تسجيل الدخول

قديم 03-28-2017, 08:25 PM   #1
NESR
كبير المراقبين
 
تاريخ التسجيل: Nov 2011
المشاركات: 270
معدل تقييم المستوى: 0
NESR is on a distinguished road
افتراضي صور من إخلاص الرسول صلى الله عليه وسلم

محمد نعمان البعداني
الإخلاص تصفية العمل والقول والعبادة مما يشوبها ، من رياء ومراءاة أو خداع أو كذب، ويأتي في مراتب عديدة، وهي: طرح العمل وعدم رؤيته، فضلاً عن طرح طلب العوض عنه، والخجل من العمل مع بذل الوسع والغاية فيه، مع رؤية التوفيق في العمل المخلص على أنه جود من الله تعالى، ثم إخلاصه بالخلاص منه، أي جعله خالصاً لوجه الله تعالى (1).

وقد تجلى إخلاصه صلى الله عليه وسلم لله تعالى في عبادته وجهاده ونصحه للمسلمين، ودعوته وأمره ونهيه؛ فقد كان الإخلاص رائده في كل ما يقوم به، إذ كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها إخلاصاً، فقد جاء في القرآن الكريم على لسانه صلى الله عليه وسلم: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} [الزمر:14].

ومما يدل على إخلاصه وصدقه في دعوته صلى الله عليه وسلم ما ثبت في سيرة ابن إسحاق أن عتبة بن ربيعة كان سيداً حليماً، فقال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد: يا معشر قريش! ألا أقوم إلى هذا فأكلمه أموراً، لعله أن يقبل بعضهاً فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ -وذلك حين أسلم حمزة بن عبد المطلب ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون- فقالوا: بلى يا أبا الوليد! فقم فكلمه، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا بن أخي! إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت من مضى من آبائهم، فاستمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك أن تقبل منها بعضها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل يا أبا الوليد أسمع"، فقال: يا ابن أخي! إن كنت إنما تريد بما جئت من هذا القول مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تريد شرفاً شرفناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه ولا تستطيع أن ترده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه؛ فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، ولعل هذا الذي يأتي به شعر جاش به صدرك؛ فإنكم لعمري يا بني عبد المطلب! تقدرون منه على ما لا يقدر عليه أحد، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفرغت يا أبا الوليد؟" قال: نعم، قال: فاستمع مني، قال: افعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم: {حم*تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت:1-3] فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها عليه، فلما سمعها عتبة أنصت له، وألقى بيده خلف ظهره معتمداً عليها يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة، فسجد فيها، ثم قال: "قد سمعت يا أبا الوليد! ما سمعت، فأنت وذاك"، فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض يحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟! فقال: ورائي أني –والله- قد سمعت قولاً ما سمعت لمثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة، يا معشر قريش! أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فأن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، كنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! فقال: هذا رأي لكم؛ فاصنعوا ما بدا لكم (2) .

وعن موسى بن طلحة قال: أخبرني عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا و في مجلسنا، فانهه عن إيذائنا فقال لي: يا عقيل! ائت محمداً، فانطلقت إليه فأخرجته من كِبْسٍ -قال طلحة: بيت صغير- فجاء في الظهر من شدة الحر، فجعل يطلب الفيء يمشي فيه من شدة حر الرمضاء، فأتيناهم فقال أبو طالب: إن بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم و في مجلسهم؛ فانته عن ذلك، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء فقال: "ما ترون هذا الشمس؟" قالوا: نعم، قال: "ما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم أن تشعلوا منها شعلة"، قال أبو طالب: ما كذبنا ابن أخي قط فارجعوا (3) ..

ولما جاءت قريش إلى أبي طالب وقالوا له: ما نحن يا أبا طالب! وإن كنت فينا ذا منزلة بسنك وشرفك وموضعك بتاركي ابن أخيك على هذا، حتى نهلكه أو يكف عنا ما قد أظهر بيننا من شتم آلهتنا، وسب آبائنا وعيب ديننا، فإن شئت فاجمع لحربنا، وإن شئت فدع فقد أعذرنا إليك، وطلبنا التخلص من حربك وعداوتك، فكل ما نظن أن ذلك مخلص فانظر في أمرك ثم اقض إلينا قضاءك، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي! إن القوم جاءوني فقالوا كذا وكذا، وآذنوني قبل الحرب، فأبق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، واكفف عن قومك ما يكرهون من قولك هذا، الذي فرق بيننا وبينهم، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه بداء، وأنه خاذله ومسلمه، وضعف عن نصرته والقيام معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه" (4)

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه بالموقف، فقال: ألا رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي" (5) ..

فلم تصرفه صلى الله عليه وسلم الإغراءات ولا العروض، ولا الملذات ولا الشهوات عن همه وهمته، ومبتغاه ووجهته، بل ولا حتى المشاق والأتعاب، والتهديدات والترهيب والتخويف، بل كان رابط الجأش، رافع الهامة، قوي العبارة، خالصاً مخلصاً لله تعالى، عاش صلى الله عليه وسلم لله يريد وجه الله، همه إرضاء الله تعالى وخدمة دينه، وتبليغ شريعته إلى الخلق؛ لإنقاذهم من ظلمات الكفر والجهل في الدنيا، ودركات جهنم في الآخرة، فلم يصرفه عن هذا الهدف صارف، ولم يعقه عن تحقيقه عائق.
NESR غير متواجد حالياً  
إضافة رد

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
صوم الرسول صل الله عليه وسلم محمود رضوان قسم شهر رمضان المعظم 0 06-15-2016 12:51 AM
الرسول صلى الله عليه وسلم ممدوحاً . أبو عادل منتدى سيد الخلق عليه الصلاة والسلام 6 09-26-2015 06:09 AM
هل جمع الرسول صلى الله عليه وسلم من غير مرض ولا مطر ؟ عبد الحكيم.. قسم فتاوى العلماء 0 05-22-2014 05:11 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية
جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة الكعبة الإسلامية © 2018