تسجيل الدخول


العودة   منتديات الكعبة الإسلامية > القسم الشرعى > لطائف ورقائق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-26-2014, 10:42 PM   #1
صابر السلفي
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 78
معدل تقييم المستوى: 11
صابر السلفي is on a distinguished road
افتراضي حسبُنا الله ونِعم الوكيل


"حسبُنا الله ونِعم الوكيل"

كلمةٌ عظيمة تحوِي جليلَ المعاني، وروعةَ المضمون، وذاتُ تأثيرٍ قويٍّ.

الحَسيبُ من يعُدُّ عليك أنفاسَك، ويصرِفُ بفضلِه عنك بأسَك. الذي يُرجَى خيرُه، ويكفِي بفضلِه ويصرِفُ الآفات بطَولِه. هو الذي إذا رُفِعَت إليه الحوائِجُ قضاها، وإذا حكَمَ بقضيَّةٍ أبرَمَها وأمضاها.

وكفَى بالله حسيبًا، معناه: المُدرِكُ للأجزاء والمقادِير التي يعلمُ العبادُ أمثالَها بالحساب، والله يعلمُ من غير أن يحسِب، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3] ؛ أي: كافِيه أمورَ دينِه ودُنياه، الكافِي عبدَه هُمومَه وغُمومَه.

وكل كفايةٍ حصَلَت فإنما حصَلَت به أو بشيءٍ من مخلوقاته، وكل كفايةٍ حصَلَت بمخلوقاته فهي في الحقيقةِ إنما حصَلَت به.

"ونِعمَ الوكيل": نِعمَ المُتوكَّل عليه في جلبِ النَّعماء، ودفعِ الضُّرِّ والبلاء. الوكيلُ الذي توكَّل بالعالَمين خلقًا وتدبيرًا وهدايةً وتقديرًا.

الوكيلُ هو الذي يتولَّى بإحسانِه شُؤونَ عبادِه، فلا يُضيِّعُهم ولا يترُكُهم ولا يكِلُهم إلى غيرِه، ومنه: قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم رحمتَك أرجُو، فلا تكِلني إلى نفسِي طرفَةَ عينٍ»؛ أي: فلا تكِلني إلى نفسِي وتصرِفُني إليه، ومن وُكِلَ إلى نفسِه هلَك.

"حسبُنا الله ونِعم الوكيل" أي: هو حسبُ من توكَّل عليه، وكان مُلتجِئًا إليه. هو الذي يُؤمِّنُ خوفَ الخائِف، ويُجيرُ المُستَجير، نِعمَ المولَى ونِعمَ النصير. فمن تولاَّه واستنصَرَ به وتوكَّلَ عليه، وانقطَعَ بكلِّيَّته إليه تولاَّه وحفِظَه وحرَسَه وصانَه.

ومن خافَه واتَّقاه أمَّنَه مما يخافُ ويحذَر، وجلَبَ إليه كل ما يحتاجُ إليه من المنافِع، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 2، 3].

فلا تستبطِئ نصرَه ورِزقَه وعافيتَه؛ فإن الله بالِغُ أمره، وقد جعلَ الله لكل شيءٍ قدْرًا. قدْرًا لا يتقدَّمُ عنه ولا يتأخَّر، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 64].

أي: كافِيكَ وكافِي أتباعك، (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر: 36].

وسِرُّ الكفاية: تحقيقُ العبودية؛ فكلما ازدادَت عبوديَّةُ العبد لله كلما ازدادَت كفايةُ الله - عز وجل - له. فازدَد عبوديَّةً يزِدكَ الله - عز وجل - كِفايةً وحِفظًا.

"حسبي الله ونِعمَ الوكيل" ملاذُ العبد وملجَؤُه حالَ الأزمة الشديدة، والضائِقةِ العظيمة .. هي أمضَى من القوَى المادية، والأسباب الأرضيَّة .. هي مفزَعُ المُسلم إن سُلِبَ مالُه، وضعُفَ عن بلوغ حقِّه، وقلَّ أعوانُه.

هي سَلواهُ في المصائِب، وحِصنُه في الشدائِد، حين يقولُها بيقينٍ راسِخٍ؛ فإنه يعتقِدُ أن لا حولَ إلا حولُ الله، ولا قوةَ إلا قوةُ الله.

إذا نزلَت بالعبدِ نكبةٌ، وألَمَّت به مُصيبةٌ، وقال: "حسبيَ الله ونِعمَ الوكيل" تفرَّغَ قلبُه من كل شيءٍ إلا الله وحده، وهذا يجعلُ المكروبَ والمُبتلَى يُحسُّ في قَرارَةِ يقينِه وقلبِه أن الأمورَ بيدِ الله.

فسُبحان ذي المَلَكُوت .. وسُبحان ذي الجَبَرُوت .. سُبحان الحيِّ الذي لا يموت. فتَهُونُ عليه الهُموم مهما بلَغَت، والكُرُبات مهما وصَلَت.

ولذا قال داعيةُ آل فرعون: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [غافر: 44]، وقال يعقوبُ - عليه السلام -: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ) [يوسف: 86].

"حسبُنا الله ونِعم الوكيل" دُعاءُ مسألة، وعِلاجٌ لكل ما يُهِمُّ المُسلِمَ من أمرِ الدنيا والآخرة، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال إذا أصبحَ وإذا أمسَى: حسبِيَ الله لا إله إلا هو عليه توكَّلتُ، وهو ربُّ العرش العظيم سبعَ مراتٍ؛ كفَاه الله ما أهمَّه».

"حسبِيَ الله ونِعمَ الوكيل" قالَها إبراهيمُ - عليه السلام - حين أُلقِيَ في النار، فغَدَت بردًا وسلامًا. وقالَها رسولُنا الكريمُ - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا له: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)[آل عمران: 173، 174].

إنها تعنِي: تفويضَ الأمر إليه - سبحانه - بعد الأخذ بالأسباب، فلا يطلُبُون الشفاءَ إلا منه، ولا يطلُبُون الغِنَى إلا منه، ولا يطلُبُون العِزَّ إلا منه. فكلُّ أمورهم مُتعلِّقةٌ بالله رجاءً وطمَعًا ورغبةً.

"حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل" قالت عائشةُ - رضي الله عنها - لما ركِبَت الدابَّةُ، فنالَها ما نالَها، فنزلَت فيها بعد ذلك آياتُ الطُّهر والعفافِ تُتلَى إلى قيامِ الساعة.

"حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل" دُعاءُ الأقوياء، من قوِيَت قلوبُهم فلا تُؤثِّرُ فيها الأوهام، ولا تُزعِجُهم الحوادِث، ولا يتسرَّبُ إليهم خوفٌ ولا خَوَر؛ لعلمِهم أن الله تكفَّل لمن توكَّل عليه بالكفايةِ التامَّة، فيثِقُ بالله، ويطمئنُّ وعدِه، فيزُولُ همُّه وقلَقُه، ويتبدَّلُ عُسرُه يُسرًا، وتَرَحُه فرَحًا، وخوفُه أمنًا.

"حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل" سِلاحُ الداعية إلى الله؛ فالمُؤمنُ الحقُّ لا يفُتُّ الإرجافُ في عضُدِه، فهو واثِقُ الخُطَى، خالِصُ التوكُّل، عظيمُ الثَّبات، قال الله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 129].

فالذين يُبلِّغُون دينَ الله عالِمون أن الله وليُّهم، فيخشَونَه ولا يُبالُون بالمُثبِّطين، هم على ثقةٍ بأنهم على حقٍّ، وأن دينَهم حقٌّ، وأن الله ناصِرُهم ولو بعدَ حين.

"حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل" دُعاءُ الرِّضا بأقدار الله، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) [التوبة: 58، 59].

فلو سلَّم المُسلمُ لأمر الله، ورضِيَ لحُكمه لكان خيرًا له وأعظم. رِضا التسليم والاقتِناع لا رِضا القهر والغلَب. والاكتفاءُ بالله، والله كافٍ عبدَه.

"حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل" وصيَّةُ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - لأمَّته عند الشدائِد؛ حيث قال: «كيف أنعَمُ وصاحبُ القرن قد التَقَمَ القرنَ واستمَعَ الإذنَ متى يُؤمَرُ بالنفخِ فينفُخ».

فكأنَّ ذلك ثقُلَ على أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لهم: «قُولوا: حسبُنا الله ونِعمَ الوكيل، على الله توكَّلنا».

ومن كان الله حسيبَه لا ينشغِلُ بالُه بما يَكيدُه الكائِدُون، ولا تُقلِقُه مُؤامراتُ المُتربِّصين، وما بيَّت له أهلُ الكفر أو الضلال، ولهذا طمأنَ الله - سبحانه وتعالى - نبيَّه وأنزلَ عليه: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ) [الأنفال: 62].

كان يزيدُ بن حكيم يقول: ما هِبتُ أحدًا قطُّ هيبَتي رجُلاً ظلمتُه وأنا أعلمُ أنه لا ناصِرَ له إلا الله يقول: "حسبِيَ الله، الله بيني وبينَك".
__________________
كل خير في إتباع من سلف و كل شر في إبتداع من خلف
و مالم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دين
فالكتاب و السنة بفهم السلف طريق الحق و سفينة النجاة
http://egysalafi.blogspot.com/

https://www.facebook.com/saberalsalafi?fref=nf
https://twitter.com/alsalafih2012
صابر السلفي غير متواجد حالياً  
قديم 09-22-2015, 07:55 AM   #2
ابو نضال
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 2,255
معدل تقييم المستوى: 11
ابو نضال is on a distinguished road
افتراضي رد: حسبُنا الله ونِعم الوكيل


بسم الله الرحمن الرحيم



بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد




وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله





ابو نضال غير متواجد حالياً  
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المصحف المرتل للقارئ نور الدين محمد الوكيل مسلم التونسي مكتبة المصاحف الكامله بصيغه mp3 برابط واحد خاص بشبكة الكعبة الاسلامية 0 12-07-2013 10:15 PM
المصحف المرت للشيخ نور الدين محمد الوكيل hasom المصاحف الكاملة 1 04-15-2013 07:24 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية
جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة الكعبة الإسلامية © 2018