تسجيل الدخول


العودة   منتديات الكعبة الإسلامية > القسم الشرعى > لطائف ورقائق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-15-2015, 01:51 AM   #1
صابر السلفي
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 78
معدل تقييم المستوى: 11
صابر السلفي is on a distinguished road
افتراضي بدعة عيد الام (ملف)

حكم الاحتفال بعيد الأم



انتشرت في فترة من فترات الفتن عادةٌ في مجتمعاتنا، وهي "الاحتفال بعيد الأم"، وإن الاحتفال بعيد الأم نشأ أصلُه في دول الغرب؛ للقضاء على ظاهرة العقوق لدى الأبناء، وتفكك الأُسَر، فلا ترابط ولا تراحم بين أفرادها، وإن سبب نُشُوئِه هو أن الأم عند أهل الغرب عند كِبَرِها تُلْقى في ملاجئ أو دُور المسنين، أو تُهْجَر في زاويةٍ من زوايا البيت، ولا يذكرها أولادها إلا حين يحتاجونها لمصلحة دنيوية، أو لا يذكرونها إلا عندما يبلغون، أو يعرفون أنها ماتت فيذهبون ليتسلموا جثتها ليدفنوها بالأزهار والورود!

من أجل هذا كله؛ تولَّدت لدى البعض من أهل الغرب فكرة يوم الأم؛ لعلاج القصور والإهمال تجاه الأم، فخصَّصوا يومًا واحدًا في السنة لها لزيارتها؛ ليجتمع الأولاد في دار المسنين، أو في المكان الذي رمَوْها به، حاملين معهم الهدايا ليغطوا القصور، ويجلسون مع أمهم طوال اليوم، فإذا انتهى هذا اليوم خرج، ولم يذكرها إلا في السنة القادمة في نفس اليوم، وليحدث لهم ما يحدث، المهم أنه جَلَبَ الهدية، واحتفل بمشاعرَ مزيَّفةٍ كاذبةٍ، وغطَّى شعوره بالتقصير بهدية تافهة؛ لكي لا يشعر بالذنبِ عندما يعرف أن أمه قد ماتت!

هل هذا جزاء الأم؟!


هل يكفي الأمَّ يومٌ واحد وقد وهَبت حياتها لهذا الابن؟!

وَهَبَهَا يومًا واحدًا، وهي التي تعبت وربَّته، وما بخِلَت بشيء، وحملته في بطنها تسعة أشهر، وتعِبَت وربَّت، فترى الأم في البلاد الغربية من كثرة الفراغِ تلجأ إلى تربية القطط والكلاب وغيرها من الحيوانات؛ لتفريغ طاقة الحنان والعطف التي لديها؛ لأنها تشعر أن الكلب أكثر وفاءً من أولادها؛ فلذلك تلجأ إليه؛ لكي لا تشعر بالفراغ، حتى إن أكثر النساء أوصَت بجزءٍ من ثروتِها إلى ملاجئ الكلاب والقطط.

وأما الزوجة العقيم، فيكون حالُها في ذلك اليوم أنها تعيش في حالٍ من العذاب الذي لا ينتهي، وصار الناس يتعارفون فيما بينهم على هذا اليوم ويحتفلون به، حتى صار من العيب عدم احتفاءِ الأبناء بهذا اليوم أو جلب هدايا لأمهاتهم فيه.


أما الزوجة العاقر، فتظلُّ في هذا اليوم تتعذَّب، وقد تظل أيامًا تتعذَّب.

وأما الولد اليتيم، فقد يتعذب كل يوم، ويأتي يوم عيد الأم ليزيد من عذابه؛ حيث يرى الناس تحتفل، وهو فاقدٌ لأمه!

وأمَّا الأب المسكين، فلا يُذْكَر، ويظل في قهر؛ لأنهم ذكروا الأم، ولم يذكروه!

فهل هي التي ربَّت وحدها وهو لا؟ وهل هم أبناؤها وليسوا أبناءه؟

أما في البلاد الإسلامية، فإن الأم في الإسلام لا تحتاج إلى الاحتفال بها في يوم خاص لها، لكي يجتمع حولها أبناؤها فتسعدَ بهم؛ لأن الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وَصَّيَا بالوالدينِ وبرعايتهما، والاعتناء بهما طوال العمر، فقد قال - تعالى - في كتابه العزيز: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23].

وإن الأم المسلمة كلَّ يوم هي في فرحةٍ مع أبنائها الكرام البَرَرة الذين يُجاهِدون في سبيل إرضائها بشتى الوسائل والأساليب، ويعلمون أن طريق دخولهم الجنة مرهونٌ بحسن معاملتها وحسن عشرتها، وقد حذَّرَنا - سبحانه - من العقوق والقطيعة للوالدين، وخص عقوق الأم بمزيد من التحذير، كما خصَّها بمزيد من البِرِّ؛ لأن عناية الأم بالأولاد أكثر من الأب، وما تناله من مشقة في حمل الوليد في بطنها وإرضاعه وتربيته أكبر، فقد جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، مَن أحَقُّ الناس بحسنِ صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((ثم أبوك)).

وجعل من أفضل الأعمال وأحبِّها إلى الله - تعالى - حتى ولو كان الوالدان على غير دين الإسلام - البرَّ والإحسانَ إليهما، فعن أسماءَ - رضي الله عنها - قالت: "قدِمَت عليَّ أمي وهي مشركةٌ في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: يا رسول الله، إنَّ أمي قدِمَت وهي راغبة في البر والإحسان، أفأصِلُ أمي، أُحسِنُ استقبالها؟ قال: ((نعم، صِلِي أمك)).

وانتشر الاحتفال بعيد الأم في الآونة الأخيرة في الدول العربية المسلمة؛ تقليدًا للغرب، وفتنة للمسلمين!

وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى - عن حكم الاحتفال بعيد الأم، فأجاب:
"إِن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بِدَعٍ حادثة، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضًا، فيكون مع البدعة مشابهة أعداء الله - سبحانه وتعالى - والأعياد الشرعية معروفةٌ عند أهل الإسلام، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع (يوم الجمعة)، وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أُحْدِثت سوى ذلك فإنها مردودةٌ على مُحْدِثيها وباطلة في شريعة الله - سبحانه وتعالى - لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ)).

وإذا تبيَّن ذلك، فإنه لا يجوز في العيد الذي ذُكِر في السؤال والمسمَّى "عيدَ الأم"، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد، كإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا، وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به، وأن يقتصر على ما حَدَّه الله - تعالى - لعباده، فلا يزيد فيه ولا يَنْقُص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضًا ألا يكون إمَّعَة يتبع كل ناعقٍ؛ بل ينبغي أن يُكوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله - تعالى - حتى يكون متبوعًا لا تابعًا، وحتى يكون أسوة لا متأسيًا؛ لأن شريعة الله - والحمد لله - كاملةٌ من جميع الوجوه كما قال - تعالى -: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

والأم أحقُّ من أن يُحْتَفَى بها يومًا واحدًا في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعَوْها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله - عز وجل - في كل زمان ومكان".

وقال الشيخ صالح الفوزان:
"ومن الأمور التي يجري تقليدُ الكفار فيها تقليدهم في أمور العبادات؛ كتقليدهم في الأمور الشِّركية من البناء على القبور، وتشييد المشاهد عليها، والغلو فيها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).

وأخبر أنهم إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه الصُّور، وأنهم شرار الخلق، وقد وقع في هذه الأمة من الشرك الأكبر بسبب الغلو في القبور ما هو معلوم لدى الخاص والعام، وسبب ذلك تقليد اليهود والنصارى.

ومن ذلك تقليدهم في الأعياد الشِّركية والبِدعية؛ كأعياد الموالد، عند مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأعياد موالد الرؤساء والملوك، وقد تُسَمَّى هذه الأعياد البدعية أو الشركية بالأيام أو الأسابيع؛ كاليوم الوطني للبلاد، ويوم الأم، وأسبوع النظافة، وغير ذلك من الأعياد اليومية والأسبوعية، وكلها وافدة على المسلمين من الكفار، وإلا فليس في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، وما عداهما فهو بدعةٌ، وتقليد للكفار، فيجب على المسلمين أن يَتَنَبَّهوا لذلك، ولا يغتروا بكثرة مَن يفعله ممن ينتسب إلى الاسلام، وهو يجهل حقيقة الإسلام، فيقع في هذه الأمور عن جهل، أو لا يجهل حقيقة الإسلام، ولكنه يتعمَّد هذه الأمور، فالمصيبة حينئذٍ أشد ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]؛ "من خطبة: الحث على مخالفة الكفار".

وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز:
"اطلعت على ما نشرته صحيفة الندوة في عددها الصادر بعنوان (تكريم الأم وتكريم الأسرة)، فألفيتُ الكاتب قد حبَّذ من بعضِ الوجوه ما ابتدعه الغرب من تخصيص يوم في السنة يحتفل فيه بالأم، وأورد عليه شيئًا غفَل عنه المفكرون في إحداث هذا اليوم، وهو ما ينال الأطفال الذين ابْتُلُوا بفقد الأم من الكآبة والحزن، حينما يرون زملاءهم يحتفلون بتكريم أمهاتهم.

أما الإسلام، فلم يأتِ بهذا العيد؛ لأن الشريعة الإسلامية قد أوجبت تكريم الأم على الدوام، وفي كل وقت حتى بعد موتِها، وليس في يوم واحد فقط في العام.






**************************************
بدعة عيد الأم.. أحزان تتجدد


دائما ما يكون اتباع شرع الله سبحانه بابا للسعادة في الدنيا والآخرة ومدخلا لتنزل رحمات الله سبحانه على عباده، ودائما ما تكون الشقاوة والعنت والمشقة في مخالفة أمره والابتداع في دينه بالزيادة أو النقصان، فلا أحد أعلم بالخلق من خالقهم سبحانه الذي شرع لهم ما يصلحهم شأنهم في الدارين.

ولقد جعل الله للمسلمين يومين للأعياد هما يوم الفطر ويوم الاضحى، حيث جعلهما بعد طاعتين تسر بهما النفوس المؤمنة الطاهرة، ولكن بعض الناس ومنذ فترة ليست بالقليلة ابتدعوا للمسلمين عيدا لم يشرعه الله ولم يأمر به، وظنوا بعقلهم القاصر انهم سيسعدون البشرية به وسيستكملون ما نقص في دين الله - حاش لله - ألا هو المسمى بيوم عيد الأم

ولقد بين العلماء الأجلاء - جزاهم الله خيرا - الحكم الفقهي في الاحتفال به من وجهة النظر الشرعية وسنعرض رأيهم الفقهي وسنتناول الأمر تاريخيا ثم نتناول الأمر من وجهة النظر التربوية التي بلاشك ستتوافق وستدعم وجهة النظر الشرعية فيه وسنتناولها في عدة نقاط:
تاريخيا فقد كانت صاحبة الفكرة امرأة أمريكية تدعى أنا جارفيس والتي تربت في دير للنصارى وكانت تدرس في مدرسة الأحد التابعة للكنيسة النظامية "أندرو" في جرافتون غرب فرجينيا ولم تتزوج، ودعت إلى الاحتفاء بالأم على شكل عيد سنوى تقدم فيه الهدايا وتقام فيه الاحتفالات, وعلى الرغم من نهي الرسول صلى الله عليه وسلم لنا من اتباع سنن أهل الملل غيرنا - ففي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قوله " قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ آلْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ "فَمَنْ؟ " - فعلى الرغم من ذلك نُقل هذا الاحتفال للمسلمين عن طريق مؤسسي أخبار اليوم المصرية الذين تبنيا هذا الاحتفال ودعوا له وساعدتهما وسائل الإعلام المختلفة بكافة أشكالها وإمكاناتها، حتى صار ليوم عيد الأم قداسة ومكانة لا يستطيع أحد أن يقترب منها، وساعدهم أيضا بعض دعاة المنابر الذين يخصصون - جهلا بالحكم - خطبة الجمعة لهذا الغرض ويتحدثون فيه عن فضل الأم وكيفية برها.

وكان للعلماء الأجلاء بيان لحكم الشرع في الاحتفال به، ففي فتاوى اللجنة الدائمة " لا يجوز الاحتفال بما يسمى " عيد الأم " ولا نحوه من الأعياد المبتدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "، وليس الاحتفال بعيد الأم من عمله صلى الله عليه وسلم ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم ولا من عمل سلف الأمة، وإنما هو بدعة وتشبه بالكفار. وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله فأجاب " والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع (يوم الجمعة) وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "

وإذا تدبرنا هذا اليوم الذي جعلوه عيدا لوجدناه قد وُضع لقوم غير مسلمين ممن ينسون آباءهم وأمهاتهم وممن لا يعتبرون برهم بهم بابا عظيما من أعظم أبواب القربات إلى الله سبحانه، بل على العكس فتجدهم لا يهتمون بالأسرة كاملة وكل منهم يدور في فلكه هو ولا يشعر سوى بلذاته ونجاحاته ويترك أباه وأمه تماما إلى دور المسنين أو يتركهم دون ارتباط بهم في أي شئ، وربما تموت أم أحدهم بعيدة عنه وهو لم يرها منذ سنين ولا يعرف لها طريقا ولا يهتم كذلك بموتها كما لم يكن يهتم بحياتها، فمن أجل ذلك صنعوا لها يوما ليتذكرها فيه وليبحث عنها في أي الدرب تسلك أو في أي الأماكن تعيش، أما المسلم فلا حاجة له بذلك لأنه يضع أمه داخل عينه وقلبه ويتمنى أن لو يبذل كل ما يملك في سبيل لحظة ترضى عنه فيها أو تدعو الله له فيها وقد يضحي بالغالي والرخيص ويقدمه طواعية راغبا لنيل رضاها.. فما حاجتنا نحن لهذا اليوم أو غيره ؟!!

وتربويا على الواقع العملي للأسر العربية والمسلمة لست أرى يوما تُذرف فيه دموع الحزن كهذا اليوم من الصغار والكبار على حد سواء، لأن الناس ترتبط به ارتباطا وثيقا ويحمل الاحتفال به لحظات عاطفية كثيرة يتخللها الحب والمودة واظهار الشفقة والتراحم بين الأمهات وأبنائهم، ولكن لا يدرك البعض أن الزمان يدور دورته ولكل أجل كتاب ودوام أي حال من المحال، فترى في نفس اليوم ومع ذكرياته التي يحملها كل منهم تراهم في حزن وكآبة وبكاء ولوعة ممالا يعلمه إلا الله، وكل الناس يتذكر الذكريات التي لا تزده إلا ألما وحزنا.. أهكذا تكون الأعياد؟!!! أهكذا تنقلب الفرحة إلى حزن وبكاء واكتئاب؟!! هذا يزيدنا إيمانا وتصديقا بأن مخالفة حكم الله لا يُجنى من ورائها الا التعب والنصب والذكريات المؤلمة

لم يفكر هؤلاء - ممن دعوا لاتخاذه عيدا - في قطاعات عديدة من الناس كالأطفال الأيتام ممن لم يروا أمهاتهم أصلا أو ممن ماتت أمهاتهم بعد عمر قصير كيف يكون شعورهم في مدارسهم والأطفال كلهم مبتهجون سعداء، وللأسف تنظم المدارس احتفاليات بهذا اليوم ويأتي كل طفل ممسكا بيد أمه سعيدا بها وينزوي بعضهم حزنا وألما لا تمحوه نظرات العطف ولا كلمات الشفقة.. لِم نفعل بأبناء الأمة هذا الألم النفسي الشديد؟.. فيقول أحدهم واصفا مشاعره في هذا اليوم " لا أعرف يوم أكرهه أكثر من يوم 21مارس من كل عام هذا اليوم الذي يمر على كل الناس ببهجة وسعادة إلا أنا الكل يأتي بالهدايا إلا أنا،هل تعلمون لماذا، لأني يتيم فقدت أغلى إنسان لي في هذه الدنيا إنها الأم كم أتذكر وهي تداعبني بيديها الرقيقتين،وتحنو علي بدفئها الحاني، وكانت دائما في عينيها نظرة الخوف من أن تتركنا وترحل وهاهي قد رحلت وتركتنني وحيدا بلا قلب يحنو علي، وأنا أعيش الآن بذكراها دائما أراها في كل ركن من البيت ويأتي عيد الأم وأتذكر كيف كنت أستعد لهذا العيد وأحضر لها الهدايا وكنت في غاية السعادة عندما ترتسم الضحكة على شفتيها أما الآن بعد رحيلها لا أريد هذا العيد الذي يجدد الأحزان ويبعث في قلبي حزن لا أقدر أن أنفك عنه،وكم يؤلمني فرحة الأطفال بأمهاتهم وأنا وحيد، الكل يسارع على شراء الهدايا وأنا أشتري لمن؟.لذلك أرجو أن يوقف هذا العيد لما فيه من تجديد الأحزان ليس لي فقط ولكن لكل من فقد أمه وغاب عنه حنانها".

وهناك الأمهات ممن أصبن في أبنائهن أو غابوا عنهن لسجن جائر أو اغتراب أو حتى ممن عقهن أبناؤهن.. كم تكون دمعاتهن حارقة لقلوبهن وهن يرين كل الأمهات حولهن أبناؤهن ويحتفلون وهم في سعادة غامرة، كم يقتلهن الألم والانتظار لعودة غائب قد لا يعود أبدا، كم ينظرن إلى الأبواب المغلقة الموصدة انتظارا لطارق قد لا يطرق أبوابهن يوما.. لماذا يعذب بعضنا بعضا في هذا اليوم؟ ولماذا نصر عليه؟ وهل لابد وأن يتذوق أحدنا مرارة الحرمان كي يشعر بآلام الناس من حوله؟؟

وهناك نساء كثيرات وبنات أسر فاضلات فاتهن قطار الزواج ودخلن في سن العنوسة دون زواج - وهن كثيرات بحسب الإحصاءات الرسمية في معظم الدول العربية - ممن كن يحلمن يوما برضيع ينام بجوارهن يبكي فيستعذبن صوته فترضعه حنانها وحبها قبل لبنها، وكن يمنين أنفسهن وينتظرن بلهفة وشوق أن يسمعن تلك الكلمة التي يرتج لها قلب كل امرأة " كلمة أمي " ولكنها لم يقدر الله لها ذلك، لِم نعذبها في هذا اليوم وهي ترى قريناتها واخواتها وصاحباتها وترى أبناءهن وقد احتفلوا بهن في هذا اليوم وتراهن سعيدات ضاحكات وترى نفسها منزوية قابعة في أحد الأركان وحيدة كسيرة دون أن ترتكب ذنبا أو تقترف جرما، وهل نطالبها بأن تخرج عن فطرتها الانسانية فترسم ابتسامة على شفتيها في هذا اليوم وهي يعتصر قلبها من الألم والحزن، وهل نعين شيطانها عليها بهذا العيد كي تخرج من رضاها عن ربها وامتثالها لحكمه ولقضائه فتدخل في معصية التسخط على قدر الله؟!!


هل هذه هي الأعياد التي تكون فرحة للناس - كل الناس - لا تستثني أحدا ولا تزرع الحقد والكراهية في قلوب الناس؟

ما احكم الله العلي القدير الذي قال شرع لنا ما فيه صلاح الناس في دنياهم وآخرتهم والذي قال فصدق ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].


أوقفوا هذه الاحتفالات في بيوتكم وحدثوا غيركم بها حتى يضمحل أثرها بيننا وتختفي ولا اختفاء لها الا بعدم المشاركة فيها لعدم مشروعيتها ولأضرارها ولآثارها السلبية على المجتمع


**********************************************




عيد الام بين الاهانة و التكريم





عيدُ الأمِّ:
نَصطَدِمُ كلَّ عامٍ بهذه العادةِ الدخيلة، وهذا التقليدِ المستورَد؛ ليُثِيرَ في النفوس شجونًا كثيرةً، وآلامًا وأحزانًا، ويُثِيرُ الذاكرةَ لاسترجاعِ بعضِ الأحداثِ المؤلِمة، أو المواقفِ المُحْزِنة، مواقف كثيرة.

وبين الإهانة والتكريم، يُثَار دومًا تساؤلٌ، هل نحن بحاجة إلى هذا العيدِ المزعوم؟ هل لا ينقصنا إلا ذلك؟

فكرةُ عيدِ الأمِّ في بلادنا العربية والإسلامية نَشَأتْ عندما تلقَّى الصحفيُّ المصري الشهير "علي أمين" مؤسِّس أخبار اليوم، رسالةً من إحدى السيِّدات تشكو له فيها جفاءَ أولادِها، وسوءَ معاملتِهم لها، ونكرانَهم للجميل، ثم حدث أن قامت إحدى الأمَّهات بزيارة لأخيه الصحفي "مصطفى أمين" في مكتبه وقصَّت عليه قصَّتها، وكيف أنها ترمَّلتْ وأولادُها صغارٌ، ولم تتزوَّج، وكرَّست حياتها من أجل أولادها، وظلَّت تَرعَاهم حتى تخرَّجوا في الجامعة، وتزوَّجوا، واستقلُّوا بحياتهم، وانصرفوا عنها تمامًا.

ومن هنا جاءت لهما فكرةُ جعلِ يومٍ كلَّ عامٍ يسمَّى بعيد الأم على غِرار الدول الغربية، وكتب علي أمين في "أخبار اليوم" قائلاً: "لِمَ لا نتَّفق علي يومٍ من أيام السنة نُطْلِق عليه يومَ الأمِّ، ونجعله عيدًا قوميًّا في بلادِنا وبلادِ الشرقِ، وفي هذا اليوم يقدِّم الأبناء لأمَّهاتِهم الهدايا الصغيرة، ويرسلون للأمهاتِ خطاباتٍ صغيرةً يقولون فيها: شكرًا، أو ربنا يخليك، لماذا لا نشجِّع الأطفال في هذا اليوم أن يعامِل كلٌّ منهم أمَّه كمَلِكة؛ فيَمْنَعوها من العمل، ويتولَّوا هم في هذا اليوم كلَّ أعمالِها المنزلية بدلاً منها، ولكن أي يوم في السنة نجعله عيد الأم؟".

وبعد نشر المقال، اختار القرَّاء تحديد يوم "21 مارس"، وهو بداية فصل الربيع؛ ليكون عيدًا للأمِّ؛ ليتماشى مع فصل العطاء، والصفاء، والخير.

لقد جاءت المرأة إلى "علي أمين"، والأخرى إلى أخيه، لا ليخترعا لهما ذلك الاختراعَ الفذَّ، بل أرادتا أن تَحْصُلا على حلٍّ للمشكلة، وبدلاً من أن يقوم الصحفي المُخَضْرَم، بكتابة مقالٍ قيِّم بأسلوب رائع عن مكانة الأم وفضلها، وضرورة العناية بها، والوقوف على راحتها، ليس ليومٍ واحدٍ في السنة، بل طيلة عمرها، وحرمة عقوق الأم، والتخويف من غضبها، وذكر منزلتها في الإسلام، وما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - بشأنها، أو يقوم بعمل تحقيقاتٍ وحواراتٍ مع رموز المؤسَّسة الدينية أو بعض العلماء والدُّعَاة، وغير ذلك مما هو متاحٌ له في جريدته التي يمتلكها ويُدِيرها، لكنه لم يفعل، ودعا إلى "عيد الأم".

هذه الدعوة وهذا العيد كان إهانةً كبيرةً من الصحفيين المخضرَمين إلى الأم؛ فالأمُّ التي جاءت لتشكوَ ولدها، وجحوده لها ولفضلها، فإذا بالردِّ يكون: "إنك لا تستحقين إلا يومًا واحدًا في العام، وحتى نزِيد من خداعك سنسميه عيدًا، وسيعطونك فيه الهدايا القيِّمة، مقابل أن تَنْسِيهم طيلة العام، ولا تزعجيهم أبدًا"، هذا هو لسان حال ما قاله الصحفي الكبير - مع كامل الاحترامِ له، ولسنا نتهمه بسوء النية، بل نناقش فعله - وكأن المشكلة كانت في قيمة هذه الهَدِيَّة، وأن المرأة المسكينة جاءتْه تشكو له عدم قيام ولدها بإعطائها هذه الهدية.

تلقّف العلمانيون ذلك الأمر، وطاروا به فرحًا، ظنوا أنهم جاؤوا بتكريم المرأة، وعندما بيَّن علماء الدين أن هذا لا أصل له في الإسلام، وأن في الإسلام ما يُغْنِي العالمَ كلَّه عن مثل هذه الأعياد، قامت الدنيا ولم تَقْعُد، واتُّهِم الإسلام بإهانةِ الأم، والتخلف، والرجعية، وغير ذلك من الاتهامات التي تُكَال للإسلام والمسلمين دون عقلٍ ولا منطقٍ، ولكنّ هؤلاء المستنيرين لم يفهموا - ولن يفهموا - أن هذا العيدَ المزعومَ هو عيدٌ للإهانةِ لا عيدٌ للتكريمِ، وأن التكريم لا يكون من خلال الأعياد، ولا من خلال الهدايا، ولا الزيارات.

في ظلِّ استيراد الثقافة الغربية - وخاصة فيما يتعلق بالأم - تَدَهوَر الحالُ بالنسبة لها أكثر وأكثر؛ فإن دُور المُسِنَّات تَعُجُّ بالأمهات ممن لا يَجِدْنَ عائلاً، أو يَلْقَين معاملةً سيئةً من أبنائهن أو أزواجهن، ولا يتذكَّروهن إلا كلَّ عامٍ مرَّة فيما يسمَّى بـ"عيد الأم"، يقدِّمون لهنَّ هدايا قيِّمة، ثم ينصرفون، ووفقًا لمؤيِّدي عيد الأم، فقد قاموا هكذا بالواجب المفروض عليهم تُجَاه الأم، وقد أَبْرَؤُوا ذمَّتهم منها، أما هذه الأم المسكينة، فمَن يفكر في معاناتها، وآلامها، واحتياجاتها النفسية، وغير ذلك، فليس له أدنى قيمةٍ عند من جعل المادَّة هي المحرِّك الأساسي له.

تقول الكاتبة الصحفية منى وهبة - خلال مهمَّة صحفية في إحدى دُور المسنِّين بالقاهرة -: جَلَستُ أتحدَّث إلى عددٍ من الأمَّهات عن أسباب إقامتِهن بهذه الدار، فحَكَت كلٌّ منهن حكايتها، أو مأساتها مع أبنائها، لكن الغريب - وإن كان ليس غريبًا على الأمهات - أنهن اشترطن جميعًا ألا أنشر أيَّة إشارة تُشِير إلى شخصيَّاتهن، لا لشيءٍ إلا حرصًا على سمعة واستقرار أبنائهن، رغم ما لَقِينه منهم من عقوق".

هذا هو جزاءُ الأمِّ بعد كل هذه السنين، ثم يومٌ في العام تحصل فيه على هديَّة، فبئس التكريم، وبئس العيد!

وبين التكريم والإهانة، أعرض هذه القصة الحقيقية:
"امرأةٌ أنجبت أربعًا من البنات، وليس لديها أولاد، تزوَّجت الأولى والثانية في يومٍ واحد، وبعد سنوات مات الأب، وقد بَلَغت الزوجة من العمر أكثر من ستين عامًا، ثم تزوَّجت الثالثة وبعدها الرابعة، وكلُّهن إلا الأولى تزوَّجن في بلاد بعيدة، وبَقِيت الأم وحدها في المنزل الكبير المكوَّن من طابقين، وعلى أطراف القرية بجوار الحقول الزراعية، مع العلم أنها مريضةٌ مرضًا مزمِنًا، وقد أُصِيبت من قبلُ بالسرطان أيضًا، ولكن عافاها الله منه".

أودُّ هنا أن أعرِف ما قيمة الهدايا، وأعياد الأم، وكل أعياد الدنيا مع هذه المرأة الكبيرة في السن مع مرضها المزمِن؟ وماذا كانت ستفعل الكلمات الرقيقة التي يعتاد هؤلاء على النطق بها في ذلك اليوم؟

"بعد زواج الابنة الصغرى، نظَّمت الأربع البنات الأسبوع بينهم، بحيث لا يخلو يومٌ من وجودِ إحداهن مع والدتهن، تقوم فيه بالأعمال المنزلية اليومية، وتجهيز الطعام، وظل الحال هكذا نحو عامين، حتى اشتدَّ المرض عليها، فاجتمعت الأسر الأربعة، ونقلوها إلى المستشفى، وظلُّوا بجوارها حتى فارقت الحياة".

هذا القصة بسيطة وتتكرَّر آلاف المرَّات، وليس في هذا عجبٌ، وقيمة الأم أرفع من ذلك، ولكن البعض تَستَهوِيه المناظر والأفكار المستورَدة، والكلمات البرَّاقة من تحرُّر وتمدُّن، ويخشى أن يشار إليه بالالتزام والتديُّن، أو التزمت والتخلف بلغة البعض.

إن تكريم الأم هو: في المعيشةِ معها، وتناولِ الطعام والشراب معها، والتشاورِ معها، وأخْذِ رأيها كما يأخذ المرءُ رأي زوجته أو صديقه.

وتكريمها يكون بالاهتمام بها، ورعايتها، والمحافظة على صحتها، وتحقيق طلباتها، وتنفيذ أوامرها.

وتكريمها يكون بالاهتمام بحالتها النفسية، تكريمها يكون بتحقيق أحلامها في أولادها، تكريمها هو أن تبقى عند حاجتها طيلة حياتها، أن تدعوَ لها بطول العمر، وأن تعرف أنها جنتك أو نارك، كما أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بالهدايا، ولا بالأعياد، ولا بالأيام، ولا بالتحضُّر والتمدن المزعوم؛ فإن ذلك والله إهانة.




************************************************** *


خدعوك فقالوا عيد الام



أيتها الأمُّ الحبيبة الحنون، وكلَّ أم في أمة الإسلام والعرب:
كفى بتوصية الله - تبارك وتعالى - بِكُنَّ، آمرًا عبادَه بالإحسان إلى الوالدين، بعد الحثِّ على التمسُّك بتوحيده؛ لأنهما سبب وجود الإنسان بفضل الله تعالى أولاً، ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالسَّعْي والكَدِّ والإنفاق، والوالدة بالشَّفَقة والسَّهَر، والتضحية والحَمْل والرضاعة؛ قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36].

في الآية الأخيرة يأمُر الله - تبارك وتعالى - بعبادته وحده لا شريك له؛ فإنه تعالى الخالق المُنعِم على خلقِه جميعًا، ثم يوصي بالإحسان للوالدين، فكثيرًا ما يقرن الله تعالى بين عبادته والإحسان للوالدين: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24].

وتشرح السُّنَّة النبويَّة الشريفة وتُفَصِّل هذه المعانيَ السامية بالمواقف العَمَليَّة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله، مَن أحق الناس بحُسن صحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثُمَّ مَن؟ قال: ((أمك))، قال: ثُمَّ مَن؟ قال: ((أمك))، قال: ثُمَّ مَن؟ قال: ((أبوك))؛ متفق عليه.

وهنا زيادة الوصية للأم؛ لِمَا عانَتْ من حمل وولادة، وسهر وتربية، وتضحية وحنان، وما إلى ذلك مما وَهَبَهَا الله تعالى مِن قدرة على التحمُّل والصَّبر.

بعد كلِّ هذا التكريم وهذه التوصية الغالية من الله ورسوله الكريمة، هل أَمَرَ الله تعالى في كتابه الكريم بتكريم الأم بتخصيص عيدٍ باسمها، وتخصيص يوم لهذا العيد؟! قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38].

وهل أَمَرَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - أو أوصى بتخصيص يومٍ للاحتفال بالأم؟! قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].

وهل يوجد في الإسلام عيدٌ غير العيدين: الأضحى، والفطر؟!
عن أنس - رضي الله عنه - قال: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فوجد للأنصار يومين يلعبون فيهما، فقال: ((ما هذان اليومان؟))، قالوا: يومان نلعب فيهما في الجاهليَّة، فقال: ((قد أبدلكما الله خيرًا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر)).

احتفاءٌ دائمٌ بالأم:
فالله يوجب على الأبناء الاحتفاء بالوالدين في كلِّ لحظةٍ مِن حياتهما، وبعد مماتهما، فَلَسْنا في حاجة لتخصيص يوم لذلك، وأين بقية أيام السَّنَة؟!

بعض الأمهات تغضب إذا لم يقدِّم لها الأبناء هدية - مثل جاراتها أو قريباتها - وقد لا يستطيع بعض الأولاد المتزوجين إحضار هدية لها، أو تقارن بين أبنائها في مقدار الهدية.

وترى في هذا اليوم مشاهد متباينة؛ فالأمهات اللاتي ليس لديهن أولاد، ولم يرزقهنَّ الله بولدٍ أو بنت - يصيبهن الحُزن والغَمُّ والتأسُّف على ما ضاع مِن أمل لهنَّ.

الأولاد الذين فقدوا أمهاتِهم يكون ذلك اليوم عليهم يومَ حزن، وكدر، وبكاء مستمر، وخاصة الذين لم يروا أمهاتهم.

الأولاد الذين هداهم الله إلى عدم الاحتفال وتخصيص يوم لها، تغضب عليهم الأم، وتعتبر هذا عقوقًا لها.

والأم التي هداها الله لعدم الاعتراف بتلك المناسبة وتنصح أولادها بعدم تكلفة أنفسهم، وتكريس الاحتفال بها في يوم مخصوص - يغضبون أشدَّ الغضب، ويعتقدون أنها لا تشعر بِمَحَبَّتِهِمْ.

الأخطر من كل ذلك: أنَّ الدوام على تلك العادة يعتبر قُربة من القُربات، التي لو خالفها مخالف لارتكب جرمًا لا يغتفر، فبأيِّ سلطانٍ نُقَرِّر ذلك أو نقرُّه؟!

الأم والأب سواء:

أبنائي وبناتي، لا يفوتني أن أذكركم بشيءٍ مهم، وهو أنَّ القوم قد خَصَّصوا يومًا للاحتفال بالأم، عوضًا عن الاحتفال بها على الدوام، ومع هذا فقد تركوا الأب؛ ذلك الفارس الصامد، الذي يكدُّ ويشقى من أجل توفير حياة كريمة لهم، وهذا سبب من أسبابي التي أرفض بها هذا اليوم المزعوم، فدور الأب لا يقلُّ عن دور الأم؛ فقد قال - سبحانه وتعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].

فقد جَعَلَ الله - سبحانه وتعالى - الرجل قَيِّمًا على المرأة، بما له مِن قوة وسعي عليها وعلى أبنائه، وبما أنفقوا من المهور والنَّفَقات، فلا بدَّ للمرأة من طاعة زوجها فيما يرضي الله تعالى، ورعاية حقِّه، ومعرفة فضله.

هيا بنا نَكُن رحماء بهما، هيا بنا نبذل لهما الحب والعطف والحنان، والإحسان والبر، ولا تنسوا: أنتم اليوم أبناء، وغدًا أمهات وآباء، فما تزرعونه اليوم، تحصدونه غدًا.

ويا أيتها الأمهات:
مكانتكنَّ أعظم وأجلُّ عند الله تعالى من هذا اليوم الوحيد، ومكانتكنَّ في قلوب الأولاد والبنات أكبر وأجلُّ من تخصيص مناسَبة وحيدة، وإنَّ لحظة حنان صادقة، وارتياح أولادك بالبقاء في صدرك، والفرار لحنانك عند الحاجة - لأغلى من كُنُوز الدُّنيا وهداياها.

إنَّ تربيتك لأولادك، وتجديد النِّيَّة، والإخلاص والتفانِيَ، والمحبَّة الخالصة - سوف تجني منها ما هو أعظم من احتفال يوم، وهدية ثمينة تُهْدَى إليك، فلمسة حبٍّ لك، وزهرة واحدة تهديها لك ابنتك أو ابنك في لحظة صفاء - تُساوي الدنيا وما فيها، كفاكِ شرفًا وتبجيلاً أن الجنة تحت أقدامك.

***********************************************

حكم الاحتفال بعيد الأم

الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله

السؤال :
عن حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم؟
الجواب :
إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضًا، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى ، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام؛ وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع "يوم الجمعة" وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ)). أي مردود عليه غير مقبول عند الله وفي لفظ ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ)).
وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شئ من شعائر العيد؛ كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضًا ألا يكون إمَّعَةَّ يتبع كل ناعق بل ينبغي أن يُكوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعًا لا تابعًا، وحتى يكون أسوة لا متأسيًا؛ لأن شريعة الله والحمد لله كاملة من جميع الوجوه كما قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. والأم أحقُّ من أن يحتفى بها يومًا واحدًا في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان ومكان.

******************************************
حكم الإسلام في عيد الأم والأسرة
اطلعت على ما نشرته صحيفة ( الندوة ) في عددها الصادر بتاريخ 30 / 11 / 1384 هـ تحت عنوان : ( تكريم الأم . . وتكريم الأسرة ) فألفيت الكاتب قد حبذ من بعض الوجوه ما ابتدعته الغرب من تخصيص يوم في السنة يحتفل فيه بالأم وأورد عليه شيئا غفل عنه المفكرون في إحداث هذا اليوم وهي ما ينال الأطفال الذين ابتلوا بفقد الأم من الكآبة والحزن حينما يرون زملاءهم يحتفلون بتكريم أمهاتهم واقترح أن يكون الاحتفال للأسرة كلها واعتذر عن عدم مجيء الإسلام بهذا العيد؛ لأن الشريعة الإسلامية قد أوجبت تكريم الأم وبرها في كل وقت فلم يبق هناك حاجة لتخصيص يوم من العام لتكريم الأم .
ولقد أحسن الكاتب فيما اعتذر به عن الإسلام وفيما أورده من سيئة هذا العيد التي قد غفل عنها من أحدثه ، ولكنه لم يشر إلى ما في البدع من مخالفة صريح النصوص الواردة عن رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام ولا إلى ما في ذلك من الأضرار ومشابهة المشركين والكفار فأردت بهذه الكلمة الوجيزة أن أنبه الكاتب وغيره على ما في هذه البدعة وغيرها مما أحدثه أعداء الإسلام والجاهلون به من البدع في الدين حتى شوهوا سمعته ونفروا الناس منه ، وحصل بسبب ذلك من اللبس والفرقة ما لا يعلم مدى ضرره وفساده إلا الله سبحانه .
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التحذير من المحدثات في الدين وعن مشابهة أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق عليه وفي لفظ لمسلم ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) والمعنى : فهو مردود على من أحدثه ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة : ((أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)) خرجه مسلم في صحيحه .
ولا ريب أن تخصيص يوم من السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة من محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته المرضيون فوجب تركه وتحذير الناس منه والاكتفاء بما شرعه الله ورسوله .
وقد سبق أن الكاتب أشار إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم الأم والتحريض على برها كل وقت ، وقد صدق في ذلك ، فالواجب على المسلمين أن يكتفوا بما شرعه الله لهم من بر الوالدة وتعظيمها والإحسان إليها والسمع لها في المعروف كل وقت وأن يحذروا من محدثات الأمور التي حذرهم الله منها ، والتي تفضي بهم إلى مشابهة أعداء الله والسير في ركابهم واستحسان ما استحسنوه من البدع وليس ذلك خاصا بالأم بل قد شرع الله للمسلمين بر الوالدين جميعا وتكريمهما والإحسان إليهما وصلة جميع القرابة ، وحذرهم سبحانه من العقوق والقطيعة وخص الأم بمزيد العناية والبر لأن عنايتها بالولد أكبر وما ينالها من المشقة في حمله وإرضاعه وتربيته أكثر ، قال الله سبحانه : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
[1] وقال تعالى : وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ[2] وقال تعالى : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[3] وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر))؟ قالوا بلى يا رسول الله قال ((الإشراك بالله وعقوق الوالدين)) وكان متكئا فجلس وقال ((ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور)) وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله أي الناس أحق بحسن صحابتي قال ((أمك)) قال ثم من؟ قال ((أمك)) قال ثم من؟ قال ((أمك)) قال ثم من؟ قال ((أبوك ثم الأقرب فالأقرب)) وقال عليه الصلاة والسلام ((لا يدخل الجنة قاطع يعني قاطع رحم)) . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه)) والآيات والأحاديث في بر الوالدين وصلة الرحم وبيان تأكيد حق الأم كثيرة مشهورة وفيما ذكرنا منها كفاية ودلالة على ما سواه وهي تدل من تأملها دلالة ظاهرة على وجوب إكرام الوالدين جميعا واحترامهما والإحسان إليهما ، وإلى سائر الأقارب في جميع الأوقات وترشد إلى أن عقوق الوالدين وقطيعة الرحم من أقبح الصفات والكبائر التي توجب النار وغضب الجبار ، نسأل الله العافية من ذلك وهذا أبلغ وأعظم مما أحدثه الغرب من تخصيص الأم بالتكريم في يوم من السنة فقط ثم إهمالها في بقية العام مع الإعراض عن حق الأب وسائر الأقارب .
ولا يخفى على اللبيب ما يترتب على هذا الإجراء من الفساد الكبير مع كونه مخالفا لشرع أحكم الحاكمين ، وموجبا للوقوع فيما حذر منه رسوله الأمين ويلتحق بهذا التخصيص والابتداع ما يفعله كثير من الناس من الاحتفال بالموالد وذكرى استقلال البلاد أو الاعتلاء على عرش الملك وأشباه ذلك فإن هذه كلها من المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء الله ، وغفلوا عما جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه ، وهذا مصداق الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)) قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال ((فمن)) وفي لفظ آخر : ((لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع)) قالوا يا رسول الله فارس والروم؟ قال ((فمن)) والمعنى فمن المراد إلا أولئك . فقد وقع ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من متابعة هذه الأمة إلا من شاء الله منها لمن كان قبلهم من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفرة في كثير من أخلاقهم وأعمالهم حتى استحكمت غربة الإسلام وصار هدي الكفار وما هم عليه من الأخلاق والأعمال أحسن عند الكثير من الناس مما جاء به الإسلام ، وحتى صار المعروف منكرا والمنكر معروفا ، والسنة بدعة والبدعة سنة ، عند أكثر الخلق؛ بسبب الجهل والإعراض عما جاء به الإسلام من الأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة المستقيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ونسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في الدين وأن يصلح أحوالهم ويهدي قادتهم وأن يوفق علماءنا وكُتّابنا لنشر محاسن ديننا والتحذير من البدع والمحدثات التي تشوه سمعته وتنفر منه ، إنه على كل شيء قدير ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه ومن سلك سبيله واتبع سنته إلى يوم الدين .


[1] - سورة الإسراء الآية 23.

بن باز

********************************************
ا

لسؤال





اعذروني إن أكثرت عليكم، ولكن لأن منطقتنا كما أخبرتكم بحاجة إلى فتاويكم المباركة لقلة طلبة العلم عندنا كما أنتم تفتون أن الأعياد المبتدعة محرمة كعيد الأم، أو الحب، أو الاستقلال إلخ، يأتي لنا أحد مدرسي كلية الشريعة من إحدى الجامعات ويقول إن أمثال هذه الأعياد مباحة ويستدل بأدلة كثيرة، سأذكر لكم بعضها وأرجو أن تقوموا بالرد عليها، لأن كثيراً من الأشخاص تأثروا بفتواه، وإليك بعض أدلته:
1ـ كلمة عيد بالمعنى اللغوي، وليس بالمعنى الاصطلاحي، ولذلك لا أحد يعتقد أن فيها صلاة عيد، ومثل كلمة رب الأسرة ليس فيها شرك.
2ـ فكرة اليوم هي المزيد من التكريم لها في هذا اليوم، وليس إهمالها في بقية الأيام.
3ـ هذا من باب العادات وليس من باب العبادات، ولذلك لا يقال: لماذا لم يفعله السلف؟.
4ـ ليس هذا تقليدا أعمى للغرب، بل من باب الحكمة ضالة المؤمن، وهكذا أخذ المسلمون صوم عاشوراء من اليهود، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منهم، فلماذا لا نقول نحن: نحن أحق بتكريم الأم منهم.
5ـ أما تخصيص اليوم: فهو ليس من اليهود ولا النصارى، بل إن يوم 21/3 هو من اختيار المسلمين العرب في مصر بناء على استبانة من إحدى المجلات، ولذلك في كل دولة لهم يوم مختلف.




الإجابــة





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعادات التي تتكرر بتكرر الأيام والأعوام وغير ذلك من المواسم، داخلة في معنى العيد، وهذا مما تتمايز به الأمم، ولذا جاءت الشريعة بالزجر عن الاحتفال بكل أعياد الجاهلية بغض النظر عن أصلها، قال شيخ الإسلام: السنة الجاهلية كل عادة كانوا عليها، فإن السنة هي العادة وهي الطريق التي تتكرر لتتسع لأنواع الناس مما يعدونه عبادة أو لا يعدونه عبادة، فمن عمل بشيء من سننهم فقد اتبع سنة جاهلية. اهـ.
وبهذا يعلم السائل الكريم أن هذا الاحتفال لا يجوز، حتى ولو كان دون نية التقرب والتعبد، فإنه لا يلزم من عدم دخول الشيء في مسمى البدعة أن فعله جائز، فهناك علل أخرى للتحريم، كالعمل بسنة الجاهلية والتشبه بغير المسلمين، وراجع لتفصيل ذلك الفتوى رقم: 130821.
وبذلك يدرك السائل ما في النقطة الأولى والثالثة من الخلط، فلا يلزم للحكم بمنع الاحتفال بعيد غير شرعي أن تقام فيه صلاة خاصة، كما إن العادات وإن كان الأصل فيها الإباحة إلا أن ذلك يزول إذا اقترنت بمحظور شرعي كالتسنن بسنن أهل الجاهلية والتشبه بهم فيها ومتابعتهم عليها، وقد نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها عيد من أعياد الجاهلية؟. رواه أبو داود، وصححه الألباني.
وفي هذا دلالة واضحة على لزوم تحري مخالفة سنة الجاهلية، لا سيما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه. رواه البخاري.
قال شيخ الإسلام: فكل من أراد في الإسلام أن يعمل بشيء من سنن الجاهلية دخل في هذا الحديث. اهـ.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على مخالفة عادات غير المسلمين من أهل الكتاب وغيرهم، حتى قال اليهود في عصر النبي صلى الله عليه وسلم: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه. رواه مسلم.
ولذلك نقول: إن تقليد غير المسلمين في عادة الاحتفال بيوم الأم لا يوافق المقاصد الشرعية، وليس هناك ما يدعو إليه، فهو من التقليد الأعمى على خلاف ما ذكره السائل في النقطة الرابعة، ولذلك قال الدكتور القرضاوي: عندما اخترع الغرب عيد الأم قلدناهم في ذلك تقليدًاً أعمى، ولم نفكر في الأسباب التي جعلت الغرب يبتكر عيد الأم، فالمفكرون الأوربيون وجدوا الأبناء ينسون أمهاتهم ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن فأرادوا أن يجعلوا يوماً في السنة ليذكروا الأبناء بأمهاتهم. اهـ.
ومما يؤكد ذلك ما جاء في هذه النقطة من الاستدلال بأخذ المسلمين صوم عاشوراء من اليهود، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منهم.
فإن قائل ذلك لو تأمل السنة والهدي النبوي في صوم عاشوراء لأيقن أن مخالفة هؤلاء من معالم هذا الدين حتى إن ما عندهم من الحق لا نتبعهم فيه إلا مع مخالفتهم في الطريقة، فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل ـ إن شاء الله ـ صمنا اليوم التاسع. رواه مسلم.
ففي هذا الحديث إشارة إلى السبب في صوم التاسع وهو كما قال النووي: أن لا يتشبه باليهود في إفراد العاشر. اهـ.
ويجدر التنبيه هنا على أن عاشوراء كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه في مكة قبل الهجرة، ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه.
قال ابن رجب في لطائف المعارف: كان للنبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عاشوراء أربع حالات:
الحالة الأولى: أنه كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم ـ وذكر حديث عائشة.
الحالة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به، صامه وأمر الناس بصيامه وأكد الأمر بصيامه والحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم.
الحالة الثالثة: أنه لما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه، وقد سبق حديث عائشة في ذلك.
الحالة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في آخر عمره على أن لا يصومه مفردا، بل يضم إليه يوما آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه. اهـ.
فهذا هو الذي استقر عليه الحال وانتهت إليه السنة: التأكيد على مخالفة طريقة أهل الكتاب حتى في ما عندهم من الحق، فنؤديه بطريقة تخالف طريقتهم، وبهذا يتضح الجواب على التساؤل الوارد في السؤال: فلماذا لا نقول نحن: نحن أحق بتكريم الأم منهم ـ فبالفعل نحن أحق بكل فضيلة منهم، ولكن بطريقتنا نحن المسلمين، والتي تقوم على القيام بحق الوالدين كما أمر الله، فليس هناك من تكريم فوق هذا، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * {الإسراء:23ـ 24}.
وعن جاهمة السلمي أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها. رواه النسائي وابن ماجه وصححه الألباني.
فهل يُبقِي امتثال مثل هذه النصوص الكريمة من تكريم الأم شيئا؟.
وأما النقطة الخامسة، فمن المعروف بالفعل أن الاحتفال بهذا اليوم يختلف تاريخه وطريقته من دولة إلى أخرى ومن أمة إلى أمة، ونحن لا نتكلم عن الاحتفال في هذا التاريخ على وجه الخصوص، بل نتكلم عن أصل الفكرة وأصل الاحتفال بغض النظر عن ما يصطلح عليه الناس في اختيار يوم الاحتفال.
وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن الاحتفال بيوم الأم على وجه الخصوص قد صار له في السنين المتأخرة ضجة إعلامية ضخمة، ومراسم احتفالية فخمة، حتى إن كثيرا من البلاد يكون عندهم في هذا اليوم عطلة رسمية، فهل بعد ذلك من شك في كون هذا اليوم قد صار عيدا؟ وأين هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام؟. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح ـ وأبو داود والنسائي وأحمد، وصححه الألباني.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا. متفق عليه.
وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر. رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وصححه الألباني.
فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه يشرع للمسلمين أعياد غير هذه الأيام لفتح لأصحابه هذا الباب.

__________________
كل خير في إتباع من سلف و كل شر في إبتداع من خلف
و مالم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دين
فالكتاب و السنة بفهم السلف طريق الحق و سفينة النجاة
http://egysalafi.blogspot.com/

https://www.facebook.com/saberalsalafi?fref=nf
https://twitter.com/alsalafih2012
صابر السلفي غير متواجد حالياً  
قديم 09-25-2015, 06:42 PM   #2
ابو نضال
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 2,255
معدل تقييم المستوى: 11
ابو نضال is on a distinguished road
افتراضي رد: بدعة عيد الام (ملف)



بسم الله الرحمن الرحيم


بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد




وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله


ابو نضال غير متواجد حالياً  
قديم 04-13-2016, 05:43 PM   #3
عزمي ابراهيم عزيز
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
المشاركات: 152
معدل تقييم المستوى: 9
عزمي ابراهيم عزيز is on a distinguished road
افتراضي رد: بدعة عيد الام (ملف)

جزاكم الله خيرا
عزمي ابراهيم عزيز غير متواجد حالياً  
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هل صيام عشر ذي الحجة بدعة؟ انى احبكم فى الله الحج والعمره 1 09-27-2015 01:52 AM
هل قول تقبل الله دبر الصلوات سنة أم بدعة؟ عبد الحكيم.. قسم فتاوى العلماء 0 12-08-2014 05:08 AM
هل تخصيصُ يوم الجمعة بالصدقة بدعة؟ عبد الحكيم.. قسم فتاوى العلماء 0 05-18-2013 07:30 AM
الاجتماع في بيت الميت للأكل والشرب وقراءة القرآن بدعة عبد الحكيم.. قسم فتاوى العلماء 1 04-01-2013 09:44 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية
جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة الكعبة الإسلامية © 2018