تسجيل الدخول

قديم 03-28-2017, 09:02 PM   #1
NESR
كبير المراقبين
 
تاريخ التسجيل: Nov 2011
المشاركات: 270
معدل تقييم المستوى: 0
NESR is on a distinguished road
افتراضي الولايات الإسلامية في العهد النبوي

عبد الشافي محمود عبد الشافي



في العام السادس من الهجرة قَبِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاهدة صلح الحديبية، رغم المعارضة الشديدة من بعض أصحابه، واستثمر بنودها بنجاح فائق، ظهر أثره واضحاً بعد فترة وجيزة.


فقد كان من أهم بنود صلح الحديبية وأعظمها أثراً على مستقبل الدعوة والدولة، ذلك البند الذي نص على هدنة، أو فترة سلام بين الفريقين مدتها عشرة أعوام؛ ذلك أنه ما إن استقر في المدينة بعد عودته من الحديبية حتى شرع في تنفيذ خطة واسعة النطاق لتبليغ الدعوة إلى جميع مناطق شبه الجزيرة العربية وإلى الدول الأجنبية المجاورة، ففي شهر المحرم من العام السابع الهجري أرسل - صلى الله عليه وسلم- ستة سفراء دفعة واحدة، إلى كسرى فارس، وهرقل إمبراطور الروم، والمقوقس في مصر، ونجاشي الحبشة، وأمير غسان بالشام، وزعيم بني حنيفة في اليمامة [1].


اليمن أول إقليم عربي يدخل تحت سيادة الدولة الإسلامية:


والذي يهمنا من أمر هذه الرسائل الآن، هو أمر رسالته إلى كسرى فارس؛ فقد كانت هذه الرسالة وما ترتب عليها من رد فعل مفتاح إسلام أهل اليمن، ودخولهم ضمن نفوذ الدولة الإسلامية.


والذي حمل رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى أبرويز بن هرمز، هو عبد الله بن حذافة السهمي - رضي الله عنه- ، فلما أوصل إليه الرسالة، وقرئت عليه استبد به الغضب والغرور، وقال: يكتب إليَّ وهو عبدي -يقصد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وطرد عبد الله بن حذافة مبعوث النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدائن، ثم أرسل كتابا إلى باذان -عامله على اليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين، فليأتياني به.


فامتثل باذان لأمر سيده، وأرسل قائدين من قواده هما خرخسرو وبابويه ومعهما عدد من الجنود، وقال لبابويه: ائت بلد هذا الرجل وكلمه وائتني بخبره فخرجا حتى قدما على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلمه بابويه، فقال: "إن شاهنشاه -ملك الملوك كسرى- قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد بعثني إليك لتنطلق معي، فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك ينفعك ويكفه عنك، وإن أبيت، فهو مَن قد علمت، فهو مهلك، ومهلك قومك، ومخرب بلادك".


فقال لهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ارجعا حتى تأتياني غداً)) وأتى رسول الله الخبر من السماء، وأن الله سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله، فدعاهما فأخبرهما، فقالا له: هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا، أفنكتب هذا عنك ونخبر الملك؟ قال: ((نعم، أخبراه ذلك عني، وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى، وقولا له: إن أسلمت أعطيت ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء)).


أوصل رسولا باذان رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه، ثم جاءته الأخبار من فارس تصدق ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يلبث باذان أن أراد الله به خيراً، وشرح صدره للإسلام، وأرسل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وفداً برئاسة فيرزز الديلمي بإعلان إسلامه، وإسلام الأبناء من أهل اليمن [2].


وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على حكم المناطق التي كان يتولاها تحت الإدارة الفارسية، والتي يبدو أنها كانت قاصرة على منطقة صنعاء وما حولها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولى ولاة آخرين على بقية مناطق اليمن التي تتابع دخولها في الإسلام، وكانت سياسة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يولي على كل قوم زعيماً منهم.


وكيفما كان الأمر، فإن باذان كان أول ملوك العجم الذين أسلموا وولاه النبي -صلى الله عليه وسلم- الحكم باسم الإسلام [3] وهذا أبلغ دليل على عالمية الإسلام، وسماحته، وارتفاعه فوق القوميات والعصبيات، فرجل أعجمي وأجنبي عن البلاد يسلم فلا مانع إطلاقاً من أن يحكم تحت راية الإسلام.


ومن ولاة اليمن معاذ بن جبل، وأبو موسى الأشعري، وعلي بن أبي طالب، وعمرو بن حزم الأنصاري - رضي الله عنهم-، ومر تنظيم حكم اليمن، وتقسيم مناطقه بمراحل حيث أصبح بعد حجة الوداع على النحو التالي:

1- مخلاف صنعاء وعليه شهر بن باذان.

2- مخلاف حضرموت وعليه زياد بن لبيد البياضي.

3- مخلاف تهامة وعليه الطاهر بن أبي هالة.

4- مخلاف الجند -عاصمة حمير- وعليه معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، وكان له الإشراف على بقية المخاليف، وتجمع عنده الأموال ليرسلها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة [4].

رأينا كيف وصلت الدعوة الإسلامية إلى اليمن، وأصبحت جزءا من الدولة الإسلامية، يحكمها ولاة من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوافد عليها الصحابة قضاة ومعلمين.

ولاية مكة في العهد النبوي:


وفي العام الثامن الهجري وفي شهر رمضان توجه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة ففتحها، ويقول الطبري: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك فيها أبا بكر -رضي الله عنه- ليدبر الأوضاع بعد الفتح ويعلم الناس.


ثم تولى ولاية مكة عتاب بن أسيد، وظل والياً عليها حتى وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- [5] وفرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعتاب درهماً واحداً في اليوم كراتب، وكان عتاب بن أسيد، يقول: "أجاع الله كبد من جاع على درهم فقد رزقني رسول الله درهما كل يوم فليست لي حاجة إلى أحد" وهذا الراتب من أول ما وضع من الرواتب للعمال [6].


وهكذا أسلمت مكة -بعد مقاومتها العتيدة للإسلام- وأصبحت ولاية إسلامية، وقد عيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- سعيد بن العاص -رضي الله عنه- لمراقبة سوق مكة بعد الفتح.

ولاية الطائف في العهد النبوي:


في شهر رمضان من العام التاسع الهجري قدوم ثقيف إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد عودته من تبوك، وذلك بعد ما يقرب من عام من حصار الطائف وفكه عنها، وأعلنوا إسلامهم، فلما أسلموا كتب لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتاباً، وأمّر عليهم عثمان بن أبي العاص، بعد أن شاور فيه أبا بكر -رضي الله عنه-، فقال له أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "إني قد رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن".


ولاية البحرين في العهد النبوي:


بعد فتح مكة أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- العلاء بن الحضرمي -رضي الله عنه- إلى المنذر بن ساوي أمير البحرين وكتب إليه كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام، فأسلم ورد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتاب، جاء فيه: "أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه ومنهم من كرهه، وفي أرضي مجوس ويهود فأحدث إلى في ذلك أمرك".


فرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتاب، جاء فيه: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله [7] أما بعد: فإني أذكرك الله -عز وجل- فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، فإنه من يطع رسلي، ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية)) [8].


بهذا الشكل دخل أهل البحرين الإسلام، وأبقى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أميرهم المنذر بن ساوي يحكمهم نيابة عنه، وبقي العلاء بن الحضرمي معه قاضياً ومعلماً وجامعاً للصدقات.


ولاية عمان في العهد النبوي:


ثم أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن العاص -رضي الله عنه- إلى جيفر وعبد -أو عباد- ابني الجلندي ملكي عمان، يدعوهما للإسلام، وأرسل إليهما معه كتاباً، هذا نصه:

((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعباد ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيًّا، ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام، فإن ملككما زائل عنكما، وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما)) [9].


أوصل عمرو بن العاص -رضي الله عنه- كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهما وبعد مناقشات طويلة استطاع إقناعهما فأسلما وأسلم قومهما بإسلامهما، وبقيا يحكمان بلدهما وبقي عمرو بن العاص -رضي الله عنه- ليجمع الصدقات ويحكم، ويقضي بين الناس، وقال عنهما: "وصدقا النبي -صلى الله عليه وسلم- وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا عونا لي على من خالفني" [10].


وهكذا في فترة وجيزة بعد صلح الحديبية، انتشرت الدعوة الإسلامية، وامتد نفوذ الدولة من اليمن إلى عمان والبحرين بالإضافة إلى مكة والطائف وأصبح على كل هذه المناطق ولاة من قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإلى جانبهم قضاة ومعلمون وجباة.


وبعد عودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك في رمضان من السنة التاسعة للهجرة أقبلت عليه الوفود من سائر أنحاء الجزيرة العربية [11] معلنة إسلامها وبيعتها، وقبولها الدخول تحت سيادة الدولة، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعين عليهم الأمراء والقضاء وجامعي الصدقات [12].


بحيث يمكننا القول: إن الجزيرة العربية بأسرها انتظمتها وحدة دينية وسياسية تحت زعامة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأول مرة في تاريخها.


أبو بكر الصديق أول خليفة لرسول الله:


وبوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- انتهت مهمته كرسول وانقطع الوحي؛ لأنه خاتم الأنبياء، وبقيت مهمته كرئيس للدولة الإسلامية، وكان لا بد لهذه المهمة من يشغلها، وقد أعطى الصحابة -رضوان الله عليهم- هذه القضية ما تستحقه من اهتمام وبرهنوا على إحساس عميق بالمسؤولية.


فحسم الصحابة الكرام أمر من يخلف النبي -صلى الله عليه وسلم- في زعامة الدولة، في نفس اليوم الذي توفي فيه -على أرجح الروايات- وبويع أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- خليفة وزعيما للأمة، بما يشبه الإجماع.


وكان تعليق أحد الصحابة على هذه البيعة المباركة بهذه السرعة وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل -رضي الله عنه-، قال: "لقد كرهنا أن نبيت ليلة واحدة بعد وفاة نبينا -صلى الله عليه وسلم- بدون إمام".
NESR غير متواجد حالياً  
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مختارات من الكتب الإسلامية..1460 كتاب في شتى العلوم الإسلامية مسلم التونسي الكتب الالكترونية الاسلامية 7 09-14-2012 02:23 PM
هل العهد القديم كلمة الله كتاب الكتروني رائع. أبو عادل الكتب الالكترونية الاسلامية 5 02-08-2011 08:54 AM
هل العهد الجديد كلمة الله كتاب الكتروني رائع؟ أبو عادل الكتب الالكترونية الاسلامية 6 02-08-2011 08:54 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية
جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة الكعبة الإسلامية © 2018