تسجيل الدخول


العودة   منتديات الكعبة الإسلامية > القسم الشرعى > منتدى العقيدة الإسلامية

منتدى العقيدة الإسلامية كل ما يختص بالعقيدة الإسلامية - توحيد الألوهية توحيد الربوبية توحيد الأسماء والصفات والإيمان و أركانه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-16-2015, 02:39 PM   #1
صابر السلفي
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 78
معدل تقييم المستوى: 11
صابر السلفي is on a distinguished road
افتراضي جامع عقيدة الايمان بالنبي ( هام لكل مسلم )

الأدلة من القرآن والسنة على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم.
أ-الأدلة من القرآن:
أوجب الله سبحانه وتعالى على الثقلين – الإنس والجن – الذين أدركتهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به كما شهدت بذلك نصوص الكتاب العزيز.
كما أكد الله وجوب الإيمان بأن جعله مقترناً بالإيمان به سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها:
قال تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ، وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الحديد: 7-8]، وقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [التغابن: 8].
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً [النساء: 136]، وقال تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفتح: 4]، وقال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 158]، وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات: 15]. والإيمان به صلى الله عليه وسلم واحد من ثلاثة حقوق اقترن بها حقه صلى الله عليه وسلم مع حق الله تعالى في القرآن الكريم.
أما الحق الثاني له: فهو طاعته قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 132]،...
والحق الثالث هو: محبته قال تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 24]،..... (كما أن الإيمان به واجب متعين لا يتم إيمان إلا به ولا يصح إسلام إلا معه) .
وقال تعالى في حق من لم يؤمن: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً [الفتح: 13].
وبما تقدم من آيات يعلم وجوب الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وأهميته وأنه لا يتم الإيمان بالله بدون الإيمان به، كما لا تحصل نجاة ولا سعادة بدون الإيمان به لأنه هو الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان أول أركان الإسلام (شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله).
ب- الأدلة من السنة على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم:
وردت في السنة أحاديث كثيرة جداً تدل على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم على الجن والإنس الذين أدركتهم رسالته، سواء كانوا أهل كتاب، أم ليسوا بأهل كتاب، ويستوي في ذلك عربهم وعجمهم، وذكرهم وأنثاهم، فلا يسع أحداً من هؤلاء الخروج عن شريعته, أو التعبد لله بغير ما جاء به. لأن الله لا يقبل من أحد عملاً يخالف شرع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85] ...ومن تلك الأحاديث الواردة في هذا الشأن:
أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به, فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)) .
2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)) .
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)) ..
4- وعن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث وفد عبد القيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: ((أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس....)) الحديث.
5- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله فقال: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب, فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله, فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة, فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.)) .
وهذه الأحاديث وغيرها تؤكد وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، وكذلك طاعته، ويكون ذلك بأن يحل ما أحل الله ورسوله، ويحرم ما حرم الله ورسوله، ويوجب ما أوجبه الله ورسوله، ويحب ما أحبه الله ورسوله، ويكره ما كرهه الله ورسوله.
ج- دليل الإجماع:
أجمعت الأمة على وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما أجمعت كذلك على أن كل من قامت عليه الحجة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من الإنس والجن فلم يؤمن به استحق عقاب الله تعالى كما يستحقه أمثاله من الكافرين الذين بعث إليهم الرسول وهذا أصل متفق عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين وسائر طوائف المسلمين أهل السنة والجماعة وغيرهم . لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بذلك وذكره الله في كتابه وبينه الرسول أيضا في الحكمة المنزلة عليه من غير الكتاب، فإن الله تعالى أنزل عليه الكتاب والحكمة، ولم يبتدع المسلمون شيئا من ذلك من تلقاء أنفسهم



محبة النبي


اعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب لنبينا صلى الله عليه وسلم على القلب واللسان والجوارح حقوقاً زائدة على مجرد التصديق بنبوته، كما أوجب سبحانه على خلقه من العبادات على القلب, واللسان, والجوارح أموراً زائدة على مجرد التصديق به سبحانه. وحرم سبحانه لحرمة رسوله - مما يباح أن يفعل مع غيره - أموراً زائدة على مجرد التكذيب بنبوته.
فمن تلك الحقوق حقه صلى الله عليه وسلم بأن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق كما دلت على ذلك الأدلة من القرآن والسنة والتي سيأتي ذكرها.
(فحب النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم واجبات الدين) .
فهذه المحبة الواجبة له صلى الله عليه وسلم هي من محبة الله، فهي حب لله وفي الله، ذلك لأن محبة الله توجب محبة ما يحبه الله، والله يحب نبيه وخليله صلى الله عليه وسلم، فوجب بذلك محبته حقاً، فهي متفرعة عن محبة الله وتابعة لها, واقتران ذكرها مع محبة الله في القرآن والسنة إنما هو للتنبيه على أهميتها وعظم منزلتها.
وبمقتضى هذه المحبة يجب موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في حب ما يحبه, وكره ما يكرهه، أي بتحقيق المتابعة له فيحب بقلبه ما أحب الرسول، ويكره ما كرهه الرسول، ويرضى بما يرضى الرسول، ويسخط ما يسخط الرسول، ويعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض.
وقد انقسم الناس في فهمهم لهذه المحبة إلى ثلاثة أقسام هي:
القسم الأول: أهل الإفراط.
القسم الثاني: أهل التفريط.
القسم الثالث: الذين توسطوا بين الإفراط والتفريط.
أما أصحاب القسم الأول: فهم الذين بالغوا في محبته بابتداعهم أموراً لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ظناً منهم أن فعل هذه الأمور هو علامة المحبة وبرهانها.
ومن تلك الأمور احتفالهم بمولده، ومبالغتهم في مدحه, وإيصاله إلى أمور لا تنبغي إلا لله تعالى ومن ذلك قول قائلهم:

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به



سواك عند حلول الحادث العمم

إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي



فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
وقوله:

فإن من جودك الدنيا وضرتها



ومن علومك علم اللوح والقلم
فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن بعض علومه علم اللوح والقلم لأن (من) للتبعيض، فماذا للخالق جل وعلا؟
إضافة إلى صرف بعض أنواع العبادة له كالدعاء, والتوسل, والاستشفاع, والحلف به, والطواف, والتمسح بالحجرة التي فيها قبره صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من البدعيَّات والشركيَّات التي تفعل بدعوى المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أمور لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها الصحابة رضوان الله عليهم الذين عرفوا بإجلالهم وتقديرهم ومحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإضافة إلى ذلك فإن ما يقوم به هؤلاء هي أمور مخالفة لما جاء به الشارع، بل هي أمور قد حذر الشارع من فعلها، ولقد صار حظ أكثر أصحاب هذا القسم منه صلى الله عليه وسلم مدحه بالأشعار والقصائد المقترنة بالغلو والإطراء الزائد الذي حذر منه الشارع الكريم، مع عصيانهم له في كثير من أمره ونهيه، فتجد هذا النوع من أعصى الخلق له صلوات الله عليه وسلامه .
فيا ترى أي محبة هذه التي يخالف أصحابها شرع نبيهم، فيحلوا ما حرم الله, ويحرموا ما أحل الله، فكرهوا ما أحب الله ورسوله، وأحبوا ما كرهه الله ورسوله. فكيف تكون لهؤلاء محبة وهم قد ابتدعوا ما ابتدعوه من أمور لم تشرع في الدين، ونعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبرأ ممن ابتدع في هذا الدين فقال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) ..
والذي يجب على أمثال هؤلاء أن يعلموا أن محبة الرسول وتعظيمه إنما تكون بتصديقه فيما أخبر به عن الله، وطاعته فيما أمر به، ومتابعته، ومحبته وموالاته، لا بالتكذيب بما أرسل به، والإشراك به والغلو فيه، فهذا لا يعدو كونه كفراً به، وطعناً فيما جاء به ومعاداة له .
كما يجب عليهم أن يفرقوا بين الحقوق التي يختص بها الله وحده، وبين الحقوق التي له ولرسله، والحقوق التي يختص بها الرسول، فقد ميز سبحانه بين ذلك في مثل قوله وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفتح: 9]، فالتعزير والتوقير للرسول والتسبيح بكرة وأصيلاً لله، وكما قال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ، فالطاعة لله ولرسوله، والخشية والتقوى لله وحده وكما يقول المرسلون: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح: 3].
فعلى هؤلاء أن يعلموا أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تنال بدعائه والاستغاثة به، فتلك أمور صرفها لغير الله يعد شركاً مع الله, فالله وحده هو الذي يدعى, ويستغاث به, فهو رب العالمين، وخالق كل شيء، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وهو القريب الذي يجيب الداع إذا دعاه, وهو سميع الدعاء سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً...
أما أصحاب القسم الثاني: فهم أهل التفريط الذين قصروا في تحقيق هذا المقام فلم يراعوا حقه صلى الله عليه وسلم في وجوب تقديم محبته على محبة النفس والأهل والمال. كما لم يراعوا ماله من حقوق أخرى كتعزيره, وتوقيره, وإجلاله, وطاعته, واتباع سنته, والصلاة والسلام عليه, إلى غير ذلك من الحقوق العظيمة الواجبة له. والسبب في ذلك يعود إلى إحدى الأمور التالية أو إليها جميعاً وهي:
أولاً: إعراض هؤلاء عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعن اتباع شرعه بسبب ما هم عليه من المعاصي، وإسرافهم في تقديم شهوات أنفسهم وأهوائهم على ما جاء في الشرع من الأوامر والنواهي.
ثانياً: اعتقاد الكثير أن مجرد التصديق يكفي في تحقيق الإيمان، وأن هذا هو القدر الواجب عليهم، ولذا تراهم يكتفون بالتصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، دون تحقيق المتابعة له، وهذا هو حال أهل الإرجاء الذين يؤخرون العمل عن مسمى الإيمان, ويقولون إن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، أو تصديق القلب وإقرار اللسان, وما أكثرهم في زماننا هذا.
ثالثاً: جهل الكثير منهم بأمور دينهم بما فيها الحقوق الواجبة له صلى الله عليه وسلم، والتي من ضمنها محبته صلى الله عليه وسلم, فكثير من الناس - ولا حول ولا قوة إلا بالله - ليس لهم من الإسلام إلا اسمه وليس لهم من الدين إلا رسمه.
فالواجب على هؤلاء أن يعودوا إلى رشدهم, وأن يقلعوا عن غيهم، وما هم عليه من المعاصي والذنوب التي هي سبب نقصان إيمانهم, وضعف محبتهم, وبعدهم عما يقربهم إلى الله تعالى.
كما يجب عليهم أن يعلموا أن مجرد التصديق لا يسمى إيماناً بل الإيمان قول باللسان, واعتقاد بالجنان, وعمل بالأركان, يزيد بطاعة الرحمن, وينقص بطاعة الشيطان، فليس لأحد أن يخرج العمل عن مسمى الإيمان, فلذلك يجب على كل من يؤمن بالله ورسوله أن يطيع الله ورسوله, ويتبع ما أنزل الله من الشرع على رسوله صلى الله عليه وسلم، فبذلك يحصل الإيمان، فإن الاتباع هو ميزان الإيمان, فبحسب اتباع المرء يكون إيمانه، فمتى ما قوي اتباعه قوي إيمانه والعكس بالعكس.
كما يجب عليهم معرفة أمور دينهم وبخاصة الواجب منها, والتي من ضمنها معرفة ما للمصطفى صلى الله عليه وسلم من الحقوق الواجبة, فلقد ذم الله تبارك وتعالى أولئك النفر الذين لم يعرفوا ما للنبي صلى الله عليه وسلم من حق في عدم رفع الصوت عند مخاطبته أو مناداته, ووصفهم الله بأنهم لا يعقلون قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [الحجرات: 4]، وفي السورة نفسها أثنى على الذين عرفوا حق المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات: 3]، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9]. وليعلم هؤلاء أنه لا يتحقق لهم إيمان ولا محبة إلا باتباعهم للمصطفى صلى الله عليه وسلم, واقتدائهم بسنته, والسير على نهجه وهداه.
أما القسم الثالث: فهم الذين توسطوا بين الطرفين السابقين أهل الإفراط وأهل التفريط. فأصحاب هذا القسم هم السلف من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم, الذين آمنوا بوجوب هذه المحبة حكماً, وقاموا بمقتضاها اعتقاداً وقولاً وعملاً. فأحبوا النبي صلى الله عليه وسلم فوق محبة النفس, والولد, والأهل, وجميع الخلق امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم, فجعلوه أولى بهم من أنفسهم تصديقاً لقوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب: 6]، وأيقنوا بوجوب أن يوقى بالأنفس والأموال طاعة لقوله تعالى: مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ [التوبة: 120]. وقاموا بمقتضى هذه المحبة اعتقاداً وقولاً وعملاً بحسب ما أو جب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من حقوق على القلب واللسان والجوارح من غير إفراط ولا تفريط. فآمنوا وصدقوا بنبوته ورسالته وما جاء به من ربه عز وجل. وقاموا- بحسب استطاعتهم- بما يلزم من طاعته, والانقياد لأمره, والتأسي بفعله, والاقتداء بسنته, إلى غير ذلك مما يعد من لوازم الإيمان برسالته.
قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] وامتثلوا لما أمر به سبحانه وتعالى من حقوق زائدة على مجرد التصديق بنبوَّته وما يدخل في لوازم رسالته.
فمن ذلك امتثالهم لأمره سبحانه بالصلاة عليه والتسليم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: 56]. وما أمر به سبحانه من تعزيره وتوقيره قال تعالى: وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ. فتعزيره يكون بنصره, وتأييده, ومنعه من كل ما يؤذيه صلى الله عليه وسلم.
وتوقيره: يكون بإجلاله وإكرامه, وأن يعامل بالتشريف, والتكريم, والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار .
ويدخل في ذلك مخاطبته بما يليق قال تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً.
وحرمة التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذن، وحرمة رفع الصوت فوق صوته وأن يجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات: 1-3].
فقاموا بهذه الأمور امتثالاً وطاعة لأمر الله تبارك وتعالى, وأدوا ما فرض عليهم من الحقوق الأخرى التي يطول ذكرها .... وهم مع قيامهم بهذه الأمور لم يتجاوزوا ما أمروا به, فلم يغالوا ولم يبالغوا كما فعل أهل الإفراط الذين وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بأمور لا تنبغي لغير الله كعلم الغيب، وصرفوا له أموراً لا يجوز صرفها لغير الله كدعائه, والسجود له, والاستغاثة به والطواف بقبره.
بل هم مؤمنون بأن ما أكرم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من النبوة, والرسالة, والرفعة, وعظم القدر, وشرف المنزلة، كل ذلك لا يوجب خروجه عن بشريته وعبوديته لله قال تعالى: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً [الإسراء: 93].
واعتقدوا أنه ليس من المحبة في شيء الغلو في حقه وقدره ووصفه بأمور قد اختص الله بها وحده، بل علموا أن في هذا مخالفة ومضادة لتلك المحبة, ومناقضة لما أمر به سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لأمته: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النمل: 65].
وقال تعالى: قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [الأعراف: 188].
فكل غلو في حقه صلى الله عليه وسلم ليس من محبته في شيء بل يعد مخالفة لما أمر به فيجب الابتعاد عن ذلك والحذر من عقوبته قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ كما يعد مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء: 115]، ولذا فإنه يجب الحذر من حال الغلاة الذين غلوا في حق النبي صلى الله عليه وسلم بما ابتدعوه من الأمور التي لم يشرعها الله في كتابه أو على لسان رسوله، بل حذر الله ورسوله منها.
وقد يظن البعض بأن السير على منهج أهل التوسط فيه انتقاص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم وغمط لحقه، والأمر على عكس ما يظنون فالذي يعتقده السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين أن الحق الواجب أن يثنى على النبي صلى الله عليه وسلم بما هو أهل له من الخصائص الثابتة له التي خصه الله بها, والفضائل العظيمة التي شرفه بها, والصفات الحقيقية والخلقية التي كان عليها, وذلك للتعرف وتعريف الناس بفضله ومكانته وعظيم قدره عند الله وعند خلقه حتى يتأسى ويقتدى به في أقواله وأفعاله, فهو الأسوة والقدوة عليه أفضل الصلاة والتسليم قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب: 21].
فمن صميم المحبة له صلى الله عليه وسلم الاشتغال بمعرفة سيرته بقصد التأسي والاقتداء بما كان عليه من كريم الخصال, ومحاسن الأفعال والأقوال. وكذا معرفة شمائله, ودلائل نبوته التي تعمق إيمان المسلم بصدق نبوته, وتزيد في محبته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم. ولقد اهتم السلف بهذه الجوانب وأولوها رعايتهم واهتمامهم, فاعتنوا بتأليف المؤلفات التي أوضحت هذه الجوانب وأبرزتها, فقد ألفت لهذا الغرض كتب الشمائل التي اعتنت بذكر صفاته وأحواله في عباداته, وخلقه, وهديه, ومعاملاته ، كما ألفت كتب الدلائل التي اعتنت بدلائل وعلامات نبوته صلى الله عليه وسلم .
هذا بالإضافة إلى ما كتب في الفضائل والخصائص التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم. كما اعتنوا بأصل هذه الجوانب جميعها ألا وهو سيرته الشريفة صلى الله عليه وسلم, فقد ألفت لهذا الغرض المؤلفات التي اعتنت بحياته منذ ولادته إلى وفاته, وضمت في جوانب ذلك الحديث عن نشأته, وبعثته, وما حدث له من الأمور قبل الهجرة وبعدها, وما كان من أمر دعوته, وغزواته, وسراياه, وما يتعلق بهذه الجوانب وغيرها مما هو داخل في سيرته . فقد دونت هذه الجوانب جميعها وخدمت بقصد أن يتأسى الناس به صلى الله عليه وسلم, وأن يتعرفوا على كمال ذاته صلى الله عليه وسلم وما تميز به من صفات، وتفرد به من أخلاق, لتزيد تلك المعرفة من محبتهم له, وتنميتها في قلوبهم, ولتبعث في نفوسهم تعظيمه وإجلاله.
وبهذا يعلم أن أهل التوسط لم ينتقصوا من قدره صلى الله عليه وسلم, بل حفظوا وحافظوا على كل ما من شأنه أن يضمن استمرارية محبة الأمة وتعظيمها له.
فهذه حال أهل التوسط وهذا هو منهجهم, فمن أراد أن يسير على النهج القويم, ويسلك الصراط المستقيم فعليه بسبيل أهل الإيمان وطريقهم, ألا وهو الكتاب والسنة, فذاك طريق الحق، والحق أحق أن يتبع.
وهذا منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، فقد كانت محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم تحكمها قواعد الكتاب والسنة، فما أمر به الشارع ائتمروا به, وما نهى عنه الشارع انتهوا عنه، ولم يحكموا في هذه المحبة عواطفهم وأهواءهم كما فعل أهل الإفراط الذين زلت بهم أقدامهم بسبب غلوهم في حقه, ذاك الغلو الذي دفعهم إليه تحكيم أهوائهم، وهو غلو ما أنزل الله به من سلطان, بل إن نصوص الشرع تنص على تحريمه، وإنه ليصدق وصف أهل الإفراط بقوله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [القصص: 50].
فخلاصة القول في هذا الجانب أن المفهوم الصحيح لمحبته صلى الله عليه وسلم يتمثل في ذلك المفهوم الذي كان عليه سلف الأمة وأئمتها من الصحابة, والتابعين, وتابعيهم, ومن سار على نهجهم وسلك سبيلهم. ذلك المفهوم المستمد من آيات القرآن ونصوص السنة والذي لم يخرج عنهما قيد أنملة



المحبة البدعية

يظن البعض من الناس أن له الحق في التعبير عن محبته للنبي صلى الله عليه وسلم بما يراه ويستحسنه من الأمور، من غير أن يراعي في ذلك قواعد الشرع وأصوله, وهذا الصنف من الناس تراه منساقاً مع عواطفه, جاعلاً لها حق التشريع في هذا الدين. فتراه يغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم حتى كمل به إلى بعض مراتب الألوهية. وتراه يبتدع في دين الله أموراً تصل إلى حد العظائم. وتراه يقدم على الشركيات والكفريات. وكل ذلك بدعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم ولقد حكم الله عز وجل بالضلال على هذا الصنف فقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص: 50].
فالمتبعون لعواطفهم وأهوائهم المحكمون لها، لابد وأن يكونوا نابذين لهدي الله المتمثل في الكتاب والسنة، واللذين يشتملان على قواعد هذا الدين وأصوله والتي من ضمنها تحريم الابتداع في الدين والإحداث فيه، وتحريم الغلو بشتى مظاهره وأشكاله، وتحريم الشرك بمختلف صوره وألوانه.
ولذلك حكم الله بضلالهم وغوايتهم, وبعدهم عن الصراط المستقيم. فحري بأمثال هؤلاء أن يقلعوا عن غيهم، وأن يحكموا في عواطفهم كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم من الدين، وتحقيقها يكون عن طريق ما شرع في هذا الدين، لا عن طريق البدع وما تهواه النفوس, فالبدع قد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم منها بقوله: ((إياكم ومحدثات الأمور)) وهذا الحديث يعني في هذا المقام أن ليس لأحد الحق في التعبير عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم, فعلى المسلم أن يدرك هذا الأمر, وليحذر من سبل أهل الضلال والانحراف.
قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: 153].
وإن الناظر في أحوال أولئك المفتونين بالبدع تحت دعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنهم قد رغبوا في تلك الأمور المبتدعة لأنها أمور لا مشقة فيها على النفس, فجعلوها بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال والطاعات التي تشق على نفوسهم الضعيفة المريضة، فالمحبة عند هؤلاء تنحصر في مظاهر التعظيم اللساني المليء بالغلو والشرك, والمقترن بالاجتماع على موائد الطعام والذي لا يخلو في بعض الأحيان من المنكرات والمحرمات.
ويحق للمرء أن يتساءل: أي محبة هذه التي تجيز لهؤلاء أن يبتدعوا في دين الله بزيادة أو نقص, أو تغيير أو تبديل؟ لاشك أن فعل هذه الأمور يناقض المحبة ويضادها جملة وتفصيلاً، ولا عذر لفاعلها فيما أقدم عليه وإن كان فعل ذلك بحسن نية، فحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين، فلقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية، فمازالوا على حالهم تلك حتى صارت أديانهم على غير ما جاءت به رسلهم.
ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتمسك بتلك البدع تقليداً لمشائخه أو عشيرته أو أهل بلده. إلى غير ذلك من العصبيات الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان, والتي أعمت بصائر الكثير منهم وأضلتهم عن سبيل الله.
ولقد كان من الحري بهؤلاء أن يقتدوا بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا أشد الأمة محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأشدهم تعظيما له, وكانوا أحرص الناس على الخير ممن جاء بعدهم، والذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في هذا السبيل. فلقد كان من سنن الصحابة رضوان الله عليهم حرصهم على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم يؤمنون بأن منشأ محبته وثباتها وقوتها إنما يكون بمتابعته صلى الله عليه وسلم في أقواله, وأفعاله, وسلوكه, وتصرفاته.
كما أنهم يؤمنون بأن الابتداع في الدين يضاد تلك المحبة وينافيها ولذلك لم يعهد عنهم أنهم ابتدعوا أشياء من عند أنفسهم لإظهار محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم كما ابتدع المتأخرون ما ابتدعوه من البدع تحت ستار المحبة والتعظيم له صلى الله عليه وسلم. فإذا كان هذا هو شأن الصحابة فيما أثر عنهم من الآثار وهم المشهود لهم بأنهم أشد الأمة وأفضلها محبة وتعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم، أفلا يسع من جاء بعدهم ما وسعهم، فيتركوا تلك الأمور المبتدعة التي أحدثت من بعدهم، والتي لم يأذن بها الله ولم تكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن لم يتسع له ما اتسع للصحابة رضي الله عنهم، فلا وسع الله عليه في الدنيا ولا في الآخرة.
فعن قتادة قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: (من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً, وأقلها تكلفاً, وأقومها هدياً, وأحسنها حالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم, واتبعوهم في آثارهم, فإنهم كانوا على الهدى المستقيم)



توفير النبي

قال تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: 9].
وقال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157].
أ- أما التعزير في اللغة:
فيقول صاحب معجم مقاييس اللغة عن أصل هذه الكلمة: (عزر) العين والزاء. والراء: كلمتان:
أحدهما: التعظيم والنصر. والكلمة الأخرى: جنس من الضرب. فالأولى: النصر والتوقير كقوله تعالى: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ والأصل الآخر: التعزير وهو الضرب دون الحد .
وفي النهاية في غريب الحديث (أصل التعزير: المنع والرد. فكأن من نصرته قد رددت عنه أعداءه ومنعتهم من أذاه. ولهذا قيل للتأديب الذي هو دون الحد تعزير، لأنه يمنع الجاني أن يعاود الذنب، يقال عزرته، وعزرته. فهو من الأضداد) .
وجاء في تهذيب اللغة: (عزر) قال الله عز وجل: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ
جاء في التفسير في قوله تعالى وَتُعَزِّرُوهُ أي لتنصروه بالسيف وَعَزَّرْتُمُوهُمْ عظمتموهم. وقيل: نصرتموهم.
واللفظة تستعمل لعدة معان هي:
1- التعزير: النصر باللسان والسيف.
2- التعزير: التوقير.
3- التعزير: التأديب دون الحد.
4- التعزير: التوقيف على الفرائض والأحكام .
وأما عن المعنى الشرعي المراد هنا:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: وَعَزَّرُوهُ يقول: (حموه ووقروه) .
وعن مجاهد قال: (عزروه: سددوا أمره، وأعانوا رسوله ونصروه) .
وعن قتادة في قوله: وَتُعَزِّرُوهُ قال: (ينصروه) .
وقال ابن جرر الطبري: وَعَزَّرُوهُ (وقروه, وعظموه, وحموه, من الناس) .
وقال أيضاً بعد أن نقل قول ابن عباس ومجاهد وقتادة: (وهذه الأقوال متقاربات المعنى، وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها, ومعنى التعزير في هذا الموضع: التقوية بالنصر والمعونة، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال) .
وقال شيخ الإسلام: (التعزير: اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه) .
ب- وأما عن التوقير في اللغة:
ففي معجم مقاييس اللغة: (وقر) الواو. والقاف. والراء: أصل يدل على ثقل في الشيء... ومنه الوقار: الحلم والرزانة .
وجاء في تهذيب اللغة: (وقر الرجل من الوقار، يقر، فهو وقور. ووقرت الرجل: إذا عظمته, ومنه قوله عز وجل: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ .
وفي لسان العرب: (وقر الرجل: بجله، والتوقير: التعظيم والترزين) .
وأما المعنى الشرعي المراد هنا:
فقال ابن عباس: (وَتُوَقِّرُوهُ يعني التعظيم) .
وقال قتادة: (وَتُوَقِّرُوهُ أمر الله بتسويده وتفخيمه) .
وقال أيضاً: (وَتُوَقِّرُوهُ أي ليعظموه) .
وقال ابن جرير الطبري: (فأما التوقير فهو التعظيم والإجلال والتفخيم) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (التوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار) .
قال ابن كثير: (التوقير: هو الاحترام, والإجلال, والإعظام) .
ج- وأما التعظيم في اللغة:
ففي لسان العرب (التعظيم: التبجيل: يقال لفلان عظمة عند الناس: أي حرمة يعظم لها) .
ولفظ (التعظيم) لا يرد في خطاب الشارع كما ورد لفظ (التعزير) و(التوقير) لكن العلماء استعملوه في كلامهم عند هذه المسألة وذلك لقربه في المعنى إلى ذهن السامع، ولتأديته للمعنى المراد من لفظتي (التعزير) و(التوقير)

إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، وإجلاله، وتوقيره، شعبة عظيمة من شعب الإيمان، وهذه الشعبة غير شعبة المحبة بل إن منزلتها ورتبتها فوق منزلة ورتبة المحبة. ذلك لأنه ليس كل محب معظماً، ألا ترى أن الوالد يحب ولده ولكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ولا يدعوه إلى تعظيمه.
والولد يحب والده فيجمع له بين التكريم والتعظيم. والسيد قد يحب مماليكه, ولكنه لا يعظمهم. والمماليك يحبون ساداتهم ويعظمونهم.
فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبته فوق رتبة المحبة .
فمن حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أن يهاب ويعظم ويوقر ويجل أكثر من كل ولد لوالده, ومن كل عبد لسيده، فهذا حق من حقوقه الواجبة له مما يزيد على لوازم الرسالة, وهو ما أمر الله به في كتابه العزيز قال تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: 9].
وقال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157].
فأبان أن حق الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته أن يكون معزراً موقراً مهيباً. وأخبر سبحانه أن الفلاح إنما يكون لمن جمع بين الإيمان به وتعزيره, ولا خلاف في أن التعزير هاهنا التعظيم .
وفي الجمع الحاصل في الآيتين بين الإيمان به وتعظيمه، تنبيه وإرشاد إلى أن القيام بحقوقه صلى الله عليه وسلم يعد من الإيمان الواجب الذي لا يتم إيمان العبد إلا به. قال الحليمي: (فمعلوم أن حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل, وأعظم, وأكرم, وألزم لنا, وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم, والآباء على أولادهم, لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة، وعصم به لنا أرواحنا, وأبداننا, وأعراضنا, وأموالنا, وأهلينا, وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لما إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم. فأية نعمة توازي هذه النعم, وأية منة تداني هذه المنن. ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته، وتوعدنا على معصيته بالنار. ووعدنا باتباعه الجنة. فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة. فحق علينا أن نحبه, ونجله, ونعظمه, ونهابه أكثر من إجلال كل عبد سيده, وكل ولد والده. وبمثل هذا نطق القرآن, ووردت أوامر الله جل ثناؤه) .
ففي القرآن الكريم آيات كثيرة جاء فيها التأكيد على هذا الحق من حقوقه صلى الله عليه وسلم وبخاصة في جوانب معينة من جوانب تعظيمه ومن تلك الآيات ما يلي:
1- قوله تعالى: لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور: 63] (ففي هذه الآية نهي من الله أن يدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلظ وجفاء، وأمر لهم أن يدعوه بلين وتواضع) .
وروى الطبري بسنده عن مجاهد في تفسيرها فقال: (أمرهم أن يدعوه يا رسول الله في لين وتواضع، ولا يقولوا: يا محمد، في تجهم) .
وعن قتادة قال: (أمرهم أن يفخموه ويشرفوه) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسيرها: (خص الله نبيه في هذه الآية بالمخاطبة بما يليق به، فنهى أن يقولوا: يا محمد, أو يا أحمد، أو يا أبا القاسم، ولكن يقولوا: يا رسول الله، يا نبي الله, وكيف لا يخاطبونه بذلك، والله سبحانه أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحداً من الأنبياء، فلم يدعه باسمه في القرآن قط، بل يقول يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [الأحزاب: 28] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [الأحزاب: 50] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب: 1] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً [الأحزاب: 45] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق: 1] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم: 1] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة: 67] يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ [المزمل: 1-2] يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: 1-2] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [الأنفال: 64].
مع أنه سبحانه قال: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ [البقرة: 35] قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [البقرة: 33] يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود: 46] يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا [هود: 76] يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ [الأعراف: 144] يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ [ص: 26] يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ[المائدة: 110]) .
وقال رحمه الله: (وإذا كنا في باب العبارة عن النبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نفرق بين مخاطبته والإخبار عنه. فإذا خاطبناه كان علينا أن نتأدب بآداب الله تعالى حيث قال: لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور: 63] فلا تقول يا محمد, يا أحمد، كما يدعو بعضنا بعضاً بل نقول: يا رسول الله، يا نبي الله. والله سبحانه وتعالى خاطب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم فقال: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة: 35] يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ [هود: 48] يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه: 11-12] يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران: 55].
ولما خاطبه صلى الله عليه وسلم قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأنفال: 64] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة: 41] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة: 67] يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل: 1] يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر: 10] فنحن أحق أن نتأدب في دعائه وخطابه.
وأما إذا كنا في مقام الإخبار عنه قلنا: (أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً رسول الله) وقلنا: محمد رسول الله وخاتم النبيين، فنخبر عنه باسمه كما أخبر الله سبحانه لما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40] وقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً [الفتح:29] وقال: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: 144] وقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ [محمد: 2].
فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل .
2- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 1-5] فهذه الآيات اشتملت على جملة من الآداب التي أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يجب أن يعاملوا به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير, والاحترام, والتبجيل, والإعظام وهذه الآداب هي:
أولاً: أنه حرم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذن، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
قال ابن كثير في معناها: (أي لا تسارعوا في الأشياء بين يديه أي: قبله, بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور، حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي حديث معاذ رضي الله عنه حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن: ((بم تحكم؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: فإن لم تجد؟ قال رضي الله عنه: أجتهد رأيي، فضرب في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
فالغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقدم بين يدي الله ورسوله) .
وقال الحليمي عند تعليقه على هذه الآية: (والمعنى لا تقدموا قولاً أو فعلاً بين يدي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر دين أو دنيا، بل أخروا أقوالكم وأفعالكم إلى أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بما يراه, فإنكم إذا قدمتم بين يديه كنتم مقدمين بين يدي الله عز وجل, إذ كان رسوله لا يقضي إلا عنه، وَاتَّقُوا اللَّهَ أي احذروا عقابه بتقديمكم يين يدي رسول الله ومعاملته بما يوهم الاستخفاف به, ومخالفة شيء مما يأمركم به عن الله بوحي متلو أو بوحي غير متلو إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أي سميع لما تقدمونه بين يدي رسوله صلى الله عليه وسلم، أو تأتونه اقتداء به واتباعاً له، عليم بما يكون منكم من إجلاله أو خلاف ذلك, فهو يجزيكم بما سمعه ويعلمه منكم) .
ولقد تأدب الصحابة مع ربهم ومع رسولهم، فما عاد بعد نزول هذه الآية مقترح منهم يقترح على الله ورسوله، وما عاد واحد منهم يدلي برأي لم يطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدلي به، وما عاد أحد يقضي برأيه في أمر أو حكم إلا أن يرجع قبل ذلك إلى قول الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم.
حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسألهم عن اليوم الذي هم فيه, والمكان الذي هم فيه, وهم يعلمونه حق العلم، فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم: الله ورسوله أعلم. خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله. ومن ذلك ما جاء في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم- سأل في حجة الوداع: ((أي شهر هذا؟.. قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى. قال: فأي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس البلدة؟ قلنا بلى. قال: فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم, فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس يوم النحر؟ قلنا بلى. ..)) الحديث. فهذه صورة من الأدب، ومن التحرج، ومن التقوى التي انتهى إليها الصحابة بعد سماعهم ذلك النداء، وذلك التوجيه، وتلك الإشارة إلى التقوى, تقوى الله السميع العليم.
ثانياً: أنه حرم رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأن يجهر له بالكلام كما يجهر الرجل للرجل، وهذا من باب الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث والخطاب, ومن التوقير الذي يجب له، ذلك التوقير الذي ينعكس على نبرات أصوات الصحابة ليتميز بذلك شخص الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم ويميز مجلسه فيهم, فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2].
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: (هذا أدب ثانٍ أدب الله تعالى به المؤمنين, أن لا يرفعوا أصواتهم يين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فوق صوته، وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما, فعن ابن أبي مليكة قال: (كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم, فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس رضي الله عنه أخي بن مجاشع, وأشار الآخر برجل آخر، قال نافع لا أحفظ اسمه فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك, فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ الآية) قال ابن الزبير رضي الله عنه: فما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر) .
فقد نهى الله عز وجل عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال: أتدريان أين أنتما؟ ثم قال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً) .
وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام, لأنه محترم حيًّا وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائماً.
ثم نهي عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبة من عداه، بل يخاطب بسكينة, ووقار, وتعظيم، ولهذا قال تبارك وتعالى: وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ كما قال: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً.
وقوله عز وجل: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه, فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري, كما جاء في الصحيح: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالاً يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض)) .
ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك, وأرشد إليه ورغب فيه فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى أي أخلصها لها, وجعلها أهلاً ومحلاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ .
وجاء في الكشاف عند تفسير هذه الآيات قوله: (أعاد النداء عليهم- أي في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ استدعاء منهم لتجديد الاستبصار عند كل خطاب وارد، وتطرية الإنصات لكل حكم نازل، وتحريك هممهم لئلا يفتروا ويغفلوا عن تأملهم, وما أخذوا به عند حضور مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدب الذي المحافظة عليه تعود عليهم بعظيم الجدوى في دينهم.
وذلك لأن في إعظام صاحب الشرع إعظام ما ورد به، ومستعظم الحق لا يدعه استعظامه أن يألو عملاً بما يحدوه عليه، وارتداعاً بما يصده عنه، وانتهاء إلى كل خير.
والمراد بقوله: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ أنه إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته, وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عالياً لكلامكم، وجهره باهراً لجهركم، حتى تكون ميزته عليكم لائحة، وسابقته واضحة، وامتيازه عن جمهوركم كشية الأبلق . غير خاف، لا أن تغمروا صوته بلغطكم، وتبهروا منطقه بصخبكم.
وبقوله وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ أنكم إذا كلمتموه وهو صامت فإياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت، بل عليكم أن لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم، وأن تتعمدوا في مخاطبته القول البين المقرب من الهمس, الذي لا يضاهي الجهر، كما تكون مخاطبة المهيب المعظم، عاملين بقوله عز شأنه: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وليس الغرض من رفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة، لأن ذلك كفر، والمخاطبون مؤمنون وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من جرسه غير مناسب لما يهاب به العظماء، ويوقر الكبراء، فيتكلف الغض منه، ورده إلى حد يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزير والتوقير. ولم يتناول النهي أيضاً رفع الصوت الذي لا يتأذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما كان منهم في حرب، أو مجادلة معاند، أو إرهاب عدو أو ما أشبهه، فلم ينهوا عن الجهر مطلقاً حتى لا يسوغ لهم أن يكلموه إلا بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مقيد بصفة أعلى, الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منه فيما بينهم، وهو الخلو عن مراعاة أبهة النبوة، وجلالة مقدارها، وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها) .
(ومن البداهة أن هذه الآيات وأمثالها في تأديب الأمة وتعليمها إنما جاءت بأسلوبها المعجز لتفخيم شأن النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار رفعة قدره المنيف، وسمو منزلته صلى الله عليه وسلم فوق كل منزلة أحد من الخلق، وهي مسوقة في مواضعها من القرآن الكريم لتعليم الأمة أفراداً وجماعات الأدب الأكمل مع النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يتصل بمخاطبته والتحدث إليه، والإصغاء إلى حديثه، ومجالسته حتى يستشعر المؤمن بقلبه وروحه وكافة إحساساته ومشاعره ما أوجبه الله تعالى من توقيره صلى الله عليه وسلم توقيراً يجلي رفيع قدره، وعظيم مقامه، ويظهر تشريف الله تعالى له بما ميزه به على سائر الخلق، وقد اتفق أهل العلم من أئمة أعلام الأمة على أن حرمته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كحرمته في حياته) .
ثالثاً: أن الله تبارك وتعالى ذم الذين ينادونه من وراء الحجرات وهي بيوت نسائه فقال: أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ, ثم أرشد تعالى إلى الأدب في ذلك فقال: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ أي: لكان لهم في ذلك الخيرة والمصلحة في الدنيا والآخرة , فكره إليهم النداء على هذه الصفة المنافية للأدب والتوقير اللائق بشخص النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لهم ما يجب عليهم وهو الصبر والانتظار حتى يخرج إليهم, وحبب إليهم التوبة والإنابة، ورغبهم في المغفرة والرحمة .
قال الحليمي: (في هذه الآية يسلي الله نبيه صلى الله عليه وسلم بما أخبره من أن الذين يصيحون خارج منزله ولا يصبرون حتى يخرج إليهم إنما حملهم على ذاك جهلهم وقلة عقلهم وأكثرهم لا يهتدون إلى ما يلزمهم من تعظيمك في حال مخاطبتك) .
3- وقال تعالى: مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ [التوبة: 120].
قال الحليمي: (فأعلمهم أن نفس الرسول صلى الله عليه وسلم أكرم, وأشرف, وأزكى, وأجمل من أنفسهم، فلا يسعهم من ذلك أن يصرفوا أنفسهم عما لا يصرف نفسه عنه, فيتخلفوا عنه إذا خرج لجهاد أعداء الله معتذرين من شدة حر، أو طول طريق، أو عوز ماء، أو قلة زاد، بل يلزمهم متابعته ومشايعته على أي حال رضيها لنفسه، وفي هذا أعظم البيان لمن عقل، وأبين الدلالة على وجوب تعظيمه وإجلاله وتوقيره) .
4- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب: 53].
فنهاهم سبحانه وتعالى عن أن يعاملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوسع في الانبساط والاسترسال كما يعامل من لا يهاب ولا يتقى، فيدخل بيته بغير إذنه إذا دعاهم إلى طعام لم ينضج، وأحاطوا به منتظرين إدراكه, وإذا حضر الطعام ودخلوا وطعموا لزموا مجالسهم مستأنسين بالمحادثة، وأخبرهم أن ذلك منهي عنه، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تأذى منه ويستحى أن يكلمهم، كما أدبهم فيما ينبغي عليهم تجاه معاملتهم مع أزواجه صلى الله عليه وسلم, وهذا كله مما يدل على ماله صلى الله عليه وسلم من التعظيم, والاحترام.
5- وقد جاء بعد هذه الآيات الأمر بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: 56].
ووجه إيصال هذه الآية بما قبلها هو أنه لما كان من الواجب على المكلفين تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم برفع الأذى عنه, وإظهار شرفه وكرامته, فذكر الله تعالى القسم الأول- أي رفع الأذى- في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [الأحزاب: 53] إلى آخرها وذكر القسم الثاني- أي إظهار شرفه وكرامته- في هذه الآية الثانية، وبدأ بالأول لأن دفع المفاسد أهم.
وأيضاً لما أرشد الله تعالى المؤمنين إلى تعظيمه صلى الله عليه وسلم بتعلم سلوك طريق الأدب معه في أشياء كثيرة تتعلق بحياته وموته إظهاراً لشرفه, وتعظيماً له، عقبه بما يدل على أنه تعالى أيضاً معظم لشأنه أيضاً، وكذلك ملائكته المقربون حملة العرش وحفظته, الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
وفيه بيان لمنقبة عظيمة له صلى الله عليه وسلم, فإن الملك قد يأمر بإكرام شخص ولا يكون عنده بمكان, فأزيل هذا التوهم, وبين أنه أكرم الخلق على ربه تعالى....
6- وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب: 57-58]
فالله تعالى من تعظيمه لنبيه صلى الله عليه وسلم حفظ له كرامته, وصان له حقه, ففرق بين أذاه وأذى المؤمنين، فأوجب على من آذى النبي صلى الله عليه وسلم اللعن والطرد من رحمته, وهذا حكم على من آذاه بالكفر, وفي الآخرة له العذاب المهين ومصيره إلى جهنم وبئس المصير. بينما حكم على من آذى المؤمنين بالبهتان والإثم, والفرق يين الحكمين ناتج عن الفرق بين حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في استدلاله بهذه الآية على وجوب قتل من آذى النبي صلى الله عليه وسلم: (ودلالتها من وجوه:
أحدها: أنه قرن أذاه بأذاه كما قرن طاعته بطاعته، فمن آذاه فقد آذى الله تعالى، وقد جاء ذلك منصوصاً عنه، ومن آذى الله فهو كافر حلال الدم. بين ذلك أن الله تعالى جعل محبة الله ورسوله، وإرضاء الله ورسوله, وطاعة الله ورسوله شيئاً واحداً فقال تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:24] وقال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ [آل عمران: 132] في مواضع متعددة، وقال تعالى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة: 62] فوحد الضمير، وفي ذلك إشارة إلى أن إرضاء الله إرضاء للرسول, وإرضاء الرسول فيه إرضاء لله، وقال أيضاً: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ [الفتح: 10] وقال أيضاً: يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول الأنفال: 1[]
وجعل شقاق الله ورسوله, ومحادة الله ورسوله, وأذى الله ورسوله, ومعصية الله ورسوله شيئاً واحداً، فقال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأنفال: 13] وقال: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة: 20] وقال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة: 63] وقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [النساء: 14].
وفي هذا وغيره بيان لتلازم الحقين، وأن جهة حرمة الله تعالى ورسوله جهة واحدة، فمن آذى الرسول فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، لأن الأمة لا يصلون ما بينهم ويين ربهم إلا بواسطة الرسول، ليس لأحد منهم طريق غيره، ولا سبب سواه, وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه, وإخباره وبيانه، فلا يجوز أن يفرق بين الله ورسوله في شيء من هذه الأمور.
وثانيها: أنه فرق بين أذى الله ورسوله وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً وجعل على ذلك اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد له العذاب المهين، ومعلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم وفيه الجلد، وليس فوق ذلك إلا الكفر والقتل.
الثالث: أنه ذكر أنه لعنهم في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً، واللعن: الإبعاد عن الرحمة، ومن طرده عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافراً, فإن المؤمن يقرب إليها بعض الأوقات ولا يكون مباح الدم، لأن حقن الدم رحمة عظيمة من الله، فلا تثبت في حقه...) .
ومما يوضح ذلك أن سب النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلق به عدة حقوق: أ- حق الله سبحانه من حيث كفر برسوله, وعادى أفضل أوليائه وبارزه بالمحاربة, ومن حيث طعن في كتابه ودينه، فإن صحتهما موقوفة على صحة الرسالة، ومن حيث طعن في ألوهيته، فإن الطعن في الرسول طعن في المرسِل، وتكذيبه تكذيب لله تبارك وتعالى وإنكار لكلامه وأمره وخبره وكثير من صفاته.
ب- وتعلق به حق جميع المؤمنين من هذه الأمة ومن غيرها من الأمم، فإن جميع المؤمنين مؤمنون به خصوصاً أمته, فإن قيام أمر دنياهم ودينهم وآخرتهم به, بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والآخرة بوساطته وسفارته، فالسب له أعظم عندهم من سب أنفسهم, وآبائهم, وأبنائهم, وسب جميعهم، كما أنه أحب إليهم من أنفسهم, وأولادهم, وآبائهم, والناس أجمعين.
ج- وتعلق به حق رسول الله كلها من حيث خصوص نفسه, فإن الإنسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه أخذ ماله، وأكثر مما يؤذيه الضرب، بل ربما كانت عنده أعظم من الجرح ونحوه، خصوصاً من يجب عليه أن يظهر للناس كمال عرضه, وعلو قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والآخرة .
7- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 104].
قال بعض المفسرين: هي لغة كانت في الأنصار، نهوا عن قولها تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم وتبجيلاً له، لأن معناها ارعنا نرعك، فنهوا عن قولها، إذ مقتضاها كأنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم، بل حقه أن يرعى على كل حال.
وقيل: كانت اليهود تعرض بها للنبي صلى الله عليه وسلم بالرعونة, فنهي المسلمون عن قولها قطعاً للذريعة، ومنعاً للتشبه بهم في قولها لمشاركة اللفظة, وقيل غير هذا .
8- وقال تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [الأحزاب: 53].
ففي هذه الآية حرم الله على الأمة أن تنكح أزواجه من بعده لأن ذلك يؤذيه, وجعله عظيماً عند الله تعظيماً لحرمته صلى الله عليه وسلم، فحرم تعالى على الأمة ما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضاً، وذلك تمييزاً لنبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيماً لشأنه. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت لما قال بعض الناس: لو قد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة .
ولو أن أحداً أقدم على هذا الأمر فنكح أزواجه أو سراريه لكانت عقوبته في الشرع هي القتل جزاء له بما انتهك من حرمته, والدليل على ذلك ما رواه مسلم بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن رجلاً كان يتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي اذهب فاضرب عنقه فأتاه علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها، فقال له علي أخرج فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر فكف علي عنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه لمجبوب ما له ذكر)) .
قال ابن تيمية رحمه الله: (فهذا الرجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه لما قد استحل من حرمته، ولم يأمر بإقامة حد الزنا، لأن إقامة حد الزنا ليس هو ضرب الرقبة، بل إن كان محصناً رجم، وان كان غير محصن جلد، ولا يقام عليه الحد إلا بأربعة شهداء أو بالإقرار المعتبر، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه من غير تفصيل بين أن يكون محصناً أو غير محصن علم أن قتله لما انتهكه من حرمته... فلما تبين أنه كان مجبوباً علم أن المفسدة مأمونة منه...) .
وبالإضافة إلى ما تقدم، فقد أوجب الله على الأمة احترام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وجعلهن أمهات في التحريم والاحترام .
فقال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب: 6] ففي هذه الآية رفع الله مقام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبوأهن منزلة عالية، وهي منزلة الأمومة لجميع المؤمنين، وفي ذلك من الحرمة والاحترام, والتوقير, والإكرام, والإعظام ما يوجب على كل مسلم أن يحفظ لهن هذا الحق ويؤديه على الوجه المطلوب منه شرعاً.
وهذه المنزلة لأمهات المؤمنين هي من التشريف والتعظيم الذي أعطاه الله للنبي صلى الله عليه وسلم.
9- وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 62-63].
ففي هاتين الآيتين الكريمتين منهج تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان ما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمنين في جميع أمورهم التي تربطهم به صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، وخلع عليه جلابيب حرصه عليهم، وعزة عنتهم عليه....وجاء في (الكشاف) عند تفسير هذه الآيات: (أراد الله عز وجل أن يريهم عظيم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذنه، إذا كانوا معه على أمر جامع فجعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله مع تصدير الجملة بإنما وإيقاع المؤمنين مبتدأ مخبراً عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين، ثم عقبه بما يزيده توكيداً وتشديداً حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور: 62] وضمنه شيئاً آخر، وهو أنه جعل الاستئذان كالمصدق بصحة الإيمان, وعرض بالمنافقين وتسللهم لواذاً) .
وبهذه النصوص يتبين للمسلم أن حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل, وأعظم, وأكرم, وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم, والآباء على أولادهم, لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة، وعصم به لنا أرواحنا, وأبداننا, وأعراضنا, وأموالنا, وأهلينا, وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لأمر إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم، فأية نعمة توازي هذه النعم, وأية منة تداني هذه المنن. ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته, وتوعدنا على معصيته بالنار، ووعدنا باتباعه الجنة, فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة.
فحق علينا إذاً أن نحبه, ونجله, ونعظمه, ونهابه، فبهذا نكون من المفلحين: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 157] فالآية بينت أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان به تعزيره, ولا خلاف أن التعزير هنا التعظيم , فلقد سجل الله في هذه الآية الفلاح بأسلوب الحصر للذين تأدبوا بهذا الأدب القرآني الرفيع.
وكما قال تعالى في الإنافة بمقامه الأشرف، وبيان حقه على كل مؤمن ومؤمنة: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: 8-9].
وقد ذهب علماء السلف إلى أن الضمير في قوله جل شأنه: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعناه: تعظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفخموه في أدب المخاطبة والتحدث إليه ومجالسته. قال ابن تيمية: (فالتسبيح لله وحده، والتعزير والتوقير للرسول، والإيمان بالله ورسوله) .
فهذه الآيات وغيرها نزلت لتبين مقام شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند ربه، مما يوجب على المؤمنين برسالته أن يكونوا في مخاطباتهم معه على سنن الإجلال والتعظيم



نواقض الايمان بالنبي

إن مما ينبغي معرفته بعد توضيح معنى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم, وتبيين شروط الشهادة ومراتبها, أن تعرف نواقض هذا الأمر ومبطلاته حتى يحترز المسلم من الوقوع فيها، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني...)) الحديث.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية) .
ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم أعظم هذه الأمة إيماناً لكمال معرفتهم بالخير والشر، وكمال محبتهم للخير, وبغضهم للشر، لما علموه من حسن حال الإيمان والعمل الصالح، وقبح حال الكفر والمعاصي.
ولمعرفة نواقض الإيمان به صلى الله عليه وسلم نقول:
لما كان الإيمان به صلى الله عليه وسلم يعني تصديقه وتصديق ما جاء به صلى الله عليه وسلم، والانقياد له، فإن الطعن في أحد هذين الأمرين ينافي الإيمان ويناقضه. فالنواقض على هذا الاعتبار يمكن تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول: الطعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم.
القسم الثاني: الطعن فيما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم مما هو معلوم من الدين بالضرورة، إما بإنكاره أو بانتقاصه.
القسم الأول: الطعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم:
ومما يدخل تحت هذا القسم نسبة أي شيء للرسول عليه الصلاة والسلام مما يتنافى مع اصطفاء الله له لتبليغ دينه إلى عباده، فيكفر كل من طعن في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم, أو أمانته, أو عفته, أو صلاح عقله ونحو ذلك.
كما يكفر من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه, أو نسبه, أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرّض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه, أو التصغير لشأنه, أو الغض منه أو العيب له، فهو ساب له, والحكم فيه حكم الساب يقتل كفراً، وكذلك من لعنه، أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام, وهُجر ومنكر من القول وزور، أو عيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو تنقصه ببعض العوارض البشرية الجائزة المعهودة لديه .
فالساب إن كان مسلماً فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم.
وإن كان ذمياً فإنه يقتل أيضاً في مذهب مالك وأهل المدينة, وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث, وهو المنصوص عن الشافعي نفسه كما حكاه غير واحد .
وهذا الحكم على الساب والمستهزئ، يستوي فيه الجاد والهازل بدليل قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65-66].
وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، (فالسب المقصود بطريق الأولى)، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جاداً أو هازلاً فقد كفر.
وقد رُوي عن رجال من أهل العلم منهم ابن عمر, ومحمد بن كعب, وزيد بن أسلم, وقتادة- دخل حديث بعضهم في بعض- أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فقال له عوف بن مالك: كذبت ولكنك رجل منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله, إنما كنا نلعب ونتحدث حديث الركب, نقطع به عناء الطريق.
قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإن الحجارة لتنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون)) ما يلتفت إليه، ولا يزيده عليه .
فهؤلاء لما تنقصوا النبي صلى الله عليه وسلم حيث عابوه والعلماء من أصحابه, واستهانوا بخبره أخبر الله أنهم كفروا بذلك وإن قالوه استهزاء فكيف بما هو أغلظ من ذلك؟ .
ومن الأدلة على كفر الطاعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً [الأحزاب: 57].
واللعن: الإبعاد عن الرحمة، ومن طرده عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافراً .
وفي هذه الآية قرن الله بين أذى النبي صلى الله عليه وسلم وأذاه, كما قرن في آيات أخر بين طاعته وطاعة نبيه، وفى هذا وغيره بيان لتلازم الحقين، وأن جهة حرمة الله تعالى ورسوله جهة واحدة، فمن آذى الرسول فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله، لأن الأمة لا يصلون ما بينهم وبين ربهم إلا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد منهم طريق غيره, ولا سبب سواه، وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه, وإخباره وبيانه, فلا يجوز أن يفرق بين الله ورسوله في شيء من هذه الأمور .
ومن الأدلة الواردة في السنة حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله، فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟، قال: نعم...)) الحديث . فعلم من هذا الحديث أن من آذى الله ورسوله كان حقه أن يقتل كما قتل كعب بن الأشرف, والأدلة من الكتاب والسنة على هذه المسألة كثيرة ولا مجال لاستيعابها هنا.
- الإجماع: وقد أجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه، وكذلك حكى غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره.
وقال الإمام إسحاق بن راهوية أحد الأئمة الأعلام: (أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئاً مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبياً من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بكل ما أنزل إليه). وقال الخطابي: (لا أعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله). وقال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم والمتنقص له كافر، والوعيد جاء عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل, ومن شك في كفره وعذابه كفر .
ومن المعلوم أن سب النبي صلى الله عليه وسلم تعلق به عدة حقوق:
1- حق الله سبحانه:
من حيث كفر برسوله، وعادى أفضل أوليائه, وبارزه بالمحاربة، ومن حيث طعن في كتابه ودينه، فإن صحتهما موقوفة على صحة الرسالة، ومن حيث طعن في ألوهيته، فإن الطعن في الرسول طعن في المرسل, وتكذيبه تكذيب لله تبارك وتعالى, وإنكار لكلامه, وأمره, وخبره, وكثير من صفاته.
2- وتعلق حق جميع المؤمنين:
من هذه الأمة ومن غيرها من الأمم به، فإن جميع المؤمنين مؤمنون به خصوصاً أمته فإن قيام أمر دنياهم ودينهم وآخرتهم به، بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والآخرة بواسطته وسفارته, فالسب له أعظم عندهم من سب أنفسهم, وآبائهم, وأبنائهم, وسب جميعهم، كما أنه أحب إليهم من أنفسهم, وأولادهم, وآبائهم, والناس أجمعين.
3- وتعلق حق رسول الله صلى الله عليه وسلم به:
من حيث خصوص نفسه، فإن الإنسان تؤذيه الوقيعة في عرضه أكثر مما يؤذيه أخذ ماله، وأكثر مما يؤذيه الضرب، بل ربما كانت عنده أعظم من الجرح ونحوه، خصوصاً من يجب عليه أن يظهر للناس كمال عرضه وعلو قدره لينتفعوا بذلك في الدنيا والآخرة، فإن هتك عرضه وعلو قدره قد يكون أعظم عنده من قتله، فإن قتله لا يقدح عند الناس في نبوته ورسالته وعلو قدره كما أن موته لا يقدح في ذلك، بخلاف الوقيعة في عرضه فإنها قد تؤثر في نفوس بعض الناس من النفرة عنه, وسوء الظن به ما يفسد عليهم إيمانهم, ويوجب لهم خسارة الدنيا والآخرة... .
وبهذا يعلم أن السب فيه من الأذى لله ولرسوله ولعباده المؤمنين ما ليس في غيره من الأمور كالكفر والمحاربة.
وبما تقدم ذكره من الأدلة يتضح انتقاض إيمان من طعن في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم بسب, أو استهزاء, أو انتقاص سواء كان في ذلك جاداً أو هازلاً.
ويستثنى من ذلك المكره بدليل قوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل: 106] فالآية نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم, فوافقهم على ذلك مكرهاً وجاء معتذراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية، وروى أن مما قاله أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله ما تركت حتى سببتك, وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، فقال: إن عادوا فعد)) . وفي ذلك أنزل الله: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ، ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يأبى، كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك، وهم يفعلون به الأفاعيل... .
القسم الثاني: من نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم:
الطعن فيما أخبر به الرسول لا- مما هو معلوم من الدين بالضرورة- إما بإنكاره أو انتقاصه.
فإذا اجتمعت الشروط التالية في المنكر وهي:
أ- أن يكون ذلك الأمر المنغص من الأمور التي أجمعت عليها الأمة, وأن يكون من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة: أي أن يكون علمه منتشراً كالصلوات الخمس, وصوم شهر رمضان، وعموم رسالته .
ب- أن لا يكون المنكر حديث عهد بالإسلام لا يعرف حدوده, فهذا إذا أنكر شيئاً من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة جهلاً به فإنه لا يكفر .
ج- أن لا يكون المُنكِر مكرهاً على ذلك، فإن المكره له حكم آخر كما قدمنا ذلك.
والمُنكِر في هذه الحالة يحكم بكفره وانتقاض إيمانه. والمنتقص لأمور الدين إذا كان غير مكره فإنه يكفر سواء كان جاداً في ذلك أم هازلاً.
والأمثلة على هذا القسم كثيرة جداً نذكر منها على سبيل المثال ما يختص بجانب الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
أولاً: أن يعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه, وأن حكم غيره أحسن من حكمه, كالذين يفضلون القانون الوضعي على حكم الشرع, ويصفون الشريعة الإسلامية بالقصور والرجعية وعدم مسايرة التطور، وهذا من أعظم المناقضة لشهادة أن محمداً رسول الله.
ثانياً: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فهو كافر .
ثالثاً: اعتقاد الإنسان أنه يسعه الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا الأمر صورتان:
الأولى: أن لا يرى وجوب تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا وجوب طاعته فيما أمر به, وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عظيم القدر علماً وعملاً, وأنه يجوز تصديقه وطاعته, ولكنه يقول إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحداً, ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته, وهذا هو قول الفلاسفة الصابئة, وهذا القول لا ريب في كفر صاحبه، فمن نواقض الإسلام أن يعتقد الإنسان عدم كفر المشركين, ويرى صحة مذهبهم، أو يشك في كفرهم.
وهذا القول هو الذي ينادي به في وقتنا الحاضر من يدعون إلى وحدة الأديان, ويروج لهم في ذلك الماسونية اليهودية.
الثانية: من يرى طلب العلم بالله من غير خبره، أو العمل لله من غير أمره، وهؤلاء وإن كانوا يعتقدون أنه يجب تصديق الرسول أو تجب طاعته، لكنهم في سلوكهم العلمي والعملي غير سالكين هذا المسلك, بل يسلكون مسلكاً آخر إما من جهة القياس والنظر، وإما من جهة الذوق والوجدان، وإما من جهة التقليد، وما جاء عن الرسول إما أن يعرضوا عنه وإما أن يردوه إلى ما سلكوه.
وإضافة إلى هذه النواقض فإن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ينتقض أيضا بالنواقض العامة الأخرى للإسلام.
__________________
كل خير في إتباع من سلف و كل شر في إبتداع من خلف
و مالم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دين
فالكتاب و السنة بفهم السلف طريق الحق و سفينة النجاة
http://egysalafi.blogspot.com/

https://www.facebook.com/saberalsalafi?fref=nf
https://twitter.com/alsalafih2012
صابر السلفي غير متواجد حالياً  
قديم 09-25-2015, 06:36 PM   #2
ابو نضال
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 2,255
معدل تقييم المستوى: 11
ابو نضال is on a distinguished road
افتراضي رد: جامع عقيدة الايمان بالنبي ( هام لكل مسلم )



بسم الله الرحمن الرحيم


بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد




وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله


ابو نضال غير متواجد حالياً  
إضافة رد

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تبع أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم مصطفى الشاذلي منتدى سيد الخلق عليه الصلاة والسلام 3 09-26-2015 09:09 AM
التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل الأعمال أبو عادل منتدى سيد الخلق عليه الصلاة والسلام 5 09-26-2015 06:57 AM
عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، فهل هو أول رائد فضاء؟ أبو عادل منتدى سيد الخلق عليه الصلاة والسلام 6 09-25-2015 09:57 PM
حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم عبد الحكيم.. قسم فتاوى العلماء 1 02-06-2014 11:49 AM
التعليق على كتاب النذور و الايمان و القسامة و الحدود و الاقضية و اللقطة من صحيح مسلم للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى مسلم التونسي تراث الشيخ محمد بن صالح العثيمين 2 04-20-2013 08:47 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية
جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة الكعبة الإسلامية © 2018