صور وعبر.. في عشر الخير

[انى احبكم فى الله]

صور وعبر.. في عشر الخير

تتسارع الصور في مخيلتها.. ثم تتضام باتساق بديع تحيطها هالة من رغبة ولهفة نحو خير الديار..ومعها..تهفو نفسها الظمأى إلى زاد إيماني يمدها به الحج..ولا حج..! فتذهب نفسها حسرات أن لوملكت أن تحج..
لم تزل تداوي مهجة حرى أمض بها رحيل الحبيب رمضان بما قصرت فيه وفرطت،وكان الأمل يحدوها بالتعويض عن التقصير بأداء الحج فما تيسرت السبل وما تهيأت .. ويتناهى إلى سمعها نداء شجي:

يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي

فتجهش باكية: رب لا تحرمني خير ما عندك بسوء ما عندي..!
إليها - ومعظمنا تلك - يقول ابن رجب:
"لما كان الله تعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينا إلى مشاهدة بيته الحرام وليس كل أحد قادرا على مشاهدته كل عام؛ فرض الله تعالى على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قدر على عمل في بيته، فيكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج!!) أ.هـ
فيا الله! ما أكرم الله!ويا الله! ما أعظم فضل الله!!
ولا غرو أن تكون أفضل من الجهاد ومن الحج، ألم يقسم الله تعالى بها؟!: {وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ} ولا يقسم العظيم إلا بعظيم..
وإنها لخير أيام الدنيا يشهد بذلك خير البشر، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر".
ولنتأمل معا هذي الصور:
غادٍ في سبيل الله ينافح عن أرض الإسلام بكل ما أوتي.. يشده الحنين إلى أهل وأصحاب خلّف في عيونهم الدمع شوقا إليه وتوقا..فيدفع غصة حرى.. ودمعة تتأرجح.. ويمضي منافحا.. ولا زال .. في طريقه ماض..
محسن ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر..تعرفه بيوت الأرامل والمساكين وأولي العوز.. يمسد شعر يتيم.. ويكفكف دمع مسكين..يضحي بإجازة له ماتعة.. ليزور بنفسه تلك القرى المعوزة.. ولا زال.. في طريقه ماض..
بار يتلمس الأجر في عجوز له مقعدة.. تلك العجوز هي سر حياته ومحط بره واهتمامه.. لا يألوجهدا في خدمتها.. ولا يقدم رضا بشر على رضاها.. ولازال .. في طريقه ماض..
لكنك تستطيعين أن تكسبي - في هذه العشر- أكثر مما يكسب هذا المجاهد والمنفق والبار في غيرها.. فكيف؟!!!
إليك ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الترمذي وأبي داوود أنه عليه صلوات ربي وسلامه قال: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".
فأين المشمرون بصدق؟
ومن عجب لا ينقضي أن يجد المرء من نفسه إقبالا على الطاعة والعبادة في رمضان، ولا يجتهد في ذلك في هذه العشر!أن يجاهدها في رمضان، ولا يجاهدها في هذه العشر! أن يقهر أهواءها ورغائبها في رمضان ولا يحرص في هذه العشر! وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان: أيهما أفضل؟ فأجاب: عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان،والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.*4
أفيستقيم بعد هذا أن تقضى تلك الأيام في النوم بعد سهر منيت به ليالي إجازاتنا؟!
ألا وإن العاقلة الحصيفة لا تدع موسما كهذا يمر دون أن تشمر له عن ساعد الجد، فتعد له عدته، وتتخذ له أهبته، وترسم لهذا المشروع مخططه،فتستعد له قبل أن يقدم،وتهيئ له قرى الضيف قبل أن يحل. وها هنا أمور تورد في هذا السياق إجمالا كذكرى، فإن الذكرى تنفع المؤمنين:
· صدق النية: فمن صدق مع الله أعانه الله، ومن صدق مع الله قراره، صدق إلى الله فراره.
· العزم على التوبة: فلولم يكن من آثار التوبة سوى تبديل السيئات حسنات لكفى!
· البعد عن المعاصي وأسبابها: فإن عرفت مجلسا لا يخلوفي الغالب من غيبة فاجتنبيه تحرزا، وإن كان مجلس لهو فاعتزليه، وإن كان مكان قنوات فانبذيه.
· التقرب إلى الله بالطاعات:
وأهمها:
* الفرائض: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه" وأهم الفرائض الصلاة وإنها لأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة فإن صلحت صلح العمل وإن فسدت رد العمل في وجه صاحبه. وإن تضييع الصلاة لأجل نفل لخسار، فكيف بمن يضيعها في لهو!
وإن التفريط بحق الوالدين أيضا لخسار، أفتقدم قراءة القرآن وسائر النوافل على بر من قرن الله حقهما بحقه؟ وإلى تلك الصالحة نقول: لعملك في المطبخ إلى جانب والدتك لهو خير من مجهود جبار تقضين به وقتك في الدعوة بينما أمك تباشر أعمالا تتمنى لوعرضت فيها عليها المساعدة.أين نحن من فقه الأولويات..!
* صوم هذه الأيام: فصومها وارد، و(كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به) وصيام يوم يباعد الله به عن النار سبعين خريفا.وصوم عرفة يكفر سنة ماضية وسنة قادمة.
* صلاة النفل: ومن أهمها الوتر وسنة الضحى وركعتا ما قبل الفجر فهذا هو النقل من الصلاة الذي كان رسول الله صلى اله عليه وسلم لا يدعه في سفر ولا حضر.فإن لم نصلها في هذه العشر والتي هي خير أيام السنة فمتى؟!!!!
* المداومة على ذكر الله: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبق المفردون. قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات" رواه مسلم يقول أحد السلف: إذا انكشف الغطاء للناس يوم القيامة عن ثواب أعمالهم لم يروا ثوابا أفضل من ذكر الله. فيتحسر عند ذلك أقوام فيقولون: ما كان شيء أيسر علينا من الذكر.
* الصدقة ولو بالقليل، ولا تحقري القليل فالعدم أقل منه.
* حسن الخلق: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم" رواه أبوداوود.
الابتسامة، فابتسامتك في وجه أخيك صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة. وعيادة مريض يشيعك فيها الملائكة لهي خير وأبقى.
فإلى كل أخت مسلمة عاقلة حصيفة نقول: ها هنا التمحيص فأين المجدون، وفن لم تعلُ همتنا في هذه العشر فمتى؟! وإن لم نتعبد الله في أيام قلائل كهذه فمتى؟! وإن لم نعمل في هذه الأيام ليكتب لنا الأجر مضاعفا فمتى؟!
ختاما: يقول ابن الجوزي:
"النعيم لا يدرك بالنعيم..
ومن آثر الراحة فاتته الراحة!
بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له.
صبر ساعة خير من عذاب الأبد!
وإذا تعب العبد قليلا، استراح طويلا....!" اهـ.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
سورة الفجر.
صحيح/ صحيح الجامع الصغير (1133).
صحيح/ سنن الترمذي (757)، صحيح سنن أبي داوود(2438) صحيح سنن ابن ماجه (1753).
مجموع فتاوى ابن تيمية (25/154).
رياض الصالحين (1444).

[ابو نضال]

بسم الله الرحمن الرحيم



بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد

وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله