تسجيل الدخول


العودة   منتديات الكعبة الإسلامية > القسم الشرعى > منتدى العقيدة الإسلامية

منتدى العقيدة الإسلامية كل ما يختص بالعقيدة الإسلامية - توحيد الألوهية توحيد الربوبية توحيد الأسماء والصفات والإيمان و أركانه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-02-2013, 01:48 AM   #1
صابر السلفي
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 78
معدل تقييم المستوى: 11
صابر السلفي is on a distinguished road
افتراضي ثبات العقيدة أمام التحديات

ثبات العقيدة أمام التحديات


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنفرد بالعز والبقاء والكمال، هو الأول فليس قبله شيء، الآخر فليس بعده شيء، والظاهر فليس فوقه شيء، والباطن فليس دونه شيء، يعلم السر وأخفى، أحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله، الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما، أرسله الله رحمة للعالمين، وهداية للمتقين، وحجة على المعاندين، فأقام به الملة، وأتّم به النعمة، وألف به بعد الفرقة، وأعز به بعد الذلة والقلة، وأغنى به بعد العيلة، فلله الحمد والفضل والمنّة.


أما بعد فإن الله تعالى بعث نبيه محمداً بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، فبلّغ الرسالة وأدّى الأمانة كما أمر، وجاهد في الله حق جهاده، فكان أعظم ما جاء به – صلوات الله وسلامه عليه- توحيد الله بالنية والعمل والقول، فأخلص الدين لله من كل شائبة تلحقه، أو شائنة تداخله، كما قال الله تعالى: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [سورة الزمر:آية 2-3] وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي ﴾ [سورة الزمر:آية11-14]، وقال تعالى : ﴿ قوَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [سورة البينة: آية5]، وأمثال ذلك كثير في كتاب الله تعالى، يأمر العباد بأن يخلصوا العبادة له وحده، وكذلك ما يتعلق بذات الله تعالى من توحيد الأسماء والصفات، فهو مما جاء به رسول الله بل هذا القسم في كتاب الله أكثر مما سواه من توحيد العبادة، والأمر والنهي فما من آية إلا وفيها صفة أو أكثر، مما يدل دلالة واضحة على أن هذا الكتاب من لدن حكيم خبير، فقد علم حاجة عباده إلى ذلك، وأنه يأتي من يضل فيها أكثرُ من غيره، فبيَّنَه بياناً واضحاً شافيا، وهذا من رحمته الناس إليه أشد، كان بيانه أوضح ووجوده أعم، والرسول قد وصف الله بما وصف به نفسه في كتابه الذي أنزله ليكون هدى للعالمين، ومناراً للسالكين، وصفه بما أوحى إليه ربه تعالى فأخبر الناس بأنه يرحم ويغضب، ويرضى ويسخط، ويحب ويبغض، ويفرح ويكره ويمقت، ويعجب ويضحك، وأنه مستوٍ على عرشه عالٍ على خلقه، وأنه يسمع ويبصر، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، ويبسط يديه ليتوب مُسيء، ويستعتب مذنب، ويعطي سائلاً، أخبرهم بذلك وغيره، فآمن الصحابة به من غير شك ولا ارتياب، بدليل أنه لم يقع من أحد منهم سؤال عما كان يخبرهم به من صفات الله تعالى، إذ لو كان عندهم شك أو تردد لسألوه، كما سألوه عن أمر الصلاة والزكاة، والصوم والحج، وغير ذلك مما لله سبحانه فيه أمر ونهي، وكما سألوه عن اليتامى والخمر والميسر، وعن المحيض والأهلة، وعن النفقة والقتال في الشهر الحرام، أمن المعقول أن يسألوه عن هذه الأشياء ولا يسألوه عن معرفة الله، والعلم به الذي هو أصل الهداية، ولب العقيدة أو أساس الدعوة إليه- تعالى- ؟! لو كان لدى أحد منهم فيه لبس(1) أو ارتياب، بل المقطوع به أنهم قبلوا ما أخبرهم به نبيهم عن ربهم، وآمنوا به على ظاهره من غير شك ولا سؤال، إذ لو سأله أحد منهم عن شيء من الصفات الإلهية لنقل، كما نقلت الأحاديث الواردة عنه في أحكام الحلال والحرام، وفي الترغيب والترهيب، وأحوال القيامة، والجنة والنار، ونحو ذلك مما تضمنته كتب الحديث، معاجمها ومسانيدها وجوامعها، مع أنه كان يتكلم بصفات الله في مجامع الناس الكثيرة، وفيهم الذكي ومتوسط الذكاء، ومن هو دون ذلك، وفيهم الأعرابي والقروي، وغيرهم، فمن أمعن النظر في دواوين الحديث النبوي، ووقف على آثار السلف، علم أنه لم يرد شيءٌ البتة لامن طريق صحيح ولا ضعيف عن أحد من الصحابة- رضوان الله عليهم- على اختلاف طبقاتهم، وكثرة عددهم أنه سأل رسول الله عن معنى شيء مما وصف الرب به نفسه الكريمة في القرآن، أو على لسان نبيه شاكاً في ذلك، بل يجزم بلا تردد بأنهم كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات، عن علم وإقتناع، وآمنوا بها على نسق واحد، فأثبتوا ما أثبته الله لنفسه من الحياة والقدرة، والعلم والإرادة، والكلام، والسمع والبصر، والوجه واليد، والأصابع، والاستواء والمجيء يوم القيامة والنزول، والغضب والرضى، والسخط والمقت، والمحبة والبغض، والفرح والضحك، والرجل والقدم، وغير ذلك مما أخبرهم الله به في كتابه، وأخبرهم به رسوله، من غير تفريق بين صفة وأخرى، بل آمنوا بما أطلقه الله على نفسه الكريمة، أو أطلقه عليه رسوله، من غير تأويل ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل، ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات على ظاهرها كما وردت، وكما فهموها باللغة التي بها يخاطبون، ويتخاطبون، ولم يكن عندهم أحد منهم ما يستدل به على وحدانية الله وما يجب له ويمتنع عليه سوى كتاب الله وما اشتمل عليه من الآيات، ولم يعرف أحد منهم شيئاً من الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فانقضى جُل عصر الصحابة على ذلك،

* * *
بدء المؤامرات على العقيدة

لما بعث الله رسوله محمداً- صلى الله عليه وسلم- هداية للبشر، ورحمة للعالمين، جاهد في الله حق جهاده فأدى رسالته وبلغ أمانة ربه، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا، وواصل مسيرة الخير والنور من بعده أصحابه، فانتشر الإسلام انتشاراً لم يعهد له نظير في سالف الدهر ولاحقه لأي دعوة من الدعوات وبسرعة عجيبة، فطبق المعمورة شرقاً وغرباً، وجنوباً وشمالاً، فدخل الإسلام شعوبٌ مختلفة العادات والأفكار والأجناس واللغات، لها حضارات وأديان، فاعتاضوا عن ذلك كله بدين الإسلام، عند ذلك ثارت ثائرة المجوسية الحاقدة، واليهودية الماكرة، بغيا وحسداً، وعصفت أعاصير الخوارج(2) على الخليفة الرابع، فكان من أمرهم ما هو معروف في التاريخ، ونجم في مقابلتهم قرن الشيطان، التشيع البغيض، ثم استفحل إلى الرفض والغلو المفرط،وظهرت القدرية المنتقصة لله،ثم كان الإرجاء، والتجهم، والاعتزال، ثم جاءت الأشعرية الملتوية المتخبطة، بتأويلاتها وتحريفاتها ومتناقضاتها، حلقات متصلة العرى في حرب العقيدة، وفي البعد عن الهدى النبوي مما سوف نتعرض لشيء منه بإذن الله تعالى بإختصار شديد
...
دور اليهود في حرب العقيدة


دأبت اليهود منذ القدم، على الهدم والتخريب وقد قاوم اليهود الإسلام وإنتشاره منذ بدء الدعوة الإسلامية،وحاولوا اغتيال الرسول-صلى الله عليه وسلم-مراراً، مرة بالقتل، ومرة بالسحر، وأخرى بالسم، مع أنه -صلى الله عليه وسلم- حين ما قدم المدينة عقد معهم إتفاقا عاماً، ضمن لهم فيه الحرية في شئون عباداتهم، وأحوالهم الشخصية، وأشركهم في القيام بتكليف الدفاع عن كيان المدينة السياسي والأمني، إلا أن اليهود وقد راعهم انتشار الإسلام تنكروا لهذا الإتفاق، وأخذوا يدسون السم ويحاولون التفرقة بين صفوف الأنصار والمهاجرين من جهة، وبين الأنصار خزرجهم وأوسهم من جهة أخرى، ولم يكتفوا بهذا بل أخذوا يحاولون إثارة الشكوك والريب حول العقيدة الإسلامية، ثم تطور العداء بين الطرفين، إلى أن أدى إلى التصادم المسلح الذي إنتهى بانتصار الإسلام، وجلاء قسم من اليهود عن المدينة، ولكن الباقين منهم فيها ألبوا مشركي العرب من قريش وغطفان وغيرهم،على رسول الله بغية القضاء على الدعوة الإسلامية، ووأدها في مقر منبعها، فجاءت الأحزاب وحاصرت المدينة حصاراً محكما متعاونة مع اليهود، وابتلي المؤمنون بلاءاً عظيما وزلزلوا زلزالا شديدا، غير أن الرحمة الإلهية أدركت المسلمين فجاء النصر من الله تعالى فأرسل على الأحزاب جنوداً من جنوده، وريحا تزعزعهم، وخوفا يفزعهم، قال الله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾ إلى قوله تعالى : ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاًوَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ﴾ [سورة الأحزاب:آية25-27] فانتصر المسلمون على أعداء الله اليهود، فلم تقم لهم بعد ذلك قائمة في المدينة، وتلى ذلك فتح خيبر ووادي القرى وتيماء وغيرها، ثم زحف الإسلام على بقية الجزيرة فخضعت كلها لحكمه. وفي عصر الخلفاء الراشدين لما رأت اليهودية الحاقدة أن الإسلام قد انتشر وتمكن من القلوب، وأن لا قبل لهم بمقاومته علناً، قرر فريق من خبثائهم الدخول في الإسلام، حتى يتمكنوا من فساد العقيدة الإسلامية، ومن أبرز هؤلاء عبد الله بن وهب بن سبأ. فاستطاع اليهود أن يحركوا الفتن ويبعثوها، فنشأت السبئية الهدامة التي هي من أولى الحركات المقاومة لعقيدة الإسلام، وانضوى تحت لوائها كثير من الدهماء والغوغاء أتباع كل ناعق، فتألبوا على أمير المؤمنين عثمان بن عفان فقتلوه في داره، فارتكبوا بذلك جريمة نكراء وأمرا عظيما، وخطبا فظيعا، وفتحوا باب الفتنة، فكان قتله سبب إثارة الفتن بين المسلمين، وتفرقهم واختلاف قلوبهم، ونشوب القتال بينهم، وطمع الأعداء فيهم
..
دور المجوسية في حرب العقيدة متعاونة مع اليهود

وفي آخر عهد الصحابة رضي الله عنهم بدأت بذور الشر، ومكائد اليهود والمجوس، وغيرهم من قوى الشر تظهر، وتعمل معاول هدمها في صميم العقيدة، فحدث القول بنفي القدر، وأن الأمر أنف- أي أن الله لم يقدر على خلقه شيئا مما هم عليه، وأن أفعال العباد تقع بغير قدرة الله ولا صنعه، تعالى الله عن قولهم، وكان أول من أذاع هذا الباطل في الناس في الظاهر معبد بن خالد الجهني، ولكنه تلقاه مجوسي يدعى أبا خالد "سنسويه" ويعرف بالأسواري ولا يخفى صلة هذا المذهب بالمجوسية، وليست هذه عملية فرد بل هي مؤامرة تديرها وتنظمها جماعات من المجوس، فتلقى هذه الضلالة كثير من أهل البصرة، وزاد في شدة الأمر اعتناق عمرو بن عبيد هذا المبدأ، وكان معروفا بالعبادة والزهد والتقشف، فكان ذلك فتنة لكل مفتون، ولما عظم الإفتتان به وبما انتحله من المذهب المجوسي أكثر أئمة الإسلام التحذير من ضلالته، وفي آخر عهد الصحابة أيضا خرجت الخوارج، وصرحوا بالتكفير بالذنوب التي لاتصل إلى حد الكفر عند أهل الحق، وأوجبوا قتال مرتكب الذنب إماما كان أو غيره، وجرى بينهم و بين ابن عباس وعلي بن أبي طالب مناظرات، فلم يذعنوا للحق بل تمادوا في باطلهم، فقاتلهم علي بن أبي طالب ، وقتل منهم كثيراً ثم صار لهم بعد ذلك صولات وجولات، وشرور عريضة، كما هو معلوم في التاريخ
.
دور التشيع والرفض في إفساد العقيدة

لما تخطت رسالة الإسلام حدود الجزيرة العربية، فدخلت العراق شرقا، والشام شمالا، ومصر وأفريقيا غربا، كان ذلك سعادة للأخيار من أهل هذه البلاد، وغذاءً لأرواحهم وعقولهم، وبهجة وحبوراً تطمئن به نفوسهم، وشجي للأشرار منهم، وغصة في حلوقهم، ومبعث إحنة وغل تسممت به دماؤهم وأفكارهم. إن الأخيار أمثال عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، والحسن البصري وعبد الله بن المبارك، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأمثالهم قد استقبلوا هداية الإسلام الأصلية بأرواحهم وعقولهم، وفتحوا لها أبواب صدورهم، فساهموا في الكفاح عن كتاب الله وسنة رسوله وحرصوا على فهمهما كما فهمهما أبو بكر وعمر وعثمان وإخوانهم من أصحاب النبي وإن الأشرار أمثال عبد الله بن سبأ، وعبد الله بن يسار، وأبي بكر الكرّوس، ورشيد الهجري.
ذكر بعض العلماء أن أمما أوروبية ارتدت عن الإسلام بأسرها وشاركت في الحروب الصليبية بسبب ما اقترف الفاطميون وولاتهم من المذابح والجرائم، وهم من عصابات التشيع، ومن هذا المذهب الخبيث تفرعت نحل الإلحاد والفساد، كالباطنية القرامطة من الإسماعيلية والنصيرية، الذين يقول فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية: ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض، بل هم أشر الكفار مذهبا، وأضرهم على الإسلام وأهله. حيث يقولون ويفعلون ما يناقض الإسلام وينافيه، زاعمين أن أفعالهم هذه هي روح الدين، كقولهم أن الصلاة المرادة شرعا ليست هذه التي يصليها المسلمون، أو أن هذه الصلاة يأمر بها العامة، وأما الصلاة المرادة، أو الصلاة الخاصة فهي معرفة أسرارنا والصيام كتمان أسرارنا، والحج السفر إلى زيارة شيوخنا المقدسين، ويقولون : إن الجنة هي التمتع في هذه الدنيا باللذات وأنواع المشتهيات، والنار هي التزام الشرائع، والدخول تحت أثقالها، ويقولون: إن الدابة التي يخرجها الله في آخر الزمان هو العالم بمذهبهم الناطق به في كل وقت وأوان، واسرافيل الذي ينفخ في الصور، هو العالم الذي ينفخ بعلمه في القلوب حتى تحيي بمعرفة مذهبهم، وجبريل هو العقل الفعال الذي تستمد منه الموجودات، والقلم هو العقل الأول، والكواكب والقمر والشمس التي رآها إبراهيم، هي النفس والعقل وواجب الوجود، والأنهار الأربعة التي رآها النبي ليلة المعراج هي العناصر الأربعة، والأنبياء الذين رآهم في السماء هم الكواكب، فآدم هو القمر، ويوسف هو الزهرة، وإدريس هو الشمس، ويقولون في قوله تعالى : ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ إنه علي بن أبي طالب، وبقوله ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ هما أبو بكر وعمر، وبقوله ﴿ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْر ﴾ [سورة التوبة:آية12] هم طلحة والزبير، ﴿ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآن ﴾ [سورة الإسراء:آية60] بنو أمية، في أمثالٍ لهذه الضلالات، والسخافات كثير، وهم ينتسبون إلى رجل يقال له محمد بن نصير، كان من موالي بني نُمير وكان من أتباع الحسن العسكري، الحادي عشر من أئمة الإمامية ولما توفي الحسن ادعى هذا الرجل أن له ولدا اسمه محمد، وأنه اختفى في سرداب دار أبيه، أن الإمامة انتقلت إليه، ثم زعم أنه هو بابه الذي يأخذ منه، ولكن الشيعة اختارت رجلاً غيره ليكون باب المهدي المزعوم، فترك دعواه، وأسس فرقة النصيرية، مستمد أصولها من السبئية اليهودية، والمجوسية، والنصرانية، والشيعة الإثني عشرية، وزعم أن إله السماوات والأرض هو علي بن أبي طالب، وقال بتناسخ الأرواح، وأحيا أعياد المجوس، وحقيقة الأمر أنها مؤسسة الحادية منبثقة من المؤسسة الكبرى اليهودية المجوسية هدفها إنكار وجود الله ومحاربة العقيدة الإسلامية، تنفذه نصيرية اليوم، ومن فرق المؤسسة الكبرى لحرب العقيدة الإسلامية : القرامطة المنسوبون على حمدان الأشعث، المعروف بقرمطة من أجل قصر قامته، وقصر رجليه، وتقارب خطوه، وكان مبدأ أمره في وسط المائة الثالثة من الهجرة تقريباً، فاشتهر مذهبه الخبيث في العراق والشام، والقرامطة من أشد الناس عداوة للإسلام وتنكيلاً بأهله، وقد تأسس لهم دولة في البحرين، أسسها أحد رؤسائه أبو سعيد الجنَّابي، فعظم أمره وقويت شوكته، وصار له ولبنيه من بعده قوة، أوقعوا الوقائع في جيوش خلفاء بني العباس، وأخافوهم وفرضوا عليهم الأموال تحمل إليهم كل سنة من بغداد، وخراسان، والشام ومصر واليمن، وغزوا هذه البلاد وغيرها، وانتشرت دعاتهم في أقطار الأرض، ودخل في دعوتهم كثير من الناس، وعظمت فتنتهم، وتعددت فرقهم ولا يزال بعضها قائما إلى اليوم مثل النصيرية، والإسماعيلية . ومن شعب المؤسسة اليهودية المجوسية لحرب العقيدة الإسلامية، بنو عبيد الله بن ميمون القداح، وكان يهوديا يمارس طب العيون، فادعى الإسلام، وزعم انه من أولاد فاطمة، فصدقه طوائف من الناس، فأسس له دولة في المغرب وانتزع الأمر من بني أغلب، وامتدت دولتهم إلى مصر، واستمر ملكهم فيها حوالي مائتي سنة حتى تم القضاء عليهم على يد صلاح الدين الأيوبي، وكانوا من الباطنية أعداء العقيدة الإسلامية، وبذلك انتشرت مذاهب الإلحاد والرفض والضلال في عامة بلاد المسلمين، في المغرب ومصر والشام والعراق واليمن والحجاز والبحرين والإحساء وخراسان وغيرها من بلاد المسلمين ولما قامت دولة بني بويه في بغداد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، أظهروا مذهب الرفض وناصروه، فقويت بهم الشيعة الشنيعة، وكتبوا على أبواب المساجد لعن معاوية والخلفاء الراشدين ما عدا علي بن أبي طالب جدارهم الذي يقاتلون الإسلام من ورائه وأصبح آذانهم الذي يراغمون به المسلمين يرفع من على منائر مساجد المسلمين، وكثرت بين أهل الرفض ومن تشعب من مذهبهم وبين المسلمين الفتن والحروب والمقاتل مما لا يمكن حصره لكثرته
.
دور الجهمية والمعتزلة في حرب العقيدة


في أواخر المائة الأولى من الهجرة وأوائل المائة الثانية، ظهر مذهب إلحادي جديد ضرب العقيدة الإسلامية في صميمها، وهو مذهب الجهمية أتباع جهم بن صفوان، وهذا المذهب من مكائد اليهود للإسلام، فقد ذكر أن جهم بن صفوان، أخذ هذا المبدأ عن الجعد بن درهم، والجعد أخذه عن أبان بن سمعان، وأبان أخذه عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم، وهذا أخذه عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي فهذه سلسلة هذا المبدأ الخبيث يتصل بأخبث اليهود ويكاد يكون من المقطوع به أنه أحد مؤامرات اليهود وكيدهم للإسلام وأهله، ولهذا كان هدفه أصل العقيدة منذ بدء ظهوره، فقد أنكر الجعد بن درهم أن الله يحب أحداً من عباده أو يحبونه، وقال : لايجوز أن يكون لله خليل، ولا أن يكلم أحداً من عباده فهو لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما، وعندما أظهر كفره هذا أخذه أحد أمراء بني أمية خالد بن عبد الله القسري، فأحضره إلى مصلى المسلمين يوم عيد الأضحى مقيداً، وبعد فراغه من الصلاة قال في نهاية خطبته : أيها المسلمون ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضحٍ بالجعد بن درهم لأنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا فنزل من على المنبر وذبحه، فشكر له صنيعه هذا علماء المسلمين أثنوا عليه لذلك، ثم بعد الجعد تولى نشر مذهبه الخبيث تلميذه جهم بن صفوان فنسب المذهب إليه كسائر المبادئ الهدامة تضاف إلى أفراد يعرفون بتوليها وإن كانت في الغالب تنظم وتنفذ وتدبر من قبل منظمات، فكثر أتباعه وعظمت الفتنة به، وبالغ في باطله، ونفى أن يكون لله صفة يتصف بها، وأورد على المسلمين شكوكا أثرت في عقيدتهم آثاراً سيئة، نتج عنها بلاء كثير، وقد قاوم علماء المسلمين هذا الشر و الإلحاد، وحذروا منه أشد التحذير وبينوا أنه كفر وعادوا أهله، وأبغضوهم لله، وجاهدوهم بأيديهم وألسنتهم وأقلامهم، وكتبوا في الرد عليهم وتزييف باطلهم ما هو معلوم لدى العلماء .
وقد سبق هذا المذهب خروج مذهب آخر لايقل عنه في الخبث والفساد بل هو صنوه وأخوه، وهو مذهب الاعتزال، وتبناه طوائف كثيرة ووضعوا له قواعد وأصولا تخالف دين الإسلام، وصنفوا الكتب فيها كمسائل العدل، وإثبات أفعال العباد، وأن الله لا يخلق الشر، وما يسمونه توحيدا – وهو كفر وتنديد - ومن أصولهم المبتدعة المنزلة بين المنزلتين، وأوجبوا على الله إنفاذ الوعد والوعيد، وغير ذلك من مسائلهم وأصولهم، وأنكروا رؤية الله في الآخرة، وعذاب القبر على البدن، وقالوا : بأن القرآن مخلوق، ونفوا أن يكون لله علم أو قدرة أو كلام أومشيئة، بل نفوا الصفات عموما، ولما جاءت دولة المأمون عبد الله بن هارون الرشيد سابع خلفاء بني العباس كان معلموه وخاصته من هؤلاء المعتزلة، فأقنعوه على أن مذهبهم هو الحق، وأمروه بحمل الناس عليه بالقوة، وحكموا بكفر من خالفهم، فحصل بذلك فتنة عظيمة ومحنة كبرى، قتل فيها جمع من العلماء، فوافقهم أكثر الناس ظاهراً خوفا من القتل، ولم يصمد أمام هذه البلوى سوى نفر مثل الإمام أحمد، فمن وافقهم على كفرهم عصموا دمه وماله، وأسندوا إليه وظيفة وأعطوه من بيت المال، وقبلوا شهادته، وافتدوه من أيدي الكفار إذا أسر، ومن لم يوافقهم قتلوه أو سجنوه أو ضربوه، ومنعوه العطاء من بيت المال، وحرموا عليه جميع وظائف الدولة، وردوا شهادته، وإذا أسر لم يفدوه، وقد بلغ بهم باطلهم إلى أن كتبوا على ستار الكعبة " ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم "، فرارا من إثبات السمع والبصر لله تعالى، وتابعهم على ضلالهم خلائق لا تحصى، وأكثروا من التصنيف في نصرة مذهبهم، بالطرق الجدلية، وقد قاوم علماء الإسلام هذا المبدأ، وحكموا بضلال من ينتحله، وهجروا من قال به، وأكثروا من ذمه والتحذير منه ومن أصحابه، وكثرت مصنفاتهم في الرد عليهم، ومع ذلك لم يزل أمر المعتزلة يقوى وأتباعه تكثر، ومذهبهم ينتشر، ففشا وانتشر في أكثر بلاد المسلمين، واعتنقه جماعة من مشاهير الفقهاء (3) . ثم جاء أبو عبد الله محمد بن كرام زعيم الكرامية، بعد المائتين من الهجرة، وأثبت الصفات لله تعالى، وصادم المعتزلة، وبالغ في إثبات الصفات حتى انتهى به الأمر إلى نوع من التشبيه للخالق جل وعلا بالمخلوق، فأصبح إماما لطائفتي الحنفية والشافعية في المشرق، ثم قدم الشام وكثر أتباعه، وحصل بينهم وبين المعتزلة مناظرات ومصادمات، وفتن متعددة
.
دور الأشاعرة في حرب العقيدة السلفية

امتداداً للخلافات، ونتيجة لما تلقته العقيدة الإسلامية من الضربات، من أعداء الإسلام على اختلاف نزعاتهم، برز إلى الوجود المذهب الأشعري بصفة المدافع عن العقيدة، وهو أمشاج ومزيج من مذاهب شتى من الاعتزال والكلابية وغيرها، فقد كان إمام الأشاعرة أبو الحسن الأشعري تلميذاً لأبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي وهو من أبرز رجال الاعتزال، وقد لازمه دهراً طويلاً قرابة أربعين عاماً، أخذ عنه الاعتزال وتشربه، ثم بدا له وسلك طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وكان يثبت الصفات الخبرية ويخالف المعتزلة ويرد عليهم كما هو معروف لدى العلماء، فأسس أبو الحسن طريقته على قوانين ابن كلاب في الصفات والقدر، وأفعال الرب جل وعلا، وترك كثيراً من مسائل الاعتزال ولكنه كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( لم يستطيع التخلص من مذهب المعتزلة لأنه نشأ عليه مع قلة خبرته بمذهب أهل السنة وعدم تمكنه من علم الكتاب والسنة ) فناظر على مذهبه واحتج له، وادعى أنه مذهب أهل السنة، وينبغي أن يعلم أن طريقة الأشعري رحمه الله غير مذهب الأشاعرة، فبينهما بون بعيد فطريقته خير من مذهب الأشاعرة يدري ذلك من عرف حقيقة المذهبين، وأعني بالأشاعرة متأخريهم، هذا وقد انتسب إلى الأشعري خلق لا يحصيهم إلا الله وأصبح لهذا المذهب أئمة وأنصار، إنبروا لنصرته ونشره في العالم، والمنافحة دونه، مثل أبي الحسن الباهلي، وأبي إسحاق الاسفراييني، وأبي بكر بن الباقلاني، وابن فورك، والشيرازي، والجويني، والغزالي، والشهرستاني والبيهقي، والحاكم، وابن عساكر، والفخر الرازي، ومن لايحصى كثرة، ملأوا الدنيا بمصنفاتهم، وقد استطاعت هذه المصنفات أن تستحوذ على عقول أكثر المسلمين، بدعوى أنها مذهب أهل السنة والجماعة واستولت على دور العلم في الشرق والغرب من بلاد المسلمين مثل الأزهر وغيره، وبذلك انتشر مذهب الأشاعرة في أنحاء الدنيا، وكان مبدأ انتشاره في العراق حوالي سنة ثمانين وثلاثمائة، وانتقل منه إلى الشام وخراسان وغيرها، ولما تولى السلطة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله كان هو وقاضيه صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن درباس على هذا المذهب قد نشاءا عليه من صغرهما، وكان صلاح الدين قد حفظ في صباه عقيدة ألفها له أبو المعالي مسعود بن محمد النيسابوري، وصار يُحَفِّظُها صغار أولاده، فلذلك عقدوا الخناصر وشدوا البنان على مذهب الأشعري وحملوا الناس عليه أيام دولتهم، فكان الأمر كما يقول الغزالي ( كان يعتقد أن العدول عن مذهب الأشعري ولو في قيد شبر كفر، ومباينته ولو في شيء نزر ضلال وخسر). وكان محمد بن عبد الله بن التومرت قدم من المغرب إلى العراق فأخذ عن أبي حامد الغزالي وغيره المذهب الأشعري فلما عاد إلى بلاده أقام وقتا في المصامدة يفقههم ويعلمهم، ووضع لهم عقيدة على هذا المذهب، تلقفها عنه عامة الناس هناك، وبعد موته خلفه عبد المؤمن بن علي القيسي، وسمى نفسه أمير المؤمنين، وتغلب على المغرب هو وبنوه بعده وتسموا بالموحدين، فأصبحوا يستبيحون دم من خالف عقيدة بن تومرت، وجعلوه الإمام المعلوم والمهدي المعصوم، وأراقوا بسبب ذلك دماء لا يحصيها إلا الله، فكان هذا هو بعض الأسباب في انتشار مذهب الأشاعرة في البلاد بحيث نسي ما عداه وجهل حتى لم يبق مذهب يخالفه أو يزاحمه، إلا بقايا يسيرة ممن هو على مذهب السلف، تحاربه الأشعرية من كل جانب، وترميه بالتشبيه والتجسيم والتمثيل .. وخلاصة مذهب الأشاعرة في صفات الله أنهم يؤمنون بسبع صفات هي ما يسمونها صفات المعاني وهي العلم والحياة والقدرة والإرادة، والسمع والبصر والكلام، وأضافوا إلى هذه سبع صفات أخرى سموها الصفات المعنوية وهي الأوصاف المشتقة من السبع الآنفة الذكر أي كونه تعالى عالما حيا قادراً مريداً سميعا بصيراً متكلما، والحقيقة أن هذه عبارة عن حالة الإتصاف بالمعاني، وإثباتهم إياها بناء على قاعدة كلامية معلومة الفساد عند العقلاء وهي ما يسمونه بالحال المعنوية التي هي أمر ثبوتي، لا موجود ولا معلوم، وهذا تخيل لا وجود له في الخارج، إذ ليس هناك واسطة بين الوجود والعدم، فالأشياء إما موجودة، أو معدومة، ولم يأتي في كتاب الله ولا في سنة رسوله فيما نعلم وصف الله مريداً ولا متكلما وأضافوا إلى ما سبق أيضاً ست صفات أخرى هي الوجود، والقدم والبقاء، ومخالفة الحوادث، وقيامه بنفسه، والوحدانية، سموا الوجود صفة نفسية والباقي سلبية ولا يتسع المقام للمناقشة، وإنما المقصود ذكر مثال من العقيدة الأشعرية صاحبة الزعامة في العالم الإسلامي، ومن الباطل عند الأشعرية بل من الممتنع وصف الله بالرضى والغضب، والحب والبغض والسخط والمقت، والضحك والعجب، والنزول إلى سماء الدنيا، والمجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده وكونه مستوياً على عرشه عاليا على خلقه وكذلك إثبات اليد له تعالى والأصابع والرجل والقدم والوجه، هذا كله لا يجوز عند الأشعرية
.

قذيفة من قذائف الحق تدمغ الباطل


في آخر القرن السابع ظهر شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية قدّس الله روحه في دمشق، فتصدى للانتصار لمذهب السلف الصالح المبني على كتاب الله وسنة رسوله قام منتصراً للحق وناشراً له بين الناس، وبالغ في الرد على الأشاعرة، والمعتزلة، والجهمية، وصدع بالحق في وجوه الرافضة والصوفية، والباطنية من النصيرية والإسماعيلية، والإتحادية، وسائر الملاحدة وفرق الضلال، ودارت المعارك بين شيخ الإسلام ومعه الله والرؤساء، ورجال الدولة، والقضاة والمفتون والعلماء الرسميون، فلم يرهب جموعهم، ولم يخش سلطانهم، وما وهن ولا حزن لما أصابه من أذاهم له وحبسهم إياه، بل ازداد بذلك قوة في الحق، وقسوة على الباطل وشدة وثباتا على طريق الهدى ورشدا في أمره، وجرأة على أهل البدع وهيبة في نفوسهم، وقد كان باستطاعتهم قتله، وبأيديهم أسباب ذلك كله، ولكن الله ألقى الخوف والرعب في قلوبهم، لتقوم حجة الله عليهم وعلى الناس، فتسلطوا على تلاميذه يخيفونهم ويسجنونهم ويضربونهم، ويرمونهم بالكفر والضلال، فحفظ الله كتب شيخ الإسلام لتكون هداية لمن يشاء الله من عباده، وحفظ قلبه ولسانه ثباتا على الحق، قائلا به وصادعا ًفي وجه الباطل بكل ما آتاه الله من قوة، لا يخاف لوم لائم ولا عذل مشفق، قال تلميذه ابن القيم سمعت شيخ الإسلام يقول : " ما يصنع أعدائي أنا جنتي وبستاني في صدري لا تفارقني، إن قتلي شهادة، وحبسي خلوة بربي، وإخراجي من بلدي سياحة فليصنعوا ما شاؤوا " وما نقموا منه إلا أنه عرف الحق وعمل به ودعا إليه، وجاهد في إظهاره وإعزازه، حتى وافاه أجله حبيس الظلم والعدوان، وسوف ينعم بجزائه عند الله بما أفاد وهدى إلى الله، وأشعل مصباح العرفان، وعلم جاهلين وأيقظ غافلين، وأضاء سراج السنة، ولا يزال على صدى الدهر نبراساً للمهتدين، وميزانا نعرف بحبه والانتفاع بكتبه المهتدين إلى سبيل الله على بصيرة ونور، من الضالين عمى القلوب،ومهما ذكر فضل ابن تيمية فهو يستحق ذلك وأهله، ومهما ثلبه الجاهلون فعذرهم أنهم عمي القلوب، وأن كثيراً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون، لقد بقيت كتب ابن تيمية تناصر الحق، وآثار جهاده تنير قلب كل موفق، فكان من ثمراتها المصلح العظيم، والمجاهد الكبير، مجدد القرن الثاني عشر، الشيخ محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه، ونور ضريحه، فدعا الأمة إلى الله والعمل بكتابه وسنة رسوله، ونبذ الشرك، وعبادة القبور والأولياء، قام لله يدعو إلى تجريد التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده، وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام، فنهضت لمناهضته واضطهاده قوى ثلاث : قوة الدولة والحكام، وقوة أنصارها من علماء السوء والنفاق، وقوة العوام والطغام، شأن كل مصلح وداع إلى الهدى، وكان من أقوى سلاحهم في الرد عليه أنه خالف جمهور المسلمين، ومَنْ هؤلاء المسلمون الذين خالفهم شيخ الإسلام ؟ أنهم ما بين أعراب في البوادي أشر من أهل الجاهلية الأولى، يعيشون على السلب والنهب، ويستحلون الدماء من أجل الكسب، ويتحاكمون إلى طواغيتهم في كل أمر، ويجحدون كثيراً من ضروريات الشرع، وأهل حضر قد فشا فيهم الشرك والبدع، وأضاعوا هدي الشرع في العمل والإعتقاد والحكم، فقام الشيخ رحمه الله في وجه هذه القوى، ينادي بالحق ويدعو إليه، ولم يرهب سطوتهم وما خاف قوتهم، وأعانه في دعوته أمراء آل سعود الميامين بكل ما استطاعوا من قوة المال والسنان، حتى أعزهم الله وملكهم أعدائهم، كما هي سنته في خلقه، قال تعالى ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [سورة غافر:آية
51] .
اجتماع قوى الشر على حرب الإسلام

ثم جاء العصر الحديث بما فيه من إلحاد وعناد، ومحاربة لله ورسله، ومن آمن بهم، فجرأ الملحدون على ما لم يجرأ عليه مخلوق من قبل، فتحدوا الله والمسلمين بالكفر وأعلنوا إلحادهم، وقالوا بأن الله خرافة، وأن الدين وهم وخداع، وضلال، وعملية تخدير لمرضى العقول، وضعاف الأحلام، وقالوا : إن الدين أفيون الشعوب، والمتدينون جهلة أغبياء، واقعون تحت هذا المخدر الذي اصطنعه لهم فريق من محترفي الإحتيال على التراث والسيادة، في كل زمان وجيل، هذا بعض أقوال ملحدي اليوم ومن المؤسف حقا أن مثل هذا الهراء يجد آذانا صاغية، وقلوبا تفتح له أبوابها، إن الحروب بين الإسلام وأعدائه لم تهدأ منذ ظهوره، وقد جرب أعداؤه كل اسلوب لمحاربته، وأمنيتهم التي يحملون بها هي القضاء عليه نهائيا، وقد تمكنوا من بعض ما يريدون، وأوجدوا من أبناء المسلمين أفضل معين لهم على هدم أصول الإسلام، فبواسطتهم روجوا مبادئ الكفر والضلال، وأسسوا في قلب ديار المسلمين نحلا جديدة هدفها زعزعة العقيدة الإسلامية بل اجتثاثها من قلوب المسلمين، مثل القاديانية والبهائية والتيجانية والروحية وغيرها من نحل الباطل، بالإضافة إلى فتنة المدنية الغربية التي غزت كل بيت من بيوتات المسلمين، وسلبت لب كثير من شبابهم، فقبلوها وفتحوا لها صدورهم دون تفريق بين خيرها وشرها، ولا تمييز بين مبادئها وعواقبها .
إن محنة الإسلام التي تحيط به اليوم بلا شك هي أخطر محنة ألمت به في تاريخه المليء بالمحن والمؤامرات، ذلك لأن أبطالها ليسوا كما كانوا قبل غرباء عنا تفضحهم ألوان بشرتهم، واختلاف ألسنتهم، ومظاهرهم، وصريح عداوتهم ولكنهم اليوم من أبناء جلدتنا ممن يحملون أسماءنا – وينتسبون إلينا، ويتكلمون بألسنتنا، لقد كان قواد الفتنة ورواد الفساد بالأمس ما بين يهودي عرف بيهوديته وحقده، أو دخيل على الأمة مشبوه، مفضوح، فأبقتهم الفضيحة معزولين عن ذاتية الأمة ومقوماتها، أما اليوم وقد أصبحوا كما وصفهم لنا رسول الله في حديث حذيفة الذي في الصحيحين : «كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم فقلت هل بعد ذلك الشر من خير؟ فقال: نعم وفيه دخن، قال قلت: وما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها. فقلت يا رسول الله صفهم لنا، قال: نعم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا » الحديث.
إنهم من جلدتنا نعرف أصلهم ونسبهم، ولكنهم ورثوا عن أولئك ثقافتهم – وأساليبهم، وأصبحوا بعدهم ذوي المصلحة في الحكم والسلطان، فبطشوا وكان بطشهم أعتى وأمرّ، لأنهم أدرى بعورات قومهم، وكان من الطبيعي أن يستهدفوا في بطشهم مكامن القوة التي زعزعت أسلافهم، وهي كما يعلمون العقيدة، العقيدة التي تستعصي على الإغراء، وتستعذب التضحية والفداء، ومن تمام النكاية أن يعزلوا العقيدة عن إمدادها من مشاعر الأمة المسلمة، فلونوا المعركة بغير لونها، وقد وجدوا الأمور موطأة لهم بما قدمه لهم أسلافهم المستعمرون من مفاهيم الوطنية والقومية، التي يستوي في معاملتها المؤمن والكافر، والبر والفاجر.
إنها المؤامرة القديمة على الإسلام، تحاربنا اليوم بما ابتكرته أفكار أساطينها وبما أنتجته مدارسها ومصانعها، وبما أفسدته ثقافاتها ومجونها، وأفلامها، وصحافتها، وإذاعاتها، غير أنه كان فيما مضى يدير المؤامرات فريق من الناس، أو دولة من الدول على نطاق محدود، وبإمكانيات محدودة، ضد جماعة من المسلمين، أو ناحية من العقيدة، أو ضد داعية إلى خير أو مصلح لفساد، في بلد معين، فيكون الضرر محدوداً، وربما زادت العقيدة قوة، والإسلام مناعة، والمسلمين تفوقا على العدو، أما ما يواجهه الإسلام اليوم، فهو مؤامرة تختلف عما سبقها تمويلا وتخطيطاً وتنفيذاً وكماً وكيفاً، فهي أشد ضراوة، وأبعد خطراً وأعظم من كل ما سبقها من حيث التعميم والتصميم، والاستمرار وبعد أهدافها وغاياتها، وكثرة مؤيديها والمشتركين فيها في التخطيط والتمويل، فقد تعاونت فيها قوى الشر، وأعداء الإسلام في الشرق والغرب، وكل ضال ملحد ممن ينتمي إلى أهل الإسلام، ومن هو من جلدتهم ويتكلم بألسنتهم، مستهدفين سحق المسلمين أينما كانوا ومحو الإسلام من الوجود ان استطاعوا، ولولا أن بناء الإسلام بناء قوي متين، لتضعضعت أركانه، وانهد بنيانه، ولولا صلابة عقيدة الإسلام لم يتحمل بعض الضربات التي أنزلت به، ولا تزال تتعاقب عليه بلا هوادة ولا رحمة . ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ . [الصف:8-10].
-------------------------------------------
(1) شك .
(2) فرق ضالة من الفرق .
(3) عندما درس المستشرقون مذهب المعتزلة علموا أنه من أكبر العوامل التي مزقت وحدة المسلمين لذلك أكثروا الثناء عليهم وسموهم أحرار الفكر وأرباب الأقلام وحاولوا نشر ما قدروا عليه من كتبهم. وقد اغتر بهم كثير من كتاب المسلمين فسلكوا طريقهم في ذلك وفي ذلك خطر عظيم على العقيدة الإسلامية.

__________________
كل خير في إتباع من سلف و كل شر في إبتداع من خلف
و مالم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دين
فالكتاب و السنة بفهم السلف طريق الحق و سفينة النجاة
http://egysalafi.blogspot.com/

https://www.facebook.com/saberalsalafi?fref=nf
https://twitter.com/alsalafih2012

التعديل الأخير تم بواسطة صابر السلفي ; 07-02-2013 الساعة 02:02 AM
صابر السلفي غير متواجد حالياً  
قديم 09-25-2015, 06:56 AM   #2
ابو نضال
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 2,255
معدل تقييم المستوى: 11
ابو نضال is on a distinguished road
افتراضي رد: ثبات العقيدة أمام التحديات



بسم الله الرحمن الرحيم


بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد




وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله



ابو نضال غير متواجد حالياً  
إضافة رد

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بالصور: من نحن أمام هذا الكون؟! ريحانة الأقصى منتدى الإعجاز العلمي 9 09-19-2015 08:47 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية
جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة الكعبة الإسلامية © 2018