! ومقتضى الإيمان الكفر بالطواغيت، والبعد عما توسوس به، قال تعالى :
ص _056
يتبع...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-2014, 05:10 PM   #6
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

" الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات.. " . . وقال في هذه السورة: " الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت.. " . ووصف الطاغوت مطرد في كل ما يبعد عن الله ويصد عن سبيله ويخاصم شريعته، والمنافقون هنا يسمعون نصح المؤمنين لهم باتباع الله ورسوله، ولكنهم يمضون في طريقهم، وكلما خطوا خطوة ملكهم العناد والضلالى فإذا هم يقطعون مسافات بعيدة في الطريق الجائر، فلا يكاد صوت الناصح يصل إليهم، "أولئك ينادون من مكان بعيد " . وقد يكون المنافق قريبا منك ببدنه، ولكنه بعيد عنك بقلب غففته الأهواء، فهو لايعى ما يقال ولا يتأثر به " وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا! " . وفي سورة أخرى " وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون " . ولكل كافر صريح أو منافق وجهة نظر يستمسك بها ويجادل عنها. وليس من الضرورى أن يكون تاركا للحق بعد ما تبين له. إن كثيرا من المبطلين يعتقد أنه محق!! " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا " . بيد أنهم لا يبفون طويلا حتى يحصدوا المرمما غرسوا. وللمسالك السوء نتائجها القريبة والبعيدة، وعندما تتكشف يجىء هؤلاء محاولين الاعتذار "فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا" . والمتعصبون في عصرنا للقوانين الوضعية يدافعون عنها، ويحسبون أنهم على شىء، وعندما تسود الفتن البلاد وتكثر الجرائم، عندئذ قد يفكرون ويتراجعون ويعتذرون "أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ".
ص _057
وهناك موضعان ينكشف فيهما النفاق، ويبدو وجهه الدميم: الأول كراهية الحكم بما أنزل الله، والآخر كراهية الدفاع عن الحق والقتال فى سبيل الله!! والمنافقون عموما يضيقون بأنواع الطاعات من صلاة وصدقة، وربما استطاعوا الاستخفاء بهذا الضيق، أو كابروا فيه، لكنهم أمام الحكم بما أنزل الله والجهاد فى سبيله تنكشف بواطنهم ويفتضحون! والرسل تجيء من عند الله بمناهج كاملة للحياة الرشيدة، وأتباع الرسول - انطلاقا من الإيمان والسمع والطاعة - ينفذون ويستقيمون على الطريق، وليس أمامهم إلا هذا المسلك، ولذلك قال تعالى : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " . وليس فى تعاليم الدين ما يحرج النفوس، ولكن العجزة وذوى العزائم الخائرة يستثقلون الجهاد وصنوف الطاعات، وكان خيرا لهم لو نشطوا وصدقوا ومضت سورة النساء تشرح خلائق المنافقين فى سياق مطرد، وإن شاب هذا الشرح وصف لطائفة أخرى يكثر وجودها فى المجتمعات، وتحتاج إلى معالجة متأنية حكيمة، هذه هى طائفة ضعفاء الإيمان!! والصلة موجودة بين المرضى والموتى، بين إيمان مفقود، وإيمان معتل يمكن أن يضيع. إذا لم تتم مداواته. ولهذا الإيمان المريض صور.. فالصورة الأولى تتضح معالمها فى قوله تعالى : " وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا * ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما". هذا رجل تحركه مآربه، وتقترن آماله بمصالحه الخاصة لا بمسيرة الدين ومستقبله.. إن قلبه مشوب يتأرجح بين الإخلاص والأثرة..!! ومثله رجل آخر يصلى ويصوم ويترك المعاصى.. حتى إذا بلغته فريضة الجهاد جرع واضطرب، وطلب مهلة " ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية".
والسورة تعالج ضعفاء الإيمان فى أماكن شتى، ومن رحمة الله ألا يترك هؤلاء صرعى وساوسهم، حتى يفقدوا دينهم.
ص _058
يتبع...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-2014, 05:11 PM   #7
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

لقد قال للصنف الأول: لا تكن عبد رغبة ورهبة تشدك مصلحتك الشخصية وحدها إلى الإقدام أو الإحجام!. ما معنى أن تحزن لما فاتك من غنيمة عند النصر، أو تفرح لنجاتك عند الهزيمة!! هذه دناءة لا تليق بمؤمن. تجرد لله وأقبل على المعركة لرفع كلمته و حدها "فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما.. " الخ . وقال للصنف الثانى: إن الآجال محددة المواقيت " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا " . ومع طول الأجل قد تسقط من الطائرة فتمشى على الأرض بقدميك. ومع قصر الأجل قد تموت حتف أنفك فيمسك قلبك عن الوجيب وأنت فى بيتك..!! والأصناف التى تتردد بين النفاق وضعف الإيمان كثيرة، وهاك نماذج أحصتها سورة النساء، قال تعالى: " وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله" . والآية تذكرنا بموقف الفراعنة من موسى " فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون". وكذلك فعلت ثمود مع صالح... والمقصود بالحسنة الأحوال الحسنة من خصب ورخاء وعافية وغنى، والمقصود من السيئة أضدادها. ولا صلة لذلك بالاصطلاح الشرعى عن المعاصى والطاعات! والتشاؤم من بعثة الرسل كفر، وربما كان هذا الموقف من اليهود، وربما كان من حدثاء الإيمان الذين عرضت لهم بعد إسلامهم متاعب غير متوقعة!! وعقيدتنا أن الله هو الضار النافع الخافض الرافع، وأنه خالق كل شئ وسائقه، فلا قدرة لبشر على خلق وإنشاء، ولكن البشر لهم إرادات وقدر تعمل داخل نطاق محدود فى هذا الكون الكبير الذى لا ندرى منه إلا القليل... وهذا معنى "قل كل من عند الله" ثم جاء تفصيل لاحق يبين أن أغلب ما يصيب الناس من
ص _059
شرور هو لسيئات اقترفوها أو تقصير وقعوا فيه، وهذا معنى " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ". وإنما قلنا: أغلب ما يصيب الناس، لأن الله قد يبتلى بما يرفع الدرجات على طريقة " إذا سبقت للعبد منزلة فلم يبلغها بعمله، سلط عليه بلاء يرفعه إليها " - بصبره وتسليمه - فكل شئ لله إيجادا وإرسالا، ولنا كسبا واكتسابا، ونحن السبب فى أغلب السيئات التى تصيبنا... وهذا صنف آخر " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم.. " . من المآسى أن تشتغل الدهماء بشئون الدولة الكبرى، وأن تبدى رأيها فيما لا تعرف له رأسا من وقد رأيت من يتحدث فى الفقه ولا فقه له، ومن يفتى فى قضايا الحرب والسلام ولا رأى له، ومن يريد إصلاح العالم وهو عاجز عن إصلاح بيته، لماذا لا نترك الأمور لأربابها؟ ولماذا تبعثر الشئون الحربية والمالية فى كل مكان... يا بارى القوس بريا ليس يحسنه لا تظلم القوس أعط القوس باريها!. إن الله يأبى أن يسأل عنه من يجهله " الرحمن فاسأل به خبيرا " . ومن الخير أن نحترم الأخصائيين، وأن نقف عند حدود علمنا. والأمم الكبيرة تحترم الإخصائيين، وتوفر لهم الجو الذى ينتجون فيه، فإهانة هؤلاء تضر المجتمع كله. وماذا على أفراد الجمهور لو أتقنوا ما يوكل إليهم، وتركوا لغيرهم ما يحسنون؟ لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا. وفى الحديث " ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه.. ".

ص _060
يتبع...

__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-2014, 05:11 PM   #8
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

أمر الله نبيه ألا يكترث للضعاف والجبناء ومرضى القلوب، وأن يتصدى لمقاتلة الفتانين والمعتدين حتى يكسر شوكتهم ويفُلّ حدَّهم "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا... " والرجاء هنا من جند الله فى جنب الله، وختام الآية يشير إلى أن بأس الكافرين شديد وأذاهم بالغ، ولكن الله أكبر "والله أشد بأسا وأشد تنكيلا" . ومن شاء انضم إلى الرسول والمؤمنين فقوى ظهرهم ونصر الحق معهم، وهذا الانضمام يسمى شفاعة، لأن المؤيد يجىء إلى الوتر فيجعله شفعا، وإلى الواحد المنعزل فيصيران اثنين قويين، وهذا معنى الآية " من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا" أى مجازيا أو مقتدرا. وأمر الله المؤمنين أن يرقبوا مواقف الناس فى هذه المعارك فمن حاسنهم حاسنوه، واستقبلوه ببشاشة تدل على حبهم للسلام "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها.. ". ولا بأس أن تكون الآية فى سائر التحيات المتبادلة، وقد كان المسلمون يسلمون على الناس كلهم، ويردون بالسلام على من حياهم، حتى حرَّف اليهود الكلمة، فجعلوها "السام عليكم " فأمر المؤمنون أن يكون الرد: " وعليكم.. " فيستجيب الله فيهم ولا يستجيب منهم ! ويظهر لى أن ذلك موقف خاص، والآية على عمومها، ومن كرم الإسلام وأمته أن يحيوا الآخرين تأليفا لقلوبهم وإعلانا عن مبدئهم وهو السلام. روى ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنه قال: " من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه، وإن كان مجوسيا فإن الله يقول: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها". ورد الشعبى على نصرانى سلم عليه، فقال: وعليك السلام ورحمة الله، فقيل له فى ذلك فقال: " أليس فى رحمة الله يعيش "؟. ثم ذكر القرآن الكريم بعدئذ المنافقين، وحدد الموقف منهم. والمنافقون فى هذا السياق ليسوا جماعة من أهل المدينة يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر كعبد الله ابن أبى وشيعته. بل هم قبائل بعيدة، أو دول أجنبية بتعبير عصرنا، يتظاهرون بموالاتنا ونصره
ص _061
قضايانا، ويكيدون لنا فى الخفاء، ويعبثون بنا، وقد انخدع بعض المؤمنين بظاهرهم حتى كشف الوحى حقائقهم فقال جل شأنه: " فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ". لماذا تنقسمون على رأيين فى هؤلاء الناس؟ وقد افتضحت بواطنهم "أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا" . ثم فصلت الآيات أصناف هؤلاء البعداء، فأوضحت أن منهم فريقا يود لنا العنت، ويتمنى أن نعود كفارا وهو يتربص بنا الدوائر " فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا" . وهناك قوم محايدون، ليسوا معنا ولا ضدنا، وموقفنا من هؤلاء السلام! " فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا" ! وهناك قوم مداهنون يريدون اللعب على الحبلين، فإذا تاحت لهم فرصة انتهزوها، وهؤلاء ينبغى أن نكون معهم صارمين " ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم.. " . وظاهر أن مقاتلة هؤلاء ليست على دخول الإسلام بل على التزام الحياد الدقيق بين المسلمين وخصومهم. فإذا تبين خَبْؤُهم، وبدا عدوانهم فلا معنى للسكوت عليهم، ولذلك قيل فى حقهم: "وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا" والتقسيم الآنف يتسم بالعدالة، فنحن لا نكره الناس على ديننا، ولا نكره منهم أن يكونوا محايدين بيننا وبين عدونا ما دام الحياد صادقا شريفا. الذى نرفضه هو العدوان الصريح أو الماكر، على نحو ما قيل: " لست بخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعنى"... ثم ذكرت السورة بعد ذلك الحكم فى القتل الخطأ والعمد، وكأن هذا الذكر نتيجة مقدمة لجريمة القتل التى تورط المسلمون فيها وهم يجاهدون فى سبيل الله، فقد حدث فى إحدى المعارك أن أحدق المسلمون بخصومهم، فخرج رجل من بينهم يعلن إسلامه، فظنوه مخادعا يريد النجاة بنفسه، ويلقى السلام وهو كاذب، فقتله أسامة بن زيد. فلما اطلع الرسول على ما حدث حزن حزنا شديدا، وعنف أسامة على مسلكه قائلا له: كيف
ص _062
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-2014, 05:12 PM   #9
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

أنت بلا إله إلا الله التى نطق بها؟ قال أسامة: إنما قالها خوفا من السلاح، فرد عليه الرسول: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها خوفا أم لا ؟. قال أسامة: فما زال رسول الله يلومنى حتى وددت أنى لم أكن أسلمت إلا يومئذ!! ونزلت الآية " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا" . والواقع أنه من الخطأ أن يكون الرجل مؤمنا ويبقى بين ظهرانى الكافرين! يجب أن يلتحق بدار الهجرة، حتى يعين فى بناء الدولة الجديدة، ويتحمل مع إخوانه المسلمين أعباء المستقبل المنشود. إن بقاءه مستخفيا بعقيدته قد يلحق به الأذى، وقد يستحق به حكم المستضعفين الذين ذكرتهم الآيات بعد "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.. " الخ. والهجرة بالعقيدة طريق الأمان والنصر، وباب إلى غد أفضل وأسعد!. ليس هناك أذل ممن يقبل الدنية فى دينه ودنياه لالتصاقه بتراب ولد عليه، وقد وعد الله المهاجرين بالمستقبل الأرغد، والخير الكثير فى الدنيا والآخرة. والحق أن غيرنا تحرك على سطح الأرض فعمرها وملكها، وترك عليها عقيدته ولغته. والمسلمون أولى بالتنقل فى أرض الله، كى ينشروا رسالتهم، ويصلوا الخلق بخالقهم. ذلك ومع التنقل والأسفار يمكن قصر الصلوات المكتوبة، وقد نزلت فى ذلك الآية "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا.. " . والظاهر أن هذه الآية وما بعدها فى صلاة الخوف، أى عند الاشتباك مع الأعداء، أما القصر فى السفر فحكمه مقرر من نصوص أخرى، ويمكن فى علم الفقه الوقوف على الأحكام الكثيرة الخاصة بالموضوع..
ص _063
وقد فصلت الآية التالية حكم الصلاة فى أثناء الحروب "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم.. " الخ . وجمهور الفقهاء على أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الإمام، وأن المسلمين يصلون خلفه بالتتابع... والذى أميل إليه أن هذا الحكم خاص بالرسول وصحابته، فليس من السائغ أن يؤم المسلمين أحد وهو موجود.. أما فى هذا العصر مثلا فإن تعدد الأئمة سهل، وقد اختلفت أساليب القتال، ومن الممكن أن تتعدد الجماعات، والقيادات دون خوف على دين أو دنيا. ولعل ذلك الفهم يشهد له قوله تعالى : "وإذا كنت فيهم.."، وما أقوله اجتهاد أرجو أن يكون صحيحا، فليس بلازم أن يرتبط مليون مقاتل فى الجبهة بإمام واحد فى صلواتهم كلها مضت سورة النساء تصف ضعفاء الإيمان ومرضى القلوب فذكرت قصة من غرائب ما تناوله الوحى الإلهى، قصة رجل لين الدين ميت الضمير ينتمى إلى الإسلام دون أن يشرب حبه أو يحترم حدوده... ارتكب هذا المرء جريمة سرقة، وإخفاء لآثارها ذهب بالمسروق إلى جار يهودى كى يخفيها عنده! وجاء قفاة الأثر فشعروا بأن التهمة محصورة بين البيتين. وأخيرا استخرجوها من بيت اليهودى الذى قال - وهو صادق - إن "طعمة - اسم السارق - أودعها عنده!. وأنكر طعمة وزعم أن اليهودى هو السارق! وجاء قومه - وهم يعلمون إجرام صاحبهم - فدافعو عنه، واستغلوا أن المتهم يهودى من أعداء الإسلام. فألصقوا الجريمة به. وحسب النبى عليه الصلاة والسلام أن طعمة وقومه صادقون! وكأنه مال إلى إدانة اليهودى، وتبرئة المنتمى إلى الإسلام إحسانا للظن به... ونزل الوحى الأعلى يقول " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما * واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما" . فمنعه أن يكون مدافعا عن الخونة الآثمين، وأن يصدقهم فى اتهام يهودى برئ!!
ص _064
يتبع...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-2014, 05:12 PM   #10
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

ويقول للرسول آخر الأمر " ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم " . وقال معلقا على أحداث القضية نفسها " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا". وعرض التوبة على الخاطئ قائلا " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما" . وفى تآمر أهل المجرم على طمس الحقيقة، وتضليل العدالة يقول " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس.... " ويقول " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا" . ذلك كله لإحقاق الحق وإبطال الباطل وإنصاف رجل من خصوم الإسلام وإثبات براءته من تهمة تتضافر القرائن على إلصاقها به.!! ما أعظم الإسلام...! وبعد سرد هذه القصة اتجه الوحى إلى طائفة أخرى من الناس لا تزال تعيش فى المدينة إنها بقايا الوثنية المدبرة، إنهم العرب الذين لما يهجروا بعد عبادة الأصنام، فقال فى حسم " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا " . والشرك فساد نفسى وعقلى يهدر كل قيمة للإنسان. والمقصود به تسوية المخلوق بالخالق، فى العبادة والدعاء والتحكيم والاستمداد والرجاء.. الخ. إذ الموحد الحق لا يسلم وجهه إلا إلى الله، ولا يفوض إلا إليه، ولا يرجع فى حل أو حرمة إلا إلى شرعه، وهو مستريح إلى وعد الله ووعيده فلا يكترث بغيرهما من رغبة أو رهبة بعيدة الصلة بالله. أما غير الموحدين فتصرفهم فى ميادين الحياة أمانى خادعة، ووعود كاذبة تجعلهم يجرون وراء السراب! ويضيعون أعمارهم سدى " يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا" . والمباهاة بالأديان لا تجدى أصحابها فتيلا، المهم هو العمل الصادق والسلوك الراشد.
ص _065
وفى عصرنا هذا - كما يقول محمد عبده - يوجد من يتحدث عن الإسلام فيثنى عليه أعظم الثناء يقول: أى دين أصلح إصلاحه؟ أى دين أرشد إرشاده؟ أى شرع كشرعه فى اكتماله؟. فإذا سئل الواحد منهم: ماذا فعل للإسلام؟ وبماذا يمتاز على غيره من أتباع الأديان الأخرى لا يحير جوابا.. وردعا لقائلين غير فعالين يقول الله تعالى: " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا" . ومن الفتن المزعجة فى هذه الأيام العجاف أن نرى اليهود متشبثين بشرائعهم الدينية يلبس أحدهم قلنسوة الصلاة ويمرق بها فى أكثر الميادين زحاما ليؤدى شعيرته. أما المسلمون فأغلب ساستهم لا يحرص على أوقات الصلاة، إلا من عصم الله وعادت السورة بعدئذ إلى ما بدأت به وهو العلاقات الأسرية، فنبهت إلى الصبغة العامة لهذه العلاقات، وهى العدالة والإصلاح " ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما" . وقد تحدث صدر السورة طويلا عن اليتامى، وأطال هنا فى الكلام عما قد يقع من تنافر بين الزوجين، فندب إلى الإصلاح ومقاومة شح النفس والتزام الإحسان، والتقوى والعدل فى حدود الطاقة.. فإذا تنافر الود وانكسرت الزجاجة وعزَّ الإصلاح فليلتمس كلا الطرفين ما يعوضه من فضل الله "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما" . وخزائن الله لا تنفد، فلا تسئ الظن بالمستقبل إن فاتك الحاضر وتشبث بالتقوى والطاعة "ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا". وتكررت هذه الجملة ثلاث مرات فى سياق متقارب لتمنع اليأس وتصلح بال كلا الزوجين إذا حكمت الأقدار عليهما بالفرقة..!
ص _066
يتبع...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-2014, 05:12 PM   #11
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

ثم أكدت قيام الأسرة على العدالة، بل قيام المجتمع كله على القسط والإنصاف فى آية جامعة "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين... ". والقيام بالقسط ليس شريعة بدأ بها الإسلام، إنه شريعة الأنبياء كلهم " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " . وهذا سر مجىء الآية التالية " يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ..." . إن الجور داخل البيت فتنة كبيرة سيئة الأثر على الزوجين والأولاد جميعا، والبيت المضطرب يشيع البلاء فى البيئة كلها... إن سورة النساء استعرضت طوائف المجتمع، ولم يقف الحديث فيها عند شئون الأسرة وحدها فالعنوان خاص وموضوع السورة عام. وقد رأينا كيف تناول القرآن الكريم مواقف المنافقين، وكيف كشفها وحذر منها... وقبل أن تنتهى السورة عاد إلى القوم لينكل بهم ويحذر منهم فى شأن مهم! المؤمن الحق يوقر كلام ربه، ويوفر له جوا من الاحترام والمهابة، ويقاطع المجالس التى تنال منه وتتجرأ عليه.. ويعالن أصحابها بالهجران والرفض... ولكن أصحاب القلوب الفارغة من اليقين لا يبالون بالجلوس حيث يهان الوحى وتلمز أحكامه! وفى هؤلاء نزل قوله تعالى " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا.. " . مهما كان جانب العدو عزيزا فلا تتزلف إليه، ولا تهادنه على حساب دينك وكرامته. إن المنافقين وحدهم هم الذين لا يبالون بإهانة الحق وتجريح رجاله " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم... " . ومؤامرات المنافقين لاحقت الإسلام طوال أيام البعثة فلا عجب إذا تكرر الرد عليها وطال التصدى لها.
ص _067
عادت سورة النساء فى أواخرها للحديث عن أهل الكتاب فضمت جديدا لا غنى عنه! وأهل الكتاب يهود ونصارى. فأما اليهود فيرفضون عيسى ومحمدا معا، يقولون عن عيسى إنه أتى لغير رشدة، فهو زنيم وأمه بغى!! وأما محمد فهو أعرابى ادعى الوحى ولا صلة له به! وأما النصارى فيرون محمدا مقطوع العلاقة بالسماء ويذكرونه بنعوت سيئة... هل هؤلاء المكذبون لرسل الله يوصفون بأنهم مؤمنون بالله وكتبه ورسله؟ تقول السورة الكريمة عن هؤلاء " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا * والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما" . وبعد مناقشة لأهل الكتاب سنتأمل فيها بعد قليل قال الله لرسوله محمد " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا " . إن الذى أوحى إلى هؤلاء أوحى إلى محمد، كلهم سفراء من الله إلى خلقه، كلفوا فبلغوا، ما خانوا و لا فرطوا. وإذا وصف محمد وحده بشيء فهو أنه أفصحهم بيانا وأشدهم بلاء وآصلهم فى إحياء الفطرة ومناشدة العقل..!! وتراثه الباقى لا يزال وسوف يبقى إلى قيام الساعة يؤسس اليقين، ويوقظ الغافلين ويسدد الخطى إلى رب العالمين. ولذلك قال الله فيه " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا". والنظرة المحايدة إلى كتاب محمد عليه الصلاة والسلام تؤكد أنه لا نظير له بين تراث النبيين جميعا. كما أن النظرة المحايدة إلى حياة محمد تشير إلى أنه تفرد بنسق فى الذكر والشكر والصبر والتوكل وبعد الغاية تجعلنا نجزم بأنه إذا شيب النبوة لم يستحقها من بعده أحد فى الأولين والآخرين!!
ص _068
يتبع...
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-2014, 05:12 PM   #12
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

ونرجع إلى مناقشة القرآن لأهل الكتاب: ماذا يطلبون؟ "يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة!! " . وهذه ليست مقترحات عقل يبحث عن الحقيقة ويسعى إلى اليقين! هذه مقترحات طبع غليظ وقلب متكبر ولذلك لما سئل موسى ما سئل، وفجر قومه على هذا النحو عوقبوا بصاعقة استأصلت شأفتهم. واليهود من أغلظ الناس طباعا وأقساهم قلوبا، ولذلك أخذ عليهم الميثاق بالتهديد!! رفع الجبل فوق رءوسهم، وأوشك أن ينقض عليهم ليكون فوقهم مقبرة جماعية..... ومع ذلك نقضوا الميثاق! قال تعالى "فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا * وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما" . وما داموا يرون مريم بغيا فهم يسعون إلى قتل ابنها لا سيما وقد ادعى النبوة!! وقد نجى الله عيسى من مكايدهم، ولم ينجح سعيهم فى الخلاص منه فقال.. " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه... " . ولكن مواريث الوهم التى تسيطر على العامة جعلت كثيرين يصدقون شائعة الصلب والفداء، ويجعلونها عقيدة ثابتة. والواقع أن السلبية السائدة تخدم ظنونا لا تعتمد على عقل ولا نقل، ولو اتسعت المعرفة وتحرر الفكر لتغير الموقف ولذلك يقول القرآن الكريم مؤكدا نجاة عيسى وعبوديته لله الواحد " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما" . وتجىء خواتيم سورة النساء لتصدر أحكاما حاسمة على كل الطوائف التى سبق الحديث عنها، فالكافرون والمنافقون لهم سوء العقبى، لأنهم يجهلون ويتعصبون للجهل ويعملون على تجهيل الآخرين أى أنهم يكفرون ويمنعون الغير من الإيمان، ولذلك قال فيهم
ص _069
" إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا * إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا..." الخ . والمتفرس فى ملامح الاستعمار الحديث يراه جامعا بين إلحاد الفكر وظلم الشعوب أو بين كراهية الإسلام وإذلال اتباعه! ثم يتجه إلى اليهود نداء يستحق التأمل " يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما.. ". لقد نودى اليهود مجردين من كل انتساب علمى، لأنهم حملوا التوراة ثم لم يحملوها.! ولم يعتبروا أهل كتاب لأنهم شابهوا عبدة الأصنام فى الجهل والإنكار، بل زادوا عليهم الغلو فصح أن ينادوا بيا أيها الناس كما ينادى أهل مكة، ومن لا علاقة له بوحى قط..! وتلا ذلك نداء للنصارى الذين غلبتهم الحيرة، وأتاهتهم فى فجاج كثيرة، وسبب ذلك الغلو الشديد! إن الغلو يبعث على المبالغة، وينأى بأصحابه عن الجادة من أجل ذلك يقول الله لهم " يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا" . والحق أن التنقيب فى الكون، والبحث الشاق فى السموات والأرض لا يسفر إلا عن إلهه واحد، أين الآخر؟ أين ما خلق ورزق؟ من الذى شارك الله فى خلق الذرة والمجرة؟ من الذى شاركه فى خلق النطفة والبويضة؟؟. من الذى يساعده فى تدبير الأمور؟، إن العالم الكبير لا تديره شركة من أى نوع! إنما الله إله واحد! الخضوع له حق، والامتثال له حق، والزلفى إليه واجبه، وعبادته فريضة على الكل. ولذلك قال تعالى: " لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا" .

ص _070
وتختم سورة النساء بآية تشرح ميراث الكلالة - وهو من لا ولد له ولا والد. وهى بذلك الختم تكمل ما بدأت به السورة من حديث عن الأسرة وتكوينها وحراستها وتفصيل قضاياها "يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم". وقد رأيت أن موضوع السورة عام يتناول المجتمع كله وأحوال الطوائف العديدة التى يتكون منها، فحديث النساء جزء من كل. أو كما عبرنا: الأسرة مجتمع صغير، والمجتمع أسرة كبيرة، وهداية الله تشمل الجميع لأنه بكل شيء عليم. وقصار النظر يحسبون السورة أجزاء مفككة، وهذا خطأ يحمى الله منه أهل التدبر والاعتبار.... أرفض خداع العناوين، إن أسماء السورة القرآنية شئ غير موضوعاتها، الموضوعات غالبا متشعبة مستفيضة أما الأسماء فذات دلالات جزئية. خذ مثلا سورة البقرة، إن قصة بنى إسرائيل مع البقرة التى أمروا بذبحها لا تستغرق نصف صفحة من صفحات السورة التى تزيد على الأربعين.... والسورة بعدئذ بحر متلاطم من التاريخ والتشريع والحكمة والأدب... وكذلك سورة النساء! إن شئون الأسرة فيها محدودة أما السورة نفسها ففيها التركيبة الاجتماعية التى تلحظ على العالم أجمع فى شتى أقطاره. ولقد ألف كبار العلماء كتبا حسنة شرحت ما فى هذه السورة من آداب اجتماعية عالية تتناول الأصدقاء والخصوم، والكبار والصغار، والأغنياء والفقراء.... خصوصا أتباع الأديان المختلفة وما ينشأ بينهم من أخذ ورد، وحرب وسلم، وأوضحت المنهاج الذى يلتزمه المسلم، ويثبت عليه ما دام الليل والنهار.

ص _071




مأخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ.

الشيخ محمد الغزالي.



__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً  
إضافة رد

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كم من آية منسوخة في سورة النساء؟ أبو عادل القرأن الكريم 3 04-12-2014 05:16 AM
اخطاء النساء في رمضان الدنيا فانيه قسم شهر رمضان المعظم 1 04-12-2014 05:14 AM
حمل و استمع الى سورة النساء بصوت 73 قارئا مسلم التونسي حمل و استمع الى السورة التي تريد بصوت العديد من القراء 4 09-15-2013 10:51 PM
حصريا..100 سلسلة mp3 جودة عالية للشيخ محمد بن صالح العثيمين..(تفسير سورة النساء) مسلم التونسي تراث الشيخ محمد بن صالح العثيمين 2 04-20-2013 08:36 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية
جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة الكعبة الإسلامية © 2018